دم اللثة والبصاق:
ذهب الحنفية إلى أنه لو دميت لثته، فدخل ريقه حلقه مخلوطاً بالدم، ولم يصل إلى جوفه، لا يفطر وإن كان الدم غالباً على الريق، لأنه لا يمكن الاحتراز منه، فصار بمنزلة ما بين أسنانه أو ما يبقى من أثر المضمضة، أما لو وصل إلى جوفه، فإن غلب الدم فسد صومه، وعليه القضاء ولا كفارة، وإن غلب البصاق فلا شيء عليه، وكذا إن تساويا.
ولو خرج البصاق على شفتيه ثم ابتلعه، فسد صومه، ولو ترطبت شفتاه ببزاقه، عند الكلام ونحوه، فابتلعه، لا يفسد صومه.
ومذهب الشافعية والحنابلة: الإفطار بابتلاع الريق المختلط بالدم، لتغير الريق، والدم نجس لا يجوز ابتلاعه وإذا لم يتحقق أنه بلع شيئاً نجساً لا يفطر، إذ لا فطر ببلع ريقه الذي لم تخالطه النجاسة.
تاسعاً: ابتلاع النخامة:
النخامة هي: النخامة، وهي ما يخرجه الإنسان من حلقه، من مخرج الخاء المعجمة.
ومذهب الحنفية والمعتمد عند المالكية: أن النخامة سواء أكانت مخاطاً نازلاً من الرأس، أم بلغماً صاعداً من الباطن، بالسعال أو التنحنح -ما لم يفحش البلغم- لا يفطر مطلقاً.
وفي نصوص المالكية: إن البلغم لا يفطر مطلقاً، ولو وصل اللسان، لمشقته.
وذهب الشافعية إلى تفصيل ذلك:
- إن اقتلع النخامة من الباطن، ولفظها فلا بأس بذلك في الأصح، لأن الحاجة إليه مما يتكرر.
وفي قول: يفطر بها كالاستقاءة.
- ولو صعدت بنفسها، أو بسعاله، ولفظها لم يفطر جزماً.
- ولو ابتلعها بعد وصولها إلى ظاهر الفم أفطر جزماً.
- وإذا حصلت في ظاهر الفم، يجب قطع مجراها إلى الحلق، ومجها، فإن تركها مع القدرة على ذلك، فوصلت إلى الجوف، أفطر في الأصح، لتقصيره.
وفي قول: لا يفطر، لأنه لم يفعل شيئاً، وإنما أمسك عن الفعل.
- ولو ابتلعها بعد وصولها إلى ظاهر الفم، أفطر جزماً.
وذهب الحنابلة إلى أنه يحرم على الصائم بلع نخامة، إذا حصلت في فمه، ويفطر بها إذا بلعها، سواء أكانت في جوفه أم صدره، بعد أن تصل إلى فمه، لأنها من غير الفم، فأشبه القيء، ولأنه أمكن التحرز منها فأشبه الدم.
عاشراً: القيء:
يفرق بين ما إذا خرج القيء بنفسه، وبين الاستقاءة.
وعبر الفقهاء عن الأول، بما: إذا ذرعه القيء، أي غلب القيء الصائم.
فإذا غلب القيء، فلا خلاف بين الفقهاء في عدم الإفطار به، قلّ القيء أم كثر، بأن ملأ الفم، وهذا لحديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض" رواه الترمذي.
ذهب الحنفية إلى أنه لو عاد القيء بنفسه، في هذه الحال، بغير صنع الصائم، ولو كان ملء الفم، مع تذكر الصائم للصوم، فلا يفسد صومه، لعدم وجود الصنع منه، ولأنه لم توجد صورة الفطر، وهي الابتلاع، وكذا معناه، لأنه لا يتغذى به عادة، بل النفس تعافه.
ومذهب المالكية: أن المفطر في القيء هو رجوعه، سواء أكان القيء لعلة أو امتلاء معدة، قَلَّ أو كثر، تغير أولا، رجع عمداً أو سهواً، فإنه مفطر وعليه القضاء.
ومذهب الحنابلة: أنه لو عاد القيء بنفسه، لا يفطر لأنه كالمكره، ولو أعاده أفطر، كما لو أعاد بعد انفصاله عن الفم.
- أما الاستقاءة وهي: استخراج ما في الجوف عمداً، أو هي: تكلف القيء فإنها مفسدة للصوم موجبة للقضاء عند جمهور الفقهاء -المالكية والشافعية والحنابلة- مع اختلافهم في الكفارة.
وذهب الحنفية إلى التفصيل في الاستقاءة:
أ- فإن كانت عمداً، والصائم متذكر لصومه، غير ناسٍ، والقيء ملء فمه، فعليه القضاء للحديث المذكور، والقياس متروك به، ولا كفارة فيه لعدم صورة الفطر.
ب- وإن كان أقل من ملء الفم، لا يفسد، لعدم الخروج حكماً، هذا كله إذا كان القيء طعاماً، أو مرة فإن كان الخارج بلغماً، فغير مفسد للصوم.
حادي عشر: طلوع الفجر في حالة الأكل أو الجماع:
اتفق الفقهاء على أنه إذا طلع الفجر وفي فيه طعام أو شراب فليلفظه، ويصح صومه. فإن ابتلعه أفطر، وكذا الحكم عند الحنفية والشافعية والحنابلة فيمن أكل أو شرب ناسياً ثم تذكر الصوم، صح صومه إن بادر إلى لفظه.
وذهب الشافعية والحنابلة وإن سبق شيء إلى جوفه بغير اختياره، فلا يفطر.
وذهب المالكية إلى أنه إذا وصل شيء من ذلك إلى جوفه -ولو غلَبه- أفطر.
- وإذا نزع، وقطع الجماع عند طلوع الفجر في الحال.
فمذهب الحنفية والشافعية لا يفسد صومه، حتى لو أمنى بعد النزع، لا شيء عليه، وصومه صحيح، لأنه كالاحتلام.
ومشهور مذهب المالكية: أنه لو نزع عند طلوع الفجر، وأمنى حال الطلوع -لاقبله ولا بعده- فلا قضاء، لأن الذي بعده من النهار والذي قبله من الليل، والنزع ليس وطأ.
والقول الآخر للمالكية هو وجوب القضاء.
وسبب هذا الاختلاف عند المالكية هو أنه: هل يعد النزع جماعاً، أولا يعد جماعاً؟ ولهذا قالوا: من طلع عليه الفجر -وهو بجامع- فعليه القضاء، وقيل: والكفارة.
ومذهب الحنابلة: أن النزع جماع، فمن طلع عليه الفجر وهو مجامع فنزع في الحال، مع أول طلوع الفجر، فعليه القضاء والكفارة، لأنه يلتذ بالنزع، كما يلتذ بالإيلاج، كما لو استدام بعد طلوع الفجر.
- ولو مكث بعد طلوع الفجر مجامعاً، بطل صومه، ولو لم يعلم بطلوعه.
وفي وجوب الكفارة في المكث والبقاء، في هذه الحال، خلاف:
فظاهر الرواية في مذهب الحنفية، والمذهب عند الشافعية عدم وجوب الكفارة، لأنها تجب بإفساد الصوم، والصوم منتف حال الجماع فاستحال إفساده، فلم تجب الكفارة