أطوار فرضية الزكاة:
إيتاء الزكاة كان مشروعاً في ملل الأنبياء السابقين، قال الله تعالى في حق إبراهيم وآله عليه الصلاة والسلام: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَةِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء: 73].
وشرع للمسلمين إيتاء الصدقة للفقراء، منذ العهد المكي، كما في قوله تعالى:
{فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 11-16].
وبعض الآيات المكية جعلت للفقراء في أموال المؤمنين حقاً معلوماً، كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 24- 25].
ومما يدل على أن فرض الزكاة وقع بعد الهجرة اتفاقهم على أن صيام رمضان إنما فرض بعد الهجرة، لأن الآية الدالة على فرضيته مدنية بلا خلاف، وثبت من حديث قيس بن سعد قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، ثم نزلت فريضة الزكاة فلم يأمرنا ولم ينهنا، ونحن نفعله" رواه النسائي.
يظهر فضل الزكاة من أوجه:
1- اقترانها بالصلاة في كتاب الله تعالى، فحيثما ورد الأمر بالصلاة اقترن به الأمر بالزكاة، من ذلك قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ} [البقرة: 110].
2- أنها ثالث أركان الإسلام الخمسة، لما في الحديث "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت" رواه البخاري.
3- أنها من حيث هي فريضة أفضل من سائر الصدقات لأنها تطوعية، وفي الحديث القدسي "ما تقرب ألي عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه" رواه البخاري.
أ- أن الصدقة وإنفاق المال في سبيل الله يطهران النفس من الشح والبخل، وسيطرة حب المال على مشاعر الإنسان، ويزكيه بتوليد مشاعر الموادة، والمشاركة في إقالة العثرات، ودفع حاجة المحتاجين، أشار إلى ذلك قول الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:103].
وفيها من المصالح للفرد والمجتمع ما يعرف في موضعه، ففرض الله تعالى من الصدقات حداً أدنى ألزم العباد به، وبين مقاديره، إذ لولا التقدير لفرط المفرط ولاعتدى المعتدي.
ب- الزكاة تدفع أصحاب الأموال المكنوزة دفعاً إلى إخراجها لتشترك في زيادة الحركة الاقتصادية، يشير إلى ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا من ولي يتيماً له مال فليتجر فيه، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة" رواه الترمذي.
وقال عمر رضي الله عنه: ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة" رواه البيهقي بإسناد صحيح.
جـ- الزكاة تسد حاجة جهات المصارف الثمانية وبذلك تنتفي المفاسد الاجتماعية والخلقية الناشئة عن بقاء هذه الحاجات دون كفاية