بتـــــاريخ : 10/14/2008 4:08:32 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1094 0


    هَلْ أَخْطَأَتْ سَمَاحْ؟

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : د. طارق البكري | المصدر : www.arabicstory.net

    كلمات مفتاحية  :
    قصة هَلْ أَخْطَأَتْ سَمَاحْ

     

     

    هَلْ أَخْطَأَتْ سَمَاحْ؟
     
     
     

     

     

     

    «أَوّلُ يَوْمٍ فِي الْمَدْرَسَةِ.. ولا تَحْتَرِمْنَ الْمُعَلِّمَةَ..».

     

    «لا أَسْتَطِيْعُ التَّحَمُّلَ..».

     

    تَضْرِبُ الْمُعَلِّمَةُ بِيَدِها على الطَّاوِلَةِ..

     

    د ج ج ج... د ج ج ج..

     

    الصَّفُّ يَهْدأُ تَمَاماً..

     

    طِفْلَةٌ تَجْلِسُ جَنْبَ طَاوِلَةِ الْمُعَلِّمَةِ..

     

    تَضَعُ يَدَيْهَا على أُذُنَيْها.. تَصْرُخُ:

     

    «آه.. صَوْتُ الضَّرْبَةِ أَوْجَعَ أُذُنَيَّ..».

     

    الْمُعَلِّمَةُ بِغَضَبٍ:

     

    «أَنْتِ قَلِيْلَةُ الأَدَبِ.. قُومِي مِنْ مَكَانَكِ.. قِفِي وَوَجْهُكِ إلى الحَائِطِ.. قَصَاصاً لَكِ على ما فَعَلْتِ..».

     

    «لكنِّي لَمْ أَفْعَلْ شَيْئاً!!».

     

    «كَلاَمُكِ غَيْرُ مُهَذَّبٍ.. ألاَ تَعْلَمِيْنَ أَنَّ احْتِرَامَ الْمُعَلِّمَة واجِبٌ؟».

     

    «لم أُخْطِىءْ حتى أُعَاقَبْ..».

     

    «لا تَرُدِّي عَلَيَّ.. لَنْ أُسَامِحَكِ.. قِفِي أمَامَ الحَائِطِ.. لا أُرِيْدُ سَمَاعَ صَوْتكِ..».

     

    سماحُ تَبْكي.. تَقِفُ كَمَا أَمَرَتْها المُعَلِّمةُ..

     

    الْمُعَلِّمَةُ تَبْدَأُ الدَّرْسَ الأَوّلَ.. الفَصْلُ صَامِتٌ تَمَاماً.. سماح.. حَزِيْنَةٌ.. حَزِيْنَةٌ..

     

    طِفْلَةٌ اسْمُها سَارَة، فَكَّرَتْ أنَّ سَمَاحَ مَظْلُومَةٌ، هي لَمْ تُخْطِىءْ.. الصَّفُّ كُلُّهُ كانَ يُشَاغِبُ.. سارة كانَتْ حَزِيْنَةً.. حَاوَلَتْ أنْ تَشْرَحَ لِلْمُدَرِّسَةِ، الْمُدَرِّسَةُ لَمْ تَسْمَحْ لها بالكَلاَمِ..

     

    يُقْرَعُ الجَرَسُ مُعْلِناً انْتِهَاءَ الحِصَّةِ وبَدْءَ الإِسْتِرَاحَةِ..

     

    التِّلْمِيْذَاتُ يُسْرِعْنَ بِالْخُرُوجِ إلى الْمَلْعَبِ..

     

    سماحُ تَبْقَى في الفَصْلِ.. قُرْبَ الحَائِطِ.. حَزِيْنَةً.. حزينةً..

     

    إقْتَرَبَتْ سارة مِنْ سماح.. اعْتَذَرَتْ مِنْها.. قالَتْ: «لِنَذْهَبَ إلى الْمَلْعَبِ».. لَمْ تَتَكَلَّمْ سماح.. ظَلَّتْ في مَكَانِها.. خَرَجَتْ سارة تلْحَقُ بِرَفِيْقَاتِها.

     

    لاَحَظَتِ الْنَّاظِرَةُ وُجُوْدَ سماحَ دَاخِلَ الفَصْلِ.. لِوَحْدِهَا.. لا تُشَارِكُ رَفِيْقَاتِها اللَّعِبَ والمَرَحَ..

     

    النَّاظِرَةُ دَخَلَتْ بِهُدُوءٍ: «ما بِكِ يا حبيبتي؟.. لماذا أَنْتِ هُنَا وَحْدَكِ؟! هَلْ اشْتَقْتِ لِأُمِّكِ وأبيكِ... تُرِيْدِيْنَ العَوْدَةَ إلى المَنْزِلِ؟!».

     

    قالَتْ بِمَرَحٍ: «هيّا.. هيّا.. أُخْرُجِي إلى اُلْمَلْعَبِ.. الْعَبِي مَعْ صَدِيْقَاتَكِ.. سَتَعُوْدِيْنَ إلى البَيْتِ بَعْدَ سَاعَاتٍ قَلِيْلَةٍ..».

     

    لَمْ تَتَكَلَّمْ سماح.. دُمُوْعُها سَالتْ على خَدَّيْها..

     

    النَّاظِرَةُ: «ما الذي يُزْعِجُكِ؟! أَخْبِرِيْنِي.. أنا مِثْلُ أُمُّكِ..».

     

    فَجْأَةً عَادَتْ سارة لِتَطْمَئِنَّ على سماح..

     

    «أما زِلْتِ هُنا يا سماح!..».

     

    تَلتَفِتُ الطِّفْلَةُ لِلْنَّاظِرِةِ.. تَقُولُ:

     

    «سماحُ حَزِيْنَةٌ لِأنَّ الْمُعَلِّمَةَ اتَّهَمَتْهَا بِقِلَّةِ الأَدبِ.. وعَاقَبَتْهَا..».

     

    قَالَتِ النَّاظِرَةُ: «أَخْبِرِيْنِي بِمَا حَدَثَ.. سماح لا تُرِيْدُ قَوْلَ سَبَبَ حُزْنِها..».

     

    عَرَفَتِ النَّاظِرَةُ كُلَّ الحِكَايَةَ..

     

    شَكَرَتْ سارة لِصِدْقِها وقَوْلِها الحَقَّ، ولِأَنَّها لَمْ تَتْرَكْ سماح وَوَقَفَتْ إلى جَانِبِها... ولَمْ تَتَهَرَّبْ مِنْ خَطَئِها وتَنْسِبَهُ إلى غَيْرِها..

     

    احْتَضَنَتِ النَّاظِرَةُ سماح وسارة.. قالتْ:

     

    «لا بأسَ يا سماح.. يبدو أنَّ الصِّياحَ أَزْعَجَ الْمُعَلِّمَةَ.. هي لَمْ تَقْصِدْ أَنْ تُؤْذِيْكِ.. لَكِنَّها فَهِمَتْكِ خَطَأً..».

     

    «وأنْتِ يا سارة.. كَمْ أَنْتِ قَوِيَّةٌ وشُجَاعَةٌ.. لا تَخَافِيْنَ قَوْلَ الصِّدْقِ وَلَوْ عَلَى نَفْسِكِ..».

     

    أَرَادَتْ سماحُ أنْ تَشْرَحَ لِلْنَّاظِرَةِ... قَالَتْ بِصَوْتٍ مُرْتَجِفٍ:

     

    «أنا.. أنا.. لم أُخْطِىء في شَيءٍ.. شَعَرْتُ بِأَلَمٍ حَادٍ في أُذُنَيَّ مِنْ شِدَّةِ الضَّرْبِ على الطَّاوِلَةِ.. رَفَعْتُ صَوْتِي دُوْنَ قَصْدِ إِهَانَةِ أَحَدْ..».

     

    «ظَنَّتْ أنَّكِ تَسْتَهْزِئِيْنَ بها..».

     

    «لَمْ أَقْصِدْ ذَلِكَ..».

     

    «نَعَمْ يا حَبِيْبَتِي.. أَنَا مُتَأَكِّدَةٌ.. أَنْتِ طِفْلَةٌ مُهَذَّبَةٌ.. مُؤَدَّبَةٌ..».

     

    «إنَّها لا تُحِبُّنِي».

     

    «هي تُحِبُّكِ.. وتُحِبُّ كُلَّ رَفِيْقَاتُكِ بِالْمَدْرَسَةِ.. كانَتْ مُنْزَعِجَةً بِسَبَبِ الضَّجَّةِ داخِلَ الفَصْلِ.. أَرَادَتْ ضَبْطَ التِّلْمِيْذَاتِ..».

     

    «هذا لَيْسَ ذَنْبِي.. أنا كُنْتُ أَجْلِسُ دُوْنَ أَنْ أَتَكَلَّمْ.. دُوْنَ أَنْ أُشَاغِبْ.. أَجْلِسُ أَمَامَها مُبَاشَرَةً..».

     

    «لا تَحْزَني يا سماح.. سَأُعَالِجُ الأمرَ بِنَفْسِي.. اذْهَبِي الآنَ والْعَبِي مَعَ رَفِيْقَاتَكِ..».

     

    الْمُعَلِّمَةُ في غُرْفَةِ الْنَّاظِرَةِ:

     

    «هَلْ شَاغَبَتْ سماح وسَاهَمَتْ بالفَوْضَى والضَّجِيْجِ؟».

     

    «هلْ رَفَعَتْ صَوْتَها؟».

     

    «هل أَسَاءَتْ إِلَيْكِ إِسَاءَةً مُبَاشَرَةً..».

     

    أجَابَتْ الْمُعَلِّمَةُ:

     

    «لَمْ تَفْعَلْ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ..».

     

    «لِمَاذَا هَذَا العِقَابُ إذَنْ؟!».

     

    «تَحَدَّثَتْ بأُسْلُوبٍ غَيْرِ مُهَذَّبٍ».

     

    قالَتِ الْنَّاظِرَةُ:

     

    «عَبَّرَتْ بِبَسَاطَةٍ عَنْ مَشَاعِرَ أَحَسَّتْ بِهَا في لَحْظَتِهَا..».

     

    «أَرَدْتُ إشْعَارَ الفَصْلِ كُلِّهِ بِضَرُورَةِ الإِنْضِبَاطِ خَشْيَةَ العِقَابِ».

     

    «لَكِنَّها لَمْ تَفْعَلْ ما يَسْتَلْزِمُ مِثْلَ هَذَا العِقَابْ!..».

     

    «ما ظَنَنْتُ أَنَّها سَتَتَأَثَّرُ إلى هَذا الحدِّ!».

     

    «عَلَيْنَا إِصْلاَحُ الأَمْرِ معها..».

     

    فكَّرَتِ اُلْمُعَلِّمَةُ... قالَتْ:

     

    «الخَطَأُ خَطَئِي أنا، سَوْفَ أُعَالِجُهُ بِنَفْسِي».

     

    في الْيَوْمِ التَّالِي... داخِلَ الفَصْلِ نَفْسِهِ؛

     

    «تعالي يا سماح.. اسْمَعْنَ يا بَنَاتِي العَزِيْزَاتِ.. بالأَمْسِ أَخْطَأتُ بِحَقِّ صَدِيْقَتِكُنَّ سماح.. ما قَصَدَتُ إهَانَتَها.. كُنْتُ غاضِبَةً.. أَعْتَذِرُ مِنْهَا أَمَامَكُنّ جَمِيْعاً..».

     

    إحْمَرَّ وَجْهُ سماح خَجَلاً.. أَحْنَتْ رَأْسَها.. أَلْقَتْ بِنَظَرِها على الأَرْضِ..

     

    اقْتَرَبَتْ مِنَ الْمُعَلِّمَةِ... قَبَّلَتْها.. قالَتْ:

     

    «أنا الَّتِي يَجِبُ أَنْ أَعْتَذِرَ مِنْكِ.. لأَنِّي رَفَعْتُ صَوْتِي أَمَامَكِ.. سامِحِيْنِي..».

     

    قَالَتْ الْمُعَلِّمَةُ ضَاحِكَةً:

     

    «إِذَن.. تَعَادَلْنَا.. أَعْلَمُ أَنَّكِ لَمْ تَقْصِدي الإسَاءَةَ.. مِثْلِي تَمَاماً..».

     

    قَامَتْ سارة.. قَالَتْ:

     

    «أُرِيْدُ أَنْ أَقُولَ شَيْئاً..

     

    أعْتَقِدُ أَنَّا كُنَّا سَبَبَ ما أَصَابَ سماح بالأَمْسِ».

     

    «شاغَبْنَا كَثِيْراً حَتّى أَغْضَبْنَا الْمُعَلِّمَةَ.. عاقَبْتِ سماح بَدَلاً مِنّا.. هي لا تَسْتَحِقُّ العِقَابَ.. نَحْنُ مَنْ يَسْتَحِقُّ العِقَابَ..».

     

    قالَتْ طِفْلَةٌ أُخْرَى:

     

    «نَعَمْ.. هَذَا صَحِيْحٌ».

     

    قَالَتْ ثَالِثَةٌ.. رَابِعَةٌ.. خَامِسَةٌ..

     

    رَفِيقَاتُ سماح اعْتَذَرْنَ مِنْهَا وَمِنَ الْمُعَلِّمَةِ..

     

    قالَتْ سارة: «حَاوَلْتُ شَرْحَ ذَلِكَ لَكِ بِالأَمْسِ.. أَرَدْتُ الإِعْتِذَارَ.. كُنْتُ أَتَمَنَّى الوُقُوْفَ مَكَانَ سماح.. لَكِنَّكِ كُنْتِ غَاضِبَةً».

     

    فَرِحَتْ المعلمة..

     

    فَرِحَتْ سماح..

     

    فَرِحَتْ سارة.

     

    فَرِحَ الفَصْلُ كُلُّهُ..

     

    قَالتْ الْمُعَلِّمَةُ: «أنا الآن لَسْتُ غَاضِبَةً.. ولَنْ أَكُوْنَ بَعْدَ اليَوْمِ.. تَعَلَّمْتُ مِنْكُنَّ دَرْسًا عَظِيْماً.. عَرَفْتُ قِيْمَةَ شَجَاعَةِ الإِعْتِرَافِ بِالْخَطَأِ، وَالتَّرَاجُعِ عَنْهُ دُوْنَ تَكَبُّرٍ..».

     

    انْتَشَرَ الْخَبَرُ في الْمَدْرَسَةِ..

     

    أَقَامَتْ الْنَّاظِرَةُ احْتِفَالاً رَائِعًا كَرَّمَتْ فِيْهِ الْمُعَلِّمَةَ وجَمِيْعَ تِلْمِيْذَاتِ الفَصْلِ..

     

    قرَّرَتْ النَّاظِرَةُ تَسْمِيَةَ الفَصْلِ باسْمِ:

     

    «فَصْلُ الشَّجَاعَةِ واُحْتِرَامِ الآخرينْ».
     

     

    «كَفَى.. تَوَقّفْنَ عَنْ إِثَارَةِ الضَّجِيْجِ..».

     

    كلمات مفتاحية  :
    قصة هَلْ أَخْطَأَتْ سَمَاحْ

    تعليقات الزوار ()