بتـــــاريخ : 10/12/2008 8:29:03 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1341 0


    بقرة للبيع، ليست صفراء

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : عبدالكريم يحيى | المصدر : www.arabicstory.net

    كلمات مفتاحية  :

     

    بحلول الربيع كان الآغا قد عاش نصف قرن، ولو سألته، لأجابك بابتسامة:" كالحلم، مرَّتْ سريعاً قبل أن نحقق شيئاً". وبعد الإهانة التي لحقته، صار يكره الجميع، حتى الذين يحبونه، فقرر ترك القرية، كان يرعبه بقدر ما يجذبه، التخطيط للانتقال إلى قرية جديدة.

     

    -       أبداً لم تخبرني عمتي عن سرّ القتيل وعلاقته بالبقرة!!

     

    -       هناك أسرار أخرى كثيرة.

     

    -       كأنني كنتُ هنا من قبل أستمع للقصة عينها. أخبرني عنها؟

     

    -       سأخبرك فيما بعد.

     

    -       أخبرني عن قصة شيرو.

     

    -   هذه القصة حدثت في هذه القرية لكن بلغةٍ أخرى. كان شيرو يتكلم بثلاث لغات، ومن فرط طيبته يشفق على الشيطان نفسه، يسامح الذي أساء إليه، سَرَقَوا بطولاته ونسبوها لأنفسهم، ورغم ذلك لم يتفوَّه بكلمة واحدة، كان شجاعاً وكريماً و....الخ.

     

    -       لكن لماذا طلَّق زوجته؟

     

    -       لأنَّه لم يهتم يوماً بما سيقوله عنه الناس.

     

    -       وما علاقة الناس بطلاق زوجته؟

     

    -   اشتكى له أحدهم سلاطة لسان زوجته، فقال له طلقها، فقال لا أقدر بسبب كلام الناس، فقال له: طلقها ولا تبالي بأحد، فسأله: ومن يقدر على تحمل كلام الناس؟ قال كلنا يقدر ولكننا نخاف المحاولة، أنا سوف أطلق زوجتي رغم إنني أحبها، وأمهلني أسبوعاً، وخلال هذا الأسبوع بدأ يتحجَّج على زوجته، وصار يشتمها ويضربها بسبب وبدون سبب، لأنَّها علمت بقرار زوجها على تطليقه، كما علمت القرية برمتِّها، لم يصدر منها أي شيء ولا كلمة تأفف، فاحتار كثيراً في اليوم الأخير، وهو يتأملها وهي تهزُّ منخل الطحين، صَرَخَ فجأة(وجدتها!! وجدتها)وأسرع نحو زوجته وقال لها(ألحقي ببيت أهلك، فأنتِ طالق)وراحت تولول وتبكي، وخرجت وخلفها صغارها الأربعة يبكون، كفروخ البط خلف أمهم وهي تحمل بيدها الطفل الخامس الرضيع، سأله الناس: لِمَ طلقتها؟ قال: مائة مرة قلتَ لها حين تهزُّين منخل الطحين لا تهزِّي مؤخرتكِ، أهل القرية ضحكوا سنين طويلة، يمدُّ أحدهم يديه أمامه وكأنَّه يهزُّ المنخل، كيف للعجيزة ألاّ تهتز؟ مستحيل!! كلمَّا رأوه مدّوا أيديهم أمامهم كأنهم يمسكون بالمنخل ويهزّون مؤخراتهم ويضحكون، وسموها رقصة هَزِّ المنخل وانتشرت في القرى كالنار في الهشيم، لم يستطع تحمُّل السخرية، فَهَجرَ القرية،.

     

    -       وإلى أية قرية هاجر؟

     

    -       لا تقاطعني.

     

    "هنا انقطعت الكهرباء من المولدة الخاصة، فجأة، فضربت قبضة يدي اليمنى بكفِّ اليسرى، نسيتُ أنْ أحفظ ما كتبته، وضاعت عليَّ الكثير من الأحداث الجسيمة، فجلبتُ الفانوس، جاءتني رسالة بالموبايل من المهندس سامان-نجحتُ في تجربة مدفأة حطب بلا دخان- ليلا يتساقط الثلج كنتف القطن، ثمَّ يختفي قبل العصر إلا في قمم الجبال المحيطة بنا."

     

    -   وَصَلَ إلى القرية التي التقى بها زكية، كان يحبها بصمت، وبدأ يتحرَّج ويميل إلى العزلة ليتحاشى نظراتها، منذ كان صغيراً، بل قبل ولادتها، قرر والدها إذا جاء المولود أنثى فهي لشيرو، كانت زكية مرهونة باسمه، شيرو لزكية وزكية لشيرو، ولكن بعد أنْ كَبُرَت ومات والد شيرو، وساءت حالهم، ما كانت أمُّ زكية لترضى أن تزوجها لشيرو..

     

    -       ووالدها أين ذهب؟

     

    -   قلتَ لك لا تقاطعني، ولا تتعجَّل، والدها قال مرةً لو أن شيرو تقدَّم وطلبَ يدها، لوافق على الفور، لكنَّ شيرو أحجم وتردد كثيراً.

     

    -       جبان.

     

    -       قلت لك لا تقاطعني.

     

    -       آسف فأنا أفقد السيطرة أحياناً.

     

    -       لا تدري كم يوجعني أن أخبرك بالحقيقة وأنا أعلمُ أنَّك لن تحتفظ بالسر.

     

    -       سأفعل إن شاء الله...فقط تكلَّم ولا تتوقف.

     

    -   سآتيك من النهاية، بعد الدمار الذي حلَّ بقريتنا أثناء فرارهم الأول إلى ما وراء الجبال، طرقٌ ومسالكٌ وعرة لا يعلم بها إلا الله، وحيث وحدهم يهتدون إلى الطرق، ولا تستطيع عصابة أبو حديد اللحاق بهم، ولكنَّ الطبيعة القاسية قتلت منهم عدداً، ما كان أبو حديد نفسه ليعجز عنه، وعندما جاء أبو حديد وعصابته في المرة الثانية مع خدرو، كان شيرو يقفُ مع الآغا بمفرده، والقرية كلهم كانوا قد فرَّوا إلى ما وراء الجبل، وكان الآغا مستعدٌُّ لأية شروط مقابل تركه على قيد الحياة، لكنَّ أبو حديد ما سيبهجه شيء أكثر من إهانة الآغا، بتمريغه بالتراب والاستمرار برفسه على بطنه، شيرو قفزَ على أبو حديد وضربهُ بحجارةٍ على رأسه فقتله في مكانه، واستلَّ بندقيته منه وقتلَ اثنين من عصابته ففرَّ البقية، وكانوا لا يزيدون عن سبعة، أي أن الذين فروا كانوا أربعة فقط، وماكان أحدٌ منهم معه بندقية، وإلا لسلبها الآغا ولكانت الآن بحوزتي، فقط أبو حديد كان بيده بندقية، وعصابته كانت معهم فؤوس صدئة، وكان يرتجفون من الجوع والبرد، وحال ما سالت دماء أبو حديد وشربتها الأرض، خرَّ خدرو على ركبتيه يتوسل الآغا ألا يقتله، لكنَّ الآغا أخذ البندقية من شيرو وأطلق عليه رصاصةً واحدة في رأسه، وشيرو يتوسلُّ الآغا ألا يفعل.

     

    "هنا قاطعتني ابنتي الصغيرة: بابا أحتاج الكمبيوتر؟ - لكنني مشغول بابا. – ما تكتب؟- أكتبُ قصة. – كيف؟ - قصة فحسب. – قصة كأفلام كارتون والرسوم المتحركة – لا بابا ليست أفلام كارتون. – كيف إذن؟ أنا أكتب قصة حقيقية. – حقيقية! – ليس تماماً."

     

    -   لكنَّ جَدِّي قال لي أنَّ الآغا اختبأ في بيته، وخبَّأ في بيوت القرية، بنادق كثيرة، وربطها بخيط يمرُّ عبر الزناد، وتطلق النار على العصابة كلما سحبَ الخيط، وقتل أبو حديد بمسدسه بعد مطاردةٍ مرهقة.

     

    -   لكن ذاك زمان البنادق القديمة، لا تطلق إلاّ بعد حشوها بالبارود مباشرةً، وقصة الخيط هذه اخترعها الآغا بعد الحادثة بعشرين سنة، حين شاهد فلماً هنديا يظهر البطل الذي يربط زناد البنادق بخيط يمسك طرفه بيده، ومسدس الآغا كان لعبة أطفال، ولا يصدرُ إلاّ صوتاً فقط، وكان أحد الإنكليز الذين زاروا قريتنا قد خدعَ والد الآغا وباعه هذه اللعبة، وهي موجودة عندي وإذا أحببت سأريك هذه اللعبة...

     

    -       مهما كان الخيال واسعاً، والحكايات كثيرة، لكنَّها أبداً لم تصل إلى الحقيقة كما حدثتْ أبداً.

     

    -   كيف لا تصدِّق أنَّ عصابة أبو حديد كانوا ستة رجال فقط، ولم يكن معهم سلاح سوى بندقية واحدة، بينما تصدِّق أسطورة البنادق التي تطلق النار بجرَّة خيط.

     

    -       للتأكد من الحكايات يجب التمييز بين مَنْ سَمِعَ وبين من رأى كل شيء..

     

    -       ومن هو الذي رأى كل شيء؟

     

    -       جدتي لأمي زكية قبل وفاتها حكت لي الحقيقة.

     

    -       وكيف كان لها أن ترى كلّ شيء.

     

    -   لما شبَّتْ زكية، كانت قد فاقت فتيات القرية حسناً وجمالاً، بعينيها الزرقاوين، وجديلة شعرها التي كادت تلامس الأرض، فخطبها الآغا لأبنه محمود، والذي كان قبل قدوم أبو حديد، قد سقط وكسرت قدمه وأصيبَ برضوض في ظهره، ولم يتمكن من الهرب، وبقيت زوجته بجواره، وشيرو الذي كان يحبُّ زكية لم يكن قد تزوج بعد، وآثر البقاء ليحمل زوجها الكسيح فيما لو اضطروا للهرب، وحادثة إصابة محمود ابن الآغا لا جدال عليها حيث يعرفها كل أهل القرية.

     

    -       لكنَّ جَدَّك اسمه بهزام.

     

    -       هذا جدي لأبي أيها الغبي.

     

    -       هل تريد أن تجنني..

     

    -       نسيتُ أن أقول لك أنَّ زكية ليست جدتي، ولكنَّها زوجة جدي.

     

    -       وما هو اسمُ جدك هذا؟

     

    -       زكية تزوجت العديد من الرجال، كانت هي تصرُّ أنَّهم أربعة فقط، والحقيقة أنَّ الشيطان نفسه لا يعلم عددهم.

     

    -       أنت تقصد أنَّ شيرو كان أحد أزواج جدتك.

     

    -       كلا كان يحبُّ جدتي زكية فقط.

     

    -       وكم عدد الذين كانوا يحبون جدتك زكية؟

     

    -   كل رجال وشباب القرية والقرى المجاروة يحبونها، حتى الذين لم يروها. هكذا أوحت لي رحمها الله، وشيرو كان لا زال يحبها ومن أجلها بقيَ مع الآغا.

     

    -       وهذا ما يؤيد نظريتي!!

     

    -       وماذا تقول نظريتك اللعينة؟

     

    -   تقول بما أنَّ زكية ذات عينين زرقاوين وزوجها محمود بن الآغا أيضاً كان أشقراً وأزرق العينين، بينما أمُّك وأخوالك كلهم سُمر مع عيونٌ صغيرة كعيون الكوريين، أو بالأحرى كعيني شيرو.

     

    -       ما مذا ماذا قلت يا ابن العاهرة...قل...ماذا قلت...

     

    -   قلتُ أيها الآغا قصتك تستند على قصتي التي رويتها لك سابقاً، أنَّ محمود آغا كان عنيناً وبالتالي فإنَّ زوجتك هي أختك....ههههههه هههههههههه هههههههه.

     

    -    سأقتلك أقسم بالله سأقتلك...... ظلَّ الآغا يصرخ بها، وأرسل نظره إليه وهو يركضُ مبتعداً سابحاً في السراب، ورائحة الأعشاب الندية المختلطة برائحة الأغنام، وقد اقترب من بيوت القرية البعيدة. تلك الليلة لم يأكل الآغا شيئاً ولم ينم، وتذكر الوصية التي أخلَّ بها، وطوى في أعماقه إحساساً بالمهانة، وهجر القرية، ولم نسمع عنه شيئاً إلا بعد أربع سنوات تقريباً، في قرية بعيدة، حيث صارَ شيخ طريقة هناك، ومنها انطلقَ إلى قرى أخرى كثيرة، صارَ له في كلٍّ منها مقامٌ يزوره الكثير، وأسس قرى عديدة، وبنى مدينة كبيرة وأرسل الملك في طلبه، وعينَّه مستشاره الشخصي، ورافقه في غزواته العظيمة نحو مغرب الشمس...

     

    "وهنا دقَّت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، فحفظت الملف وأطفأت الحاسبة، وانطفأت كهرباء المولدة الخاصة، وحين عادت الكهرباء كان الملف قد عاد إلى حالته الأولية قبل البدء برحلة عنقاء مغرب وترجمان الأشواق لعين الشمس بنت أبي شجاع زاهر بن رستم
    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()