أعظم امرأة بركة على قومها
* عن عائشة قالت : لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبابا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن شماس ، أو لابن عم له ، فكاتبته على نفسها ، وكان امرأة حلوة ملاحة لا يراها أحد إلا أخذ بنفسه ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم لتستعينه في كتابتها . قالت : فوالله ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي فكرهتها وعرفت أنه سيرى منها ما رأيت ، فدخلت عليه فقالت : يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك ، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن شماس ، أو لابن عم له فكاتبته على نفسي ، فجئتك أستعينك على كتابتي . قال : " فهل لك في خير من ذلك " ؟ قالت : وما هو يا رسول الله . قال : " أقضي عنك كتابك وأتزوجك " . قالت : نعم يا رسول الله قد فعلت : قالت : وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد تزوج جويرية بنت الحارث فقال الناس : أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلوا ما بأيديهم . قالت : فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطفى فما أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها .
درجة الحديث عند أهل العلم :
صححه العلامة المحدث الألباني
غريب القصة :
- المصطلق : لقب جذيمة بن سعد من خزاعة .
- سبايا : هم الأسرى ، فالغلام سبي ومسبي ، والجارية سبية ومسبية وجمعها سبايا
- جويرية بنت الحارث : الخزاعية المصطلقية كان اسمها برة فسماها النبي صلى الله عليه وسلم جويرية ، قتل زوجها مسافع بن صفوان المصطلقي يوم المريسيع وهو من ألد أعداء الإسلام وأكثرهم خصومة . انظر أسد الغابة ( 7/56) والإصابة ( 4/256) .
- ثابت بن قيس بن شماس : من كبار الصحابة خطيب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو من المبشرين بالجنة ؛ عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أفتقد ثابت بن قيس ، فقال رجل : يا رسول الله أنا أعلم لك علمه ، فأتاه فوجده جالساً في بيته منكساً رأسه ، فقال : ما شأنك ؟ فقال : شر ، كان يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم فقد حبط عمله وهو من أهل الأرض ، فأتي الرجل فأخبره أنه قال كذا وكذا ، فقال موسى بن أنس : ( الراوي ) فرجع المرة الآخرة ببشارة عظيمة ، فقال : اذهب إليه فقل له : إنك لست من أهل النار ، ولكن من أهل الجنة . رواه البخاري ( 6/620ـ فتح ) .
- كاتبته : المكاتبة هي بيع السيد رقيقه نفسه بمال ، ومتى أدى المكاتب ما عليه لسيده أو ابرأه منه عتق .
- ملاَّحة : بالتشديد أبلغ في الملاحة كقوله سبحانه: { ومكروا مكراً كباراً } . [ نوح : 33] .
- كرهتها : الكراهية هنا بمعني الخوف من أن يرغب فيها فيتزوجها لحسنها وملاحتها .
- فهل لك في خير من ذلك : قال الشامي نظرها صلى الله عليه وسلم حتي عرف حسنها لأنها كانت أمة ، ولو كانت حرة ما ملاء عينية منها لأنه لا يكره النظر إلى الأماء ، أو لأن مراده نكاحها ( عون المعبود 3/34 ) .
- أصهار رسول الله : الصهر يطلق على جميع أقارب المرأة والرجل ، ومنهم من يخصه بأقارب المرأة .
الفوائد والعبر
1- مشروعية تقسيم الغنائم .
2- مشروعية المكاتبة ، والأصل فيها قوله تعالى : { والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكتبوهم إن علمتم فيهم خيراً } [ النور : 33 ] .
وفي الحديث : "ثلاثة حق على الله تعالى عونهم : المجاهد في سبيل الله ، والمكاتب الذي يريد الأداء ، والناكح الذي يريد العفاف " : . رواه أحمد والترمزي وغيرها وحسنه الألباني في صحيح الجامع .
3- الغيرة من طبيعة ( المرأة ) .
4- عناية الإسلام وحرصة على أخذ رأي المرأة عند الزواج .
5- الولي هو يزوج نفسه ؛ ( قاله أبو دواد ) .
6- فيه جواز انعقاد نكاح النبي صلى الله عليه وسلم بلا ولي ولا شهود ، وهو من خصائصه قال ابن الملقن في غاية السول : " في انعقاد نكاح بلا ولي ولا شهود وجهان :
احدهما : لا ، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلى بولي وشاهدي عدل " ، وأصحهما : نعم لأن اعتبار الولي المحافظة على الكفاءة ولاشك فيه أنه صلى الله عليه وسلم فوق الأكفاء ، واعتبار الشهود لأمن الجحود ، وهو عليه الصلاة والسلام لا يجحد ، وإن جحدت هي لم يرجع إلى قولها علىخلاف قوله ، بل قال العراقي في شرح المهذب : تكون كافرة بتكذيبه " .
1- زواج النبي الكريم من جويرية دليل ذكاء وفطنه وحكمة ، ومن حكم زواجه منها :
· إعانتها على العتق .
· كفالتها لأن وزجها قتل في يوم المريسيع .
· سياسة منه ليعتق المسلمون من بأيديهم .
· ليستعطف عشيرتها للدخول في الإسلام ، وكذا وقع .
قلت : ولم يتزوجها رسول الله لجمالها كما يتوهم ، وإنما حمل عائشة رضي الله عنها ذلك الغيرة كما هو معلوم عنها ، والله ولي التوفيق .
2- حب الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم وحياؤهم من أن يسترقوا أصهاره .
3- ثناء عائشة رضي الله عنها لجارتها جويرية