بتـــــاريخ : 10/14/2008 6:51:00 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 870 0


    رغبة أحلام

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : ياسر عبد الباقي | المصدر : www.arabicstory.net

    كلمات مفتاحية  :
    قصة رغبة أحلام

     

     

     

     

     

     

    اعتادت منذ أن كانت طفلة في السابعة من عمرها أن تتنصت عليهم متظاهرة بالنوم ، ومن خلال فتحة صغيرة صنعتها في بطانيتها كانت تراقبهم ، لكنها لا ترى سوى سيقانهم: سبعة أخوة ورجل عجوز وامرأة عجوز.وكان يصل إلى مسامعها بعض الهمسات مثل:-

     

     

    - الأرض …

    - الماء لا يكفي …

    - سنبيع الأغنام اليوم …

    لكن الآن بعد عشر سنوات تغير الحال ، صحيح إنها ما زالت تمارس عادتها في التنصت والتظاهر بالنوم

    إلا أن الحديث قد تغير :

    - لقد كبرت …

    - لم تعد طفلة …

    - نزوجها لأول عريس يطلبها…

    - ممنوع الخروج .. إلاَّ لجلب الماء فقط…

    أدركت أن الحديث هذا المرة عنها ، منذ أن أحست بنضوج جسدها وبروز مفاتنها وشعور غريب داخلي يسيطر عليها اتجاه الجنس الآخر ، ومحاولة منها لفت نظرهم نحوها بابتسامتها الكبيرة أو بطريقة مشيتها المميزة. أصبحت فجأة حديث الشبان في مجالسهم ، وجميعهم مفتونون بها. ذات مرة ، قالت لها صديقتها : أخي معجب بك. ابتسمت .. وهزت رأسها ، وتابعت صديقتها قائلة : ويريد أن يتزوجك. زادت ابتسامتها اتساعاً. كانت كلمة زواج تطربها فرحاً ونشوةً ، قالت من دون وعي منها: لقد قال أخي الكبير سيزوجني لأول عريس.

    - حقاً!. صرخت صديقتها.

    واسترسلت قائلة: هل هذا يعني أن أخي سيكون أول ...

    لم تكمل فقد رأت الفتاة تهز لها رأسها.

    فقالت صديقتها فرحة: سأخبر أخي ، كوني جاهزة الليلة ، سنحضر اليوم مع والدي ووالدتي ، قالت ذلك وودعتها بقبلة كانت الساعة السادسة مساءً عندما شاهدتهم قادمين نحو البيت وأحست باضطراب شديد في جسدها ، وأخرجت مرآة صغيرة كانت تخفيها بين ثيابها وراحت تنظر إلى نفسها وكأنها ترى نفسها لأول مرة : سمراء عيناها واسعتان يفيض منهما سحر الجمال وزهو الأنوثة ، وحاجباها مقوسان فوق أنفها الجميل الشامخ ، وشفتاها البراقتان تعطيان لابتسامتها الكبيرة لوناً خاصاً لمعنى الجمال ، ثم راحت تنظر إلى صدرها المتكور البارز، فهذا الصدر مصدر قلقها ،إذ تمنت لو لم يكن كبيراً.

    سمعت طرقات عدة على الباب ، فارتبكت وسقطت المرآة من يدها لتتناثر إلى قطع صغيرة ، فحاولت إخفاء قطع الزجاج إلا أنها جرحت إصبعها، وسمعت أخاها يرحب بهم ، حاولت استراق السمع لكنها لم تسمع سوى همسات وهمهمات ضعيفة ثم صوت أخيها: مع السلامة.

    من ذلك اليوم منع عنها الخروج حتى لجلب الماء لم يسمحوا لها ، كان هناك عمل واحدٌ تقوم به هو حلب البقرة ، وذات يوم شاهدت أخاها ينظر إليها من سقف المنزل ، قال لها مبتسماً: لقد كبرت يا أحلام ، قال ذلك واختفى. كانت هي قد ردت عليه بابتسامة ضعيفة وخجولة نوعاً ما. وراحت تنظر إلى يديها ثم إلى صدرها وقدميها .. وانتفضت قليلاً عندما شعرت بيد أخوها على كتفها ، جلس بجانبها حيث كانت تحلب البقرة ، قال: إننا نريد لك السعادة .. ونريد لك زوجاً غنياً يسعدك .. ولكن .لم يكمل اكتفى بابتسامة باهتة وذهب ، وأدركت لِم لَمْ يكمل حديثه فالقرية فقيرة وأهلها ناس بسطاء ، فمن أين سيأتي العريس الغني، فإخوتها الكبار لم يستطيعوا الزواج ، وهي بالنسبة لهم كنز.

    - لقد كبرت .. أيتها الفتاة الشقية ، جاءها صوت قويٌ.

    قامت من مكانها هلعاً وركلت دلو اللبن معها ، وصاحت : من ؟!

    ورأت أمامها رجلاً طويل القامة مفتول العضلات ببدله عسكرية غير مرتبة ووجه أسمر لوحته الشمس ابتسامه ساخرة ، ويحمل بيديه حقيبة ممزقة امتلاءَّ بثيابه القديمة ، حدقت بوجهه وصاحت فرحة: أحمد .. غير معقول! وخرج إخوتها على صرختها ، وصاحوا: ماذا هناك؟!

    وصرخ أحدهم : من !؟ .. أحمد! ..

    ورمى أحمد حقيبته وقفز نحوهم ليعانقهم جميعاً ، وبقيت أحلام تنظر إليه بأعجاب وببدلته العسكرية .. وسألت نفسها : لم لا يقبلها هي أيضا .. ألم تكن تسمح له وهي صغيرة بتقبيلها واحتضانها.

    وعندما انتهى من عناق إخوتها التفت نحوها مبتسماً ، وشعرت بابتسامته تخترق صدرها وتدق في قلبها مصطحبة رجفة في جسدها ، وراحت تحلم بأنها عروسة تزف إليه وترتمي على صدره العريض .. سمعته يقول قاطعاً حلمها: سنلتقي فيما بعد ، لقد "وحشتني" أمي ، قال ذلك وذهب ، وشيعته بنظرتها حتى غاب.

    حضر في المساء لكنها لم تستطع مقابلته فقد منعها إخوتها من ذلك ، اكتفت أن تسترق السمع ، وكانت ضحكته الطويلة وصوته القوي تشعرها برغبة خفية في نفسها فتزداد نبضات قلبها بقوة ، وبروده في جسدها.

    سمعته يقول : منذ أن طردني أبي اللَّه يرحمه ، أقسمت ألاتطأ قدمي القرية ، لكني اشتقت إلى أمي ، وقريتي.

    فرد والدها قائلاً : خمس سنوات يابني ، لقد مات والدك حزناً.

    واستمر الحديث حتى منتصف الليل .. قال لهم – وقدهم خارجاً – بصوت عال : تحياتي لأحلام .

    تلك الليلة لم تنم ، فصورته أمامها ورائحته ما زالت عالقة في البيت ، فضمت وسادتها على صدرها بقوةٍ وراحت تضغط عليها لتشبع في نفسها رغبة اكتوت بها، وراحت تقبل اها، وراحت تقبل امرت في ذلك حتى الصباح حيث تناثر الريش من حولها.

    في صباح اليوم التالي في أثناء عملها في جلب العلف للبقرة ، مر بجانبها أحمد ذاهباً لمزرعته .. قال لها ليلة أمس .. لم أركِ.

    أصلحت من نفسها بسرعة. وقالت : أنا .. آه .. كنت نائمة.

    سألها: سأراكِ الليلة؟

    أجابت بتردد : لا أعتقد .. كما ترى لدي عمل أقوم به كل صباح.

    قال : تذهبين إلى الحقل.

    - لا .. لقد منعوني من ذلك .

    فسألها: لماذا ؟

    هزت كتفيها ، ولم تجب .

    فابتسم ، وقال : آه .. لقد فهمت.

    وأضاف وهو ينظر إليها نظرة فاحصة : أصبحت جذابة ...

    احمرَّ وجهها خجلاً رغم سمرته ، وفجأة خرج أخوها في هذه الاثناء ونظر إليهما في ارتياب ، ثم قال محدثاً أحمد : ذاهب إلى الحقل! ، وأضاف من دون أن ينتظر منه جواباً: سأذهب معك.

    وفي الليل نزل المطر بشده مصحوباً بقطع صغيرة من البرد ، فبكر الجميع بعد صلاة الفجر إلى حقولهم لتفقدها.

    وفي اثناء ذهاب أحمد إلى حقله استوقفته أحلام قائلةً : صباح الخير أحمد .

    التفت إليها حيث كانت جالسة عند مدخل الباب تعجن الدقيق ، رد عليها : صباح الخير .. إين أخوتك؟.

    قالت : لقد ذهبوا إلى الحقل منذ ساعة .. فقد كان المطر شديداً ليلة أمس .. ثم أضافت بحذر وصوت خافض : ووالداي نائمان.

    هز لها رأسه ، وقال: حسناً .. أنا ذاهب لأرى ما فعل المطر بحقلي لكنها اسرعت قائلة : انتظر!

    فتوقف وحدق فيها متسائلاً ، أضافت : تعال .. لتشرب الشاي مع النعناع.

    فبقى متردداً واشاح بعيونه بعيداً نحو الحقل .. ثم استدار إليها بسرعة .. وجلس في الممر الخارجي .. لكنها طلبت منه الدخول .. وفعل ذلك .. صبت له الشاي مع انزلاق ورقة النعناع .. سألته : ستبقى في القرية ! رشف قليلاً من الشاي، ثم قال وقد التصقت ورقة النعناع في شفته العريضة : لا .. أنا في إجازة فقط.

    قالت في ضيق : إجازه .. ستترك والدتك مرة أخرى !.

    أجابها بعد أن سحب ورقة النعناع بلسانه إلى الداخل: سأخذها معي .. لدي بيت في المدينة

    ، قال ذلك ونهض ، نهضت معه ، سألته : إلى أين؟

    - الحقل!

    - اشرب الشاي أولاً.

    التقت عيناه بعينيها ، بدا وكأنه ضعيف أمامها ، فأنزل عينيه قليلاً نحو صدرها المتكور .. وقال لاهثاً : من الأفضل أن أذهب .. قبل عودة أخوتك من الحقل.

    لكنها قالت في "دلال": تذكر زمان عندما كنت تحملني وأنا طفلة.

    ضحك قائلاً: لقد كبرتِ .. و .. ، لم يكمل.

    اقتربت منه وقالت: و ... ماذا ؟!

    قال وقد أحس بعطر جسدها ينفذ فيه: أصبحتِ جميلة.

    قالت بسذاجة : هل ستطلبني من إخوتي؟.

    فأفلت كوب الشاي من يده ليسقط على "طاسة" العجين ويختلط الشاي به :

    ما زلت صغيرة.!

    صاحت: ألم تقل إني كبرت ، انظر إليّ .. هل تستطيع حملي مثل زمان .. هيا إفعل ذلك.

    حملق فيها وخاصة نحو القطعتين اللتن تحاولان الفرار من جسدها ، فأمسكها من خصرها ثم ضمها بقوة إلى صدره ، وقبلها بقوة ، وفجأة أحس بخطيئته وأبعدها عنه وبدا عليه الارتباك وقال: يجب أن أذهب ، لكنها حلقت به من حول خصره وأرجعته إلى صدرها .. قالت: لا .. لاتذهب الآن!

    نظر إلى عينيها كانتا عينان تحملان رغبة جامحة شديدة العطش ، فأبعدها مرة أخرى وخرج .. ونادته قائله : ستطلبني من أخوتي ، التفت نحوها وكان في نظراته ذهول عجيب أشارلها بيده وذهب.

    كانت هذه أخر مرة تراه فقد غادر القرية فجأة كما عاد إليها. مضت ثلاث سنوات منذ أن طرق آخر شاب طالبا يدها ، فقط رفضوا جميعاً من قبل أخوتها متذرعين أسباب كثيرة.

    فزادت رغبتها أكثر بالزواج وبدأت تتمرد على أخوتها فأحيانا تذهب معهم إلى الحقل أو لجلب الماء من الوادي ، ولم يستطيعوا وقف تمردها.

    والتقت بسعيد المدرس ، لأول مرة في أثناء ذهابها إلى الوادي فكانت تتعمد أثناء مرورها بجانبه أن تحتك بكتفه ، إلا أنه كان رجلاً خجولاً متحفظاً .. تنقصه الثقة بالآخرين وخاصةً بالنساء.

    فكان كلما رأها قادمةً نحوه يحاول تغييرطريقه إلا أنها كانت تلاحقه ، ذات يوم استوقفته بعد أن أختبأت له خلف بيت مهجور .. نادته قائله: أستاذ سعيد.

    التفت نحو صاحبة الصوت الناعم .. وارتبك عندما رآها خلفه .. قال: أنا ! تقدمت منه "متدلعة" ، وقالت بأكثر دلعاً : (أنا اشتي) أكمل دراستي ياأستاذ .. سعيد.

    بلع ريقه وقام بإصلاح نظارته بطريقة مضحكة ، وقال بصوت خافض: طيب .. ادرسي.

    التصقت به قليلاً وفاحت منها رائحتها العطرة .. قالت: لكنهم منعوني من ذلك!

    تراجع قليلاً إلى الوراء وسأل: من ؟. لكنه تعثر بحجر وسقط .. فضحكت أحلام وجلست بجانبه وقالت: أخواني.

    ردد: إخوانك .

    هزت رأسها وقالت: أنا أصلاً أحب أكمل دراستي ! وأضافت : أنت (ايش)َ رأيك ؟

    مسح العرق من جبينه وقال متلعثماً : أنا .. تكملي دراستك .. لكن !

    فقاطعته وقد وضعت يدها على كتفه : يعني أنتَ موافق.

    وأضافت بمكر: ستخبر أخوتي.

    نهض ونفض التراب من ثيابه وقال: سأحاول!

    اسرعت بالقول: اليوم!

    هزَّ لها رأسه بارتباك ، وقال قبل أن يرحل : سأحاول!

    كانت تدرك أنه لن يخبرهم: فشخصيته الضعيفة لا تسمح له بمواجهة أخواتها ، كما أنه سيضع نفسه في مشكلة معهم.

    وفي اليوم التالي انتظرته في البيت المهجور لكنه كان قد سلك طريقاً آخر ، فلحقته إلى المدرسة ، قائلة : لماذا لم تأتِ لمقابلة أخوتي؟

    لكنه رد عليها بقلق : هذه مدرسة .. لا أحب أن يرأني أحد معك.

    فصرخت به : تقصد أنا سيئة.!

    فزاد ارتباكاً وقال: لا ..عفواً .. لا أقصد.

    فقالت بحزم : خلاص .. أنا بانتظارك بكرة في البيت المهجور.

    في اليوم التالي كان اللقاء .. طلبت منه الجلوس ، وجلست بجانبه .. قالت له : أنت خائف!

    أجابها ، وقد حاول أن يكون معها أكثر اتزاناً : أنا .. لا .. لستُ خائفاً .

    نفخت في أذنه وقالت : طيب .. مالك ترتجف.؟!

    أمسكت يده وقامت بعملية كوي بيدها وقالت له : أنت كذبت عليَّ.

    سحب يده بسرعة وقال: أنا !

    - نعم وعدتني أنك ستخبر إخوتي برغبتي في الدراسة.

    - لقد نسيت .. سأخبرهم الليلة .. لا .. الآن سأخبرهم ، قال ذلك وأراد الرحيل ، لكنها أمسكته وأرجعته إلى جانبها ، وسألته : أنت متزوج.؟!

    أجابها بحذر : لا

    - تتزوجني؟

    حدق فيها بذهول .. قال : لكني سمعت أنه…

    لم تدعه يكمل فقالت بغضب: ما سمعته صحيح . فأين هذا الرجل الغني ؟! أنك كما ترى كلهم هنا فقراء ، وأضافت برقه : ما عدا أنت.

    - أنا !، قالها ساخراً من نفسه.

    قالت وفي عينيها بريق إغراء : نعم أنت .. فأنت استاذ غني بعلمك .

    فقال وكأنه تذكر شيئاً : لكنهم سبق ورفضوا مروان .. وهو أيضاً مدرس.

    فأمسكت يده وجعلته يرتجف وقالت برقه : وأنت .. هل تريدني؟.

    فحاول أن يسحب يده .. لكنها ضغطت عليه قائلة: قل .. هل تريدني.؟

    قال وقد أنزل رأسه إلى صدره : سترفضني عائلتك.

    قالت بإصرار عجيب ، لا .. هذه المرة لن أدعهم يمنعون رغبتي في ... ، قالت ذلك و عانقته ، حاول أن يبعدها ألا أنها التفت حوله كالثعبان..... ..................،

    نفض التراب من ثيابه وأصلح زرة قميصه ووضع نظارته المكسورة في جيبه.. ونظر إليها بتكبر غريب، وقال بصوت قوي غير معهود منه: أنا ذاهب.

    التفتت إليه حيث كانت جالسة مستنده على جدار ، وقد امتلأت عيناها بالدموع ، وقالت بصوت خافض مخنوق : ستأتي الليلة.

    أجابها بلامبالاة وهو يلملم دفاتره من الأرض : سأحاول.!

    ارتفع صوتها وقالت: ستطلبني من إخوتي: ستطلبني قبل أن تغرب الشمس ، تاركاً صدى صوته في المكان: سأحاول.

     

     

    كلمات مفتاحية  :
    قصة رغبة أحلام

    تعليقات الزوار ()