بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
بعد أن لعبت بالناس أمواج الشهوات ، وعربدت بهم خواطر الشبهات. نعم: [ إن رحمة الله قريب من المحسنين] ليس أمام باب الله تعالى "حاجب" يمنع الطارق من الدخول، وهو القائل سبحانه [ وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ، أجيب دعوة الداعي إذا دعان، فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلم يرشدون].
إن الله تعالى يفرح بتوبة العبد إذا تاب أشد من فرحة الظمآن إذا لقي الماء العذب في شدة الظهيرة.
لماذا اليأس من رحمة الله تعالى؟ فإن التوبة لا تنقطع إلا بموت الإنسان أو بموت الدنيا وزوالها.
أيها الأخ المسلم.. أنا على يقين بأنك تحمل في قلبك خيراً بحاجة إلى تحريك ، وأعلم أنك تعيش شقاء و هماً وضيقاً بسبب الذنوب فعلام تمنع نفسك من الأنس بالله تعالى وراحة القلب بطاعته.
إذا كنت قد أوحشتك الذنوب فدعها إذا شئت واستأنس .. تأمل معي قول الله تعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.
إن طريق الطمأنينة مفتوح بين يديك معبد أمامك ، إنه في ذكر الله تعالى. وتمعن في قوله تعالى{ومن أعرض عن ذكري فأن له معيشةً ظنكا ونحشره يو القيامة أعمى ، قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً ، قال كذلك أتتك آياتي فنسيتها وكذلك اليوم تنسى}.
هذا هو طريق الشقاء والتعاسة .. إنه في الإعراض عن ذكر الله تعالى .. ولا أعتقد أبداً إنك ستختار طريق الشقاء بل ستختار طريق السعادة .
إن في الدنيا لأهل ِ الأيمان جنة عظيمة تتجسد في لذة العبادة ومناجاة الله تعالى.
مساكين أهل الدنيا إذا خرجوا منها ولم يدخلوا هذه الجنة إنها" لذة " لها مذاق خاص أحلى من أي مذاق!
إن أهل الإيمان يشتركون مع سائر الناس في اللذات الدنيوية إلا أنهم ينفردون بطعم اللذائد الربانية الاخروية. فهل تريد أن تجرب هذه اللذة؟ إذن أعطني يديك وأخرج من أوحال الذنوب ، وأغتسل في نهر الإيمان . تعال"معي" إلى ذكر الله تعالى ، وقراءة القرآن ، والصلاة ، والأدب الرفيع، وبر الوالدين. تعال معي نجول في في رحاب الله ونتجاوز ما ينصبه الشيطان في طريقنا من فخوخ ومغريات. هيا بنا نغير حياتنا، ونجدد أنفسنا، لنكون في معية الرحمن لا في معية الشيطان. وأسأل المجربين في (قصص التائبين). ارفع يديك للسماء ، وأطلق لدموعك العنان ، واجعل روحك ترفرف في عليين. ما أجملها من لحظات!! وما أحلاها من أوقات!! لقد جربنا شهوات الدنيا ، وإن ما سيأتي من الأيام مشابه لما ذهب منها ، لكنا لم نجرب بعد" أفراح الروح"، فهيا نجربها ..
أيها المسلم .. أيتها الأخت المسلمة ..إن هذه الرسالة لك _ لم تصلك بالحظ ، كل شيء عند الله بقدر ، لم تأتي الي هنا الا بقدر و لم تقرأ هذه السطور الا بقدر ، أحذر ، هذه السطور شاهدة لك أو عليك ، فقد جائك النذير وأرسل الله لك أنت الأشارة انه يريدك ، أنه يدعوك للتوبة يدعوك لطاعته و ذكره ، فكيف ستتلقي هذه الأشارة الربانية ، هل ستعيها و تطبقها أم تلقيها وراء ظهرك و تصر علي السير في طريق الشهوات ، طريق السراب والظمأ ، طريق الشيطان الذي سيتبرأ منك في النهاية ويقول لك
{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }إبراهيم22
أخي المسلم .. أختي المسلمة ..
إننا نتمنى أن تجد ما تعجب به ، ويشفي عليلك ، ويروي غليلك . فهيا نسيح في رياض هذه النشرة .
لا تخش غما ، ولا تَـشْـكُ هما ، ولا يصبك قلق ، ما دام قرينك هو [ ذكر الله ]
ذكر الله
إنه المال الذي لا تحميه الرجال ، والكنز الذي لا يخاف عليه النهب، والذخيرة التي لا تصل إليها يد ..
اشتكى علي وفاطمة رضي الله عنهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يواجهانه من العمل المجهد ، فسألاه خادما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم ، إذا أويتما إلى فراشكما فسبحا الله ثلاثا وثلاثين ، واحمداه ثلاثا وثلاثين ، وكبراه أربعا وثلاثين فتلك مائة على اللسان وألف في الميزان ] فقال علي رضي الله عنه : ما تركتها بعدما سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم ..- رواه أحمد -
أخـي المسلــم.. أختي المسلمة:
لو كلف كل واحد منا نفسه ، في أن يحرك جفنيه ، ليرى يمنة ويسرة مشاهد متكررة ، من صرعى الغفلة وقلة الذكر : أفلا ينظر إلى ظلمة البيوت الخاوية من ذكر الله تعالى !!
- أولا ينظر إلى المرضى المنكسرين ، أوكلهم الله إلى أنفسهم لما نسوه فازدادوا مرضا إلى مرضهم !!
- أولا ينظر إلى المسحورين والمسحورات ، وقد تسللت إليهم أيدي السحرة والمشعوذين ، والدجالين الأفاكين فانتشلوا منهم الهناء والصفاء ، واقتلعوا أطناب الحياة الهادئة ، فخر عليهم سقف السعادة من فوقهم !!
- أولا يتفكر الواحد منكم في أولئك المبتلين بمس الجان ومردة الشياطين يتوجعون ويتقلبون تقلب الأسير على الرمضاء ، تتخبطهم الشياطين من المس فلا يقر لهم قرار ، ولا يهدأ لهم بال !!
- أفلا يُسائل نفسه أين هؤلاء البؤساء من ذكر الله عز وجل ؟! أين هم جميعا من تلك الحصون المكينة ، والحروز الأمينة ، التي تعتقهم من عبودية الغفلة والأمراض الفتاكة ؟!!
- أما علم هؤلاء جميعا ، أن لدخول المنزل ذكرا وللخروج منه ؟!
- أما علموا أن للنوم ذكرا وللاستيقاظ منه ؟!
- أما علموا أن للصباح في كل يوم ذكرا ، وللمساء منه ذكر ؟! بل حتى في مواقعة الزوج أهله ، بل وفي دخول الخلاء – أعزكم الله والخروج منه ؟ وحتى مجالس القوم ، حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن تنفض المجالس دون أن يذكر الله عز وجل فيها بقوله : [ ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة ] - رواه أبو داود والحاكم -
تأمل مجالس الصحابة رضوان الله عليهم : فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال : [ ما أجلسكم ؟ ] قالوا : جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام .. قال : [ آلله ما أجلسكم إلا ذاك ؟ ]
قالوا : آلله ما أجلسنا إلا ذاك .. قال :[ أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ، ولكن أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة ] - رواه مسلم –
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :[ إن لله تعالى ملائكة سيارة فضلاء يتبعون مجالس الذكر ، فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم وحفّ بعضهم بعضاً بأجنحتهم حتى يملئوا ما بينهم وبين سماء الدنيا فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء قال : فيسألهم الله عز وجل – وهو أعلم بهم – من أين جئتم ؟ فيقولون : جئنا من عند عباد لك في الأرض يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك ، قال : وماذا يسألوني ؟ قالوا : يسألونك جنتك ، قال : وهل رأوا جنتي ؟ قالوا : لا يارب .قال : فكيف لو رأوا جنتي .. قالوا : ويستجيرونك ، قال : ومم يستجيروني ؟ قالوا : من نارك يا رب قال : وهل رأوا ناري ؟ قالوا : لا ، قال : فكيف لو رأوا ناري .. قالوا : ويستغفرونك ، قال : فيقول قد غفرت لهم وأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم مما استجاروا ، قال : يقولون : رب فيهم فلان ، عبدٌ خطّـاء إنما مرّ فجلس معهم ، قال : فيقول : وله قد غفرت ، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم] أخرجه البخاري ومسلم
وإن السائل ليَسأل : ما بال ذكر الله سبحانه مع خفته على اللسان وقلة التعب فيه ، صار أنفع وأفضل ، من جملة العبادات مع المشقات المتكررة فيها ؟ فالجواب : هو أن الله سبحانه جعل لسائر العبادات مقدارا وأوقاتا محدودة ولم يجعل لذكر الله مقدارا ولا وقتا ، وأمر بالإكثار منه بغير مقدار لأن رؤوس الذكر هي الباقيات الصالحات ، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ خذوا جُنتكم .. قلنا : يا رسول الله ، من عدو قد حضر ؟ قال : لا ، جنتكم من النار ، قولوا : سبحان الله ، والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر . فإنهن يأتين يوم القيامة منجبات ومقدمات وهن الباقيات الصالحات ]- رواه الحاكم وصححه –
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه : [ ابن آدم اذكرني بعد الفجر وبعد العصر ساعة أكفك ما بينهما ] رواه مسلم وأبو نعيم -
وعن العباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :[ إذا اقشعرّ جلد العبد من خشية الله تحاتـت عنه خطاياه كما يتحات عن الشجرة البالية ورقها ] رواه الطبراني –
- أتعلم أن الجبال تستبشر بمن يذكر الله عن ابن مسعود قال : إن الجبل لينادي الجبل بإسمه ، أمرّ بك اليوم أحد يذكر الله فإذا قال نعم استبشر.
- ورُوي أن دور الجنة تُبنى بالذكر فإذا أمسك عن الذكر أمسكوا فيقال لهم .. فيقولون : حتى تأتينا نفقة ... وقيل أن العبد المطيع الذاكر لله تعالى إذا أصابته شدة أو سأل الله تعالى حاجة .. قالت الملائكة : يارب صوت معـروف من عبد معـروف ... والغافل المعرض عن الله عز وجل إذا دعى الله وسأله .. قالت الملائكة : يارب .. صوت منكــر من عبد منكــر ...
- فيا من شكى الأرق وبكى من الألم ، وتفجع من الحوادث ورمته الخطوب ، هيا اهتف باسمه المقدس:
الله أكبرُ كم هَـمٍّ ينجلي عن قلبِ كل مُكبّر ومُهلّـلِ
- كان شيخ الإسلام ابن تيمية يصلي الفجر ، ثم يجلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار ، ثم يلتفت إلى تلميذه ابن القيم ويقول له :[هذه غدوتي ، لو لم أتغدّ الغداء سقطت قوتي ]
وإني لأتساءل : من منا لا يفاخر الناس حينما يسمع كلمة عن مسؤول كبيرمفادها أن هذا المسؤول مُعجَب به ؟؟ فكيف نزهد في محبة الله لنا ؟!!
- جاء في سنن الدار قطني بسند حسن أن سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام قال : [يا رب : وددت لو أعلم من تحب حتى أحبه ؟ فأوحى الله عز وجل إلى موسى : يا موسى إذا رأيتَ عبدي يذكرني كثيرا فأنا أذنت له وأنا أحبه وإذا رأيت عبدي لا يذكرني فأنا حجيجه وأنا أبغضه " .
- يتعلق بعض الناس بالمناصب وبعضهم بالدور والقصور وبعضهم بالأموال وبعضهم بالنساء والأولاد ، ولكن ما صحت قلوبهم وما انشرحت صدورهم لأن الله يقول : [ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ]
- جاء رجل إلى الحسن قائلا : يا أبا سعيد ، أشكو إليك قسوة قلبي ، فقال له : أدبه بالذكــر ..
- وقيل لأحد الصالحيــن : ألا تستوحش وأنت وحدك ؟! قال : كيف أستوحش وهو يقول : أنا جليس من ذكرني ..
فكم نتحدث ؟ وكم نلغو؟ وكم نلهو ؟ فأي وقت صرفناه في الذكر ؟!!
ألا تعلم أنه :
- من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة.
- من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة.
- من توضأ فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله، فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء.
- من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم 100 مرة كانت له عدل 10 رقاب وكتبت له 100 حسنة ومحيت عنه 100 سيئة وكانت له حرزا من الشيطان ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه
- من قرأ قل هو الله أحد 10 مرات بني له بيت في الجنة.
- من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة.
- من قال سبحان الله وبحمده في يوم 100 مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر.
- من صلى على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) مرة واحدة صلى الله عليه بها عشرا.
- من قال لا حول ولا قوة إلا بالله حصل على كنز من كنوز الجنة.
- من قال رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا وجبت له الجنة وحق على اللهِ أَنْ يُرْضِيَهُ.
- من قرأ حرفا واحدا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها فكم ضيعنا وكم فرّطنا !!!
إنه لمن أعظم الحرمان ومن أشد الخذلان أن يمضي الواحد منا الساعات إما صامتا ساكتا أو متكلما فيما لا يعود عليه بنفع لا في الدنيا ولا في الآخرة .. بينما يستطيع في دقيقة واحدة أن يغرس له أشجارا وأن يبني قصورا وأن يعتق رقابا وأن يختم القرآن وأن يعتمر وأن يحج .. دقيقة واحدة فقط يمكن أن تزيد في عمرك ، في عطائك في حفظك ، في حسناتك ..
- فهلا عمرنا بذكر الله أوقاتنا وشغلنا به المشاهد والخلوات عسى أن ندرك القوم ونستدرك ما فاتنا ؟؟