جلبت شقيقتي صورتها !
وجهها مستدير وصغير , وفي عينيها ظل غامض وخفي ينم عن خوف أو دهشة . كانت طفلة مهيأة لتصبح زوجة وحسب ... هكذا هو قدرها المجهول ومستقبلها الغامض . ومنذ أن علمت بأن دورها بدأ يقترب , حتى أخذت تنتابها حالات من الاضطراب والحزن والعزلة والهياج الليلي .
كانت إذا هدها التعب اليومي , تصعد إلى غرفتها وترمي جسدها المنهوك وروحها الخائرة فوق السرير , وتنتحب بصوت خفيض .
إذا طرق باب المنزل , وسمعت أصواتا غريبة وهمسات متبادلة , تجتاحها حالة الهياج وعدم الاستقرار . تارة تصعد إلى غرفتها , وتارة تختفي في حجرة علوية مهجورة , وربما تدخل إلى الحمام وتتمدد تحت الماء لوقت طويل .
أصبحت ترتاب من كل الزيارات والمواعيد المقررة سلفا .كل زائرة أو ضيف قد يحمل بين يديه تفاصيل حياتها المقبلة .
* * *
وكان عليها أن تنتظرني وكان علي أن أبحث عنها .
* * *
صار هاجس المرأة يطاردني ويستحوذ على خيالي ويقلقني . أصبحت مفتونا بمراقبة النساء وحركات أجسادهن وتمايل خصورهن . بدأت أقرأ وأتعلم لغة الجسد . كان أكثر ما يشدني ويغريني هو الجسد الملفوف والبارز والصاخب . وكلما عبر ظل أمامي عوى المجنون في داخلي : أريد امرأة ! غدت كلمة زواج تعني امرأة لا غير . حفظ النسل والاسم وتكوين عائلة, كلمات فارغة لا معنى لها. وكنت على أحر من الجمر, في انتظار الفرح السعيد !
* * *
كنت أحاول أن أقرأ صورتها .. أن أجد في ملامحها شيئا ما قد يفضي إلى ذاتها وشخصيتها وعواطفها . لم أجد هناك غير الخوف الكامن في عينيها .
قلت لنفسي بحكمة واسعة : الصورة لا تعطيك مفاتيحها من أول وهله , وربما تزول غلالة الخوف والقلق في وقت لاحق .
كانت الليلة الأولى مثل فيلم سينمائي طويل صامت وغامض .
الغرفة واسعة ومعطرة , وأثاثها جديد وفاخر . الستائر حمراء ومسدلة .
الضوء خافت , وباقات الورد منثورة بنظام في الزوايا , وعلب الشوكولاته بالقرب من النافذة , بجانب وعاء فضي كبير مليء بالتفاح والبرتقال .
هناك مرايا في كل مكان :أبواب خزانة الملابس مزينة بالمرايا , وواحدة كبيرة قبالة السرير , وتحتها أصناف عديدة وملونة من العطور في قوارير صغيرة وكبيرة , ومصفوفة بأحكام . لفت نظري قارورة جميلة على هيئة امرأة نصف عارية .
كأنما هذه المرايا قد شيدت من أجل مراقبتي والشهادة علي !
كانت هي واقفة .
شعرها ملفوف على شكل قبعة مهرج , ووجهها مطلي بألوان قزح , ويبدو عليها الإعياء الشديد . ثوبها الأبيض يلتصق بقوة بجسدها , وكأنها أدخلت فيه بقسوة .
جلست على طرف السرير وعيناها مغمضتان , وهناك رعشة طفيفة تصدر عن جسمها . قلت ترى بماذا تفكر البنت هذه اللحظة !
اقتربت منها .. وضعت يدي على ركبتها .. اقتربت أكثر .. ازداد ارتعاشها وأخذت ترتجف . بعد قليل فتحت عينيها , ورفعت رأسها , ونظرت إلى عيني طويلا , وأجهشت بالبكاء .
قلت لها بصوت متردد .. أنت في غرفتك الآن , فلما هذه الملابس الثقيلة , وكأنك مسجونة بداخلها !
* * *
كنت أنا السجين والسجان ... الظالم والمظلوم .. الفاتح والمهزوم . . الرقيق والسيد .وهناك في الأسفل تتجمع القبيلة , على أحر من النار , في انتظار الصباح والدم المباح