بتـــــاريخ : 5/15/2008 9:20:03 AM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1354 0


    الخادمة الصغيرة

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : أمينة شرادي | المصدر : www.diwanalarab.com

    كلمات مفتاحية  :
    قصة

    التقيتها بالأمس كالنسمة البيضاء. تسبح برجلين خفيفين كالظل دون أن تحدث ضجيجا.ملفوفة في ثوب أبيض وعتيق، لايناسب مقياسها الصغير الواهن.بدت لي كغصن شجرة طري،انتزع نزعا من موطنه الطبيعي حتى سالت دموعه. لما رأتني،مسح وجهها الخجل.غيرت اتجاه نظراتها الصامتة.حنت رأسها الصغير المكسوبغطاء الأمهات والجدات كلمتها لأسمع صوتها:

     مساء الخير.

    ردت بصوت غير مسموع كأنها تهاب شيئا:

     مساء الخير.

    وانسحبت بهدوء كالنسمة البيضاء تقاوم عناد السلم المرتفع، لتقضي بعض الحاجيات المطلوبة منها.

    في اليوم التالي،كنت أستعد للخروج.كانت ترافقني ابنتي الصغيرة،التقيت بها من جديد عند الباب الكبير.ابتسمت لها حتى ترتاح روحها أكثر.كانت تحاول إقفال الباب الكبير بكل هدوء رغم ضخامته المزعجة. واتجهت بناظريها إلى السلم الشامخ أمامها الذي يبتلعها كلما اقتربت منه،محاولة الإجهاز عليه ثم الانتصار.حنت رأسها من جديد،وانتظرت في صمت رهيب مروري من أمامها. رمقتها ابنتي الصغيرة بعيونها الفرحة وحاولت التشبث بها، ردت الابتسامة البريئة في سكون واستحالت لأميرة صغيرة متوجة بوشاح أبيض.مكسوة بثوب أبيض.تطلق العنان لكل طفولتها الكامنة بداخلها،كأنها مرمية في غياهب السجون دون وجود أي مقص يقطعها ويتركها تنزف دما.سألتها وهي تهم بالإجهاز على السلم العنيد:
     ما اسمك؟صمتت.ثم نطقت بصوت جد خافت:

     فاطمة.

    وجرت بسرعة من أمامي تجر جسدها الواهن كأنها تأخرت عن موعدها.

    حل يوم آخر من الأيام المتتالية، كنت أنزل الدرج بسرعة كبيرة في ساعة مبكرة.كان الجومشحونا ببرودة قاسية كبرودة البلاد الأوروبية،ارتديت ما يحميني من لسعاته الحارة.فاجأني جسدها الصغير في الطابق السفلي.تنتظر أحدا من أهل البيت العلوي.قابعة في مكانها لا تتحرك، كأنها في حالة استنطاق.تحتمي من صقيع الصباح البارد بيديها الصغيرتين.رجليها تكتنفهما الرعشة ،يستنجدان بجوارب صوفية وحداء متين حتى تعاد إليهما الحرارة.كانت تحمل حقيبة صغيرة وسطلين كبيرين:كانت تستعد للذهاب إلى الحمام الشعبي.بدت وسطهم كغصن استوطنته الحشرات وأتت على كل شيء جميل فيه.لا تتكلم. تنظر وتنتظر في سكون.قلت لها:

     صباح الخير يا فاطمة.

    أجابت كعادتها دون أن تسمع صوتها لأحد.

     صباح الخير.

    رغبت في الحديث معها.لكن الرقابة المنتشرة في الفضاء كالوباء حالت دون ذلك.احترمت صمتها وهروبها وخرجت.علمت فيما بعد،أنها رحلت إلى بيت آخر ،يملكه أناس آخرون وهي بعد طفلة تحلم باللعب والصدر الطيب.

    هذه هي الطفلة "فاطمة" التي يلقبونها بالخادمة.

    كلمات مفتاحية  :
    قصة

    تعليقات الزوار ()