بتـــــاريخ : 10/12/2008 9:15:03 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1436 0


    إطلاق الدوال من أقفاصها

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : عبدالكريم يحيى | المصدر : www.arabicstory.net

    كلمات مفتاحية  :
    قصة إطلاق الدوال أقفاصها

    نسيج من الدوال ذو اتجاهين متوازيين في علاقات متغيرة باستمرار من حيث تأثير الزمان على الشيفرات التي يستخدمها القارئ، ومن حيث زمن كتابة القصيدة، فبينما زمن كتابة القصيدة يعود إلى أكثر من عشرين سنة مضت، ظننتها تتحدث عن الوضع الراهن، وهذا هو النص الذي تقرأه في الثمانينات فيعطيك مدلولات غنية، وحين تقرأه بعد عقدين من الزمن لا يبخل عليك بشيء فكلُّ شيء موجود داخل النص، الشاعر الموصليّ بشار عبدالله في منتخبات شعرية لا يلتزم بالسياق التاريخي لزمن كتابة النص، ويجري عملية (interchange(continual ولا يكتب الأفكار بالكلمات بل يرسم الكلمات بالأفكار والصور، ولهذا يجب هنا الانطلاق من الجزء، من المركز، من الفكرة الأساسية ثم الوصول إلى الفكرة العامة، وإذا كان الدال محدداً، فالمدلول منفتح على الكل المتكامل كنسيج متصل بعلاقات تتسع وتختلف في كل قراءة جديدة: 

     

    ترتع السواحل بزرقة البحر

     

    لكنها، عبثا ستكتشف

     

    بأن صبغة ماء البحر

     

    هي زرقة وجوه الغرقى

     

    1-التأرجح بين الفكرة والأسلوب:

     

    الأسلوب هو ساحل النص الذي يفيد القارئ المتمرس للإبحار في عباب الأمواج المتناقضة والمتضادة والمتلاحقة والمتشابكة في علاقات سبيية أو تقابلية أو تبادلية، وفي الخوض في هذه العلاقات التي يتكون منها شكل أسلوب الشاعر سينكشف جزء مهم من شكل الشاعر نفسه.

     

    وللشكل الخارجي دلالة على المضمون الداخلي، فالنظرات التي تكشف وَله العاشق تكشف بغض الحاقد، وكذلك أسلوب الشاعر يدل على مكمنه ربما لوما أبحرنا بالشكل الصحيح من الساحل الصائب إلى رأس الرجاء الصالح، لنلتف عائدين إلى الدال الأول من حيث انطلقنا. 

     

    السواحل ترتع وتكتشف، فعلان مضارعان في علاقة سببية، الرتع سبب ونتيجته الاكتشاف في أسلوب مباشر لا يوجد فيه أي انحراف، ولكن بسبب أصالة وجودة الصورة الشعرية، وغموض دوالها، ستعلق لغة النص الخاصة المبتكرة في ذهن القارئ، فالمفهوم هنا غير مستعارة ولا مستهلك، وهناك علاقة تقابلية بين زرقة البحر وصبغة ماء البحر، فبينما قال أولاً زرقة البحر، عمم الزرقة للبحر ككل، وخصص الصبغة لماء البحر، لأنَّ زرقة ماء البحر أقرب إلى المجاز من زرقة البحر ككل، وهناك علاقة تبادلية بين صبغة ماء البحر، وزرقة وجوه الغرقى:

     

    ترتع × تكتشف   } علاقة سببية

     

    زرقة البحر × صبغة ماء البحر } علاقة تقابلية

     

    صبغة ماء البحر × زرقة وجوه الغرقى } علاقة تبادلية  

     

    والرتع الاتساع في الخصب، وفي الحديث الشريف(إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)شبَّه الخوض في ذكر الله بالاتساع في الخصب، وقالت خنساء بنت عمرو:

     

     ترتع ما غفلت حتى اذا ادكرت           فانما هي إقبال وإدبار

     

    والتبادل علاقة متبادلة بين لفظ وآخر أو صورة وأخرى، فالربط بين آثار صبغة ماء البحر وزرقة وجوه الغرقى سيمنح القارئ قدرة فرصاً أوسع بسبب جمالية العملية التبادلية، والعلاقة التقابلية هي جعل صورة متخيلة أكثر قبولاً في مخيال القارئ من خلال صورة تقابلها في الواقع، زرقة البحر هي صبغة ماء البحر التي اكتسبها، أما العلاقة السببية فلكل سبب نتيجة، فلولا رتعت واتستعت لما اكتشفت الغرقى، وقد يقودنا إلى البحث عن سبب الغرق والذي هو عطب المركب كان سبباً للغرق، والعطب سببه انعدام كفاءة القبطان، وانعدام كفاءة القبطان سببها نفاق الغرقى الذين صفقوا للقبطان قبل غرقهم، ونفاقهم سببه الطمع والحرص، وحرصهم سببه جهلهم، فلو علموا لمَا حرصوا، هذه الرؤية التي رآها الشاعر في الثمانينات تحققت في الواقع بعد أكثر من عقدين من الزمن، وهي تتكرر في حقب التاريخ كافة، ولكننا نرتع غافلين مسرعين ولا نتوقف قليلاً لعلنا نتذكر شيئاً مما ذكرنا به ونسيناه، ومنه الحديث الشريف(وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلمّ) والحبط انتفاخ البطن، والربيع ينبت أحرار العشب وأنواعها فتستكثر من الماشية فيقتلها أو يقرب من قتلها.

     

    2- تكرار العلاقات وتغير الدوال:

     

    الدوال تنطلق من حبسها بالتكرار، وتكرار الأسلوب ترصيع للدوال وتكرار الألفاظ ترقيع للدوال، وفي هذا التكرار تأكيدٌ للحضور واستحضار للمغيَّب من المقطع الأول في المقطع الثاني:

     

    تمر الريح وتنحني

     

    إجلالا للفراغ

     

    الذي خلفته الغابة المحترقة

     

    فإذا كانت السواحل في الأول ترتع وتكتشف، ففي الثاني الريح تمر وتنحني، وهذه مقابلة بين مقطعٍ وآخر، والتكرار في الأسلوب لا يؤاخذ عليه، لتغير الدال وانطلاق المدلول إلى علاقات أوسع، تجدد الفكرة والصورة والمفهوم، هذا النوع من التكرار هو عبارة عن مقابلة كل لفظة من المقطع الأول بلفظة على شكلها في المقطع الثاني، وهذه المقابلة زينة اللغة كترصيع التاج بالفصوص والأحجار الكريمة ومن أمثلته الشريفة في الكتاب العزيز قوله تعالى(إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم) وقوله تعالى(إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم) وهذه هي المقابلات: السواحل × الريح +  ترتع × تمر +   تنحني × تكتشف +   البحر × الفراغ

     

     + الغرقى × الغابة المحترقة

     

    1-   الجدول الأول:

     

     

     

     

    ت

     

    المقطع الأول

     

    المقطع الثاني

     

    1-

     

    السواحل ترتع

     

    الريح تمر

     

    2-

     

    السواحل تكتشف

     

    الريح تنحني

     

    3-

     

    البحر

     

    الفراغ

     

    4-

     

    وجوه الغرقى

     

    الغابة المحترقة

     

     

     

    2-   الجدول النقيض

     

     

    ت

     

    المقطع الأول

     

    المقطع الثاني

     

    1-

     

    السواحل تمر

     

    الريح ترتع

     

    2-

     

    السواحل تنحني

     

    الريح تكتشف

     

    3-

     

    الفراغ

     

    البحر

     

    4-

     

    وجوه الغابة

     

    احتراق الغرقى

     

     

     

    يحقق هذا التكرار بتناقضاته تماساً مع أفق انتظار القارئ، الذي سيألف الفكرة العامة ضمن هذا السياق المتجدد باستمرار من الصور واللوحات.

     

    وقد (درس الباحث الألماني (ماتشر) اللغة الألمانية، وتراكيبها في المجتمع النازي، مع مقارنتها بغيرها في مجتمعات أخرى؛ وانتهى إلى أن (الصور النحوية) في مجتمعات المساواة تركز على (المحمولات) التي يعيش القائلون وفق قيمها، بينما لغة المجتمعات المتراتبة تعمد إلى التحريض، والحث اللذين يكسبان تراكيبها طابع السحر والتقديس، وهكذا لا تعود العلامات اللغوية مثل (الأشياء)، بقدر ما هي تتحول هي نفسها إلى (أشياء)، فتحتل مكاناً في سلم القيم، كما تسهم في الشعائر؛ وبينما نجد (اللغة) في المجتمعات الديمقراطية ملكاً لكل الناس، وتتطور بحرية تامة، نجد أن اللغة في المجتمعات المتراتبة يتم تجميدها، بحيث تصير تكتسب طابعاً شعائرياً، ومقدساً)[1]

     

    وهو عينُ ما حدث وأنفُ ما لم يقع في مجتمع الثمانينات، ولم يلحظه الراتعون.

     

    3-بين الوجود الذاتي والوجود الموضوعي:

     

    في المقطع الثالث والرابع والخامس خطاب موجه إلى الآخر المختلف والمتغطرس الصائل، وأنا اعتقدها لغةً قوية وواضحة، تستحق أن نقف أمامها بإجلال وليست بحاجة إلى نقد أو تحليل أو تعليق، إنَّها لا تحتاج شيئاً سوى قراءة غير اعتيادية، قراءة متأنية يسبقها عشر قراءات، لأنَّها تستحق القراءة

     

    وانت تمرق وتخرق حاجز الصوت

     

    ايهّا الطيار المتغطرس،

     

    قد تجهض جنيناً،

     

    لكنك لن تجهض خير الله المعقود

     

    فوق نواصي الجياد الاصيله

     

    لانك ابداً

     

    لن تخرق حاجز الصهيل!

     

     

    * * *

     

     

     

     

    طائرات الحلفاء

     

    تمزق كل مساءٍ

     

    قميص سماء مدينتنا الازرق،

     

    وبابرة صبرٍ

     

    وخيط حنان

     

    نرفو كل صباح

     

    قميص السماء الممزق.

     

     

    * * *

     

     

     

     

    كان طريقي

     

     

    الى منزل السياب

     

    يحدثني بالنوق العصافير

     

    التي قادها لابنة الجلبي

     

    وحين سقطت قنبلة

     

    صارت النوق خيولا

     

    وطارت العصافير

     

     

     

    كلمات مفتاحية  :
    قصة إطلاق الدوال أقفاصها

    تعليقات الزوار ()