أدب الشافعي مع مخالفي مذهبه وعدم تعصبه: الشافعي رضي الله عنه إن وجد نفسه يخالف في بعض آرائه الإمام مالك، لم يكن يعرِّض لذلك ولم يكن يناقشه ولم يكن يتحدث حتى لا يضع نفسه من أستاذه موضع المناقِش أو الرّاد على رأيه ولكن في الوقت نفسه يخالف بأدب. إلى أن بلغه أنَّ في المغرب أناساً وصل بهم التقديس الأعمى للإمام مالك. فصاغ الشافعي هنا في هذا الوقت المتأخر من حياته " خلاف مالك " أي " خلافياتي مع مالك " وقال إنَّ الإمام مالك بَشَر يصيب ويخطِأ وهو أي الشافعي بشر يصيب ويخطأ وبدأ يناقش مسائل يرى خلافاً فيها مع مالك. وفي كثير من الأحيان ذهب كثير من الأئمة العظام ضحية عصبية تلامذتهم وهذا في التاريخ كثير. قد يكون الإمام عظيماً لكن له تلامذة يتعصبون ويتشنَّجون.
من هنا كان الشافعي ينادي مراراً وتكراراً: إذا صح الحديث فهو مذهبي يعني إن صح حديثٌ لم أكن قد سمعتُ به و أفتيتُ بخلافه ووصل إليكم و فقهتم المعنى فإنَّ هذا هو مذهبي. إذاً هذا القول ليس موجهاً إلى عامة الناس وإنما هو موَّجه إلى فقهاء مذهبه وتلامذته وأصحابه. يعني مثلاً قد يأتي من يعترض وبالفعل فقد أتى في هذا الزمن كثير من اعترض على الشافعي، يقول مثلاً إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: " من لحم جزور فليتوضأ "، والشافعي يقول إذا صح الحديث فهو مذهبي. نقول ليس مطلق حديث وقع عليه إنسان يستطيع أن يطبق عليه مقولة الشافعي إذ ينبغي أولاً أن يكون من أهل النظر والاجتهاد، ثانياً أن يرى هل اطَّلع على هذا الحديث الشافعي أو أصحابه أو فقهاء المذهب من بعد وكيف فسروه؟ ولقد رد الشافعية على هذا الحديث فقالوا هذه واقعة حال والواقعة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً مع بعض أصحابه وقد أكلوا لحم جزور وخرجت رائحة كريهة من أحد الحاضرين ثم حان وقت الصلاة و من البديهي أنَّ الذي سيذهب للوضوء سيُعلَم حاله، فرسول الله صلى الله عليه وسلم الأديب الرفيع الذوق قال رفعاً للحرج عن هذا الصحابي: من أكل لحم جزور فليتوضأ. هذه واقعة حال و وقائع الأحوال لا تصلح للاستدلال. ثم لو صح أنَّ لحم الجزور ينقض الوضوء، فمن المعلوم أنَّ أهل مكة والمدينة لا يأكلون في ذلك الوقت من اللحوم إلا لحم الإبل ولو صح أنه ينقض الوضوء لعُلِمَ ذلك وشاع ولكن لم يُنقَل إلا عن هذا الصحابي وفي هذه الحالة.
وكان الشافعي يدعو إلى عدم التعصب في أمر من الأمور لأن الشيطان دائماً يتربص بالمسلمين على الأطراف التي تشكل الإفراط أو التفريط فكلما ابتعد الإنسان عن القصد في الطريق تخطَّفه الشيطان وإنه لا يستطيع أن يتخطَّفه إلا إذا خرج عن الجادة الوسطى كما قال تعالى: " إنَّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرَّق بكم عن سبيله