متى تقع الصلاة أداء في الوقت؟
من المعلوم أن الصلاة إذا أديت كلها في الوقت المخصص لها فهي أداء، وإن فعلت مرة ثانية في الوقت لخلل غير الفساد فهي إعادة، وإن فعلت بعد الوقت فهي قضاء، والقضاء: فعل الواجب بعد وقته.
أما إن أدرك المصلي جزءاً من الصلاة في الوقت فهل تقع أداء ؟ للفقهاء رأيان: الأول للحنفية، والحنابلة، والثاني للمالكية والشافعية.
الرأي الأول- للحنفية والحنابلة: تدرك الفريضة أداء كلها بتكبيرة الإحرام في وقتها المخصص لها، سواء أخرها لعذر كحائض تطهر، ومجنون يفيق، أو لغير عذر، لحديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك سجدة من العصر قبل أن تغرب الشمس، أو من الصبح قبل أن تطلع الشمس، فقد أدركها" رواه مسلم، وللبخاري "فليتم صلاته" وكإدراك المسافر صلاة المقيم، وكإدراك الجماعة، ولأن بقية الصلاة تبع لما وقع في الوقت.
الرأي الثاني- للمالكية، والشافعية: تعد الصلاة جميعها أداء في الوقت إن وقع ركعة بسجدتيها في الوقت، وإلا بأن وقع أقل من ركعة فهي قضاء، لخبر الصحيحين: "من أدرك ركعة من الصلاة، فقد أدرك الصلاة" أي مؤداة.
من جهل الوقت بسبب عارض أو حبس في بيت مظلم، وعدم ثقة يخبره به عن علم، ولم يكن معه ساعة تؤقت له، اجتهد بما يغلب على ظنه دخوله بوِرْد من قرآن ودرس ومطالعة وصلاة ونحوه كخياطة وصوت ديك مجَّرب، وعمل على الأغلب في ظنه.
والاجتهاد يكون واجباً إن عجز عن اليقين بالصبر أو غيره كالخروج لرؤية الفجر أو الشمس مثلاً، وجائزاً إن قدر عليه.
وإن أخبره ثقة من رجل أو امرأة بدخول الوقت عن علم، أي مشاهدة، عمل به، لأنه خبر ديني يرجع فيه المجتهد إلى قول الثقة كخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، أما إن أخبره عن اجتهاد فلا يقلده، لأن المجتهد لا يقلد مجتهداً آخر.
وإذا شك في دخول الوقت، لم يصل حتى يتيقن دخوله، أو يغلب على ظنه ذلك، وحينئذ تباح له الصلاة، ويستحب تأخيرها قليلاً احتياطاً لتزداد غلبة ظنه، إلا أن يخشى خروج الوقت.
وإن تيقن أن صلاته وقعت قبل الوقت، ولو بإخبار عدل مقبول الرواية عن مشاهدة، قضى عند الشافعية وعند أكثر العلماء، وإلا أي إن لم يتيقن وقوعها قبل الوقت، فلا قضاء عليه. ودليل القضاء: ما روي عن ابن عمر وأبي موسى أنهما أعادا الفجر، لأنهما صلياها قبل الوقت.
تأخير الصلاة: يجوز تأخير الصلاة إلى آخر الوقت لقوله صلى الله عليه وسلم: "أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله" ولأنا لو لم نجوز التأخير لضاق على الناس، فسمح لهم بالتأخير. لكن من أخر الصلاة عمداً، ثم خرج الوقت وهو فيها، أثم وأجزأته.
ثبت في السنة النبوية النهي عن الصلاة في أوقات خمسة، ثلاثة منها في حديث، واثنان منها في حديث آخر.
أما الثلاثة ففي حديث مسلم عن عقبة بن عامر الجُهَني: "ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلِّي فيهن، وأن نقبُر فيهن موتانا: حين تطلعُ الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، وحين تتضيَّف الشمس للغروب".
وهذه الأوقات الثلاثة تختص بأمرين: دفن الموتى والصلاة.
وأما الوقتان الآخران ففي حديث البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس" ولفظ مسلم: "لا صلاة بعد صلاة الفجر" وهذان الوقتان يختصان بالنهي عن الصلاة فقط.
فالأوقات الخمسة هي ما يأتي:
1- ما بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس كرُمْح في رأي العين.
2- وقت طلوع الشمس حتى ترتفع قدر رُمح أي بعد طلوعها بمقدار ثلث ساعة.
3- وقت الاستواء إلى أن تزول الشمس أي يدخل وقت الظهر.
4- وقت اصفرار الشمس حتى تغرب.
5- بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس.
والحكمة من النهي عن الصلاة في هذه الأوقات وتحريم النوافل فيها هي: أن الأوقات الثلاثة الأولى ورد تعليل النهي عن الصلاة فيها في حديث عمرو بن عبسة عند مسلم وأبي داود والنسائي: وهو أن الشمس عند طلوعها تطلع بين قرني شيطان، فيصلي لها الكفار، وعند قيام قائم الظهيرة تسجر (توقد) جهنم وتفتح أبوابها، وعند الغروب تغرب بين قرني شيطان، فيصلي لها الكفار. فالحكمة هي إما التشبه بالكفار عبدة الشمس، أو لكون الزوال وقت غضب.
وأما حكمة النهي عن النوافل بعد الصبح وبعد العصر فهي ليست لمعنى في الوقت، وإنما لأن الوقت كالمشغول حكماً بفرض الوقت، وهو أفضل من النفل الحقيقي.
وأما نوع الحكم المستفاد من النهي: فهو حرمة النافلة عند الحنابلة في الأوقات الخمسة وعند المالكية في الأوقات الثلاثة، والكراهة التنزيهية في الوقتين الآخرين.
والحرمة أو الكراهة التحريمية تقتضي عدم انعقاد الصلاة على الخلاف الآتي.
وأما نوع الصلاة المكروهة ففيها خلاف بين الفقهاء.
أولاً- الأوقات الثلاثة (الشروق والغروب والاستواء) قال الحنفية: يكره تحريماً فيها كل صلاة مطلقاً، فرضاً أو نفلاً، أو واجباً، ولو قضاء لشيء واجب في الذمة، أو صلاة جنازة أو سجدة تلاوة أو سهو، إلا يوم الجمعة على المعتمد المصحح، وإلا فرض عصر اليوم أداء.
والكراهة تقتضي عدم انعقاد الفرض وما يلحق به من الواجب كالوتر، وينعقد النفل بالشروع فيه مع كراهة التحريم فإن طرأ الوقت المكروه على صلاة شرع فيها تبطل إلا صلاة جنازة حضرت فيها، وسجدة تليت آيتها فيها، وعصر يومه، والنفل والنذر المقيد بها، وقضاء ما شرع به فيها ثم أفسده، فتنعقد هذه الستة بلا كراهة أصلاً، في الأولى منها، ومع الكراهة التنزيهية في الثانية، والتحريمية في البواقي.
ودليلهم عموم النهي عن الصلاة في هذه الأوقات، وعدم صحة القضاء، لأن الفريضة وجبت كاملة فلا تتأدى بالناقص.
ولا يصح أداء فجر اليوم عند الشروق، لوجوبه في وقت كامل فيبطل في وقت الفساد، إلا العوام فلا يمنعون من ذلك، لأنهم يتركونها، والأداء الجائز عن البعض أولى من الترك.
ويصح أداء العصر مع الكراهة التحريمية، لحديث أبي هريرة: "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر".
ويصح مع الكراهة التنزيهية أداء سجدة التلاوة المقروءة في وقت النهي أو أداء صلاة منذورة فيه أو نافلة شرع بأدائها فيه، لوجوبها في هذا الوقت. كذلك تصح صلاة الجنازة إذا حضرت في وقت مكروه لحديث الترمذي: "يا علي ثلاثة لا تؤخرها: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيّم إذا وجدت لها كفؤاً".
ثانياً- الوقتان الآخران (بعد صلاتي الفجر والعصر): يكره تحريماً أيضاً التنفل فيهما، ولو بسنة الصبح أو العصر إذا لم يؤدها قبل الفريضة أو بتحية مسجد، أو منذور، وركعتي طواف، وسجدتي سهو، أو قضاء نفل أفسده، وتنعقد الصلاة.
ولا يكره في هذين الوقتين قضاء فريضة فائتة أو وتر أو سجدة تلاوة وصلاة جنازة، لأن الكراهة كانت لشغل الوقت بصاحب الفريضة الأصلية، فإذا أديت لم تبق كراهة بشغله بفرض آخر أو واجب لعينه، لكن عدم الكراهة في القضاء بما بعد العصر مقيد بما قبل تغير الشمس، أما بعده فلا يجوز فيه القضاء أيضاً، وإن كان قبل أن يصلي العصر.
وقال المالكية: يحرم النفل لا الفرض في الأوقات الثلاثة، ويجوز قضاء الفرائض الفائتة فيها وفي غيرها، ومن النفل عندهم: صلاة الجنازة، والنفل المنذور، والنفل المفسد، وسجود السهو البعدي، لأن ذلك كله سنة، عملاً بمقتضى النهي السابق الثابت في السنة.
ويكره تنزيهاً النفل في الوقتين الآخرين (بعد طلوع الفجر وبعد أداء العصر) إلى أن ترتفع الشمس بعد طلوعها قدر رمح(1)، وإلى أن تصلى المغرب، إلا صلاة الجنازة وسجود التلاوة بعد صلاة الصبح قبل إسفار الصبح، وما بعد العصر قبل اصفرار الشمس فلا يكره بل يندب، وإلا ركعتي الفجر، فلا يكرهان بعد طلوع الفجر، لأنهما رغيبة كما سيأتي.
______________________
(1) المقصود رمح من رماح العرب، وقدره اثنا عشر شبر بشبر متوسط.
ويقطع المتنفل صلاته وجوباً إن أحرم بوقت تحرم فيه الصلاة، وندباً إن أحرم بوقت كراهة، ولا قضاء عليه.
وقال الشافعية: تكره الصلاة تحريماً على المعتمد في الأوقات الثلاثة،وتنزيهاً في الوقتين الآخرين. ولا تنعقد الصلاة في الحالتين.
واستثنى الشافعية حالات كراهة فيها وهي ما يأتي :
1- يوم الجمعة: لا تكره الصلاة عند الاستواء يوم الجمع، لاستثنائه في خبر البيهقي عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة قالا: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة" وخبر أبي داود عن أبي قتادة نحوه، ولفظه: "وكره النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة، وقال: إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة". رواه أبو داود.
والأصح عندهم جواز الصلاة في هذا الوقت، سواء أحضر إلى الجمعة أم لا.
2- حرم مكة: الصحيح أنه لا تكره الصلاة في هذه الأوقات في حرم مكة لخبر جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت، وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار" رواه الترمذي، ولما فيه من زيادة فضل الصلاة فلا تكره بحال، لكنها خلاف الأولى خروجاً من الخلاف.
3- الصلاة ذات السبب غير المتأخر، كفائتة، وكسوف، وتحية مسجد، وسنة الوضوء وسجدة شكر، لأن الفائتة وتحية المسجد وركعتي الوضوء لها سبب متقدم، وأما الكسوف وصلاة الاستسقاء وصلاة الجنازة وركعتا الطواف فلها سبب مقارن. والفائتة فرضاً أو نفلاً تقضى في أي وقت بنص الحديث: "من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها" متفق عليه وخبر الصحيحين: "أنه صلى الله عليه وسلم صلى بعد العصر ركعتين، وقال: همااللتان بعد الظهر" والكسوف وتحية المسجد ونحوهما معرضان للفوات، وفي الصحيحين عن أبي هريرة "أنه صلى الله عليه وسلم قال لبلال: حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دَفْ نعليك(1) بين يدي في الجنة؟ قال: ما عملت عملاً أرجى عندي من أني لم أتطهر طهوراً في ساعة من ليل أو نهار، إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصلي".
__________________
(1) الدَّف : صوت النعل وحركته على الأرض
وفي سجدة الشكر: ورد في الصحيحين أيضاً في توبة كعب بن مالك: "أنه سجد سجدة للشكر بعد صلاة الصبح قبل طلوع الشمس".
أما ما له سبب متأخر كركعتي الاستخارة والإحرام: فإنه لا ينعقد، كالصلاة التي لا سبب لها.
وقال الحنابلة: يجوز قضاء الفرائض الفائتة في جميع أوقات النهي وغيرها، لعموم الحديث السابق: "من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها" ولحديث أبي قتادة: "ليس في النوم تفريط، وإنما التفريط في اليقظة، فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها". رواه أبو داود والترمذي والنسائي.
ولو طلعت الشمس وهو في صلاة الصبح أتمها، خلافاً للحنفية، للحديث السابق:
"إذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس، فليتم صلاته".
ويجوز فعل الصلاة المنذور في وقت النهي، ولو كان نذرها فيه، خلافاً للحنفية، لأنها صلاة واجبة، فأشبهت الفريضة الفائتة وصلاة الجنازة.
ويجوز فعل ركعتي الطواف، للحديث السابق عند الشافعية: "يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى في أي ساعة شاء من ليل أو نهار".
وتجوز صلاة الجنازة في الوقتين (بعد الصبح وبعد العصر) وهو رأي جمهور الفقهاء، ولا تجوز صلاة الجنازة في الأوقات الثلاثة (الشروق والغروب والاستواء) إلا أن يخاف عليها فتجوز مطلقاً للضرورة، ودليلهم على المنع قول عقبة بن عامر السابق: "ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا".
وتجوز إعادة الصلاة جماعة في أي وقت من أوقات النهي بشرط أن تقام وهو في المسجد، أو يدخل المسجد وهم يصلون، سواء أكان صلى جماعة أم وحده، لما روى يزيد بن الأسود، قال: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر، فلما قضى صلاته، إذا هو برجلين لم يصليا معه، فقال: ما منعكما أن تصليا معنا ؟ فقالا: يا رسول الله، قد صلينا في رحالنا، فقال: لا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد جماعة، فصلِّيا معهم، فإنها لكم نافلة" رواه أبو داود والترمذي، وهذا نص في الفجر، وبقية الأوقات مثله، ولأنه متى لم يعد لحقته تهمة في حق الإمام.
ويحرم التطوع بغير الصلوات المستثناة السابقة في شيء من الأوقات الخمسة، للأحاديث المتقدمة، سواء أكان التطوع مما له سبب كسجود تلاوة وشكر وسنة راتبة كسنة الصبح إذا صلاها بعد صلاة الصبح، أو بعد العصر، وكصلاة الكسوف والاستسقاء وتحية المسجد وسنة الوضوء، أم ليس له سبب كصلاة الاستخارة، لعموم النهي، وإنما ترجح عمومها على أحاديث التحية وغيرها، لأنها حاظرة وتلك مبيحة، والحاظر مقدم على المبيح، وأما الصلاة بعد العصر فمن خصائصه صلى الله عليه وسلم. لكن تجوز فقط تحية المسجد يوم الجمعة إذا دخل والإمام يخطب فيركعهما، للحديث السابق "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة".
ويجوز في الصحيح قضاء السنن الراتبة بعد العصر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، فإنه قضى الركعتين اللتين بعد الظهر بعد العصر في حديث أم سلمة. والصحيح في الركعتين قبل العصر أنها لا تقضى، لما روت عائشة "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاهما، فقلت له: أتقضيهما إذا فاتتا؟ قال: لا". ويجوز قضاء سنة الفجر بعد صلاة الفجر، إلا أن أحمد اختار أن يقضيهما من الضحى خروجاً من الخلاف.
والمشهور في المذهب أنه لا يجوز قضاء السنن في سائر أوقات النهي.
ولا فرق بين مكة وغيرها في المنع من التطوع في أوقات النهي، لعموم النهي.
كما لا فرق في وقت الزوال بين الجمعة وغيرها، ولا بين الشتاء والصيف، لعموم الأحاديث في النهي