منذ الاف السنين وجد فريد نفسه في الطبيعة وحيداً ، أو لا أحد يعرف ماذا كان حوله ..
بعد الآف السنين ..وجد ثمراً فأكل .. و بالصدفة وجد ناراً فخاف ، لكن ليس لوقت طويل ، إذ سرعان ما طوّعها لأغراضه .. فاستدفأَ و استنار . لم يكفه هذا الأمر ، أنه تغلّب على البرد و العتمة . إلاّ أنه اتخذها كذلك ، سلاحاً له . شكر الطبيعة و من ثمّ عبدها على كرمها و لطفها . لكنه ، على ما يبدو ، مع مرور السنين ، كفّ عن فعل ذلك .. و مضى الى غايته .
و مرت سنون أخرى كثيرة .. استلّ نصلاً من التراب ، بعد أن شحذه ، علّمه الأدب و حسن الإستعمال . و لقنّه قانون الطاعة العمياء الأبدي ، أن عليه الإمتثال في كل مرة للأمر الذي يُعطى له . و أعلن نفسه ملكاً.
بعد أن جعل الملك الفريد الحصاد في كل موسم ، ملّ العيش تحت قباب الأرض ، فنهض يبني البيوت و القصور و القلاع ، فيما راح يدفن موتاه في قبور تحت الأديم .
ذات يوم .. و فيما كان يرعى وحيداً، بعد أن شرّد أبنائه في شتى جهات الأرض ، ليفتحوها مُكرهين . فآجأه رجل غريب ، ملامحه غير معتادة ، عيناه زرقاوان ، يحمل في يده جهاز إرسال ، يشبه هاتف أيامنا المحمول .
تأبط الملك شراً بهذا الزائر الغريب ، و كان قد حسبه بدايةً من أصحاب البلاد الزرقاء البعيدة ، التي كانت تُنسج حولها الكثير من المرويات و الأساطير ، دون أن يتحقق أحد من أمر وجودها عينياً ، لكنها كانت مع هذا ، موجودة في أذهان الجميع ، و التي قلّما شكك أحد في أمر وجودها .
القى الرجل سلاماً على الملك الفريد . و كلّمه بلسان قومه .كانت هيئة الرجل الأزرق مهيبة تنم عن جبروت المكان الذي جاء منه . رغم هذا ، لم يكن للخوف أن يستكين الى قلبه ، فهو معروف كسّيد هذه البلاد و سائس أمورها منذ الآف السنين .
- ضجيجكم بدأ يتسرب الى حدود مملكتنا ، و قد أرسلني الملك الأزرق المعظّم اليكم ، كي تستدركوا الأمر ، لأنكم بذلك تخرقون بنود معاهدة الحدود الأبدية بين هذين العالمين .
قال الرجل الأزرق كلماته تلك بنبرة مبلّغة حاسمة و اختفى .
حدّث فريد قومه بما جرى و دعاهم للتفكر في الأمر .. داخل التصديق قلوب البعض . غير أن أكثرهم خال كلام الرجل الغريب ، محض سراب و أضغاث أوهام من فعل حلم مضطرب .
كان الضجيج بعد أن هدأ لفترة ، قد عاد للتمدد من جديد بشكل أشدُّ ضراوة مما كان عليه من قبل .
وعند عصر أحد أيام الخريف شاءت الصدفة أيضاً أن يهتدي لتأليف غريب بين أشياء الطبيعة تمخضّ عن مركبة تسير . فسار يقطع بها الحقول و الجبال . لكن سرعان ما بدأ جسمه يلين شيئاً فشيئاً . و وزنه يزداد بشكل مخيف . و امتلأت حياته فجأةً بالالآت من حوله ، لدرجة غارت فيها الأرض القديمة و حقول السماء وطبيعة نفسه خلف سوار هذه الصفائح المعدنية السميكة .
و غدا محاطاً بالملايين منها ، التي تجمعت من حوله في مستوعبات من الحديد و الإسمنت ، تمتد لملايين الكيلومترات . حتى أن الرجل الأزرق لا ينفك يبحث عنه منذ عشرات السنين ، بين أرتال الخردة و هياكل الأنصال القديمة و البالية ، و لكن دون جدوى .
هذا ، فيما كان فريد يرسل المركبات و الصواريخ ، الواحدة تلو الأخرى ، خلف البحار و خلف أسوار مستوعباته الضخمة ، بحثاً عن أثر يدلّه الى المملكة الزرقاء .. و ذلك بعد ان انحسرت مملكة الأزارقة و تقهقرت الى ما خلف الحدود ، مفسحةً في المجال ، لمحاولات الرسول الأخيرة في إصلاح الحال بين المملكتين .