بتـــــاريخ : 10/12/2008 8:06:10 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1179 0


    بائعة الحريقة

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : علي الحامدي | المصدر : www.arabicstory.net

    كلمات مفتاحية  :
    قصة بائعة الحريقة

    الندى يعانق الأوراق ،أسراب الطيور بدأت رحلتها ، نسائم الصباح الرقراقة تأخذني بعيداً وأنا جالس على شفا ( الحرف ) ، يمتد بي النظر إلى الأفق وهو يغدو ويجيء ، العجوز تشق طريقها على حمار تسوقه ، لم أشهد لمرة واحدة أن رأيتها وهي تعتلي ظهره ،تحزم عليه ( بقشة) وخرجين محشوة بالحريق ، أخذت طريقها نحوي تنعطف متتبعة حوافر الدواب البارزة في ظهر الأرض ،اقتربت أكثر، وقفت احتراما أنتظر صباحها المرسوم على وجهها وآثار السنين قد طبعت على محياها ،لم تنس أن تسلم ككل صباح ، واستمرت تنشدني حتى غابت عن سمعي وبصري قاصدة القرية التي لا تبعد كثيراً ، ظلت عيناي تتبعانها وشفتاي ترددان يا لها من عجوز ....!!! ترى من سيشتري منها الآن بعد أن دخل إلى عالمنا الصابون ؟
    الغريب أنها تعود بالخروج فارغة ، أتعرفون ما تبيع ؟ أتعرفون ما الحريق ؟ سيدتي العجوز تعيش في البراري تجمع ما جف من نبات (الحمض) وتشعل فيه النار حتى يترمد، فتجمعه شيئاً فشيئاً ، يجيء الصباح الآخر ، تعاود الكرة بإصرار متحدية كل السنين القاسية ، لم يسبق أن أكلت تحت ضرسها شفقة ولا لاك لعابها زاد عفن ، رسمت خطاً مستقيما في التراب وظلت تتبعه بلا تردد ، كل الذين يمرون بضاحيتها يبادرهم خيط الدخان المتصاعد فيمكثون بعريشها الصغير يرشفون فنجان البن العبق ،ويأنسون بحكاية أو بيت شعر يرددونه في طريقهم إلى حيث تكون الوجهة ،أنذاك كانت الحريقة بمثابة الصابون ، لم تكن القرية تعرف سوى الحريق لبشرة أكثر صفاءً ونقاءً، لم تكن العجوز تبيع الحريق فقط أو أن القرية لم تكن تشترى الحريق للحريق ، كانت وسيلة تتعرف بها القرية على كل صغيرة وكبيرة ، فناجين القهوة في كل بيت تفوح منها رائحة الهيل والزعفران مع حكاوي الجدة ، حرص الناس على الشراء حتى وإن تكومت الحريقة في مخابئها ، هكذاتعيش العجوز وهكذا تفتح البيوت والقلوب أشرعتها علها تعود ذات يوم إلى شواطئها .
    مر اليوم التالي وأنا أنتظر لكنها لم تأت ، لبست رداء القلق ، ثم غابت لليوم التالي واستمرت في الغياب وكأنها تعاقبني ، أقسمت أن أذهب اليها إن لم تجيء ، علمت بشوقي اليها فجاءت ، لكنها حين تجيء هذه المرة فلن تأتي بعدها أبداً ، المشهد أفجعني حين رأيتها محمولة يتجهون بها الى مقبرة القرية ، عرفت جثمانها لم أسأل أحدا ، خرجت القرية تتبع رائحتها حتى توارت، ثمة رائحة كانت تنبعث من نعش الجدة هي أشبه برائحة نباتات البر العطره، توارت الجدة ولازلت انتظر قدومها علها تعود، ،وسكبت دمعة على فقداني ذلك الأثر الجميل ، رحلت العجوز تاركة أخبار القرية ،ولم يعد هناك سوى عبيرها الذي مزجته الرياح مع غيره فرحل هو الآخر ،و لم نعد نسمع سوى صد ى أصوات مزعجة، لم نسمع أن فلاناً جاء أو رحل ، غلقت الأبواب وتوحشت القرية ، وكأنها تلبس رداءً أسود حزناً على تلك العجوز، وبقيت على الحرف واقفاً بلا ظل ، انتظر الشروق عله يسفر من بين ثنايا أشجار الأثل الكثيفة ما يبدد الضباب العالق في الأفق

    كلمات مفتاحية  :
    قصة بائعة الحريقة

    تعليقات الزوار ()