بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحور الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام ، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية .
أيها الإخوة ، وصلنا إلى موضوع يرتبط أشد الارتباط بواقعنا ، كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما استقر في المدينة أسس نظاماً عاماً أساسه التعايش السلمي ، وبالمصطلح الحديث : المواطنة ، وبالمصطلح الحديث : السلم الأهلي ، والمسلمون اليوم في بلادهم ، ومع من يعيشون معه من مختلف الطوائف ، والملل ، والنحل هو في أشد الحاجة إلى هذا المفهوم مفهوم أن تعيش مع الآخر ، مفهوم المواطنة ، مفهوم السلم الأهلي ، مفهوم قبول الآخر ، هذه المفهومات الطارئة في العالم الإسلامي اليوم ليس لها أصل في الدين ، إنها من البدع .
1 – سكان المدينة قبائل وعشائر :
إنّ النبي عليه الصلاة والسلام وجد في المدينة مزيجاً إنسانياً متنوعاً من حيث الدين والعقيدة ، وحيث الانتماء القبلي ، والعشائري ، ومن حيث نمط المعيشة ، المهاجرون من قريش ، والمسلمون من الأوس والخزرج ، والوثنيون من الأوس والخزرج ، واليهود من الأوس والخزرج ، وقبائل اليهود الثلاثة ، بنو قينقاع ، وبنو النظير ، وبنو قريظة والأعراب الذين يساكنون أهل يثرب ، والموالي ، والعبيد ، وغيرهم .
مهاجرون ، أوس وخزرج ، منهم مسلمون ، منهم وثنيون ، منهم يهود ، قبائل اليهود الثلاثة ، أعراب ، عبيد ، بالمصطلح الحديث : مجتمع فسيفسائي ، كبعض البلاد الإسلامية ، التي يقتتل أهلها ، فكيف وفق النبي بين هذه الانتماءات ؟ وبين هذه الاتجاهات وتلك الأديان ؟ بين المؤمنين بدين ؟ وبين الوثنيين ؟ بين المؤمنين بدين وهم مشركون ؟ وبين الموحدين ؟ هذا الذي نحن في أمس الحاجة إليه ، كي نستطيع أن نقف في وجه أعدائنا الذين يتربصون بنا الدوائر .
أيها الإخوة ، هؤلاء العناصر القبائل ، الطوائف ، المذاهب ، الأديان ، الأحرار العبيد ، الموالي ، الأعراب ، تتوزعهم التجارة ، والصناعة ، والزراعة ، والرعي ، والصيد والاحتطاب ، وكانوا يسكنون على هيئة قرى ، أو آطام ، أو حصون تحيط بها البساتين والأراضي المزروعة ، يدخلون حصونهم بعد حلول الظلام ، يحرصون منازلهم خوف الغزو والغارة .
2 – سكان المدينة يقطنون الحصون والآطام :
ويبلغ عدد آطامهم 59 أطماً ، ولكل عشيرة منهم زعامة تقوم على رعاية شؤونها ، وضمان عيشها ، وأمنها ، ولم تندمل بعد جراحات الأوس والخزرج التي خلفتها بينهم الحروب ، ولاسيما حرب بُعاث ، ويمكن وصف الحالة العامة في المدينة لأنها قائمة على تحكم النظام العشائري ، وأعراف القبائل السائدة ، مع شيوع الجهل والأمية لدى معظم سكان يثرب ، بينما كان أهل الكتاب أهل علم ، ودين ، ولكنهم يمارسون الربا واستغلال التجارة ، ويعملون على إثارة النزاعات بين الأوس والخزرج ليتمكنوا من ضمان سيادتهم ومصالحهم وسلامتهم .
هذا المجتمع النبوي الذي حكمه النبي ، هذا المجتمع المتنوع ، بين الدين الإسلامي ، وبين دين أهل الكتاب ، وبين الوثنية ، وبين العشائرية ، هذا المجتمع كيف ألف النبي بينهم ، وكيف وضع لهم نظاماً يغطيهم جميعاً .
أيها الإخوة ، هؤلاء من قريش ، ومن بني عوف ، ومن بني الحارث ، ومن بني ساعدة ، وبني جشم ، ومن بني النجار ، ومن بني عمر بن عوف ، ومن بني الأوس ، على ماذا اتفق النبي معهم ؟ ما النظام الذي جمعهم ، ما المعاهدة التي غطتهم ، ما القواسم المشتركة فيما بينهم ، في الدرس الماضي تحدثت عن خصائص هذه المعاهدة ، لكنني اليوم أدخل إلى بعض تفصيلاتها ، ونحن في أمسّ الحاجة إليها .
البند الأول : نصرة الضعيف :
المؤمنون لا يتركون مفرحاً ؛ أي مغلوباً ، أو فقيراً إلا ويعطوه بالمعروف ، أول بند نصرة الضعيف ، قال بعض العلماء : " الدنيا تصلح بالعدل ، ولا تصلح بالظلم " ، نصرة الضعيف ، يقول عليه الصلاة والسلام :
(( فَإِنّمَا َتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُم )) .
[ رواه النسائي عن مصعب بن سعد عن أبيه ] .
المجتمع الذي لا ينصر الضعيف مجتمع مخترق ، وإذا اُخترق المجتمع قوي عليه أعداءه ، وما من أمة تريد أن تكون محصنة إلا وتسعى لنصرة الضعيف ، والنبي عليه الصلاة والسلام يبين أن أحد أسباب النصر أن نعطي الضعفاء حقهم .
البند الثاني : ألا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه :
البند الثاني : وألا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه ، المولى تابع للمؤمن ، لا خيانة .
مثلاً : أنت صاحب محل تجاري ، ولك جار عنده موظف ، فتكلمت مع الموظف ، وقلت له : كم يعطيك سيدك ؟ قال لك : خمسة آلاف ، قلت له : أنا أعطيك سبعة ، تعال إلي ، أنت اتفقت مع موظف عند أخ لك ، وهذا معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( ليس منا من خبب امرأة على زوجها ؛ أو عبدا على سيده )) .
[ أخرجه أبو داود والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة ]
أيّ اتفاق بين رجل ولو على الهاتف ، اطلبِي الطلاق منه أنا أتزوجك ، لك بيت خاص ، أو خبب عبداً على سيده ، الآن موظف على صاحب المحل ، هذا اسمه تخبيب ، وقد لعنه الله عز وجل .
البند الثاني من بنود هذه المعاهد : وألا يحالف مؤمن مولا مؤمن دونه ، هذه الأساليب الملتوية ، هذا الخداع ، المكر ، الخبث ، ليس هذا من نصيب المؤمن .
البند الثالث : المؤمنون أيديهم جميعاً على من بغى عليهم :
وأن المؤمنين المتقين أيديهم جميعاً على من بغى عليهم ، ليس معقولاً أن تعتدي دولة على شعب أعزل في فلسطين ، وأن دولاً إسلامية أخرى تناصرها ، وتقيم فيما بينها علاقات دبلوماسية ، وتطبع العلاقات فيما بينها ، هذا مخالف لمنهج المؤمنين .
وأن المؤمنين المتقين أيديهم على من بغى منهم ، وأن أيديهم عليه جميعاً ، ولو كان ولد أحدهم ، هذه نقطة دقيقة جداً ، لو أن الأمة الإسلامية مليار وخمسمئة مليون سِلْمها واحدة ، وحربها واحدة ، وينطق باسمها إنسان واحد ، وأن الأمة الإسلامية بأكملها تحارب أو تسالم ، وأن الأمة الإسلامية بأكملها موقفها واحد من جهة واحدة ، أما هذا فله صلح ، وهذا معاهدة ، وهذا تطبيع علاقات ، هذا زيارات ، هذا عداء ، هذا حرب ، أحد أسباب ضعف المسلمين أن كلمتهم ليست واحدة .
( سورة الأنفال الآية : 46 ) .
بينما تتفنن إسرائيل بإبادة شعب بأكمله إبادة ، وبتدمير بلد بأكمله لبنان ، ودول أخرى تقيم فيما بينها علاقات ، وزيارات ، ومعاهدات ، وتناصح ، وتعاون ، وتآزر ، أهؤلاء مسلمون ؟! انظر إلى هذا العهد ، وأن أيديهم جميعاً على من بغى منهم ، ولو كان ولد أحدهم .
( سورة الحجرات الآية : 9 ) .
نشبت حرب بين العراق وإيران امتدت ثماني سنوات ، وذهب ضحيتها مليون إنسان ، ومرة وأنا أذكر هذا للتاريخ ، كان هناك مؤتمر للدول الصناعية في عاصمة بريطانيا ، وتلاسن زعيم غربي مع رئيسة وزراء بريطانيا ، فهددها الزعيم الغربي بماذا ؟ بإيقاف الحرب بين العرق وإيران ، هددها ، معنى إيقاف الحرب توقف بيع الأسلحة ، يعيشون على مآسينا ، يعيشون على اقتتالنا ، يعيشون على خلافاتنا ، يعيشون على العداوة فيما بيننا .
البند الرابع : ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم :
وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم ، وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس ، هذا المجتمع على تنوعه ، وعلى شرائحه ، وعلى أطيافه ، وعلى طوائفه مجتمع واحد ، هذا مفهوم التعايش ، هذا مفهوم المواطنة ، هذا مفهوم المجتمع السلمي هذا مفهوم قبول الآخر ، هذا توجي النبي ، هل هناك أعلم منه ، هذا توجيه سيد الخلق وحبيب الحق .
البند الرابع : أهلُ الذمة لهم الأمن والأمان في بلاد الإسلام :
وأنه من تبعنا من يهود فإن لهم النصر ، والأسوة غير ظالمي ولا متناصراً عليهم .
بصراحة زار إنسان بلدنا ، معه جواز سفر عليه تأشيرة ، تأشيرة دخول إلى سورية ، ما معنى هذا الكلام ؟ هو في عهدنا ، في ذمتنا ، هناك علاقات دبلوماسية ، وتأشيرة ، هذه التأشيرة ماذا تعني ؟ أن هذا المواطن الذي بيننا وبين دولته علاقات واتفاقيات ، وتبادل سفراء ، حينما دخل بلادنا بتأشيرة على جوازه مِن قِبَلنا هو إذاً في ذمتنا ، ماذا نستنبط ؟ أن خطف الأجانب لا يجوز .
نحن مع مجتمعات ثلاثة ، مع دار الإسلام ، ومع دار الحرب ، ومع دار الأمان ، دار الحرب اليوم ، بيننا حالة حرب ، دار الأمان بيننا وبين كل دولة بيننا وبينها علاقات ، واتفاقيات ، وتبادل سفراء ، ودار الإسلام بيننا وبين دول العربية والإسلامية .
إخواننا الكرام ، هذا كلام دقيق جداً ، أنا أقوله وفي نفسي ألم شديد : هذا هو الإسلام ، وأن سلم المؤمنين واحدة ، لا يسالم مؤمنٌ دون مؤمنٍ في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم ، فالأمة الإسلامية بأكملها تسالم ، أو الأمة الإسلامية بأكملها تحارب ، من هنا تنبع قوتنا ، من أين جاءت قوة الغربيين ؟ من أن واحد ينطق باسمهم جميعاً ، أوربا بأكملها ، الناطق باسمهم واحد ، علاقة كل هذه الدول مع أية قضية يقررها واحد ، من هنا جاءت قوتهم ، نحن مليار ونصف ، ونحن نعد ربع سكان الأرض ، ونحن نحتل أخطر مساحة على الأرض ، الشرق الأوسط ، ونحن نتربع على ثروات لا يعلمها إلا الله ، ومع ذلك أمرنا ليس بيدنا ، وليست كلمتنا هي العليا ، بسبب تفرقنا ، ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ .
الآن كما ترون انقساما بلبنان ، انقساما بالعراق ، انقسام في فلسطين ، أليس كذلك ؟ هذا فهم النبي عليه الصلاة والسلام ، وهذه سياسة النبي عليه الصلاة والسلام ، وهذا تدبير النبي ، وهذه حكمة النبي .
وأن سلم المؤمنين واحدة ، وأن حربهم واحدة .
لما اجتاحت العراق الكويت من الذي تدخل ؟ العالم الغربي ، من كان ينبغي أن يتدخل ؟ المسلمون ، بسبب قوله تعالى :
( سورة الحجرات الآية : 9 ) .
أنتم أيها المؤمنون :
( سورة الحجرات الآية : 9 ) .
حيوانان اقتتلا على قطعة جبن كبيرة ، احتكما إلى ثعلب ، فالثعلب ادعى أنه قاض نزيه ، جاء بميزان فوضع في كفة ثلثي القطعة ، وفي كفة الثلث ، فرجحت هذه فأكل من هذه نصفها ، فرجحت هذه فأكل نصفها ، رجحت هذه أكل نصفها ، بعد حين لم يبقَ شيء .
وهذا الذي حصل ، تنازعنا فيما بيننا فجاءوا ، ونهبوا ثرواتنا ، أخذوا النفط ، وأجبرونا على شراء أسلحة فوق طاقتنا ، ففي أول حرب انتقل إلى الغرب أكثر من 700 مليار ، والحرب الثانية كذلك ، أكبر كتلة نقدية كنا نملكها توجهت إلى الغرب ، كان الدينار بثلاثة دولارات ، الآن 1500 دينار بدولار واحد ، انهيار اقتصادي ، أين الثروات ؟ انتقلت ، ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا ﴾ ، أؤكد على هذا الدرس بأنه خطير ، لأن منهج النبي هكذا .
البند الخامس : المؤمنون المتقين على أحسن هدًى وأقومه :
وأن المؤمنين المتقين على أحسن هدًى وأقومه ، أنا أعيش مع إنسان غير مؤمن بعلاقات محدودة ، له وعليه ، ولي وعلي ، ليس معنى هذا أنه على حق ؟ لا .
أنت موظف بدائرة ، المدير العام ، ولتكن مدرسة ، ليس كما ينبغي ، أما أنا فواجبي أن آتي في الوقت المناسب ، وأن ألقي درساً ممتازاً ، وأن أعامل الطلاب معاملة جيدة ، وأن أحترم هذا المدير ، لا يمنع أن تكون أنت على هدى ، وهو ليس كما تتمنى أنت ، هذا لا يمنع أن تتعامل معه ، أنا أسميها علاقات عمل ، علاقات العمل لا شيء فيها إطلاقاً ، أنا لا أرضى لمؤمن أن يقيم علاقة حميمة مع غير المؤمن ، سفر طويل ، شركة اندماجية ، نزهة مشتركة ، مستحيل ، المؤمن عنده غيرة على أهله ، عنده حجاب ، المؤمن لا يجلس بمكان عام فيه خمور ، ونساء كاسيات عاريات ، و غناء ، مستحيل أن تقيم علاقة حميمة مع غير المؤمن ، أما لك أن تقيم علاقة عمل ، ولا شيء عليك أبداً ، المؤمن منفتح ، إيجابي ، بناء ، وليس مهدماً .
البند السادس : لا يحل لمقرٍّ بالوثيقة إيواء محدث ونصرِه :
وأنه لا يحل لمؤمن أقر في هذه الصحيفة ، وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً أو يؤويه ، كإنسان خرج على جمع المؤمنين ممنوع أن تؤويه ، أو أن تنصره ، وأن من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله ، وغضبه يوم القيامة ، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل .
إنسان يغش المسلمين ، لا تدافع عنه ، إنسان أتى ببضاعة ليست صالحة للاستعمال البشري ، والدوائر الرسمية منعت دخولها ، ممنوع عليك أن تتوسط له بإدخالها ، هذه البضاعة تؤذي المسلمين ، ليست معدة للاستعمال البشري ، معدة علف للحيوانات ، هذا إنسان بغى على المسلمين ، تدافع عنه ؟ تتوسط له ؟ .
وأنه لا يحل لمؤمن أقر في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً أو يؤويه ، وأن من نصره أو آواه عليه لعنة الله ، وغضبه يوم القيامة ، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل .
البند السابع : مرد الاختلاف والتنازع إلى الله ورسوله :
الآن : وأنكم مهما اختلفتم في شيء فإن مرده إلى الله ورسوله ، عند التنازع عندنا منهج الله ، وسنة رسول الله ، وهذا شيء رائع ، أنا حينما ارجع إلى تشريعات أرضية لا أحتمل ، هذا مساوٍ لي ، هذا ندٌّ لي ، أما حينما أرجع إلى تشريع سماوي الله فوق الجميع لذلك :
( سورة النساء الآية : 59 ) .
البند الثامن : لا يأثم امرؤ بحليفه :
وأنه لا يأثم امرؤ بحليفه ، الحليف ليس سبباً لعقاب أحد ، أنا حينما أحالف جهة تحت ضوء الشمس جهاراً نهاراً علناً ، أنا لا أحاسب على ذلك .
البند التاسع : النصر للمظلوم لا للظالم :
وأن النصر للمظلوم ، لا للظالم ، وأن الجار كالنفس ، غير مضار وآثم ، الجار يعامل كما يعامل المؤمن نفسه ، لأنه ألصق الناس به ، إلا أن يكون معتدياً أو آثماً .
وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث ، أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله ، وإلى محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن الله أتقى على ما في هذه الصحيفة وأبره .
البند العاشر : دفع المعتدي على المدينة :
وأن بين هؤلاء جميعاً بين هذه الطوائف ، والشرائح ، والأطياف ، والألوان والمذاهب ، والقبائل ، والعشائر ، وأن بينهم النصر على من دهم يثرب ، بالتعبير المعاصر اتفاقية دفاع مشترك ، لأن الإنسان هو الإنسان ، في كل زمان ومكان ، فلو كان بيننا وبين جميع المؤمنين والمسلمين معاهدات دفاع مشترك نافذة لا حبر على ورق ، فأيّ دولة تفكر أن تعتدي على بعض الدول ، تعدّ للمليون ، لأنها سوف تواجه مليارًا و500 مليون ، لكن يمكن أن تُهدم عزة بأكملها ، أن تُهدم كل بيوتها ، أن تُضرب محطات التوليد فتبقى بلا كهرباء ، وأن تُجرف بساتين الزيتون ، وأن تُردم الآبار ، وأن تُمنع الحركة ، وأن يقام جدار فصل ، والمليار ونصف يتفرجون ، أليس كذلك ؟ هذه المعاهدة .
وأن بينهم النصر على من دهم يثرب ، وإذا دُعوا إلى صلح يصالحونه ، فإنهم يصالحونه ، ويلبسونه ، دُعوا جميعاً إلى صلح نصالح ، دُعوا جميعاً إلى حرب نحارب أرأيت إلى هذه القوة ؟ والمنعة ؟ .
البند الحادي عشر : الظالم يعاقَب :
وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم ، الظالم يعاقب ، والآثم يعاقب والظالم والآثم ليس بإمكانه أن يحتج بهذا الكلام ، ولا تلك المعاهدة .
البند الثاني عشر : ساكن المدينة آمن فيها وآمن عند الرجوع إليها :
وأنه من خرج فهو آمن ، ومن قعد في المدينة فهو آمن ، إذا خرج يرجع ، إن خرج فهو آمن ، وإن قعد فهو آمن ، إلا من ظلم أو آثم ، وأن الله جار لمن بر واتقى ومحمد رسول الله .
أيها الإخوة الكرام ، هذه بعض فقرات هذه المعاهدة التي احتوت قبائل شتى وأديان شتى ، وعشائر شتى ، وأطياف شتى ، وألوان شتى ، من بدو ، إلى موالٍ ، إلى مهاجرين ، إلى أنصار ، إلى أوس مسلمين ، إلى أوس وخزرج مسلمين ، وإلى أوس وخزرج وثنيين ، وإلى أوس وخزرج يهود ، كل هؤلاء انتظمتهم هذه الاتفاقية ، هذا من تخطيط النبي عليه الصلاة والسلام ، وهذا من حكمته ، وهذا من منهج الله عز وجل .
\
ونحن أيها الإخوة ، ينبغي أن نرجع إلى أصول هذا الدين ، ينبغي أن نرجع إلى أصوله ، نهر بردى ، اذهب إلى ينبوعه ترى ماءاً صافياً ، عذباً ، ذلالاً ، اذهب إلى مصبه ترى ماءاً آثناً أسود اللون ، وكذلك الدين ارجعوا إلى أصول الدين ، إلى ينابيع الدين ، إلى الكتاب والسنة .
الآن أناس كثيرون يشترون من بلاد الغرب ولا يدفعون ، يشترون ببطاقة بمبلغ كبير ، ولا يدفعون ، متوهمون أنهم كفار ، وأن مالهم حلال ، وهذا منتهى الجهل ، النبي عليه الصلاة والسلام حينما أودع عنده المشركون والوثنيون وعباد الأصنام أموالهم ، وأراد أن يهاجر لمَ لم يأخذها معه لأنهم كفار ؟ أبقى ابن عمه علياً في فراشه ليرد الودائع إلى أهلها ، هذا منهج الله ، العدوان على إنسان مسالم لم يحاربك ، ولم يأخذ مالك ، لأنه غير مسلم هذا ، خطأ كبير ، كبير جداً .
أيها الإخوة ، الذي أتمناه عليكم من أعماق قلبي أن نفهم الدين من ينابيعه .
(( إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ )) .
[ أخرجه مسلم وابن ماجة عن أبي هريرة ] .
(( طوبى للغرباء : أناس صالحون في أناس سوء كثير )) .
[ أخرجه أحمد في مسنده عن ابن عمر ] .
ارجعوا إلى أصول الدين ، وقد قال عليه الصلاة والسلام :
(( تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما : كتاب الله وسنة رسوله )) .
[ أخرجه الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة ].
والحمد لله رب العالمين