بتـــــاريخ : 10/7/2008 4:14:53 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1272 0


    تفسير سورة الحجر

    الناقل : heba | العمر :43 | المصدر : www.quran-radio.com

    كلمات مفتاحية  :
    تفسير

    سورة الحجر

    وصف القرءان لحال الكافرين

    تقولات المشركين على الرسول صلى الله عليه وسلم وإفحامهم

    البراهين الدالة على وحدانيته وقدرته تعالى

    مبدأ خلق الإنسان، وقدرة الله على الإحياء والإماتة ، وعداوة إبليس لبني آدم

    جزاء المتقين يوم القيامة

    مغفرة الله وعذابه

    قصة ضيف إبراهيم

    قصة قوم شعيب وثمود

    عطايا الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، وأمره بالجهر بدعوته 

    بَين يَدَي السُّورَة 

          * سورة الحِجْر من السور المكية، التي تستهدف المقاصد الأساسية للعقيدة الإِسلامية "الوحدانية، النبوة، البعث و الجزاء" ومحور السورة يدور حول مصارع الطغاة والمكذبين لرسل الله في شتَّى الأزمان والعصور، ولهذا ابتدأت السورة بالإِنذار والتهديد، ملفَّعاً بظلٍ من التهويل والوعيد {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ * ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمْ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}.  

          * عرضت السورة لدعوة الأنبياء، وبينت موقف أهل الشقاوة والضلالة من الرسل الكرام، فما من نبيٍّ إلا سخر منه قومه الضالون، من لدن بعثة شيخ الأنبياء "نوح" عليه السلام، إلى بعثة خاتم المرسلين، وقد بينت السورة أن هذه سنة المكذبين، في كل زمان وحين {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ* وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ..} الآيات. 

          * وعرضت السورة إلى الآيات الباهرات، المنبثة في صفحة هذا الكون العجيب، الذي ينطق بآثار اليد المبدعة، ويشهد بجلال عظمة الخالق الكبير، بدءاً بمشهد السماء، فمشهد الأرض، فمشهد الرياح اللواقح، فمشهد الحياة والموت، فمشهد الحشر والنشر، وكلُّها ناطقة بعظمة الله وجلاله، وشاهدة بوحدانيته وقدرته {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ..} الآيات. 

          * وعرضت السورة إلى قصة "البشرية الكبرى" قصة الهدى والضلال ممثلة في خلق آدم عليه السلام، وعدوه اللدود إبليس اللعين، وما جرى من سجود الملائكة لآدم، واستكبار إبليس عن السجود، واعتراضه على أمر الله وتوعده لذرية آدم {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ..} الآيات. 

          * ومن قصة آدم تنتقل السورة إلى قصص بعض الأنبياء، تسليةً لرسول الله عليه السلام، وتثبيتاً لقلبه الشريف لئلا يتسرب إليه اليأس والقنوط، فتذكر قصة لوط، وشعيب، وصالح عليهم السلام، وما حل بأقوامهم المكذبين. 

          * وتختم السورة الكريمة بتذكير الرسول صلى الله عليه وسلم بالنعمة العظمى عليه، بإنزال هذا الكتاب المجيد المعجز، وتأمره بالصبر والسلوان على ما يلقاه من أذى المشركين، وتبشره بقرب النصر له وللمؤمنين {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالقرءان الْعَظِيمَ..} إلى آخر السورة الكريمة. 

    التســميَــة :

          سميت السورة الكريمة "سورة الحِجر" لأن الله تعالى ذكر ما حدث لقوم صالح، وهم قبيلة ثمود - وديارهم في الحِجر بين المدينة والشام - فقد كانوا أشداء ينحتون الجبال ليسكنوها، وكأنهم مخلدون في هذه الحياة، لا يعتريهم موت ولا فناء، فبينما هم آمنون مطمئنون جاءتهم صيحة العذاب في وقت الصباح {فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ * فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}. 

    وصف القرءان لحال الكافرين 

          {الر تِلْكَ ءايَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ(1)رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ(2)ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمْ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ(3)وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ(4)مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ(5)} 

          {الر} إشارة إلى إعجاز القرءان أي هذا الكتاب العجيب المعجز كلام الله تعالى وهو منظوم من أمثال هذه الحروف الهجائية الألف واللام والراء {تِلْكَ ءايَاتُ الْكِتَابِ} أي هذه ءايات الكتاب، الكامل في الفصاحة والبيان، المتعالي عن الطاقة البشرية، {وَقُرْآنٍ مُبِينٍ} أي قرآنٍ عظيم الشأن، واضح بيّن، لا خلل فيه ولا اضطراب {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي ربما تمنى الكفار {لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} أي لو كانوا في الدنيا مسلمين، وذلك عند معاينة أهوال الآخرة {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا} أي دَعْهم يا محمد يأكلوا كما تأكل البهائم، ويستمتعوا بدنياهم الفانية {وَيُلْهِهِمْ الأَمَلُ} أي يشغلهم الأمل بطول الأجل، عن التفكر فيما ينجيهم من عذاب الله {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} أي عاقبة أمرهم إذا رأوا القيامة وذاقوا وبال ما صنعوا، وهو وعيد وتهديد {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ} أي وما أهلكنا أهل قرية من القرى الظالمة التي كذبت رسل الله {إِلا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} أي إلا لها أجل محدود لإِهلاكها {مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا} أي لا يتقدم هلاك أمةٍ قبل مجيء أوانه {وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ} أي ولا يتأخر عنهم، قال ابن كثير: وهذا تنبيهٌ لأهل مكة وإِرشاد لهم إلى الإِقلاع عما هم عليه من العِناد والإِلحاد الذي يستحقون به الهلاك. 

    تقولات المشركين على الرسول صلى الله عليه وسلم وإفحامهم 

          {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ(6)لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ(7)مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ(8)إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(9)وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ(10)وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ(11)كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ(12)لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ(13)وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ(14)لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ(15)} 

    سبب النزول:

          قال قتادة: القائلون هذه المقالة هم عبد الله بن أبي أمية، والنضر بن الحارث، ونوفل بن خويلد، والوليد بن المغيرة من صناديد قريش. 

          {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ} قال كفار قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم على جهة الاستهزاء والتهكم: يا من تزعم وتدعي أن القرءان نزل عليك {إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} أي إنك حقاً لمجنون، أكّدوا الخبر بإنَّ واللام مبالغة في الاستخفاف والاستهزاء بمقامه الشريف عليه السلام {لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} أي هلاّ جئتنا بالملائكة لتشهد لك بالرسالة إن كنت صادقاً في دعواك أنك رسول الله!! قال تعالى رداً عليهم {مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلا بِالْحَقِّ} أي ما ننزّل ملائكتنا إلا بالعذاب لمن أردنا إهلاكه {وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ} أي وفي هذه الحالة وعندئذٍ لا إمهال ولا تأجيل، والغرض أن عادة الله تعالى قد جرت في خلقه أنه لا ينزل الملائكة إلا لمن يريد إهلاكهم بعذاب الاستئصال، وهو لا يريد ذلك مع أمته صلى الله عليه وسلم لعلمه تعالى أنه يخرج من أصلابهم من يعبد الله، ففيه ردٌ عليهم فيما اقترحوا {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} أي نحن بعظمة شأننا نزلنا عليك القرءان يا محمد {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} أي ونحن الحافظون لهذا القرءان، نصونه عن الزيادة والنقصان، والتبديل والتغيير، قال المفسرون: تكفَّل الله بحفظ هذا القرءان، فلم يقدر أحد على الزيادة فيه ولا النقصان، ولا على التبديل والتغيير كما جرى في غيره من الكتب فإن حفظها موكولٌ إلى أهلها لقوله تعالى {بما استحفظوا من كتاب الله} وانظر الفرق بين هذه الآية {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} حيث ضمن حفظه وبين الآية السابقة حيث وكل حفظه إليهم فبدَّلوا وغيَّروا {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ} أي ولقد أرسلنا من قبلك يا محمد رسلاً في طوائف وفرق الأمم الأولين {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} أي وما جاءهم رسولٌ إلاّ سخروا منه واستهزؤوا به، وهذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم والمعنى كما فعل بك هؤلاء المشركون فكذلك فُعل بمن قبلك من الرسل فلا تحزن {كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} أي كذلك نسلك الباطل والضلال والاستهزاء بأنبياء الله في قلوب المجرمين، كما سلكناه وأدخلناه في قلوب أولئك المستهزئين {لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ} أي لا يؤمنون بهذا القرءان وقد مضت سنة الله بإهلاك الكفار، فما أقرب هؤلاء من الهلاك والدمار؟ ثم بيَّن تعالى أن كفار مكة لا ينقصهم توافر براهين الإِيمان فهم معاندون مكابرون، وفي ضلالهم وعنادهم سائرون فقال {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ} أي لو فرض أننا أصعدناهم إلى السماء، وفتحنا لهم باباً من أبوابها، فظلوا يصعدون فيه حتى شاهدوا الملائكة والملكوت {لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا} أي لقالوا - لفرطِ مكابرتهم وعنادهم - إنما سُدَّت أبصارنا وخُدعت بهذا الارتقاء والصعود {بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} أي سحرنا محمد وخيَّل إلينا ذلك وما هو إلا سحر مبين، قال الرازي: لو ظل المشركون يصعدون في تلك المعارج، وينظرون إلى ملكوت الله تعالى وقدرته وسلطانه، وإِلى عبادة الملائكة الذين هم من خشيته مشفقون لشكّوا في تلك الرؤية،وبقوا مصرين على الكفر والعناد كما جحدوا سائر المعجزات من انشقاق القمر، والقرءان المعجز الذي لا يستطيع الجن والإِنس أن يأتوا بمثله. 

    البراهين الدالة على وحدانيته وقدرته تعالى 

          {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ(16)وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ(17)إِلا مَنْ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ(18)وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ(19)وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ(20)وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ(21)وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ(22)وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِ وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ(23)وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ(24)وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ(25)} 

          ثم ذكر تعالى البراهين الدالة على وحدانيته وقدرته فقال {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا} أي جعلنا في السماء منازل تسير فيها الأفلاك والكواكب {وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} أي زيناها بالنجوم ليُسرَّ الناظر إليها {وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} أي حفظنا السماء الدنيا من كل شيطان لعين مطرود من رحمة الله {إِلا مَنْ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ} أي إلا من اختلس شيئاً من أخبار السماء فأدركه ولحقه شهاب ثاقب فأحرقه {وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ} أي بسطناها ووسعناها وجعلنا فيها جبالاً ثوابت {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ} أي أنبتنا في الأرض من الزروع والثمار من كل شيءٍ موزون بميزان الحكمة، بدقةٍ وإحكام وتقدير {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ} أي ما تعيشون به من المطاعم والمشارب {وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} أي وجعلنا لكم من العيال والمماليك والأنعام من لستم له برازقين، لأننا نخلق طعامهم وشرابهم لا أنتم {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ} أي ما من شيء من أرزاق الخلق والعباد ومنافعهم إلا عندنا خزائنه ومستودعاته {وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} أي ولكن لا ننزله إلا على حسب حاجة الخلق إليه، وعلى حسب المصالح، كما نشاء ونريد {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} أي تلقَّح السحاب فيدر ماءً، وتلقّح الشجر فيتفتَّح عن أوراقه وأكمامه، فالريح كالفحل للسحاب والشجر { فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} أي فأنزلنا من السحاب ماءً عذباً، جعلناه لسقياكم ولشرب أرضكم ومواشيكم {وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} أي لستم بقادرين على خزنه بل نحن بقدرتنا نحفظه لكم في العيون والآبار والأنهار، ولو شئنا لجعلناه غائراً في الأرض فهلكتم عطشاً كقوله {قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماءٍ معين}؟ {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِ وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ} أي الحياة والموت بيدنا ونحن الباقون بعد فناء الخلق، نرث الأرض ومن عليها وإلينا يُرجعون {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} أي أحطنا علماً بالخلق أجمعين، الأموات منهم والأحياء، قال ابن عباس: المستقدمون كل من هلك من لدن آدم عليه السلام والمستأخرون من هو حي ومن سيأتي إلى يوم القيامة، وقال مجاهد: المستقدمون: الأمم السابقة، والمستأخرون أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والغرضُ أنه تعالى محيطٌ علمه بمن تقدم وبمن تأخر، لا يخفى عليه شيء من أحوال العباد، وهو بيان لكمال علمه بعد الاحتجاج على كمال قدرته {وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ} أي وإن ربك يا محمد هو يجمعهم للحساب والجزاء {إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} أي حكيمٌ في صنعه عليمٌ بخلقه. 

    مبدأ خلق الإنسان، وقدرة الله على الإحياء والإماتة ، وعداوة إبليس لبني آدم 

          {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ(26)وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ(27)وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ(28)فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ(29)فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ(30)إِلا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ(31)قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ(32)قَالَ لَمْ أَكُنْ لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ(33)قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ(34)وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ(35)قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(36)قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ(37)إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ(38)قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(39)إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ(40)قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ(41)إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنْ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ(42)وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ(43)لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ(44)} 

          ولما ذكر تعالى الموت والفناء، والبعث والجزاء، نبههم إلى مبدأ أصلهم وتكوينهم من نفسٍ واحدة، ليشير إلى أن القادر على الإِحياء قادر على الإِفناء والإِعادة، وذكّرهم بعداوة إبليس لأبيهم آدم ليحذروه فقال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ} أي خلقنا آدم من طين يابسٍ يسمع له صَلْصلة أي صوت إذا نُقر {مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} أي من طين أسود متغيّر {وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ} أي ومن قبل آدم خلقنا الجانَّ - أي الشياطين ورئيسهم إبليس - من نار السموم وهي النار الحارة الشديدة التي تنفذ في المسامّ فتقتل بِحرها، قال المفسرون: عني بالجانِّ هنا "إبليس" أبا الجنِّ لأن منه تناسلت الجن فهو أصل لها كما أن آدم أصل للإِنس {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} أي اذكر يا محمد وقت قول ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين يابسٍ، أسود متغيّر، قال ابن كثير: فيه تنويهٌ بذكر آدم في الملائكة قبل خلقه له، وتشريفه إيّاه بأمر الملائكة بالسجود له، وامتناع إبليس عدوه عن السجود له حسداً وكفراً {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ} أي سويت خَلْقه وصورته، وجعلته إنساناً كاملاً معتدل الأعضاء {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} أي أفضتُ عليه من الروح التي هي خلقٌ من خلقي فصار بشراً حياًُ {فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} أي خروا له ساجدين، سجود تحيةٍ وتكريم لا سجود عبادة، قال المفسرون: وإنما أضاف الروح إليه تعالى على سبيل التشريف والتكريم كقوله "بيت الله، ناقة الله! شهر الله" وهي من إضافة الملك إلى المالك، والصنعة إلى الصانع {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} أي سجد لآدم جميع الملائكة لم يمتنع منهم أحد {إِلا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} الاستثناء منقطع لأن إبليس خلقٌ آخر غير الملائكة، فهو من نار وهم من نور، وهم لا يعصون الله ما أمرهم وهو أبى وعصى، فليس هو من الملائكة بيقين، ولكنه كان بين صفوفهم فتوجه إليه الخطاب والمعنى: سجد جميع الملائكة لكنْ إبليس امتنع من السجود بعد أن صدر له الأمر الإِلهي {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} أي ما المانع لك من السجود؟ وأيُّ داعٍ دعا بك إلى الإِباء والامتناع؟ وهو استفهام تبكيتٍ وتوبيخ {قَالَ لَمْ أَكُنْ لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} أي قال إبليس: لا ينبغي ولا يليق لمثلي أن يسجد لآدم وهو مخلوق من طينٍ يابسٍ متغير، فهو من طينٍ وأنا من نار فكيف يسجد العظيم للحقير، والفاضل للمفضول؟ رأى عدوُّ الله نفسه أكبر من أن يسجد لآدم، ومنعه كبره وحسده عن امتثال أمر الله {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} أي اخرجْ من السماوات فإنك مطرودٌ من رحمتي {وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} أي وإن عليك لعنتي إلى يوم الجزاء والعقوبة {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} أي قال اللعين: أمهلني وأخرني إلى يوم البعث {قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} أي قال له الله: إنك من المؤجلين إلى حين موتِ الخلائق، قال القرطبي: أراد بسؤاله الإِنظار - إلى يوم يبعثون - ألا يموت، لأن البعث لا موتَ بعده، فأجابه المولى بالإِنظار إلى يوم الوقت المعلوم وهو يوم موت الخلائق، فيموت إبليس ثم يُبعث {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} أي بسبب إغوائك وإضلالك لي {لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ} أي لأزينَّن لذرية آدم المعاصي والآثام {وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} أي ولأضلَّنهم عن طريق الهدى أجمعين {إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ} أي إلا من استخلصته من عبادك لطاعتك ومرضاتك فلا قدرة لي على إِغوائه {قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} أي قال تعالى: هذا طريق مستقيم واضح، وسنة أزليةٌ لا تتخلف وهي {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} أي إن عبادي المؤمنين لا قوة لك على إضلالهم { إِلا مَنْ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} استثناء منقطع لأن الغاوين ليسوا من عباد الله المخلصين والمعنى لكنْ من غوى وضل من الكافرين فلك عليهم تسلط، لأن الشيطان إنما يتسلط على الشاردين عن الله، كما يتسلط الذئب على الشاردة من القطيع {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} أي موعد إبليس وأتباعه جميعاً {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ} أي لجهنم سبعة أبواب يدخلون منها لكثرتهم وروي عن عليّ أنها أطباقٌ، طبقٌ فوق طبق وأنها دركاتٌ بعضها أشد من بعض {لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} أي لكل جماعة من أتباع إبليس بابٌ معينٌ معلوم، قال ابن كثير: كلٌ يدخل من بابٍ بحسب عمله، ويستقر في دَرَكٍ بقدر عمله.     

    جزاء المتقين يوم القيامة 

          {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(45)ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ(46)وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ(47)لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ(48)} 

    سبب النزول:

    نزول الآية (45):

          {إِنَّ الْمُتَّقِينَ }: أخرج الثعلبي عن سلمان الفارسي أنه لما سمع قوله تعالى: {وإن جهنم لموعدهم أجمعين} فرّ ثلاثة أيام هارباً من الخوف، لا يعقل، فجيء به للنبي صلى الله عليه وسلم، فسأله فقال: يا رسول الله، أنزلت هذه الآية: {وإن جهنم لموعدهم أجمعين} فوالذي بعثك بالحق، لقد قطَّعت قلبي، فأنزل الله: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}.     

    نزول الآية (47):

          {وَنَزَعْنَا ..}: أخرج ابن أبي حاتم عن علي بن الحسين أن هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} قيل: وأي غل؟ قال: غل الجاهلية، إن بني تميم، وبني عدي، وبني هاشم كان بينهم في الجاهلية عداوة، فلما أسلم هؤلاء القوم تحابوا، فأخذت أبا بكر الخاصرة، فجعل علي يسخن يده، فيكمد بها خاصرة أبي بكر، فنزلت هذه الآية. 

          {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} أي إن الذين اتقوا الفواحش والشرك لهم في الآخرة البساتين الناضرة، والعيون المتفجرة بالماء والسلسبيل والخمر والعسل {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} أي يقال لهم: أُدخلوا الجنة سالمين من كل الآفات، آمنين من الموت ومن زوال هذا النعيم {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} أي أزلنا ما في قلوب أهل الجنة من الحقد والبغضاء والشحناء {إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} أي حال كونهم إخوةً متحابين لا يكدّر صفوهم شيء، على سررٍ متقابلين وجهاً لوجه، قال مجاهد: لا ينظر بعضُهم إلى قفا بعض زيادةً في الأنس والإِكرام، وقال ابن عباس: على سررٍ من ذهب مكلَّلة بالدر والياقوت والزبرجد {لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ} أي لا يصيبهم في الجنة إعياءٌ وتعب {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} أي لا يُخْرجون منها ولا يُطردون، نعيمهم خالد، وبقاؤهم دائم، لأنها دار الصفاء والسرور.

    مغفرة الله وعذابه 

          {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(49)وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ(50)} 

          {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغفُورُ الرَّحِيمُ} أي أخبر يا محمد عبادي المؤمنين بأني واسع المغفرة والرحمة لمن تاب وأناب {وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ} أي وأخبرهم أنَّ عذابي شديد لمن أصرَّ على المعاصي والذنوب، قال أبو حيان: وجاء قوله {وَأَنَّ عَذَابِي} في غاية اللطف إذ لم يقل على وجه المقابلة (وأني المعذّب المؤلم) وكل ذلك ترجيح لجهة العفو والرحمة. 

    قصة ضيف إبراهيم 

          {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ(51)إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ(52)قَالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ(53)قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِي الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ(54)قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ(55)قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ(56)قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ(57)قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ(58)إِلا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ(59)إِلا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنْ الْغَابِرِينَ(60)فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ(61)قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ(62)قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ(63)وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ(64)فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ(65)وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ(66)وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ(67)قَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ(68)وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ(69)قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ(70)قَالَ هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ(71)لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ(72)فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ(73)فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ(74)إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ(75)وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ(76)إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ(77)} 

    سبب النزول:

          أخرج الطبراني عن عبد الله بن الزبير قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفر من أصحابه يضحكون، فقال: "أتضحكون، وذِكْر الجنة والنار بين أيديكم، فنزلت هذه الآية: {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم، وأن عذابي هو العذاب الأليم}". 

          {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} أي وأخبرهم عن قصة ضيوف إبراهيم، وهم الملائكة الذين أرسلهم الله لإِهلاك قوم لوط، وكانوا عشرة على صورة غلمانٍ حسانٍ معهم جبريل {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا} أي حين دخلوا على إبراهيم فسلَّموا عليه {قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ} أي قال إبراهيم إنّا خائفون منكم، وذلك حين عرض عليهم الأكل فلم يأكلوا {قَالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} أي قالت الملائكة لا تخف فإنا نبشرك بغلام واسع العلم، عظيم الذكاء، هو إسحاق {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِي الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} أي قال إبراهيم أبشرتموني بالولد على حالة الكبر والهرم، فبأي شيء تبشروني؟ قال ذلك على وجه التعجب والاستبعاد {قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ} أي بشرناك باليقين الثابت فلا تستبعدْه ولا تيأس من رحمة الله {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ} استفهام إنكاري أي لا يقنط من رحمة الله إلا المخطئون طريق المعرفة والصواب، الجاهلون برب الأرباب، أما القلب العامر بالإِيمان، المتصل بالرحمن، فلا ييأس ولا يقنط، قال البيضاوي: وكان تعجب إبراهيم عليه السلام باعتبار العادة دون القدرة فإنَّ الله تعالى قادرٌ على أن يخلق بشراً من غير أبوين، فكيف من شيخ فانٍ وعجوزٍ عاقر؟ ولذلك أجابهم بذلك الجواب {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ} أي قال إبراهيم ما شأنكم وما أمركم الذي جئتم من أجله أيها الملائكة الكرام؟ {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ} أي أرسلنا ربنا إلى قومٍ مشركين ضالين لإِهلاكهم يعنون قوم لوط {إِلا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ} أي إلا أتباعَ لوط وأهلَه المؤمنين، فسننجيهم من ذلك العذاب أجمعين {إِلا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنْ الْغَابِرِينَ} أي إلا امرأة لوط فقد قدَّر الله بقاءها في العذاب مع الكفرة الهالكين، قال القرطبي: استثنى من آل لوط امرأته وكانت كافرة فالتحقت بالمجرمين في الهلاك {فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ} أي فلما أتى رسلُ الله لوطاً عليه السلام {قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} أي قال لهم إنكم قوم لا أعرفكم فماذا تريدون؟ {قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ} أي قالوا له بل نحن رسل، جئناك بما كان فيه قومك يشكُّون فيه وهو نزول العذاب الذي وعدتهم به {وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} أي أتيناك بالحق اليقين من عذابهم وإنا لصادقون فيما نقول {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} أي سرْ بأهلك في طائفةٍ من الليل {وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ} أي كنْ من ورائهم وسرْ خلفهم لتطمئنَّ عليهم {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ} أي لا يلتفتْ أحد منكم وراءه لئلا يرى عظيم ما ينزل بهم فيرتاع {وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} أي سيروا حيث يأمركم الله عز وجل، قال ابن عباس: يعني الشام {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ} أي أوحينا إلى لوط ذلك الأمر العظيم، أولئك المجرمين سيُستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم أحدٌ {مُصْبِحِين} أي إذا دخل الصباح تمَّ هلاكهم واستئصالهم {وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ} أي جاء أهل مدينة سدوم - وهم قوم لوطٍ - مسرعين يستبشرون بأضيافه، طمعاً في ارتكاب الفاحشة بهم، ظناً منهم أنهم أناسٌ أمثالهم، قال المفسرون: أُخبر أولئك السفهاء أن في بيت لوطٍ شباناً مرداً حساناً فأسرعوا فرحين يبشّر بعضهم بعضاً بأضياف لوط {قَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ} أي هؤلاء ضيوفي فلا تقصدوهم بسوء فتُلحقوا بي العار وتفضحوني أمامهم {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ} أي خافوا الله أن يحلَّ بكم عقابه، ولا تهينوني بالتعرض لهم بالمكروه {قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ} أي قالوا ألم نمنعك عن ضيافة أحد؟ قال الرازي: المعنى ألسنا قد نهيناك أن تكلمنا في أحدٍ من الناس إذا قصدناه بالفاحشة؟ {قَالَ هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} أي هؤلاء النساء فتزوجوهنَّ ولا تركنوا إلى الحرام إن كنتم تريدون قضاء الشهوة،قال المفسرون: المراد بقوله {بناتي} بناتُ أمته لأن كل نبيٍّ يعتبر أباً لقومه {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} أي وحياتك يا محمد إن قوم لوط لفي ضلالهم وجهلهم يتخبطون ويترددون، وهذه جملة اعتراضية جاءت ضمن قصة لوط قسماً بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم تكريماً له وتشريفاً، قال ابن عباس: "وما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفساً أكرمَ على الله من محمد صلى الله عليه وسلم وما سمعتُ اللهَ أقسم بحياة أحدٍ غيره {فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ} أي أخذتهم صيحةُ العذاب المهلكة المدمرة وقت شروق الشمس {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} أي قلبناها بهم فجعلنا أعالي المنازل أسافلها، قال المفسرون: حمل جبريل عليه السلام قريتهم واقتلعها من جذورها، حتى رأوا الأفلاك وسمعوا تسبيح الأملاك ثم قلبها بهم { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} أي أنزلنا عليهم حجارة كالمطر من طين طبخ بنار جهنم {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} أي فيما حلَّ بهم من الدمار والعذاب لدلالات وعلامات للمعتبرين، المتأملين بعين البصر والبصيرة {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ} أي وإن هذه القرى المهلكة، وما ظهر فيها من آثار قهر الله وغضبه، لبطريقٍ ثابتٍ لم يندرس، يراها المجتازون في أسفارهم أفلا يعتبرون؟ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} أي لعبرةً للمصدّقين. 

    قصة قوم شعيب وثمود 

          {وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ(78)فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ(79)وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ(80)وَءاتَيْنَاهُمْ ءايَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ(81)وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ(82)فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ(83)فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(84)وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ(85)إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ(86)} 

          {وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ} أي وإنه الحال والشأن كان قوم شعيب - وهم أصحاب الأيكة أي الشجر الكثير الملتف - لظالمين بتكذيبهم شعيباً، وقطعهم الطريق، وتطفيفهم المكيال والميزان {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} أي أهلكناهم بالرجفة وعذاب يوم الظُلَّة، قال المفسرون: اشتد الحر عليهم سبعة أيام حتى قربوا من الهلاك، فبعث الله عليهم سحابة كالظلة، فالتجؤوا إليها واجتمعوا تحتها للتظلل بها، فبعث الله عليهم منها ناراً فأحرقتهم جميعاً {وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ} أي وإن قرى قوم لوط وشعيب لطريق واضح أفلا تعتبرون بهم يا أهل مكة؟ {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ} هذه هي القصة الرابعة وهي قصة صالح عليه السلام أي كذبت ثمود نبيَّهم صالحاً - والحجرُ وادٍ بين المدينة والشام وآثاره باقية يمرُّ عليها المسافرون - قال البيضاوي: ومن كذَّب واحداً من الرسل فكأنما كذب الجميع ولذا قال {الْمُرْسَلِينَ} {وَءاتَيْنَاهُمْ ءايَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ} أي وأريناهم معجزاتنا الدالة على قدرتنا مثل الناقة وما فيها من العجائب فكانوا لا يعتبرون بها ولا يتَّعظون، قال ابن عباس: كان في الناقة آيات: خروجُها من الصخرة، ودنوُّ ولادتها عند خروجها، وعظمُ خَلْقها فلم تشبهها ناقة، وكثرةُ لبنها حتى كان يكفيهم جميعاً فلم يتفكروا فيها ولم يستدلوا بها {وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ} أي كانوا ينقبون الجبال فيبنون فيها بيوتاً آمنين يحسبون أنها تحميهم من عذاب الله {فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ} أي أخذتهم صيحة الهلاك حين أصبحوا {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} أي ما دفع عنهم عذابَ الله وما كانوا يشيدونه من القلاع والحصون {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ} أي وما خلقنا الخلائق كلَّها سماءها وأرضها وما بينهما إلا خلقاً ملتبساً بالحق، فلذلك اقتضت الحكمة إهلاك أمثال هؤلاء المكذبين لئلا يعم الفساد {وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} أي وإن القيامة لآتيةٌ لا محالة فيُجازى المحسنُ بإحسانه، والمسيء بإساءته، فأعرضْ يا محمد عن هؤلاء السفهاء وعاملهم معاملة الحليم {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ} أي الخالق لكل شيء، العليمُ بأحوال العباد. 

    سبب النزول:

    نزول الآية (95):

          {إنا كفيناك}: أخرج البزار والطبراني عن أنس بن مالك قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على أناس بمكة، فجعلوا يغمزون في قفاه، ويقولون: هذا الذي يزعم أنه نبي، ومعه جبريل، فغمز جبريل بأصبعه، فوقع مثل الظفر في أجسادهم، فصارت قروحاً حتى نتنوا، فلم يستطع أحد أن يدنو منهم، فأنزل الله: {إنا كفيناك المستهزئين}. 

    عطايا الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، وأمره بالجهر بدعوته 

          {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالقرءان الْعَظِيمَ(87)لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ(88)وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ(89)كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ(90)الَّذِينَ جَعَلُوا القرءان عِضِينَ(91)فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92)عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(93)فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ(94)إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ(95)الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ(96)وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ(97)فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ(98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ(99)} 

          {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} أي ولقد أعطيناك يا محمد سبع آيات هي الفاتحة لأنها تثنّى أي تكرر قراءتها في الصلاة وفي الحديث (الحمدُ للهِ رب العالمين هي السبعُ المثاني والقرءان العظيمُ الذي أوتيتُه) وقيل: هي السور السبع الطوال، والأول أرجح {وَالقرءان الْعَظِيمَ} أي وآتيناك القرءان العظيم الجامع لكمالات الكتب السماوية {لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} أي لا تنظر إلى ما متعنا به بعض هؤلاء الكفار، فإن الذي أعطيناك أعظم منها وأشرف وأكرم، وكفى بإِنزال القرءان عليك نعمة {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} أي لا تحزن لعدم إيمانهم {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} أي تواضعْ لمن آمن بك من المؤمنين وضعفائهم {وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} أي قل لهم يا محمد أنا المنذر من عذاب الله، الواضح البيِّن في الإِنذار لمن عصى أمر الجبار {كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ} الكاف للتشبيه والمعنى أنزلنا عليك القرءان كما أنزل على أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى الذين آمنوا ببعض كتابهم وكفروا ببعضه، فانقسموا إلى قسمين {الَّذِينَ جَعَلُوا القرءان عِضِينَ} أي جعلوا القرءان أجزاءً متفرقة وقالوا فيه أقوالاً مختلفة، قال ابن عباس: آمنوا ببعضٍ وكفروا ببعض، وهذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن صنيع قومه بالقرءان وتكذيبهم له بقولهم سحر، وشعر، وأساطير، بأن غيرهم من الكفرة فعلوا بغيره من الكتب مثل فعل كفار مكة {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} أي فأقسمُ بربك يا محمد لنسألنَّ الخلائق أجمعين {عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} عما كانوا يعملون في الدنيا {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} أي فاجهر بتبليغ أمر ربك، ولا تلتفت إلى ما يقول المشركون {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} أي كفيناك شرَّ أعدائك المستهزئين بإهلاكنا إياهم وكانوا خمسة من صناديد قريش {الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} أي الذين أشركوا مع الله غيره من الأوثان والأصنام {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} وعيدٌ وتهديد أي سوف يعلمون عاقبة أمرهم في الدارين {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} أي يضيق صدرك بالاستهزاء والتكذيب {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} أي فافزع فيما نالك من مكروه إلى التسبيح والصلاة والإِكثار من ذكر الله {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} أي اعبد ربك يا محمد حتى يأتيك الموت، سمي يقيناً لأنه متيقن الوقوع والنزول.

     
    كلمات مفتاحية  :
    تفسير

    تعليقات الزوار ()