بتـــــاريخ : 10/8/2008 4:50:09 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1586 0


    مقدمة فقة السيرة النبوية 2

    الناقل : heba | العمر :42 | المصدر : www.quran-radio.com

    كلمات مفتاحية  :
    فقه السيرة النبوية

     

    بسم الله الرحمن الرحيم

         الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

         أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس الثاني من دروس فقه السيرة النبوية ، نحن في باب كبير من أبواب العلوم الإسلامية ، بل في هذه العجالة إن شاء الله سوف أتحدث لكم ثانيا كمقدمة ثانية من نوع آخر حول قيمة هذا الموضوع الذي أعالجه أول مرة في تاريخ الدعوة .

         تحدثت عن شمائل النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من ثلاثين درساً ، وتحدثت عن سير الصحابة الكرام في أكثر من خمسين درساً ، وتحدثت عن التابعين الأجلاء في أكثر من خمسين درساً ، وتحدثت عن الخلفاء الراشدين في أكثر من ثلاثين درساً ، وعن أهل بيت النبي زوجاته ، وبناته ، وأمهات المؤمنين ، وتحدثت عن الأئمة الأربعة ، هذا كله في دروس سابقة ، ولكن لم أتحدث عن السيرة النبوية بشكل متسلسل ففي هذا المسجد الكريم ، وإن شاء الله سوف نبدأ هذه السلسلة ، ولكن لابد من إبراز قيمة هذه السيرة التي أُمرنا أن نأخذها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

         أيها الإخوة الكرام ، كلنا يظن أن النبي صلى الله عليه وسلم مكلف أن يبلغ ، لكن فيما يرى بعض العلماء أنه كما هو مكلف أن يبلغ بلسانه فهو مكلف أن يبلغ بأفعاله ، هو مبلّغ في أقواله وقدوة في أفعاله ، والذي أراه أن المهمة الثانية أكبر بكثير من الأولى ، وأخطر بكثير ، وأشد تأثيراً من التبليغ باللسان ، لأن أي إنسان طليق اللسان يتمتع بذاكرة قوية يمكن أن يبلّغ ، أما أن تكون في مستوى كلامك ، أن تكون صادقاً ، وقد دعوت إلى الصدق ، أن تكون أميناً ، وقد دعوت إلى الأمانة ، أن تكون عفيفاً ، وقد دعوت إلى ، هذا الذي ينقذنا الآن من مكر أعدائنا ، الإسلام كمعلومات ، كفكر ، ككلمات ، كمؤلفات ، كدروس ، شيء بلغنا ذروته ، أمّا الإسلام كسلوك ، كتطبيق ، كاستقامة ، كأمانة ، كصدق ، كعفة ، نحن في أمسّ الحاجة إلى ذلك ، ذلك أن الطرف الآخر الذي يتهمنا بأننا إرهابيون وقتلة ومتخلفون وجاهلون لا يرى الإسلام من مرجعياته ، بل يرى الإسلام من المسلمين ، أكاد أقول : إن أقوى دعوة الآن الدعوة الصامتة أي : أن تكون أمانتك دعوة ، وصدقك دعوة ، وعفتك دعوة ، وإنصافك دعوة ، وتواضعك دعوة ، نحن في أمسّ الحاجة إلى مسلم يمشي على قدمين ، نريد أن نرى عفة المسلم  ، وصدق المسلم ، وأمانة المسلم ، الإسلام لا ينتشر إلا بهذه الطريقة ، حال واحدٌ في ألف أبلغ في مقالة ألف في واحد ، ألف متكلم ، والذي يخاطبونه واحد قد لا يؤثرون فيه ، وحال واحد موصول بالله ، مطبق لِما يقول يؤثر في ألف ، لذلك قال بعضهم : كان أصحاب النبي e الواحد منهم كألف ، والألف من المسلمين المتأخرين المقصّرين كأفّ .

         هل يعقل أن يطلب سيدنا خالد النجدة من سيدنا الصديق ، ويقصد بالنجدة خمسين ألف مقاتل ، فيبعث له الصديق برجل واحد ، هو القعقاع بن عمرو ، يسأله سيدنا خالد : أين         المدد ؟ يقول : أنا ، أنت ؟! قال : أنا ، وهذا الكتاب ، قرأ الكتاب ، يقول الصديق رضي الله عنه : والله يا خالد إن جيشاً فيه القعقاع لا يهزم .

         نريد مسلماً كألف بالتطبيق فقط ، طبِّق يدخل الناس في دين الله أفواجاً ، وتحدث عن الإسلام ، وافعل عكسه يخرج الناس من دين الله أفواجاً ، طبق إسلامك واسكت ، يدخل الناس في دين الله أفواجاً ، وتحدث عن إسلامك وافعل العكس يخرج الناس من دين الله أفواجاً ، لذلك أرى أن مهمة النبي صلى الله عليه وسلم في التبليغ بأفعاله أبلغ بكثير من مهمة في التبليغ بأقواله ، هذه أول حقيقة ، نحن بحاجة ماسّة إلى مسلم يمشي ، إلى فتاة تلتزم منهج الله عز وجل ، نحن بحاجة ماسة إلى أن نرى الإسلام متحركاً ، بحاجة ماسة إلى أن نرى أن هذا الدين مطبقاً ، هذه نقطة أولى .

         النقطة الثانية أيها الإخوة ، أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم كلام رائع ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( أُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ )) .

    [متفق عليه ، واللفظ لأحمد]

         وقد علمونا في الجامعة أن أفصح كلام على الإطلاق هو القرآن الكريم ، ويأتي بعده كلام سيد المرسلين ، ويأتي بعد كلام سيد المرسلين كلام الإمام علي رضي الله عنه ، قال مرةً : " والله ، والله ـ مرتين ـ لحفر بئرين بإبرتين ـ مستحيل ـ وكنس أرض الحجاز في يوم عاصف بريشتين ـ أيضاً مستحيل ـ ونقل بحريين زاخرين  بمنخلين ـ أيضاً مستحيل ـ وغسل عبدين أسودين حتى يصيرا أبيضين ـ مستحيل ـ أهون علي من طلب حاجة من لئيم لوفاء دين " .

         أعلى كلامٍ كلامُ ربنا جل جلاله ، يأتي بعده كلام نبينا صلى الله عليه وسلم ، إلا أن الكلام معرّض للتأويل ، كيف ؟ ولو أن واحد قال : لله رجال إذا أرادوا أراد ، يأتي إنسان يفكر في هذا النص ، يقول : هذا عين الشرك ، أنا أقول : معه حق ، لأنه توهم أن هؤلاء الرجال لهم إرادة مستقلة عن إرادة الله ، صحيح هذا عين الشرك ، يأتي إنسان آخر يفهم هذا الكلام فهمًا آخر ، يقول : لله رجال إذا أرادوا أراد ، أي : هم مستجابو الدعوة ، هذا الكلام عين الإيمان ، إذاً نص واحد فهمناه فهماً هو عين الشرك ، وفهمناه فهماً هو عين التوحيد ، طيب :

    ( سورة الشمس ) .

         قد تفهم أن الله خلق فيها الفجور ، وهذا مستحيل ، لكن المعنى الدقيق أن الله فطرها فطرة حيث لو فجرت علمت ذاتياً أنها فجرت ، هذه الفطرة ، بونٌ شاسع بين أن تتوهم أن الله خلق في الإنسان الفجور ، وسوف يحاسبه على ما خلقه فيه ، وسوف يضعه في جنهم إلى أبدا الآبدين ، وبين أن يفهم الإنسان أن الله جل جلاله إنما فطر النفس فطرة عالية جداً حيث إنها إذا أخطأت تكتشف خطأها ذاتياً ، وهذا ما يسمى الآن الكآبة ، الكآبة معاقبة النفس لذاتها  ، فإذا خرج الإنسان عن مبادئ فطرته تعاقبه نفسه بالكآبة .

    ( سورة طه ) .

         النص إذًا يؤول ، مثلاً : الله عز وجل إذا أرسل نبياً ألقى الشيطان في أمنيته ، تنظر ، أيعقل أن يستطيع الشيطان أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ويلقي في أمنيته ؟ هناك معنى آخر ، هذا النبي الكريم إذا تمنى هداية خلقه ، يتمنى الشيطان إضلالهم ، كلام رائع  ، النص يحتمل تأويلات عدّة ، لذلك كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم نص ، يحتمل أن تفهمه فهماً بعيداً عن قصده ، عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( انْظُرْ إِلَيْهَا ، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا )) .

    [الترمذي]

         بعض المتفقهين استنبطوا من كلام النبي أن للخاطب أن ينظر إلى خطيبته كما خلقها الله ، مستحيل ، لا يقبل أيّ أب على وجه الأرض أن يري ابنته كما خلقها الله ، النص عرضة للتأويل ، لكن الأفعال حدية في الفهم ، لذلك لو أن إنسانًا تحدث عن رأيه في حجاب المرأة ، ندخل في مناقشات ، وفي حوارات ، وفي أدلة ، وفي رد على الأدلة ، وفي إثبات أدلة جديدة ، وفي تضعيف أدلة ، وفي إثبات أدلة ، كيف تخرج زوجته ، هو رأيه الحقيقي ، السلوك حدي ، فلذلك أول شيء أن السيرة النبوية هي التطبيق العملي للقرآن ، والله عز وجل حينما قال :

    ( سورة الحشر الآية : 7 ) .

    إذاً أنا أرى أن سلوك النبي صلى الله عليه وسلم أبلغ في التعبير عن فهمه لكتاب الله من كلامه ، لأن كلامه يحتمل التأويل ، بينما سلوك النبي صلى الله عليه وسلم سلوك حدي ، له تفسير واحد لا يحتمل التأويل ، ونحن الآن إن أردت أن تكون داعية والله عز وجل قال :

    ( سورة فصلت ) .

    فليس على وجه الأرض على الإطلاق بنص هذه الآية إنسان أفضل ﴿ مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ ، ولكن قلت مرة في مؤتمر في القاهرة : ما من عمل يتذبذب بين أن يكون أقدس عملٍ على الإطلاق وأن يكون أتفه عملٍ على الإطلاق كالدعوة إلى الله ، تكون أقدس عملٍ إذا بذلت من أجلها الغالي والرخيص ، والنفس والنفيس ، وتكون أتفه عملٍ إذا ارتزقت بها ، لذلك حينما قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : " والله لأن أرتزق بالرقص أهون من أن ارتزق بالدين " ، تغدو أقدس عملٍ ترقى إلى صنعة الأنبياء ، وتغدو أتفه عملٍ لا يستأثر إلا ابتسامة ساخرة .

         إذاً : النقطة الأولى : أن السيرة النبوية هي فهم النبي العملي للقرآن الكريم ، الكون قرآن صامت ، والقرآن كون ناطق ، والنبي صلى الله عليه وسلم قرآن يمشي ، ونحن الآن في أمسّ الحاجة إلى مسلم يمشي ، حديث شريف في البخاري في الأدب المفرد يقول عليه الصلاة والسلام : (( أول من يمسك بحلق الجنة أنا ، فإذا امرأة تنازعني ، تريد أن تدخل الجنة قبلي  ـ معقول ـ قلت من هذه يا جبريل ؟ قال : هي امرأة مات زوجها ، وترك لها أولاد فأبت الزواج من أجلهم ))  .

         هذه المرأة التي تربي أولادها تنازع رسول الله دخول الجنة ، إذاً الإنسان يرتفع بعمله ، يسمو باستقامته ، يتألق بأعماله الصالحة ، أما الكلام فلا يقدم ولا يؤخر ، قال تعالى :

    ( سورة فاطر الآية : 10 ) .

         الآية الكريمة :

    ( سورة البقرة الآية : 151) .

         منكم ، أي : لولا أن النبي e بشر تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر .

      

    ( سورة البقرة ) .

         إذاً ، الآن دققوا ، مهمة النبي صلى الله عليه وسلم أولاً : ﴿ يَتْلُو عَلَيْكُمْ ءَايَاتِنَا ﴾ ، قد تسألون : ما معنى آياتنا ، أنا أجيب : آياتنا الكونية ، لئلا يظن أحدكم أن الآيات هي القرآن ، بعد قليل ﴿ يَتْلُو عَلَيْكُمْ ءَايَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ ﴾ ، الكتاب غير الآيات ، إن أردتَ أن تعرفَ الله فتفكر في خلق السماوات والأرض ، هذه واحدة ، ﴿ وَيُزَكِّيكُمْ ﴾ .

    ( سورة الشمس ) .

         الفلاح كل الفلاح ، والفوز كل الفوز ، والنجاح كل النجاح ، والتألق كل التألق ، والعقل كل العقل ، والذكاء كل الذكاء ، أن تزكي نفسك ، لماذا ؟ لأن الله جل جلاله يقول :

      ( سورة الشعراء ) .

         ما القلب السليم أيها الإخوة ؟ أخطر آية بالقرآن الكريم : ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ﴾  ( بيل غيت ) معه 93 مليار دولار ، ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ﴾ ، الذي عنده 20 شابً طبيبًا ﴿ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ ، قالوا : القلب السليم هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله ، والقلب السليم هو القلب الذي لا يعبد غير الله ، ولا يحتكم إلا إلى شرع الله ، هناك نساء مسلمات كثيرات في العالم الغربي إذا اختلفن مع أزواجهن يحتكمن إلى محكمة غربية لتأخذ نصف أملاك زوجها ، ولا ترضى بالحكم الشرعي الذي يعطيها مهرها ، أبداً ، إذًا القلب السليم هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله  ، ولا يحتكم إلا إلى شرع الله ، ولا يعبد غير الله ، ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله ، لو قرأت في مجلة أن هناك دواء يطيل العمر ، إن صدقت ذلك فقد اعتقدت شيئاً يتناقض مع وحي الله .

    ( سورة الأعراف الآية : 34 ) .

    أيها الإخوة الكرام ، إذاً فحوى دعوة النبي e التفكر في خلق السماوات والأرض ، أقرب نجم ملتهب ، أقرب نجم على الإطلاق ملتهب إلى الأرض غير المجموعة الشمسية ، المجموعة الشمسية أطول مسافة فيها ، ثلاث عشرة ساعة ، وأقصر مسافة القمر ثانية واحدة ، والشمس ثماني دقائق ، فالمجموعة الشمسية أطول مسافة فيها ثلاث عشرة ساعة ، أقصر مسافة ثانية ، أريد أقرب نجم ملتهب إلى الأرض عدا المجموعة الشمسية ، نجم يبعد عن الأرض أربع سنوات ضوئية فقط ، والحساب يسير جداً ، الضوء يقطع في الثانية الواحدة 300 ألف كم ، بالدقيقة ضرب 60 ، بالساعة ضرب 60 باليوم ضرب 24 في السنة  ضرب 365 ، في أربع سنوات ضرب 4/ 37843200000000 / ، هذا الرقم لو تخيلنا أن لهذا النجم طريقًا معبّدًا ، وأنا معي مركبة سرعتها 100 بالساعة ، لو قسمت هذا الرقم على 100 ، الناتج كم ساعة تستغرق رحلتي إلى هذا النجم ، طيب على 24 كم يومًا ، على 365 كم سنة ، من أجل أن أصل إلى أقرب نجم ملتهب يعبد عنا أربع سنوات ضوئية أحتاج إلى  /43200000/ عام ، إذا قلت : أربع سنوات ضوئية يعني الطريق يستغرق /43200000/ عام ، سؤال الآن متى أصل إلى نجم القطب الذي يبعد عنا أربعة آلاف سنة ضوئية ؟ متى ؟ ومتى أصل إلى مجرة المرأة المسلسلة التي تبعد عنا مليونين سنة ضوئية ؟ ومتى أصل إلى إحدى المجرات التي تبعد عنا 20 مليار سنة ضوئية ؟ قال تعالى :

    ( سورة الواقعة ) .

         لذلك :

    ( سورة فاطر الآية : 28 ) .

         العلماء وحدهم ولا أحد سواهم يخشى الله عز وجل ، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك ، لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، لذلك يعجبني في بعض الإخوة العلماء تواضعهم ، لا يقول عن نفسه إلا طالب علم .

         أيها الإخوة الكرام ، أولاً : مهمة النبي صلى الله عليه وسلم أنه يتلو علينا آيات ربنا :

    ( سورة الشمس )

    ( سورة الفجر ) .

    ( سورة التكوير ) .

    ( سورة النبأ ) .

         ﴿ يَتْلُو عَلَيْكُمْ ءَايَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ ، الكتاب هو القرآن ، والحكمة هي السنة ، فهناك تفكر ، واتصال بالله ، ومعرفة مضمون القرآن ، والسنة شرح القرآن : ﴿ يَتْلُو عَلَيْكُمْ ءَايَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ ، لكن آخر فقرة في الآية : ﴿ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ .

         إخواننا الكرام ، اسمحوا لي بهذا المثل :

         لو أن طفلاً صغيراً زاره أحد أقربائه ، فقال هذا الطفل لعمه : أنا معي مبلغ عظيم ، أنت كعمّ لهذا الطفل الصغير كم تقدر هذا المبلغ ؟ يأخذ في اليوم عشر ليرات ، خمسًا وعشرين ، قال : معي مبلغ عظيم ، يعني مئة ليرة ، وقد يكون مئتي ليرة ، إذا كان المسؤول كبير في البنتاغون قال : أعددنا للعراق مبلغاً عظيماً ، كم ؟ 200 مليار دولار ، طفل قال : عظيم ، فقدرنا كلامه بمئتي ليرة ، وموظف مسؤول كبير بدولة كبرى قال : رصدنا لحرب العراق مبلغاً عظيماً يقدر 200 مليار ، الآن دققوا ، واستعدوا للمفاجأة ، فإذا قال الله عز وجل ، وهو ملك الملوك ، ومالك الملوك :

    ( سورة النساء ) .

         فأعظم عطاء على الإطلاق أن تعرف الله ، ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ ، إذاً فحوى دعوة النبي صلى الله عليه وسلم تفكر في خلق السماوات والأرض ، واتصال بالله ، وتزكية .

         بالمناسبة أيها الإخوة ، هناك آية أنا أشبهها بالمعادلة الرياضية ، معادلة رياضية بالتمام والكمال ، قال تعالى :

    ( سورة آل عمران الآية : 159) .

         أيْ بسبب رحمة استقرت في قلبك يا محمد كنت ليناً لهم ، فلما كنت ليّنًا لهم التفوا حولك ، وأقبلوا عليك ، وأحبوك ، وفدوك بأنفسهم وأرواحهم وأموالهم .

      ( سورة آل عمران الآية : 159) .

         فلو لم تكن متصل بنا لامتلأ القلب قسوة ، وإذا امتلأ القلب قسوة امتلأ غلظة ، وإذا امتلأ غلظة انفض الناس من حولك .

         المعادلة : اتصال + رحمة + لين = التفاف .

                  انقطاع + قسوة + غلظة = انفضاض .

         أتحب أن يلتف الناس حولك ؟ أتحب إذا كنت أبًا ، ودخلت البيت أن يكون الدخول إلى البيت عيداً ؟ هناك آباء إذا دخلوا إلى البيت كان العيد ، وهناك آباء إذا خرجوا من البيت كان العيد ، من أي الأنواع أنت ؟ إذا كنت رحيماً بأهلك لطيفاً يلتف أبناؤك حولك .

         مرة إنسان متقدم في السن أصابه مرض ، فجاءوا بالطبيب ، فالطبيب طمأنهم ، فلما طمأن أولاده انزعجوا أشد الانزعاج ، قال لهم : عرضية ، قالوا : كيف عرضية ؟ نتمناها القاضية ، هذا مقياس دقيق ، هل إذا دخلت البيت يلتف أولادك حولك ، أم يتفرقون في غرفهم ؟ هل إذا خرجت من البيت يكون العيد ، أم إذا دخلت البيت يكون العيد ؟ إذاً اتصال بالله ، رحمة ، لين التفاف ، انقطاع عن الله ، قسوة ، غلظة ، انفضاض ، ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ ءَايَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ .

         إخواننا الكرام ، شيء آخر ، هل تستطيع إذَا أمرتُك أن تحب زيداً أن تحبه ؟ هل الحب عمل إرادي ؟ عمل لا إرادي ، لماذا قال عليه الصلاة والسلام في حديث أَنَسٍ : (( لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ )) .

    [متفق عليه]

         هذا الحديث يؤكد أنه لا بد من أن تحب رسول الله ، ومن الثابت أن الحب ليس عملاً إرادياً ، ماذا نفعل ؟ قال بعض العلماء : أنت حينما تقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم  سيرته ، لا أقواله ، حينما ترى تواضعه 300 راحلة ، و1000 مقاتل ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : (( كُنَّا يَوْمَ بَدْرٍ كُلُّ ثَلَاثَةٍ عَلَى بَعِيرٍ ، كَانَ أَبُو لُبَابَةَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ زَمِيلَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : وَكَانَتْ عُقْبَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : فَقَالَا : نَحْنُ نَمْشِي عَنْكَ ، فَقَالَ : مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي ، وَلَا أَنَا بِأَغْنَى عَنْ الْأَجْرِ مِنْكُمَا )) .

    [أحمد]

         قائد الجيش ، سيد الأنبياء والمرسلين ، زعيم الأمة ، سوّى نفسه مع أقل جندي ، فركب الناقة ، ولما جاء دوره بالمشي توسلا صاحباه أن يضل راكباً فقال عليه الصلاة والسلام : كلمة والله لو رددتها ألف مرة لا أملّ منها ، قال : (( مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي ـ كان قوياً صلى الله عليه وسلم ـ ، وَلَا أَنَا بِأَغْنَى عَنْ الْأَجْرِ مِنْكُمَا )) .

         ألا تحب هذا التواضع أن يمشي سيد الخلق وصاحباه يركبان الناقة ؟ كان مع أصحابه في سفر (( وأرادوا أن يعالجوا شاة ، فقال أحدهم : عليّ ذبحها ، وقال الثاني : عليّ سلخها ، وقال الثالث : عليّ طبخها ، فقال عليه الصلاة والسلام : وعلي جمع الحطب ـ معقول ـ قالوا : يا رسول الله ، نكفيك ذلك ، قال : أعلم أنكم تكفونني ، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاًَ على أقرانه  . 

         إخواننا الكرام ، رجاء ، يمكن أن يدخل أعرابي على النبي صلى الله عليه وسلم ويقول : أيكم محمد ؟ ليس هناك كرسي ، ولا سرير خاص ، ولا ثياب خاصة لونها ، أيكم محمد ؟ قال له : أنا ، في رواية ثانية ، ذاك الوضيء ، ألا تحب هذا التواضع ؟

         عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ : (( أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَكَلَّمَهُ ، فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ ، فَقَالَ لَهُ : هَوِّنْ عَلَيْكَ ، فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ )) .

    [ابن ماجه]

         أعرابي في فظاظة قال له : اعدل يا محمد ، فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : (( بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ قِسْمًا أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ ، فَقَالَ : وَيْلَكَ ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ ؟ قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ ... )) .

    [متفق عليه]

    الأقوياء يُنهون حياته بهذه الكلمة .

    ( سورة التوبة ) .

         فكيف تحب النبي e ؟ ينبغي أن تقرأ سيرته ، لكن المشكلة الكبيرة أن قدوة الشباب لاعبو الكرة أحياناً ، الفنانون والفنانات ، هكذا ، أما المؤمن الصادق فيملأ قلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم تواضعه ، شجاعته ، صدقه ، أمانته ، إذاً إذا أُمرت أن تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا أُمرت أن يكون النبي أحب إليك من نفسك ومالك وولدك والناس أجمعين ينبغي أن تقرأ سيرته .

         قُبيل وفاته صعد e المنبر وقال : (( من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري ، فليقتد مني ، ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه  ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي ، ولا يخشى الشحناء ، فإنها ليست من شأني ولا من طبيعتي )) .

    [تاريخ الطبري عن الفضل بن عباس]

         ألا تذوب محبة لهذا النبي الكريم ؟ متى تحبه ؟ إذا درست حياته وتواضعه ، وصدقه  وأمانته ، هذه السيرة مفتاح محبته ، محبته فرض عين على كل مسلم ، ولا ننجو إلا إذا أحببنا النبي عليه الصلاة والسلام ، ذلك لأن في حياة كل منا شخصية نتمنى أن نكونها ، وشخصية نكره أن نكونها ، وشخصية نكونها ، التي تكونها هي أنت ، والتي تحب أن تكونها تعبر عن اتجاهك ، إن كنت من أهل الدنيا تحب أرباب الدنيا ، إن كنت من أهل المال تحب الأغنياء جداً ، إن كنت من أهل المتع تحب المتع الرخيصة ، إن كنت من أهل السلطان تحب المناصب العلية ، فإن كنت من أهل الإيمان تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتتمنى أن تكون على أثره مقتديًا بسنته .

         إخواننا الكرام ، هناك بشارتان ، البشارة الأولى : أن الله سبحان الله يقول :

    ( سورة الأنفال الآية : 33 ) .

         هذه الآية فيها مشكلة ، يعني ما دام النبي بين ظهراني أصحابه المعنى واضح جداً ، لكن إذا انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى فما معنى الآية ؟ قال علماء التفسير : ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾ : يعني ما دامت سنتك يا محمد مطبقة في حياتهم في بيوتهم ، في حجاب نسائهم ، في كسب أموالهم ، في إنفاق أموالهم ، في أفراحهم ، في أتراحهم ، في حلهم ، في سفرهم ، في سلمهم ، في حربهم ، في إقبال الدنيا عليهم ، وفي إدبارها عنهم .

    ( سورة الأنفال الآية : 33 ) .

         أنت في بحبوحتين ، بحبوحة أن تكون مطبق للسنة ، وبحبوحة أن تستغفر ، أما لم تطبق ولم تستغفر فأنت في خطر .

         إذاً عن طريق السيرة تحب رسول الله e ، ومحبة النبي فرض عين ، أنا أقول لك : قل لي من تحب أقل لك من أنت ، لذلك قالوا : هناك حب في الله ، وهو عين التوحيد ، وهناك حب مع الله ، وهو عين الشرك ، الحب في الله أصله أن تحب الله ، فرعه الأول أن تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرعه الثاني أن تحب أصحاب النبي جميعاً من دون استثناء ، فرعه الثالث أن تحب التابعين ، أن تحب المؤمنين ، أن تحب طاعة الله ، أن تحب بيوت الله ، أن تحب كتاب الله ، أن تحب كل عمل يصلك بالله عز وجل ، هذا الحب في الله ، أما الحب مع الله ، أن تحب جهة لا ينفعك حبها ، بل يبعدك حبها عن الله ، الحب مع الله عين الشرك ، فقل لي من تحب أقل لك من أنت ، وقل لي هل حبك في الله أم حبك مع الله .

         هناك شيء آخر ، أيها الإخوة ، لا زلنا في التمهيد ، التمهيد للسيرة النبوية أو لفقه السيرة النبوية ، الشيء الآخر دائماً هو مسار سخرية ، المثالية الحالمة ، شيء لا يطبق ، بعض فلاسفة الإغريق رسموا المدينة الفاضلة ، شيء غير موجد أصلاً ، وعندنا الواقعية المقيتة ، واقع لا يحتمل ، قد تقرأ قصة لأديب معاصر تحس بانقباض ، لماذا ؟ لأنك ترى سقوط الإنسان ، دناءة الإنسان ، نفاق الإنسان ، قسوة الإنسان ، انحراف الإنسان .

         بالمناسبة أيها الإخوة ، بذكر الصالحين تتعطر المجالس ، وبذكر اللؤماء تتعكر المجالس ، دون أن تشعر اجلس في بيتك مع أصدقائك ، لو أن الحديث دار حول أناس لؤماء ، منحرفين منافقين ، يأخذون ما ليس لهم ، تجد بعد ربع ساعة قد شعرت بضيق ، أنك طالعت إنسانًا ساقطًا ، هذا الإنسان الساقط أعطاك إحباطًا كبيراً ، لكن لمجرد أن تستمع إلى قصة صحابي جليل ، إلى قصة صحابية جليلة ، إلى قصة تابعي ، إلى قصة عالم متواضع ، تحس بانتعاش ، تحس كما يقولون بامتداد بنفسك ، فلذلك عظمة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أنها واقعية ، لكن ليست واقعية فقط ، بل واقعية مثالية ، مثل أعلى مطبق ، أو المطبق مثل أعلى ، هذا ما يحتاجه الناس اليوم ، الناس اليوم يرفضون المثالية الحالمة ، ويرفضون الواقعية المقيتة  الواقعية المقيتة ينفرون منها ، والمثالية الحالمة يستهزؤون منها ، لماذا قال الله عز   وجل :

    ( سورة يوسف الآية : 111 ) .

         الحقيقة إخواننا الكرام ، في الأدب فنون ، عندنا الشعر ، وعندنا القصة ، والآن المسرحية ، والمقالة ، والسيرة الذاتية ، وهناك أشياء كثيرة ، يجمع الأدباء على أن أقرب فن أدبي إلى النفس القصة ، بدليل لو كان ابنك معك في خطبة جمعة ، والخطبة ساعة فرضاً ، وكل فكر عميق ، وطرح دقيق ، وتحليل ، وأدلة ، وآيات ، وأحاديث ، وفيها قصة في ثلاث دقائق ، اسأل ابنك ماذا بقي في ذهنك من هذه الخطبة ، لا يذكر إلا القصة ، لأنها أقرب شيء للنفس ، القصة أبطالها بشر ، وفيها حوادث ، وفيها تسلسل ، وفيها حبكة ، وفيها بداية ، وفيها عقدة ، وفيها نهاية ، لذلك أمتع فن أدبي للنفس هي القصة ، لكن مع الأسف الشديد القصة المعاصرة حين تثير في الناس شهواتهم المنحطة وغرائزهم تثير فيهم الجانب المادي ، والجانب الغريزي ، أن مجتمعًا بأكمله يسقط بهذه القصة ، أما إذا قرأت قصة ، وشعرت أنها حركت مشاعرك العلية ، وتفكيرك المرتفع فأنت أمام فن عظيم ، لذلك أن أنصح إخوتنا الكرام أولياء الأمور ، أو الآباء والأمهات والمدرسين أن يضعوا بين أيدي أولادهم قصص الصحابة الكرام ، لكن ليست أية قصة ، قصة أدبية بأسلوب واضح أدبي جميل ، لأن الصياغة الأدبية صياغة فنية جميلة ، تقريباً ككأس ماء كريستال مزخرف جميل ، وإذا كان المضمون راقيًا جداً كماء زلال ، فأجمل شيء يؤثر في الإنسان مضمون عظيم ، وشكل أنيق ، فالقصة أسهل طريق للدعوة إلى الله .

         بالمناسبة نحن في بلادنا نعلم اللغة ، النحو ، الصرف ، الإملاء ، البلاغة ، العروض ، كل هذه الدروس مملة ، مملة جداً ، هناك طريق غربية في تعليم اللغة تقوم على قصة ، نعلم الطالب مفردات هذه القصة ، فغطينا جانب اللغة ، نعلم الطالب حركات الكلمات ، وموقع كل كلمة في الإعراب ، علمناهم النحو ، نعلم الطالب بنية الكلمات ، هذا اسم فاعل واسم مفعول ، صفة مشبهة باسم الفاعل ، علمناهم الصرف ، الآن نعلم الطالب بعض الصور البلاغية ، علمناهم البلاغة ، فلما يكون المحور قصة ممتعة يمكن أن نعلم كل شيء من هذه القصة ، لذلك أسهل طريق ، وأمتع طريق ، وأقصر طريق ، لنَقُلْ : هذا الدين أن تأتي بسيرة سيد المرسلين ، نتعلم منها الأحكام الشرعية ، نتعلم منها الآداب النبوية ، نتعلم منها المواقف البطولية ، نتعلم منها المواقف التي ينبغي أن نكونها ، لذلك القصة تحتل المركز الأول ، وأنا والله أقترح أن تكون كما في بعض البلاد السيرة النبوية ، أو سيرة أصحاب رسول الله في المناهج الدراسية مادة بأكملها ، يمكن أن تتعلم الإسلام كله من السيرة النبوية ، إذاً فضلاً عن أن السيرة النبوية يمكن أن تكون مفتاح محبة رسول الله ، القصة أو السيرة النبوية يمكن أن تكون القدوة العملية لكل مؤمن يبحث عن الحقيقة ، قلت لكم في درس سابق : إن الله سبحان الله حينما قال :

    ( سورة هود الآية : 120 ) .

         إذاً قصص الأنبياء تُليت في القرآن لتثبت قلب النبي صلى الله عليه وسلم ، طيب فما قولكم في قصة سيد الأنبياء والمرسلين ؟ نقرأها ونحن مؤمنون مقصرون ، من باب أولى أن نستفيد منها .

         كلكم يعلم أيها الإخوة أن الله سبحان الله وتعالى أمرنا أن نطيعه ، وأن نطيع رسوله استقلالاً ، ما معنى نطيعه استقلالاً ؟ قال تعالى :

    ( سورة النساء الآية : 59 ) .

         ﴿ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ ، يعني لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، طاعة أولى الأمر متعلقة بتوافقها مع طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن لم يقل : أطيعوا الله ورسوله ، ﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ ، معنى ذلك أن النبي e وحده مشرع ، وأن التشريع له مصدران ، كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فالنبي كلامه تشريع ، لذلك قال تعالى :

    ( سورة النجم ) .

         أنت حينما تقرأ حديثاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن تعلم أنه حق من الله تعالى ، إليكم الدليل ، يقول أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة أنا فيهن رجل ..." ، ما معنى رجل ؟ في القرآن والسنة والحديث ؟

    ( سورة النور الآية : 37 ) .

    يعني أبطالا .

    ( سورة الأحزاب الآية : 23 ) .

    يعني أبطالا ، " ثلاثة أنا فيهن رجل وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس " ، ما علامة بطولة سيدنا سعد ؟ من هذه الثلاثة ، أنني ما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى ، ولا صليت صلاة فشغلت نفسي بغيرها حتى أقضيها ، ولا سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها " .

         إذاً أنت حينما يصلك حديث رسول الله الصحيح يجب أن تؤمن أنه حق من الله تعالى ، وأن النبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى ، إن هو ألا وحي يوحى ، إذاً لا بد في كل بيت من شريط يتحدث عن السيرة ، أو من كتاب يتحدث عن السيرة ، ومن كتاب فيه حديث رسول الله ، لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ، لا بد في كل بيت مسلم من مكتبة صغيرة ، تفسير ، قرآن ، كتاب حديث ، شرح أحاديث ، كتاب سيرة.

    أيها الإخوة ، بقي شيء واحد ، أن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم جزء من التاريخ الإسلامي ، فأنت حينما تقرأ السيرة تقرأ التاريخ ، وسوف أضع بين أيديكم فقرة من سيرة رسول الله تبين أن الذي كان يعانيه أصحاب رسول الله من مشكلات معظم هذه المشكلات نعاني منها الآن :

    لما جاء عدي بن حاتم النبي عليه الصلاة والسلام ، قال : من الرجل ؟ قال : عدي بن حاتم ـ والنبي كان مؤدَّباً ، وهذا ملك ـ قال : كنت أطن أنني سألقى ملكاً ، فلما التقيت رسول الله أخذني إلى بيته ، في الطريق استوقفته امرأة فوقف طويلاً تكلمه في حاجتها ، فقال عدي في نفسه : والله ما هذا بأمر ملك ، ودفع إلي وسادة من أدم محشوة ليفاً ، فقال : اجلس عليها ، فلما دخل البيت قال : علمت أنه نبي مرسل ، يعلم ما يجهل ، قال : إيه يا عدي بن حاتم ، تكلم ، ألم تكن ركوسياً ؟ ـ وهو دين بين النصرانية واليهودية ـ قال : بلى ، قال : أو لم تسِر في قومك  بالمرباع ؟ تأخذ ربع دخلهم ؟ قال : بلى ، قال : فإن ذلك لم يكن يحل في دينك ، قال : فعلمت أنه نبي مرسل يعمل ما يجهل ، فقال عليه الصلاة والسلام : يا عدي بن حاتم لعله إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم ـ يعني ما ترى من فقرهم ، والعالم الإسلامي عالم فقير الآن ، والعالم الغربي يكاد ينفجر بالمال ، معقول لوحة صغيرة تباع بـ 50 مليون دولار ، المليون دولار كالمئة ليرة عندنا ، أموال لا تأكلها النيران ، كلها ثروات الشعوب قد نهبت ، وتحكّم ، والعالم الغربي يأخذ كل المواد الأولية بورق أخضر ، يطبع ورق ويعطيك ، لذلك أكبر دولة في العالم مديونة هي القطب الواحد الذي نزهو بعملته الخضراء ـ لعله يا عدي بن حاتم إنما يمنعك في دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم ، وايم الله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ، ولعله يا عدي بن حاتم إنما يمنعك في دخول في هذا الدين أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم ـ لله عز وجل في خلقه شؤون ، أحياناً يكون الكافر قوي جداً ، يفعل ما يريد ، ويقتل ، ويقصف ، ويهدم بيوت ، والإعلام معه ، والمال معه ، والدول كلها معه ، والمسلمون ضعاف ـ لعله إنما يمنعك دخول في هذا الدين أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم ، وايم الله ليوشك أن تسمع بالقصور البابلية مفتحة للمسلمين ، ولعله إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من كثرة عدوهم  ـ العالم كله الآن يحارب الإسلام ـ ويم الله ليوشكن أن تسمع بالمرأة البابلية تحج هذا البيت على بعيرها لا تخاف ، وعاش عدي بن حاتم حتى رأى كل هذه البشارات .

         إخواننا الكرام ، أخشى ما أخشى أن ننهزم من الداخل ، أخشى ما أخشى أن نصاب بالإحباط .

    ( سورة آل عمران ) .

         وهذه الشدة التي نحن فيها أنا أسميها نحن في العناية المشددة ، لأن فينا بقية خير فقط ، بقية الخير جعلتنا في العناية المشددة ، بشكل أو بآخر المريض المصاب بورم خبيث منتشر في كل جسمه ، وسأل الطبيب : ماذا آكل ؟ يقول له : كل ما تشاء ، لو أن إنسانًا معه التهاب معدة ، وشفاؤه مضمون ، لكن بحاجة ماسة إلى حمية قاسية جداً ، يعطيه الطبيب ألف توجيه ، إياك أن تأكل المواد الحريفة ، أن تأكل كذا ، أن تأكل كذا ، مادام هناك أمل في الشفاء فهناك تشديد ، لذلك : " أوحى ربك إلى الدنيا أن تشددي ، وتضيقي ، وتكدري على أوليائي حتى يحبوا لقائي ، وعزتي وجلالي لا أقبض عبدي المؤمن ، وأنا أحب أن أرحمه إلا ابتليته بكل سيئة كان عملها سقماً في جسده ، أو إقتاراً في رزقه ، أو مصيبة في ماله أو ولده حتى أبلغ منه مثل الذر ، فإذا بقي عليه شيء شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه " .

         أيها الإخوة الكرام ، أتابع هذه الدروس إن شاء الله ، وسوف نستنبط إن شاء الله تعالى من كل موقف من مواقف النبي سوف نستنبط حكمة ، وقاعدة ، ورؤية تعيننا على حل مشكلاتنا .

    والحمد لله رب العالمين

    كلمات مفتاحية  :
    فقه السيرة النبوية

    تعليقات الزوار ()