عندما دخلت الروضة لأول مرة.. وكان ذلك منذ سنوات.. كان الأمر بالنسبة لي يشبه الكارثة..
وأذكر أنّ أبي وأمي أخذاني معاً الى الروضة.. وكنت أرتدي ثوباً أصفر، بأزرار زرقاء داكنة.. وياقة بزنار أبيض يحيط بأطرافها.. لا أنكر أني كنت سعيداً بثوب الجديد.. ولكني ما أن وصلت إلى المدرسة.. وعرفت أني سأنفصل عن أسرتي حتى بدأت البكاء.. وبعد أن كنت متحمساً فقدت كل حماسي في اللحظة التي سلمتني أمي إلى المدرِّسة التي كانت طيبة القلب.. لكنها لم تستطع أن تمنع دموعي من الانهمار مثل المطر..
وفي اليوم التالي.. أعلنت وبكل صراحة أنني لا أحب الروضة.. ولا أريدها.. وبدلت كل آرائي نحوها.. لا أحبها... لكن كل اعتراضاتي تحطمت أمام إصرار أمي وأبي على ذهابي إلى الروضة..
أحسست أنني مظلوم.. كيف ترميني أمي هذه الرمية القاسية.. من قال لها إني أريد أن أتعلم؟ أنا أريد البقاء في البيت..
وعندها بدأت ألاحظ أن مشاعري هذه يشترك معي فيها كل الأطفال في روضتي.. فعلمت أنني لست وحدي في إحساسي.. وبدأت أتعاطف مع غيري.. وبدأ غيري يتعاطف معي.. لأننا جميعاً نشعر بالمشاعر المؤلمة نفسها..
وكان هذا الإحساس الجماعي أول مرة أشعر به في حياتي.. وكان شعوراً جميلاً.. صرت أنتظره في كل مناسبة.. وحتى عندما أذهب إلى السينما.. وأرى الجميع فرحين مثلي.. أو عندما يمر مشهد فيه رعب وخوف وترقب.. ودهشة.. أشعر بأن كل من حولي مثلي..
وصرت عندما أدخل مكاناً جديداً فيه ورود ورياحين وجمال.. أشعر بالهدوء والسكينة.. وأرى ذلك على وجوه كل من حولي..
هذه لحظات لا تنسى.. وخاصة عندما نراها تمر مع غيرنا...