بتـــــاريخ : 10/8/2008 4:48:12 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1701 0


    مقدمة فقة السيرة النبوية 1

    الناقل : heba | العمر :42 | المصدر : www.quran-radio.com

    كلمات مفتاحية  :

    بسم الله الرحمن الرحيم

     

         الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

         أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس الأول من دروس فقه السيرة ، واليوم سيكون الموضوع تمهيدًا للسيرة .

         الكون كما تعلمون قرآن صامت ، والقرآن كون ناطق ، والنبي صلى الله عليه وسلم قرآن يمشي ، فإن تحدثنا عن الكون كان التفكر في خلق السماوات والأرض ، وإن تحدثنا عن القرآن كان الحديث تفسيراً وتحليلاً واستنباطاً ، وإذا وصلنا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قرآن يمشي ، كانت السيرة .

          أيها الإخوة ، بادئ ذي بدء ، هل نحن بحاجة إلى تعلم سيرة سيد الخلق ؟ الجواب الأول : أن الله جل جلاله حينما قال :

    ( سورة هود الآية : 120 ) .

         فإذا كان قلب سيد الأنبياء يزداد ثبوتاً بسماع قصة نبي دونه ، فلأن تزداد قلوبنا إيماناً ويقيناً بمساع قصة سيد الأنبياء ، هذا دليل .

         والدليل الثاني : أن الله سبحان الله حينما قال :

    ( سورة المؤمنون ) .

         والإسلام بمجمله كلمتان ؛ كلمة التوحيد وكلمة الرسالة ، لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، إذاً الحديث عن رسول الله شطر الدين ، بل هو جزء لا يتجزأ من الدعوة إلى الله ، ذلك لأن في الحياة مثالية حالمة لا أحد يعبأ بها ، وفي الحياة واقعية مقيتة لا أحد يلتف إليها ، ولكن الناس يشدهون بمثالية واقعية أو بواقعية مثالية ، هذا ما نجده في سيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .

         شيء آخر ، أن الله سبحان الله حينما قال :

    ( سورة سبأ الآية : 46 ) .

         فالتفكر في كمال رسول الله ، والتفكر في شمائله ، وفي فضائله ، وفي منهجه جزء من الدين .

         شيء آخر ، أن في علم الأصول قاعدة ذهبية دقيقة جداً ، وهي أنه ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض ، وما لا تتم السنة إلا به فهو سنة .

         أرأيت إلى الصلاة إنها فرض ، لكن الصلاة لا تتم إلا بالوضوء ، فإذا كان الوضوء من لوازم الصلاة فهو فرض مثلها ، ما علاقة هذا المثل بضرورة تعلم السنة ؟ الله عز وجل حينما قال :

    ( سورة الحشر الآية : 7 ) .

         كيف نأتمر بما أمر ؟ وكيف ننتهي عما عنه نهى وزجر إن لم نعرف ما الذي أمر وما الذي زجر ؟

         وكتعقيب دقيق ، هو أن كل أمرٍ في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ، ما لم تقم قرينة تصرفه عن الوجوب ، فإذا قال الله عز وجل :

    ( سورة البقرة الآية : 187 ) .

         هذا أمر إباحة ، وإذا قال الله عز وجل :

    ( سورة النور الآية : 32 ) .

    هذا أمر ندب ، وإذا قال الله عز وجل :

       

    ( سورة الكهف الآية : 29 ) .

    هذا أمر تهديد .

         فما لم تقم قرينة تصرف عن الوجوب فكل أمرٍ في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ، فإذا أمرنا الله عز وجل : ﴿ وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ ، كيف نأتمر بما أمر ، وكيف ننتهي عما عنه نهى وزجر إن لم نعرف ما الذي أمر ، وعن أي شيء نهى وزجر ؟ إذاً معرفة سنة النبي القولية فرض عين على كل مسلم ، تنفيذاً لأمر الوجوب : ﴿ وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ﴾ ، ومعرفتك المنهيات التي نهى عنها النبي فرض عين على كل مسلم كي تنتهي عما عنه نهى وزجر ، وحينما قال الله عز وجل :

    ( سورة الأحزاب ) .

         كيف يكون النبي e أسوة لنا ، أي قدوة لنا ، إن لم نعرف ماذا فعل في بيته ؟ وكيف عامل زوجته ، وكيف عامل أصحابه ؟ وكيف كان في السلم ؟ وكيف كان في الحرب ؟ إذاً معرفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القولية فرض عين على مسلم ، تحقيقاً لقوله تعالى ﴿ وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ ، ومعرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فرض عين تحقيقاً لقوله تعالى : ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ﴾ ، وقالوا : الحديث عن الكمال البشري حديثاً نظرياً لا يؤثر ، أما الحديث عن الكمال البشري إذا كان مجسّداً في إنسان يؤثّر ، لأن هذا كمال واقعي ، نعيشه  إنسانًا بيننا وعاش مع الناس ، ولولا أن النبي e بشر تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر ، غير أنه بشر ، وتجري عليه كل خصائص البشر ، فلذلك أنت حينما ترى إنسانًا يشتهي ما تشتهي ، ويخاف مما تخاف ، ويرجو كما ترجو ، ويتألم كما تتألم ، هكذا قال النبي e عن نفسه : (( اللهم إني بشر أرضى كما يرض البشر ، وأغضب كما يغضب البشر )) .

    [السيوطي في الجامع الصغير عن أنس]

         لولا أن النبي e بشر تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر ، لأنه بشر ، ولأنه تجري عليه كل خصائص البشر ، وانتصر على بشريته كان سيد البشر .

         إذاً أيها الإخوة ، أول نقطة في هذا الدرس الأول من دروس فقه السيرة : أن معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفة سنته القولية ومعرفة سنته العملية ، أي سيرته فرض عين على كل مسلم ، لأنه ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض ، ولأن كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ، وقد أمرنا الله أن نأخذ ما آتانا ، وأن ننتهي عما عنه نهى وزجر ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أراده الله قدوة لنا ، ولن يكون قدوة لنا إلا إذا عرفنا دقائق حياته .

         فلذلك البند الأول في هذا الدرس الأول هو أن معرفة رسول الله فرض عين على مسلم ، بل معرفة سيرته العطرة فرض عين على كل مسلم ، ليكون النبي e قدوة لكل مسلم ، ذلك في حياة كل منا شخصية يتمنى أن يكونها ، وشخصية يكره أن يكونها ، وشخصية يكونها  ، فالشخصية التي تكونها هي أنت ، والشخصية التي تتمنى أن تكونها هي طموحك وانتماؤك واتجاهك ، قل لي أي شخصية تتمنى أن تكونها أقل لك من أنت ، الله عز وجل يبين أن المؤمنين أسوتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ .

         دخل إنسان إلى البيت ولم يكن الطعام جاهزاً ، هل يغضب ؟ هل يزمجر ؟ هل يعنف ؟ أم يصبر كما كان النبي e يصبر ؟ يصبر ، المؤمن في كل موقف يتفكر كيف كان النبي e يفعل ، كيف يفعل لو كان في ظرف كهذا الظرف ، لذلك : ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ﴾ ، إن أردت الدنيا فقدوتك الأغنياء ، إن أردت الدنيا فقدوتك الأقوياء ، أما إذا أردت الله واليوم الآخر فقدوتك الأنبياء ، هذه حقيقة أولى .

         الحقيقة الثانية : أن في حياة المسلمين إنسان واحد عصمه الله من أن يخطئ في أقواله وأفعاله وإقراره ، هذه العصمة تتماشى مع أمر الله عز وجل أن نأخذ منه كل شيء ، وأن ننتهي عما عنه نهانا ، لو أن النبي e ليس معصومًا لكان الأمر بالأخذ عنه أمر بمعصية ، إذاً :

    ( سورة النجم ) .

         لكن البشر ينطقون عن الهوى ، أحياناً يخترع قاعدة ليروج سلعته ، أحياناً يتكلم لصالح مكاسبه ، أحياناً لا يتكلم بالحق حفاظاً على مكاسبه ، بنو البشر كثيراً ما يتكلمون بالهوى ، لكن هذا الإنسان الذي عصمه الله عز وجل ، وصفه الله عز وجل بأنه :

         ولكن قد تقرأ في القرآن الكريم :

    ( سورة التوبة الآية : 43 ) .

         وقد تقرأ في القرآن الكريم :

     ( سورة عبس ) .

         الحقيقة أيها الإخوة أنه لحكمة بالغة بالغةٍ بالغة تُرك للنبي صلى الله عليه وسلم هامش ضيق جداً ليجتهد فيه ، فإن أصاب في اجتهاده أقره الوحي على هذا الاجتهاد ، وكان اجتهاده ـ لأن الوحي أقره ـ وحيًا يوحَى ، وإذا اجتهد النبي عليه الصلاة والسلام اجتهاداً صعباً وهذا الاجتهاد وسام شرف له .

         ابن أم مكتوم من أصحابه الكرام ، من محبّيه ، ممن يذوب شوقاً له ، لم يجلس معه ، بل جلس مع زعماء قريش الألداء الأعداء المستكبرين ، اجتهاد النبي e أن هؤلاء إذا أسلموا أسلمت قريش ، اجتهد الاجتهاد الصعب ، لكن الله بين له أن هذا الرجل الأعمى هو أفضل عند الله من هؤلاء الصناديد ، إذاً الله عز وجل لم يعتب عليه ، بل عتب له ، وفرق كبير بين أن تعتب على ابنك إن رأيته يلهوا والامتحان على الأبواب ، وبين أن تعتب على ابنك إن رأيته حتى الساعة الرابعة يدرس ، تقول : لا ، يا بني ، نم واسترح ، إن لجسمك عليك حقاً ، أنت في الحالتين تعتب عليه ، لكن الحالة الأولى تعتب عليه ، وفي الثانية تعتب له .

         فإذا عاتب الله النبي صلى الله عليه وسلم فهو عتب له لا عليه ، فجاء الوحي وبيّن للنبي e أن هذا أولى من هذا .

         بالمناسبة ، لا معصية إلا بالتكليف ، لم يكن هناك تكليف خالفه النبي عليه الصلاة والسلام ، لكنه اجتهاد ، وكان اجتهاده وسام شرف له ، واجتهد الأصعب ، لكن هذا الهامش الضيق جداً الاجتهادي ليكون هناك فرق بين مقام الألوهية ومقام النبوة ، فرق توحيدي ، لأن أنبياء كثر أُلِّهوا من بعدهم ، ومعظم أنبياء الصين هم عند أهل الصين آلهة ، هم في الحقيقة أنبياء كرام ، لأن الله عز وجل قال :

    ( سورة غافر الآية : 78 ) .

         إذاً هناك أنبياء بعثوا لأقوامهم ، أقوامهم من بعدهم ألهوهم ، من هنا نفهم لماذا سيدنا الصديق ، وهو أقرب الخلق إلى رسول الله ، وهو أحب الناس إليه حينما انتقل النبي e إلى الرفيق الأعلى علا صياحه فقال : (( مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مِنْكُمْ مُحَمَّداً ـ محمداً هكذا ـ فَإِن مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ )) .

    [متفق عليه عن عائشة]

         أيها الإخوة الكرام ، البند الأول : معرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فرض عين على كل مسلم ، استناداً إلى القاعدة الأصولية " ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض " ، ولأن الله جعل سيرته أسوة وقدوة لنا ، فقال : ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ .

         البند الثاني : لأن الله أمرنا أن نأخذ عن النبي كل أقواله وكل أفعاله ، إذاً هو معصوم ، ولو لم يكن معصوماً لكان الله قد أمرنا باتباع غير المعصوم ، وهذا مستحيل ، ولكن كما يقال : الشيء بالشيء يذكر ، كما أننا نعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم بأقواله وأفعاله وإقراره وصفاته لا نعتقد العصمة لغيره ، ومن بديهيات العقيدة الإسلامية أن غير النبي e مهما يكن عالي القدر فليس بمعصوم ، وهذه القاعدة مريحة جداً ، أنت إذا تعاملت مع كل المؤمنين فأكبرت مؤمناً تألق نجمه ، تقول في نفسك : هذا من أتباع النبي e ، وإن رأيت زلة قدم آلمتك من أخيك تقول : هذا من عدم عصمته ، وتبقى تحبه ، لذلك من الخطأ الكبير أن نعتقد العصمة لغير النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن نعتقد العصمة لغير النبي هذا مزلق خطير .

         مثلاً : النبي عليه الصلاة والسلام عيّن صحابياً أنصارياً ذا دعابة على سرية كقائد لها في الطريق ، فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : (( بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ ، فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ ، وَقَالَ : أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ : قَدْ عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَمَا جَمَعْتُمْ حَطَبًا ، وَأَوْقَدْتُمْ نَارًا ، ثُمَّ دَخَلْتُمْ فِيهَا ، فَجَمَعُوا حَطَبًا ، فَأَوْقَدُوا نَارًا ، فَلَمَّا هَمُّوا بِالدُّخُولِ فَقَامَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّمَا تَبِعْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرَارًا مِنْ النَّارِ ، أَفَنَدْخُلُهَا ؟ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ خَمَدَتْ النَّارُ ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ )) .

    [متفق عليه]

         العقل لا يعطَّل أبداً ، هذا الذي يقول : يجب أن تكون كالميت بين يدي الغاسل ، لا ، يجب أن تكون صاحياً ، لأنه ما من إنسان بعد النبي صلى الله عليه وسلم يوصف بالعصمة ، لكن على تفاوت ، هذه حقيقة ، أنت بإمكانك أن تحب كل المؤمنين ، وأنت تتعامل مع كل المؤمنين ، وأن تقيم علاقة متينة ومثمرة مع كل المؤمنين ، بشرط ألا تعتقد عصمتهم ، فأي خطأ آلمك بكل بساطة هذا من عدم عصمته ، وأي شيء أكبرته هذا من اتباعه .

         وأؤكد لكم أيها الإخوة ، كما أن للسيرة النبوية المطهرة منهج فيما ينبغي أن يفعل ، وما ينبغي ألا نفعل فالسيرة النبوية المطهرة منهج دعوي ، أي أن النبي صلى الله عليه وسلم كيف عامل أصحابه ؟ كيف علمهم ؟ كيف التقى بهم ؟ كيف نصحهم ؟ كيف أثنى عليهم ؟ هل استشارهم ؟ هل تواضع لهم ؟ هل كان في خدمتهم ؟ هل بنى مجده على أنقاضهم ؟ هل أحبهم ؟ هل أحبوه ؟ هذا جانب مهم جداً من سنة النبي العملية ، وهو الجانب الدعوي ، وما من داعية يقلد النبي في دعوته إلا ويتألق ، ويعلو مجده في أوساط الأمة ، وما من داعية يخالف سنة النبي e الدعوية إلا ويثير حوله جدلاً كبيراً .

         أيها الإخوة الكرام ، هذا هو البند الثاني ، أن الله عز وجل قد عصم نبيه صلى الله عليه وسلم من أن يخطئ في أقواله وأفعاله وإقراره .

         ثمة طرفة تشير إلى أن الإنسان أحيانا ينطق عن الهوى ، مرة أردت أن أشتري ستائر ، دُللت على تاجر هنا في الحريقة جيد ، قال لي وقد ألقى محاضرة : إنه عرض الستيرة يجب أن تكون ضعف الحائط زائد متر ، كي تكون جميلة جداً ، أنا استسلمت له ، اخترت ثوبًا ، لما قاسه وجده أقل بمتر من ضعف عرض الحائط ، وأنا أعجبني ، قال لي : هذا المطرز على الفرد يأتي أجمل ، هو ينطق عن الهوى الآن ، مصلحته أن يبيع هذا الثوب ، فبعد أن أعطاني محاضرة في أنه يجب أن يكون عرض الستارة ضعف الحائط زائد متر ، فلما رأى الثوب ناقصًا بمتر عن ضعف الحائط قام فأعطى قاعدة ثانية ، قال : هذا المطرز على الفرد يأتي أجمل ، هذه ينطق عن الهوى ، والله لا أبالغ أن تسعين بالمئة من كلام الناس في تجارتهم وفي بيعهم وفي شرائهم ينطقون عن الهوى .

         لذلك مرة النبي عليه الصلاة والسلام في موقعة بدر قال كلاماً موجزاً ، قال : لا تقتلوا عمي العباس ، واحد ممن كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فكر في كلامه لم يقبل هذا الكلام ، قال : أحدنا يقتل أباه و أخاه ، وينهانا عن قتل عمه ، أقرباؤه لهم قواعد خاصة ، النتيجة أنه بعد حين تبين أن عمه العباس في مكة كان مسلماً ، وكان عين النبي e ، وكان ينقل للنبي e كل شيء في قريش ، إدارة النبي e إدارة ذكية جداً ، تعتمد على معلومات دقيقة ، فعمه العباس أسلم سراً ، وبقي في مكة عيناً للنبي صلى الله عليه وسلم على قريش ، لو أن النبي e قال : لا تقتلوا عمي العباس لأنه مسلم ، كشفه ، وانتهت مهمته ، ولو أنه لم يقل : لا تقتلوا عمي العباس وهو في صفوف المشركين الصحابة يقتلونه ، لو أن العباس لم يشارك قريشًا في الحرب لكشف نفسه ، ليس هناك حل ، الحل أن يقول النبي e كلامًا موجزًا ، لا تقتلوا عمي العباس ، فقط ، إن قال : لأنه مسلم كشفه ، وإن سكت قُتل ، وإن لم يشارك كُشف ، بعد حين اتضحت لهذا الإنسان هذه الحقيقة ، فقال : والله ضللت عشر سنين أتصدق رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله e ، ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ .

         لما قال : (( والَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِه اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا )) .

    [متفق عليه عن عائشة]

         نحن بحاجة إلى قرآن يمشي ، ونحن الآن بحاجة إلى مسلم يمشي ، الكلام النظري ضعف تأثيره ، لماذا ؟ لأن الناس كفروا بالكلمة ، لماذا كفر الناس بالكلمة ؟ لأن كل الممارسات التي يمارسها الناس تتناقض مع كلامهم ، تأتي إلى بلد ، وتتفنن في إيقاع الأذى ، وقتل البرءاء ، وهدم البيوت ، وتقول : أنا جئت من أجل الحرية ، من أجل أن تنعموا بالحرية ، هذا الكلام مع هذه الممارسات يحمل الناس على أن يكفروا بالكلمة كفرًا كاملاً ، نحن الآن في مشكلة ، الناس كفروا بالكلمة ، ولا يمكن أن تستعيد الكلمة قدسيتها إلا بالتطبيق ، الأنبياء بماذا جاؤوا ؟ هل جاؤوا بالصواريخ ؟ بالطائرات ؟ بحاملات الطائرات ؟ بالغواصات ؟ بالأقمار الصناعية ؟ بالكمبيوتر ؟ جاؤوا بالكلمة .

    ( سورة إبراهيم ) .

         الكلمة الطيبة تفعل فعل السحر في الناس ، لكن الناس اليوم كفروا بالكلمة ، لأن كل الذي يقال معه ممارسات تتناقض معه ، مجلس يأمر بلدًا بعيدًا أن يطبق الديمقراطية ، جيد ، لكنه هو يمارس القهر والقمع عن طريق حق الفيتو ، أو حق النقض ، المجلس قمعي ، وأمره ديمقراطي ، كلام مضحك ، لذلك كفر الناس بالكلمة ، لا يمكن أن نعيد للكلمة مكانتها إلا بالتطبيق ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :  (( اِسْتَقِيمُوا يُسْتَقَمْ بِكُمْ )) .

    [الجامع الصغير عن سمرة]

         كنا في الحج مرة ، ورأينا رجلا تبدو على ملامحه أنه غربي ؛ هو في الحقيقة من ألمانية الغربية ، علمت بعد حين أن سبب إسلامه هو أن طالباً من سورية أقام في بيته ، واستأجر غرفة ، ولهذا الرجل فتاة جميلة ، لم يستطع أن يضبط هذا الشاب مرة ينظر إليها  ، كلما وقعت عينه عليها غض بصره ، هذا شيء ما استوعبه ، ما هذا الإنسان ؟ فحاوره ، انتهى الحوار بإسلام هذا الإنسان .

         إخواننا الكرام ، هذه الكلمة ينبغي أن تكتب بماء الذهب : (( اِسْتَقِيمُوا يُسْتَقَمْ بِكُمْ )) .

         رجل في أمريكة اسمه جفري لنك ، هذا الرجل من أكبر ملحدي أمريكة ، دكتور في الرياضيات ، بجامعة سان فرانسيسكو ، سبب إلحاده أنه كان في التعليم الثانوي يدرس ، وعنده مدرس للديانة المسيحية ، وجاء إلى البيت ، وانتقض هذا المدرس أمام أبيه ، ما كان من أبيه إلا أن طرده من البيت ، فلما طرده من البيت اعتنق الإلحاد ، وتابع دراسته ، وكان ذكياً إلى درجة غير عادية ، كان أستاذه بالجامعة يقول له : اخرج من القاعة ، ولك العلامة التامة ، كان يربك أستاذه ، استقر به المقام إلى أن أصبح أستاذاً للرياضيات في جامعة سان فرانسيسكو ، كانت له مكانة كبيرة في الجامعة ، حتى إن أستاذه كان يستشيره أحياناً في بعض رسالات الدكتوراه ، عند أستاذه طالبة من الشرق الأوسط ، نشأت مشكلة في أطروحتها ، فأرسلها إلى هذا الدكتور البروفيسور جفري لنك ، ليأخذ رأيه ، هذا الأستاذ الجامعي الملحد الذي اعتنق الإلحاد رأى فتاة محجبة حجاباً كاملا ، وفي أيام الصيف ، والفتيات في أمريكة عرايا في الصيف ، فقال : لا بد أن هذه الفتاة تعتنق ديناً عظيماً ، وعندها قناعات كبيرة جداً حملتها على أن تخالف كل الفتيات في هذه البلاد ، فقال هذا الأستاذ : والله لم أجرؤ على أن أحدق في وجهها ، لقدسيتها ، واندفعتْ بكلي إلى مساعدتها , وعكفت في اليوم نفسه على قراءة القرآن ، قرأ القرآن ، لكن عنده شعور أنه ليس كلام الله ، فهو يبحث عن بعض الأخطاء ، فلما وصل إلى قول تعالى :

    ( سورة يونس الآية : 92 ) .

    قال : هنا ، هنا الخطأ ، له صديق في فرنسا اسمه موريس بوكاي ، اتصل بها هاتفياً ، وقال له : تعال وانظر ، هذا فرعون مات ، فكيف قال الله عز وجل : ﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ ؟ قال : فرعون الذي قالت عنه الآية أنا رممت جثته بيدي ، هو الآن في متحف مصر الفرعوني ، وأسلم هذا الرجل ، وقد لا تصدقون أنه اليوم من أكبر الدعاة الإسلاميين في أمريكة ، وقد ألف كتاباً ، وترجم إلى العربية يجيب فيه ابنته الصغيرة ، قالت له : يا أبت لماذا أسلمت ؟ فأجابها بكتاب ، ودرست بعض الكتاب في الجامع العثماني ، وإذا قرأتم الكتاب ترون هذا الإنسان أقرب إليكم من أهلكم ، الإيمان يجمع ، ما سبب إسلام هذا الداعية ؟ هذا الأستاذ الملحد ، فتاة محجبة ، (( اِسْتَقِيمُوا يُسْتَقَمْ بِكُمْ )) ، الآن نحن بحاجة إلى مسلم متحرك ، كيف أن النبي e قرآن يمشي ؟ نحن بحاجة إلى مسلم يمشي ، إذا حدثك فهو صادق ، وإذا عاملك فهو أمين ، وإذا استثيرت شهوته فهو عفيف .

         في حديث جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ لِلنَّجَاشِيِّ : (( أَيُّهَا الْمَلِكُ ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ ، وَنُسِيئُ الْجِوَارَ ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا ، نَعْرِفُ نَسَبَهُ ، وَصِدْقَهُ ، وَأَمَانَتَهُ ، وَعَفَافَهُ ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِنُوَحِّدَهُ ، وَنَعْبُدَهُ ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ ، وَأَمَرَ بِصِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ، وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ ، وَقَوْلِ الزُّورِ ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ ، لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ )) .

    [أحمد عن أم سلمة]

         إخواننا الكرام ، حال واحد مستقيم في ألف ، واحد في ألف أبلغ من قول ألف في واحد ، ألف داعية على طالب علم واحد ، إذا تكلموا كلاماً رائعاً ، ولم يكونوا كما يقولون فحال واحد في ألف خير من قول ألف في واحد .

         إن أردت مجتمع ينهض كن قدوة ، كان أصحاب النبي e الواحد كالألف ، والمسلمون في عصور التخلف والشهوة والشرك الألف كأفٍّ ، هل يُعقل أن يستنجد سيدنا خالد بسيدنا الصديق بمدد في معركة نهاوند ، هو يحتاج خمسين ألف مقاتل ، أرسل له الصديق واحدًا ، هو القعقاع بن عمرو ، فلما وصل إليه ، قال له : أين المدد ؟ قال له : أنا المدد ، قال له : أنت ؟! قال : أنا ، واحد ؟! قال : واحد ، معه كتاب ، فتح الكتاب ، يقول سيدنا الصديق : يا خالد ، لا تعجب أن أرسلت لك القعقاع بن عمرو ، فو الذي نفس محمد بيده لا يهزم جيش فيه القعقاع ، وانتصروا ، بين واحد كألف ، بين ألف كأف ، مليار وثلاثمئة مليون مسلم لا وزن لهم اليوم ، وليس أمرهم بأيديهم ، ولا يملكون شيئاً .

    ( سورة النور الآية : 55 ) .

         هل نحن مستخلفون الآن ؟ لا والله ! والحقيقة المُرّة أفضل ألف مَرّة من الوهم المريح .

     

    ( سورة النور الآية : 55 ) .

         هل نحن ممكَّنون في الأرض ؟ لا والله ! أين التمكين ؟

       

    ( سورة النور الآية : 55 ) .

         هل نحن آمنون ، كل يوم فيه تهديد ، لماذا ؟ ماذا نفعل بهذه الآيات ؟ وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، ماذا نفعل بهذه الآيات ؟ قال تعالى :

    ( سورة مريم ) .

         وقد أجمع العلماء على أن إضاعة الصلاة لا يعني تركها .

    " ليس كل مصلي يصلي "  ـ موضوع الدرس السابق أو قبل السابق ـ " إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي وكف شهواته عن محارم ، ولم يصر على معصيتي  وأطعم الجائع ، وكسا العريان ، ورحم المصاب ، وآوى الغريب ، كل ذلك لي " .

         أيها الإخوة الكرام ، الحقيقة الأولى : معرفة سنة النبي العملية فرض عين ، والنبي صلى الله عليه وسلم وحده معصوم بمفرده ، ما جاءنا عن رسول صلى الله عليه وسلم فعلى العين والرأس ، وما جاءنا عن غيره فهم رجال ونحن رجال ، وكل إنسان يأخذ منه ويرد عليه إلا صاحب القبة الخضراء .

         الحقيقة الثالثة : أن الاستجابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم هي عين الاستجابة لله ، لشفافية النبي عليه الصلاة والسلام ، يشف عن الحقيقة الإلهية .

         للتقريب : بلّور من أرقى الأنواع ، ونظيف جداً ، من شدة إتقان صنعته ، ومن شدة نظافته يكاد لا يرى أبداً ، لا ترى إلا الذي وراءه ، الآن في حالات كثيرة إذا كان البلّور نظيفًا جداً يخشى أن تصطدم به ، فقد كنت في فندق الأسبوع الماضي الألواح فيه نظيفة جداً ، لكن مكتوب عليها عدة كلمات كي تشعر أن هنا لوح بلّور ، لئلا تتابع السير .

         فحقيقة النبي صلى الله عليه وسلم أنك إذا استجبت إليه فاستجابتك إليه عين استجابتك لله ، الدليل :

    ( سورة التوبة الآية : 62 ) .

    لم يقل : يرضوهما ، لأن إرضاء رسول الله عين إرضاء الله ، ولأن إرضاء الله عز وجل عين إرضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هذه الحقيقة الثالثة .

         الاستجابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم هي عين الاستجابة لله ، وإرضاء رسول الله هو عين إرضاء الله  .

         الحقيقة الرابعة : أن الله سبحان الله لا يقبل دعوة محبته إلا بالدليل ، لو قبلت دعوى من دون دليل لأدعى كل إنسان محبة النبي صلى الله عليه وسلم .

    كل يدعي وصل بليلى    وليلى لا تقر لهم بذاكَا

         فكرة دقيقة جداً ، أرجو الله أن تكون واضحة لديكم ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ ، أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ )) .

    [متفق عليه]

         بربكم لو سألتم مليارًا وثلاثمئة مليون مسلم : أتحب رسول الله ؟ يقول لك : نعم ، إذاً هذا سؤال ليس له معنى ، ما دام كل إنسان يدعي محبة رسول الله ، يريد النبي أن        يقول : (( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ )) .

         أن يكون الله في قرآنه والنبي في سنته أحب إليه من الدنيا وما فيها عند التعارض ، حينما تتعارض مصلحتك مع الحكم الشرعي ، وتقف مع الحكم الشرعي ، وتقول : معاذ الله أن أعصيه ، عندئذٍ تذوق حلاوة الإيمان ، وحلاوة الإيمان شيء لا يعرفه إلا من ذاقه ، وبين حقائق الإيمان وحلاوة الإيمان بونٌ شاسع .

         معك خارطة لقصر ـ صالون 8 بـ 12 ، ممتاز ، لكن هذا ورق ، هذا ليس بيتًا ، غرفة النوم 6 بـ 8 أيضاً جيد ، الشرفة واسعة ، ورق ، فحقائق الإيمان ورق ، لكن حلاوة الإيمان قصر ، تسكن هذا القصر ، فرق كبير بين أن تقتني خارطة للقصر ، هذه غير القصر الحقيقي ، خارطة للقصر وبين أن تكون مالكًا لهذا القصر ، هذا بين حلاوة الإيمان وبين حقائق الإيمان  .

    (( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ ، أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ))  .

         عند التعارض ، حينما تتعارض مصلحتك مع الحكم الشرعي مع حكم قرآني ، أو مع حكم نبوي ، وتقف مع الحكم الشرعي ، وتضع مصلحتك المتوهمة تحت قدمك ، عندئذٍ تذوق حلاوة الإيمان ، ذاق حلاوة الإيمان ، من آمن بالله رباً ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا ، لذلك الله جل جلاله لا يقبل دعوة محبته إلا بالدليل ، قال تعالى :

    ( سورة آل عمران الآية : 31 ) .

         كل شيء قلبي يدّعى ، الشيء القلبي يدّعى ، إذاً يحتاج إلى دليل .

         بالمناسبة يمكن أن تصدق أن هناك اليوم الآخر ، لكن لو تتبع الناس أعمالك لا يجدون أنك تؤمن باليوم الآخر ، وهذا التكذيب العملي أبلغ وأخطر ، الذي يكذب بلسانه هناك سبيل إلى محاورته ، أما الذي يكذب بعمله فهذا لا يحاور ، فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم فرض عين على كل مسلم ، ولكن بمعنى أن يأخذ بأسباب محبة النبي صلى الله عليه وسلم .

         أيها الإخوة ، إن أردنا اليوم الآخر فيجب أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم الشخصية التي نتمنى أن نمشي في طريقها .

         مرة كنت في العمرة ، تمنيت أن أصلي في مكان النبي في الحرم النبوي ، المحراب العام كهذا المحراب ، ومحراب النبي الذي صلى فيه بأصحابه هذه بالروضة الشريفة ، وفيه ازدحام كبير جداً ، وانتظرت حتى تمكنت أن أصلي ركعتين في المكان الذي صلى به النبي عليه الصلاة والسلام ، والله لقد بكيت كثيراً ، لكن جاءني خاطر علمي أن مستخدماً عند أستاذ كبير في الجامعة له مئتا مؤلَّف ، لو أنه في غيبة هذا الأستاذ قفز ، وجلس مكانه على كرسي مكتبه هل ترتقي مرتبة هذا المستخدم ؟ جلس بمكانه ، لو أن هذا المستخدم نال المسابقة الابتدائية  ارتقى ، نال الشهادة الإعدادية ارتقى ، نال الثانوية ارتقى ، فالذي يرفعك أن تحرص على الاتباع ، إنك إن اتبعت النبي e ارتقيت عند الله ، أما إذا تبركت ، وأنا لا أنكر التبرك ، لكن أنكر أن نكتفي به ، ابن غير متعلم ، له أب من أعلى العلماء ، أينما جلس يتحدث عن أبيه العالم ، العالم في مكانه ، والابن الجاهل في مكانه ، أما إذا سار هذا الابن على منهج أبيه يرتقي ، فنحن ينبغي ألا نكتفي بالتبرك ، ينبغي أن نهتم بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم .

         إخواننا الكرام ، للتوضيح ، والتقريب ، أن تقول : ألف مليون دولار شيء ، وأن تملكها شيء آخر ، أعتقد أن المسافة كبيرة جداً بين أن تنطق بها وأن تملكها ، والحديث عن الدين سهل جداً ، لكن البطولة أن تكون في مستوى هذا الدين ، والحياة قصيرة ، والسفر قريب ، والمغادرة قريبة ، ومن بلغ الأربعين فقد دخل في أسواق الآخرة ، ومن عدّ غداً من أجله فقد أساء صحبة الموت .

    وكل مخــلوق يمــــوت       ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت

    ***

    والليل مهما طال       فلا بد من طلوع الفجر

    والعمر مهما طال      فلا بد مـن نزول القبر

    كل ابن أثنى و إن طالت سلامته        يومًا على آلة حدباء محمول

    فإذا حملت إلى القبور جــنازة         فاعلم بأنك بعدها محـمول

    ***

    إخواننا الكرام ، إنسان بلا هدف تافه ، إنسان بلا هدف يعيش على هامش الحياة ، إذا أردت أن تسعد فأسعِد الآخرين ، إن خرجت من ذاتك ، وحملت مبدأ ، وحملت همّ المسلمين فأنت من أسعد الناس .

         أيها الإخوة الكرام ، الطريق الطويل يبدأ بخطوة ، وإن شاء الله في هذا الدرس سوف نتابع دقائق حياة النبي عليه الصلاة والسلام ، وسوف نستنبط منها منهج ، لأن النبي e قرآن يمشي ، نستنبط منها منهج ، وهذا المنهج يمكن أن يكون مناراً لنا في حركتنا في الحياة .

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()