الإيمان بالرسل والأنبياء عليهم السلام من أسس الدين:
إن من أسس العقيدة الإسلامية الإيمان بجميع الرسل والأنبياء عليهم السلام فالمؤمنون يعتقدون إيماناً راسخاً ثابتاً لا يتزعزع بالرسل والأنبياء عليهم السلام وقد وصف القرآن الكريم إيمان المؤمنين: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285].
عدم التفريق بإيماننا بين الرسل أو بين الأنبياء عليهم السلام: فالمؤمن يعلن دائماً أنه لا يفرق بين أحدٍ من رسل الله في ذات الرسالة أو بين أحد من أنبيائه في ذات النبوة، فهو يؤمن بهم جميعاً دون تفريق ويعظمهم جميعاً لأنهم هم المصطفون الأخيار.
والله سبحانه وتعالى يأمر نبينا محمداً صلى الله عليه وسلَّم ويأمرنا معه بذلك في كتابه العزيز: {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 84].
اختلاف رتبة الرسل والأنبياء فيما بينهم:
إن الله عزَّ وجلَّ فضلَّ بعض الرسل على بعض، وخصَّ بعضهم بخصائص لم توجد في غيرهم ورفع رتبة بعضهم فوق رتبة الآخرين من الرسل قال الله تبارك وتعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [البقرة: 253].
النبوة: هي اصطفاء الله تعالى إنساناً موصوفاً بالذكورة والحرية بالوحي إليه بواسطة جبريل عليه السلام.
النبي : هو إنسان ذكر حر أوحى الله إليه بواسطة جبريل عليه السلام.
الرسالة : هي تكليف الله نبياً من أنبيائه بتبليغ شريعته للناس.
الرسول: هو النبيُّ المكلَّف من قبل الله تعالى بواسطة جبريل عليه السلام بتبليغ شريعته للناس.
أولاً: إن الوصف بالرسالة مغاير للوصف بالنبوّة، قال الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا} [مريم: 51].
فهذا يشعر بتغاير في مفهوميهما، وهو يشهد له عطف أحدهما على الآخر عطف تغاير. وهذا مشاهد في قوله تعالى أيضاً: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحج: 52].
ثانياً: إن النبوة سابقة للرسالة، فلا يتم الاصطفاء بالرسالة إلا لمن تمَّ اصطفاؤه بالنبوة.
وقوله تعالى: {وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ} [الزخرف: 6] وقوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 45-46] فالآيتان تدلان على أن النبوة متحققة أولاً ثم يأتي بعدها الإرسال.
فالنبي يمر في فترة الاصطفاء بالوحي قبل أن يؤمر بالتبليغ فيكون في هذه الفترة نبياً لا رسولاً. فإذا أمر بالتبليغ صار نبياً رسولاً.
وقد عاش محمد صلى الله عليه وسلم الفترتين، فترة النبوة وهي بين بدء الوحي وبين أمر الله له بالتبليغ، وفترة الرسالة التي كلف بها محمد صلى الله عليه وسلم بالتبليغ كانت بعد النبوة فصار نبياً ورسولاً. وهذا في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر:1-2].
ثالثاً: قد نجد الاصطفاء بالنبوة مقتصراً على بعض الأنبياء دون تبليغ لرسالة معينة، فهؤلاء أنبياء لا رسل. فعلى هذا تكون مهمة النبي الذي لم يؤمر بتبليغ رسالة: العمل والفتوى بشريعة رسول سابق له.
وذكر القرآن الكريم قصة نبيٍ لم يذكر في عداد الرسل، وله قصة مع بني إسرائيل من بعد موسى. قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ أَلا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [البقرة: 246].
ويؤيد ذلك أيضاً الأحاديث النبوية التي تفرق بين عدد الأنبياء وعدد الرسل عليهم الصلاة والسلام.
عن أبي ذرٍ الغفاري رضي الله عنه أنه قال: قلت يا رسول الله أي الأنبياء كان أول؟ قال: "آدم". قلت: يا رسول الله، ونبي كان؟ قال: "نعم، نبي مكلم". قلت: يا رسول الله، كم المرسلون؟ قال: "ثلاثمائة وبضعة عشر، جمَّاً غفيراً". رواه أحمد.
وفي رواية أبي أمامة قال أبو ذرٍ. قلت: يا رسول الله، كم وفاء عدة الأنبياء، قال: "مائة ألفٍ وعشرون ألفاً، الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جمَّاً غفيراً". رواه أحمد.
خلاصة القضية: أن كلَّ رسول هو نبي، وليس كل نبي هو رسول.
النبوة فضل واختيار إلهي، وهي هبة ربانية يهبها لمن يشاء من عباده ويخص بها من يشاء من خلقه، وهي لا تنال بالجهد والتعب والرياضة ولا تدرك بكثرة المجاهدة والطاعات والعبادات وإنما هي بمحض الفضل الإلهي: {وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [البقرة: 105].
وهي اصطفاء واختيار من الله تبارك وتعالى لأفضل خلقه وصفوة عباده، فيختارهم الله لحمل الرسالة ويصطفيهم من بين سائر البشر قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنْ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحج: 75].
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 33].
وقال تعالى: {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنْ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ} [ص: 47].
ومما يدلُّ على أن النبوة فضل وهبة من الله سبحانه وتعالى قصة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم مع المشركين، حيث اعترض المشركون من قريش على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم واستغربوا نزولها على يتيم فقير لا يملك أسباب القوة والغنى وليس له من مظاهر السلطان والملك ما يجعله عظيماً في نظرهم.
ورأوا بنظرهم القاصر أن النبوة ينبغي أن تكون لغني عظيم شريف من الكبراء والسادة والعظماء ومن الوجهاء ولكن الله ردّ عليهم بأسلوب مفحم فقال جل ثناؤه: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 31-32].
فمن حكمة الله أنه قد قسم لكل إنسان رزقه ولكل مخلوق حظَّه من المال، والمال بالنسبة إلى النبوة أمر حقير فكيف يترك الأمر الجليل العظيم وهو الرسالة والنبوة إلى أهواء الناس ونزعاتهم ورغباتهم؟ فهذا الأمر متروك لله سبحانه وتعالى وهو يفعل ما يشاء.
قال تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124].