الجنائز
التعريف:
الجنائز جمع جنازة بالفتح: الميت، وبالكسر: السرير الذي يوضع عليه الميت.
تعريف المحتضر وتوجيهه وتلقينه:
المحتضر هو من حضر الموت وملائكته، والمراد من قرب موته، علامة الاحتضار -كما أوردها ابن عابدين- أن تسترخي قدماه فلا تنتصبان، ويعوج أنفه، وينخسف صدغاه، ويمتد جلد خصيتيه لانشمار الخصيتين بالموت،وتمتد جلدة وجهه فلا يرى فيها تعطف.
ما ينبغي فعله بعد الموت:
اتفق الفقهاء على أنه إذا مات الميت شُدَّ لِحياه، وغمضت عيناه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أبي سلمة، وقد شق بصره فأغمضه وقال: "إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر" [أخرجه مسلم].
يستحب أن يعلم جيران الميت وأصدقاؤه حتى يؤدوا حقه بالصلاة عليه والدعاء له، روى سعيد بن منصور عن النخعي: لا بأس إذا مات الرجل أن يؤذن صديقه وأصحابه.
وكره بعض الحنفية النداء في الأسواق قال في النهاية: إن كان عالماً، أو زاهداً، أو ممن يتبرك به، فقد استحسن بعض المتأخرين النداء في الأسواق لجنازته وهو الأصح، ولكن لا يكون على هيئة التفخيم، وينبغي أن يكون بنحو، مات الفقير إلى الله تعالى فلان ابن فلان.
وقال المالكية: يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات:
الأولى: إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح فهذا سنة.
والثانية: الدعوة للمفاخرة بالكثرة فهذا مكروه.
والثالثة: الإعلام بنوع آخر كالنياحة ونحو ذلك فهذا محرم.
يستحب أن يسارع إلى قضاء دينه أو إبرائه منه، وبه قال أحمد لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً "نفس المؤمن معلقة بِدَينه حتى يقضى عنه" [أخرجه الإمام أحمد].
وقال الحنابلة: إن تعذر الوفاء استحب لوارثه أو غيره أن يتكفل عنه، والكفالة بدين الميت قال بصحتها أكثر الأئمة.
تجهيز الميت:
اتفق الفقهاء على أنه إن تيقن الموت يبادر إلى التجهيز ولا يؤخر لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهري أهله" [أخرجه داود].
تكره عند الحنفية قراءة القرآن عند الميت حتى يغسل.
وعند المالكيةيكره قراءة شيء من القرآن مطلقاً.
وذهب الشافعية إلى أنه لا يقرأ عند الميت قبل الدفن لئلا تشغلهم القراءة عن تعجيل تجهيزه، أما بعد الدفن فيندب عندهم.
يكره النوح، والصياح، وشق الجيوب، في منزل الميت، وفي الجنائز، أو في محل آخر للنهي عنه، ولا بأس بالبكاء بدمع قال الحنفية: والصبر أفضل.
فقد روى الشيخان من حديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بريء من الصالقة والحالقة والشّاقة(1) [متفق عليه].
___________________
(1) والصالقة: هي التي ترفع صوتها بالبكاء. والحالقة هي التي تحلق رأسها عند المصيبة والشاقة هي التي تشق ثوبها عند المصيبة.
ذهب الحنفية وبعض الشافعية، إلى أنه إن ماتت امرأة والولد يضطرب في بطنها يشق بطنها ويخرج الولد، ومذهب الشافعية وهو المتجه عند الحنابلة، أنه يشق للولد إن كان ترجى حياته. فإن كان لا ترجى حياته فالأصح أنه لا يشق.
وقال المالكية: لا يشق بطن المرأة عن جنين ولو رجي حياته على المعتمد، ولكن لا تدفن حتى يتحقق موته ولو تغيرت.
واتفقوا على أنه إن أمكن إخراجه بحيلة غير الشق وجب.
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن تغسيل الميت فرض كفاية بحيث إذا قام به البعض سقط عن الباقين.
اتفق الفقهاء على أن تكفين الميت بما يستره فرض على الكفاية.
حكم الحمل وكيفيته:
أجمع الفقهاء على أن حمل الجنازة فرض على الكفاية، ويجوز الاستئجار على حمل الجنازة.
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن تشييع الرجال للجنازة سنة، لحديث البراء بن عازب: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع الجنائز. والأمر هنا للندب لا للوجوب وهذا بإجماع الفقهاء.
وقال المالكية: اتباع الجنازة من الواجبات على الكفاية.
لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة.
وروي عن الصحابة كلا الأمرين وقد قال علي: إن فضل الماشي خلفها على الذي يمشي أمامها كفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ.
وقال الثوري: كل ذلك في الفضل سواء.
وأما النساء فلا ينبغي لهن عند الحنفية أن يخرجن في الجنازة، فيكره خروجهن تحريماً.
وأما عند الشافعية فقال النووي: مذهب أصحابنا أنه مكروه، وليس بحرام.
وأما المالكية: جاز خروج متجالَّةٍ (كبيرة السن) لجنازة مطلقاً، وكذا شابة لا تخشى فتنتها، ولجنازة من عظمت مصيبته عليها، كأب، وأم، وزوج، وابن، وبنت، وأخ، وأخت، أما من تخشى فتنتها فيحرم خروجها مطلقاً.
وقال الحنابلة: كره أن تتبع الجنازة امرأة.
اتباع الجنازة بمبخرة أو نار:
اتفق الفقهاء على أن الجنازة لا تتبع بنار في مجمرة (مبخرة) ولا شمع، ولا تتبع الجنازة بصوت ولا نار، ويكره تجمير القبر.
الجلوس قبل وضع الجنازة:
يكره لمتبع الجنازة أن يجلس قبل وضعها للنهي عن ذلك. فعن أبي هريرة مرفوعاً: "من تبع جنازة فلا يقعدن حتى توضع"[متفق عليه].
القيام للجنازة:
مذهب الحنفية وأحمد لا يقوم للجنازة (إذا مرت به) إلا أن يريد أن يشهدها، وكذا إذا كان القوم في المصلى، وجيء بجنازة.
وقال الحنابلة: كره قيام لها (أي للجنازة) لو جاءت أو مرت به وهو جالس، كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك القيام للجنازة، والأخذ بآخر الأمرين أولى.
وقال الشافعية: المشهور في مذهبنا أن القيام ليس مستحباً.
وقال بعض الشافعية إن القيام مستحب وهذا هو المختار والمعتمد فيكون الأمر به للندب، والقعود لبيان الجواز.
الصمت في اتباع الجنازة:
ينبغي لمن تبع الجنازة أن يطيل الصمت، ويكره رفع الصوت بالذكر وقراءة القرآن وغيرهما.
قال الحنفية: ولا ينبغي أن يرجع من يتبع جنازة حتى يصلي عليها، لأن الاتباع كان للصلاة عليها، فلا يرجع قبل حصول المقصود.
وبه قال المالكية وزادوا أن الانصراف قبل الصلاة يكره ولو أذن أهلها، وبعد الصلاة لا يكره إذا طولوا ولم يأذنوا.
وقال الشافعية أيضاً: يكون رفع الصوت بالذكر بدعة، قالوا: يكره اللغط في الجنازة.
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الصلاة على الجنازة فرض على الكفاية