بتـــــاريخ : 10/15/2008 8:57:36 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 549 0

    موضوعات متعلقة


    القارورة

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : صالح الأشقر | المصدر : www.arabicstory.net

    كلمات مفتاحية  :
    القارورة

    جلبت شقيقتي صورتها ! 

     

    وجهها مستدير وصغير , وفي عينيها ظل غامض وخفي ينم عن خوف أو دهشة . كانت طفلة مهيأة لتصبح زوجة وحسب ... هكذا هو قدرها المجهول ومستقبلها الغامض . ومنذ أن علمت بأن دورها بدأ يقترب , حتى أخذت تنتابها حالات من الاضطراب والحزن والعزلة والهياج الليلي .

     

    كانت إذا هدها التعب اليومي , تصعد إلى غرفتها وترمي جسدها المنهوك وروحها الخائرة فوق السرير , وتنتحب بصوت خفيض .

    إذا طرق باب المنزل , وسمعت أصواتا غريبة وهمسات متبادلة , تجتاحها حالة الهياج وعدم الاستقرار . تارة تصعد إلى غرفتها , وتارة تختفي في حجرة علوية مهجورة , وربما تدخل إلى الحمام وتتمدد تحت الماء لوقت طويل .

    أصبحت ترتاب من كل الزيارات والمواعيد المقررة سلفا .كل زائرة أو ضيف قد يحمل بين يديه تفاصيل حياتها المقبلة .

    * * *

    وكان عليها أن تنتظرني وكان علي أن أبحث عنها .

    * * *

    صار هاجس المرأة يطاردني ويستحوذ على خيالي ويقلقني . أصبحت مفتونا بمراقبة النساء وحركات أجسادهن وتمايل خصورهن . بدأت أقرأ وأتعلم لغة الجسد . كان أكثر ما يشدني ويغريني هو الجسد الملفوف والبارز والصاخب . وكلما عبر ظل أمامي عوى المجنون في داخلي : أريد امرأة ! غدت كلمة زواج تعني امرأة لا غير . حفظ النسل والاسم وتكوين عائلة, كلمات فارغة لا معنى لها. وكنت على أحر من الجمر, في انتظار الفرح السعيد !

    * * *

    كنت أحاول أن أقرأ صورتها .. أن أجد في ملامحها شيئا ما قد يفضي إلى ذاتها وشخصيتها وعواطفها . لم أجد هناك غير الخوف الكامن في عينيها .

    قلت لنفسي بحكمة واسعة : الصورة لا تعطيك مفاتيحها من أول وهله , وربما تزول غلالة الخوف والقلق في وقت لاحق .

    كانت الليلة الأولى مثل فيلم سينمائي طويل صامت وغامض .

    الغرفة واسعة ومعطرة , وأثاثها جديد وفاخر . الستائر حمراء ومسدلة .

    الضوء خافت , وباقات الورد منثورة بنظام في الزوايا , وعلب الشوكولاته بالقرب من النافذة , بجانب وعاء فضي كبير مليء بالتفاح والبرتقال .

    هناك مرايا في كل مكان :أبواب خزانة الملابس مزينة بالمرايا , وواحدة كبيرة قبالة السرير , وتحتها أصناف عديدة وملونة من العطور في قوارير صغيرة وكبيرة , ومصفوفة بأحكام . لفت نظري قارورة جميلة على هيئة امرأة نصف عارية .

    كأنما هذه المرايا قد شيدت من أجل مراقبتي والشهادة علي !

    كانت هي واقفة .

    شعرها ملفوف على شكل قبعة مهرج , ووجهها مطلي بألوان قزح , ويبدو عليها الإعياء الشديد . ثوبها الأبيض يلتصق بقوة بجسدها , وكأنها أدخلت فيه بقسوة .

    جلست على طرف السرير وعيناها مغمضتان , وهناك رعشة طفيفة تصدر عن جسمها . قلت ترى بماذا تفكر البنت هذه اللحظة !

    اقتربت منها .. وضعت يدي على ركبتها .. اقتربت أكثر .. ازداد ارتعاشها وأخذت ترتجف . بعد قليل فتحت عينيها , ورفعت رأسها , ونظرت إلى عيني طويلا , وأجهشت بالبكاء .

    قلت لها بصوت متردد .. أنت في غرفتك الآن , فلما هذه الملابس الثقيلة , وكأنك مسجونة بداخلها !

    * * *

    كنت أنا السجين والسجان ... الظالم والمظلوم .. الفاتح والمهزوم . . الرقيق والسيد .وهناك في الأسفل تتجمع القبيلة , على أحر من النار , في انتظار الصباح والدم المباح

    كلمات مفتاحية  :
    القارورة

    تعليقات الزوار ()