بسم الله الرحمن الرحـيم .
إن الحمد لله نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره . ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ، ورسوله .
أيها الإخوة / أسأل الله أن يجعلني وإياكم في هذا الشهر الكريم من المقبولين ، وأن يجعلنا وإياكم ووالدينا ، وإخواننا المسلمين من عتقائه من النار.
أيها الإخوة / درسنا في هذه الليلة حول سلامة الصدر، وسنعرض له من خلال ما يلي :
مقدمة حول أهميته .
والمقصود بسلامة الصدر.
ثم بعد ذلك الموضوع . بحيث نعرض فيه :
أولاً : سلامة الصدر في القرآن .
ثانيًا : ما ورد في ذلك من السنة.
ثالثًا : أسباب سلامة القلب ، وشرح الصدر.
رابعًا : من معوقات سلامة الصدر.
ثم نختمها : بذكر اختلاط الأمر حول مسببات الحب في الله ، والبغض فيه.
فأقول أيها الإخوة إن هذا الموضوع موضوع سلامة الصدر من الموضوعات المهمة في حياة الإنسان ، وفي حياة الأمة.
وترجع أهميته إلى عدد من الأمور أولها :
أن سلامة الصدر ، والقلب مما ينبغي أن يعنى به المؤمن في كل وقت وهذا باب المراقبة بالنسبة للعبد فإن عليه أن يراقب قلبه في كل حين .
ثانيًا / أن من المشاهد أن القلوب توغر لأتفه الأسباب وقد يصير بين الإخوان ، أو بين الجيران ، أو بين جماعة المسجد أحيانًا من الاختلاف ، والمشاحنة في أمورٍ تافهةٍ جدًا. فكم تشاحنوا مثلاً : من أجل مراوح المسجد هل تجعل على رقم واحد أو ثلاثة أو خمسة ، وكم تشاحنوا على أمور تافهه وكل ذلك من الشيطان الرجيم .
ثالثـًا / أن الحسد تسلط على كثير من الناس. ولم يسلم من ذلك حتى أهل الخير ، وطلبة العلم ؛ مما أوغر الصدور ، والقلوب .
رابعًا / من الأسباب ضعف الأخوة في الله، وفشو الأنانية بين الناس ؛ وكل ذلك إنما كان لعدم سلامة الصدور . ثم أقول أخيرًا إن مناسبة شهر الصوم مناسبة عظيمة لتنقية الأمور من شوائبها.
أولاً : بالإقبال على الله تعالى بالعبادة ، والطاعة ، والصيام ، والقيام ، وهذا يعلم النفس يعلمها أنها لو تدبرت ما ينفعها لو جدت ما يشغلها بالخير عن الناس.
وثانيًا : اجتماع المصلين للصلاة ولغيرها يجمع القلوب ، ويؤلف بينها ثم هو أيضًا مناسبة عظيمة لصلة الأرحام ، والإحسان إلى الجيران ، وإزالة ما في النفوس لأنه شهر القرآن ، وشهر التوبة والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى . شهر المغفرة والرحمة ، والعتق من النيران ، شهر التوجه إلى الله سبحانه وتعالى فلماذا توغر صدورنا ؟! ولماذا تمتلئ بالشحناء ، والبغضاء ؟! والله سبحانه وتعالى هو ربنا جميعًا . وهو الذي يحاسبنا جميعًا فأولى لنا أن نشغل أنفسنا بما يقوي رابطتنا بربنا تبارك وتعالى وهذا له باب واسع . وشهر الصيام من أعظم أبواب الخيرات على هذه الأمة الإسلامية ؛ لأنه شهر يدخل على الأمة الإسلامية في مشارقها ، ومغاربها . يدخل بيوت الفقراء كما يدخل بيوت الأغنياء . يدخل كل قرية بل كل بيت من بيوت المؤمنين في كل شِعب ، وفي كل جبل ، وفي كل جزيرة . فما أعظم هذا الخير ، وما أعظم أثره على القلوب . الواجب أن نستفيد منه درسًا في عبادتنا ، وسلامة صدورنا ، وقربنا من ربنا تبارك وتعالى . ثم أقول إن المقصود بسلامة الصدر ما يشمل أمرين مهمين :
أحدهما / سلامة الصدر من الشرك والبدعة ؛ لأن القلب الذي أشرب شركًا أو بدعةً هو قلب غير سليم ولو كان تعامل صاحبه مع الناس طيبًا .
قال أبو عثمان النيسابوري رحمه الله : القلب السليم هو القلب الخالي من البدعة ، المطمئن إلى السنة ومن ثـَـم كان من ميزات أهل السنة والجماعة أنهم أسلم الناس صدورًا ، وأطهرهم قلوبًا، لأن عقيدتهم صافية ، ولأن توحيدهم خالص من شوائب الشرك ، والبدع ، وغير ذلك .
النوع الثاني من سلامة الصدر / سلامته من الحسد ، والحقد ، والغش ، ونحو ذلك بل يتمنى المؤمن لإخوانه ويحب ما يحبه لنفسه .
*وينبغي أن ألفت الانتباه إلى أننا حينما نطلق القلب ، أو الصدر المعنى واحد لأن القلوب في الصدور كما قال تعالى : ( ..فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور )الحج:46 ومن ثـَم فإطلاق القلب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهور : ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ) هذا القلب هو قاعد الجسد . ومن ثـَمَّ فقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر وهو يشير إلى صدره التقوى هاهنا . من ثـَمَّ نجد الربط بين مسألة القلب والصدر . فانشراح القلب انشراح للصدر . وضيق الصدر ضيق في القلب ، وكدر فيه واسوداد.
· أيها الإخوة بعد هذا نعرض للقضايا المتعلقة في الموضوع من خلال ما يلي :
أولاً سلامة القلب والصدر ومدلولها في القرآن العظيم . يقول الله تبارك وتعالى عن إبراهيم بعد أن ذكر قصة نوح ( وإن من شيعته لإبراهيم* إذ جاء ربه بقلب سليم ).الصافات : 83_84
ويقول تعالى عن إبراهيم عليه السلام أنه دعا ربه فقال : ( ولا تُخزِني يوم يُبعثون* يوم لا ينفع مال ولا بنون* إلا من أتى الله بقلب سليم ) سورة الصافات:86_87_89
يقول ابن كثير رحمه الله : يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون أي لا يقيء المرء من عذاب الله ماله ولو افتدى بملإ الأرض ذهبًا ، ولا بنون ولو افتدى بمن في الأرض جميعًا ولا ينفع يومئذٍ إلا الإيمان بالله ، وإخلاص الدين له والتبرؤ من الشرك ؛ ولهذا قال ( إلا من أتى الله بقلب سليم )الصافات89
أي سالمٍ من الدنس والشرك .
ثم نقل رحمه الله تعالى أقوال أئمة السلف في هذا . ومن ذلك قول ابن سيرين / القلب السليم أن يعلم أن الله حقًا ، وأن الساعة لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور . عقيدة صافية تؤدي إلى قلبٍ سليم . ويقول ابن عباس / إلا من أتى الله بقلبٍ سليم أي حييٌ يشهد أن لا إله إلا الله. وقال مجاهد ، والحسن / بقلبٍ سليم يعني من الشرك . وقال سعيد ابن المسيب / القلب السليم هو القلب الصحيح وهو قلب المؤمن ؛ لأن قلب المنافق مريض . قال الله تعالى عنهم : ( في قلوبهم مرض...) سورة البقرة :10
ويقول تعالى : ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم.. ) الفتح 29
أشداء على الكفار، رحماء بينهم ، ولا تكون الرحمة إلا من قلبٍ ، وصدرٍ واسع .
نعم من قلبٍ ، وصدرٍ سليم، واسع.
ويقول تعالى : ( يا أيها الذين ءامنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ) سورة المائدة :54.
قوله : أذلة على المؤمنين / ينتج عن حب الله سبحانه وتعالى .
فالقلب الذي ملأ الحب في الله تفرغ عن أن يحقد على أحد ، أو أن يغضب على أحد من أجل دنيا فانية أو نحو ذلك
ثانيـًا / وسلامة الصدر في السنة دلت عليه أدلة كثيرة منها : الحديث الجامع في بيان حقوق الأخوة في الله . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانًا .المسلم أخو المسلم لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يكذبه ، ولا يحقره التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه ، وماله ، وعرضه ) رواه الإمام مسلم . وتأملوا هذا الحديث كم فيه من حقوق الأخوة. لكن سنعرض بما يتعلق بالقلب منها ومن ذلك الحسد في قوله ( لا تحاسدوا ) والحسد/ هو أن يسعى في زوال نعمة من يحسده بالبغي عليه قولاً ، وعملاً . ثم من هؤلاء من يسعى لنقل ذلك إلى نفسه ومنهم من يسعى إلى إزالته عن المحسود فقط من غير نقلٍ إلى نفسه . أي أنه يتمنى زوال النعمة عن الغير سواءٌ آلت إليه هو أو لم تؤل وهذا أخبث الصنفين . نسأل الله العافية.
بخلاف الغبطة / وهي تمني أن يكون للإنسان مثل ما للغير من خير فهذه الغبطة إذا لم يتمنى زوالها من الغير فهي مرفوضة ، بل إنها بابٌ من أبواب التنافس بين العباد والله يقول :(.. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) سورة المطففين : 26.ثم أيضًا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث : ( ولا تباغضوا) نهاهم عن التباغض بينهم في غير الله تعالى . بل تباغض على أهواء النفوس وهذا هو المحذور فإن المسلمين جعلهم الله إخوة ، والإخوة يتحابون بينهم ولا يتباغضون . قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم ) رواه مسلم .
ومن ثـَم حرَّم الله تبارك وتعالى النميمة ، والغيبة ؛ لما فيها من إيقاع العداوة ، والبغضاء بين المؤمنين . أما البغض في الله لأهل الكفر ، أو الفسق ، أو البدع ، فهذا من أوثق عرى الإيمان؛ لأنه بغض في الله تبارك وتعالى وليس داخلاً في النهي . ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك : ( ولا تدابروا ) والتدابر هو : الهجران ، والمصارمة ؛ لأن كلاً منهما يُولَّ صاحبه دبره حين يعرض عنه وهذا هو التقاطع . وقد ورد النهي من غير سبب مثل الحديث المتفق عليه عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحل لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيصُدُّ هذا ويصُدُّ هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ). وفي حديث أبي خراشٍ السلمي عند أحمد، وأبي داوود، والحاكم ،وصححه ووافقه الذهبي مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه ) وهذا في الأمور الدنيوية . أما لأجل الدين فإن الهجر من الأمور المشروعة إذا كان نافعًا .
ثـانيًا / ومن الأحاديث الواردة في ذلك ما ورد في وجوب نصر المسلم لأخيه ، ودفاعه عن عرضه . وقد روى أبو داوود ، وأحمد ، وغيرهم بسند حسن عن أبي طلحة الأنصاري ، وجابر ابن عبدالله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من امرئٍ يخذل امرَءً مسلماً في موطن تنتهك فيه حرمته ، وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطنٍ يحب فيه نُصرَته وما من امرئٍ ينصر مسلمًا في موضع يُنتقص فيه من عرضه ، ويُنتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موضع يحب فيه نصرته ) ومن الذي يقوم بهذا ؟ من الذي ينتصر لأخيه المؤمن ؟ من الذي يدرؤ عن عرض أخيه المؤمن ؟ إنه الرجل المحب في الله الذي امتلأ قلبه بالإيمان . فصار قلبه وصدره منشرحًا . أسأل الله أن يجعلني منكم .
ثـالثـًا / ومن الأحاديث الواردة في ذلك . حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث مشهور أوَّله : ( كل سلامى من الناس عليه صدقة ) والسلامى : هي الأعضاء والمفاصل في جسد الحديد . ومعنى عليه صدقة : أن تركيب هذه العظام وسلامتها من أعظم نعم الله على عبده . فيحتاج كل عظم منها إلى صدقة عن ابن آدم يتصدق بها ابن آدم عنه.
في بعض ألفاظ هذا الحديث المشهور المتفق عليه يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الإنسان ثلاث مائة وستون عظمًا أو ستةٌ وثلاثون سلامى عليه في كل يومٍ صدقة قالوا : فمن لم يجد؟ قال: يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر قالوا : فمن لم يجد ؟ قال يرفع عظمًا عن الطريق . قالوا فمن لم يستطع ؟ قال : فليُعن ضعيفـًا . قالوا : فمن لم يستطع ذلك . قال : فليدع الناس من شره ) وفي لفظ : فليمسك عن الشر فإن له صدقة . إذن هذا الذي يمسك عن الشر لأنه لم يستطع أن يفعل الخير دليل ٌ على سلامة صدره ؛ لأنه أمسك عن الشر بينما غيره إذا لم يشتغل بحق اشتغل بباطل. أما المؤمن فهو إما أن يشتغل بحق فإن لم يستطع أو لم يجد فإنه لا يشتغل بباطل وهذا هو القلب السليم الذي يوجِّه صاحبه وأعضاءه إلى الخير ، وإلى الاستقامة ، وإلى عدم إيذاء الناس، والنيل منهم وقد روى البخاري ، ومسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل قال : (الإيمان بالله ، والجهاد في سبيله ) قلت فإن لم أفعل ؟ قال:( تعين صانعًا ، أو تصنع لأخرق ) قلت : أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل قال : ( تكف شرك عن الناس فإنها صدقة).
وهذا أيها الإخوة باب عظيم ومهم في سلامة الصدر لأن الإنسان الذي يشغل باله دائمًا بكل الأمور حقها ، وباطنها لا يبقى صدره سليمًا لكن المؤمن المراقب لنفسه ، وقلبه هو الذي يشتغل بالحق فإن لم يستطع كفه شره وأذاه عن الناس .
ثــالثـًا / أسباب انشراح الصدر :
ويا أيها الإخوة لابد في معرفة هذه الأسباب من الانتقال من النظرية إلى العمل نتأمل هذه الأسباب التي تزيد القلب انشراحًا ، وتزيد الصدر انشراحًا ، وفرحًا وسرورًا . تأملوها أيها الإخوة فإنها أبواب عظيمة وأنتم في طريقكم إلى ربكم تبارك وتعالى :
أولها / التوحيد توحيد الربوبية ، وتوحيد الأسماء والصفات ، إذا استقر بالقلب كما ينبغي له الأثر العظيم على سلامة ، وشرح الصدر . وبحسب كماله ، وقوته ، وزيادته يكون انشراح صدر صاحبه قال الله تعالى :( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه..) الزمر:22.إن شرح الصدر للإسلام . والإسلام قوامُه الإيمان ، والتوحيد . فإذا انشرح هذا الصدر للإسلام صار العبد على نور من ربه تبارك وتعالى ينزل في قلبه فلا يضل بإذنه تبارك وتعالى . ولا شك أيها الإخوة أن معرفة التوحيد ، والعمل به ، وخلوصه ، وكماله من أعظم أسباب شرح الصدر . وأن ضد ذلك من الشرك ، والبدع وغير ذلك هي من أعظم أسباب ضيق الصدر وانحراجه . نسأل الله السلامة والعافية .
ثـانيا / نور الإيمان الذي يقذفه الله تعالى في قلب العبد وهذا النور يشرح الصدر ، ويوسعه ، ويفرِّح القلب ، ويبهجه ، وإذا فقد هذا النور من قلب العبد ضاق ، وحرج ، وصار في أضيق سجن وأصعبه ولو كان من أترف الناس ، وأغناهم ، وأعلاهم شهرة ،ومنزلةً ، ومكانة، ومقامًا
نعم إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز : ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكًا ونحشره يوم القيامة أعمى ) طه :124.من أعرض عن ذكر الله ، وذكر الله سبحانه وتعالى يشمل القرآن والإيمان ، ويشمل الإسلام وكلها معاني متقاربة . وأعظم أسباب نور الإيمان هو التوحيد الخالص لله سبحانه وتعالى أما شعب الإيمان : فهي كثيرة جدًا والنبي صلى الله عليه وسلم أشار إليها بمثل قوله : ( الإيمان بضع وستون ، أو بضع وسبعون شعبة ، أعلاها قول لا إله إلا الله ، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان ) فهذه الشعب كلما عملت بها واحدةً زاد إيمانك ، وقذف الله في قلبك نورًا يؤدي إلى شرح الصدر .
تبسمك في وجه أخيك ، برك بوالديك ، أمرٌ بمعروف ، نهي عن المنكر ، كلمة طيبة ، قولة حق ، إلخ من أمور الخير التي أمر الله بها . إذا فعلت واحدة منها فهذا نور إيمان يقذف في القلب ؛ فينوِّر الصدر ، ويشرحه
ثـالثـًا / من أسباب شرح الصدر أيضًا .
العلم النافع لأنه يوسع الصدر حتى يكون أوسع من الدنيا . والمقصود بالعلم النافع . المقصود به العلم الذي ورث عن محمد ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم فإن أهله العارفين به هم أشرح الناس صدورًا ، وأوسعهم قلوبًا ، وأطيبهم عيشًا . أرأيتم مؤمنـًا عرف الله ، وعرف رسوله صلى الله عليه وسلم ، وعرف اليوم الآخر ، وعرف الدنيا وأنها لا تساوي شيئًا أرأيتم هذا المؤمن إذا علم ذلك علمًا يقينيًا تحول إلى عمل قلب هل يهمه شيء من الدنيا ؟!هل ينشغل صدره بدنيًا فانية ؟! هل إذا نظر إلى غني ثري يحسده على دنيًا فانية ؟! هل إذا نظر إلى صاحب جاه ، أو نعمة أنعم الله بها عليه يحسده عليها ويقينه هو أن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة ؟! أرأيتم إلى العلم بالله،
وإلى العلم بأركان الإيمان توسع الصدر ، وتزيل الهموم . تزيل الهموم والأكدار ،و الأحزان ،التي تسببها هذه الدنيا الفانية ومشاكلها، في البيت ، وفي السوق ، ومع الناس ، وفي العمل ، كلها دنيًا فانية لكن إذا كان القلب عارفـًا بالله، لا، مؤمنـًا به ؛ يتسع الصدر ليمتد إلى الآخرة . يعمل في الدنيا وعينه في الآخره ، يراقب ذلك الموقف بين يدي ربه سبحانه وتعالى فيعمل الصالحات ، ويبتعد عن المحرمات وهذا أيها الإخوة باب عظيمٌ جدًا وهو يحتاج إلى شرح.
الـرابع / من الأمور التي تشرح الصدر الإنابة إلى الله ، ومحبته في القلب ، والإقبال على الله تعالى ، والتنعم بعبادته ، وهذا من أعظم أسباب شرح الصدر ؛ لأن القلب الذي امتلأ محبةً لله، ورضًا به سبحانه وتعالى هو قلب فرح ، مسرور . ومن ثـَمَّ كان أهل العبادة ، والرضا ، والطاعة من الزهاد ، والعباد كانوا يفرحون بعبادتهم أشد وأشد من فرح أهل الدنيا بملذاتهم،وسرورهم حتى قال بعض العابدين ، الفرحين بربهم سبحانه وتعالى وبعبادته قال وهو يعبد الله :إن كان أهل الجنة
في مثل هذا النعيم الذي أنا فيه الآن إنهم لفي عيش طيب . نعم والله أيها الإخوة محبة الله إذا امتلأ بها القلب أنارت الصدر ولهذا يقول ابن القيم رحمه الله وللمحبة تأثير عجيب في انشراح الصدر، وطيب النفس ، ونعيم القلب لا يعرفه إلا من له حسٌ به وكلما كانت المحبة أقوى وأشد كان الصدر أفسح وأشرح نعم أيها الإخوة نعم إن عمران القلب بمحبة الله ، إن عمران هذا القلب بتلك المحبة يجعل الإنسان لا يفرح إلا بالله ، وبما يقرب إليه. ويضيق إذا رأى من يبعده عن محبة الله والتقرب إليه تبارك وتعالى ولهذا كان من أعظم أسباب ضيق الصدر الإعراض عن ذكر الله تبارك وتعالى ، وتعلق القلب بغيره ، والغفلة عن ذكره ، ومحبة من سواه .
خـامسًا / ومن أسباب شرح الصدر .
دوام ذكر الله على كل حالٍ ، وفي كل موطن ؛ لأن ذكر الله يُلين القلوب ، والصدور . إذا غضبت من شيء ، أو ضاق صدرك من قضية ، أو حزنت على فوات أمرٍ من الأمور تَذكُر الله سبحانه وتعالى وتقول : لا إله إلا الله ، سبحان الله ، الحمد لله ، لا إله إلا الله ، الله أكبر . انتبهتم الله أكبر من الدنيا وما فيها . الله أكبر من كل شيء .فإذا ذكر الإنسان ربه سبحانه وتعالى انشرح صدره قال الله تبارك وتعالى : (... ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) الرعد 28. ولهذا جعله النبي صلى الله عليه وسلم أعظم من الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى . كما في الحديث المشهور الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن ذكر الله ، وأنه أعظم من الجهاد وضرب السيوف .والحديث في ذلك صحيح.
سـادسـًا / ومن أسباب شرح الصدر أيضًا .
الإحسان إلى الخلق ، ونفعهم بما يمكن من العلم، والمال ، والجاه ونفع بدني ، وكل أنواع الإحسان . والمحسن الكريم هو من أشرح الناس صدرًا ، وأطيبهم نفسًا ، وأنعمهم قلبًا . المحسن إما بجسده ، أو بوقته ، أو بماله ، أو بعلمه ، أو بغير ذلك تجده من أحسن الناس ، وأشرح الناس صدرًا . وعكسه تمامًا البخيل الذي يبخل بنفسه ، أو يبخل بجاهه ، أو يبخل بماله تجده دائمًا ضيق الصدر ، يحزن لأقل الأشياء ، ويتكدر خاطره لأي أمرٍ من الأمور لأنه بخيل . نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينجينا وإياكم من البخل . ولهذا كان البخيل من أضيق الناس صدرًا ، وأنكدهم عيشًا .
سـابعًأ / ومن أسباب شرح الصدر .
الشجاعة . الشجاعة في الحق؛ فإن الشجاع منشرح الصدر، متسع القلب . وعكسه الجبان .
الجبان من أضيق الناس صدرًا ، لا فرحة له، ولا سرورًا ، ولا لذة له، ولا نعيم إلا من جنس ما للحيوانات كما يقول ابن القيم رحمه الله تعالى . أما الشجاعة . شجاعة القلب ، وثقته بالله ، واعتزازه به ، وتوكله عليه فإنه يقوي القلب. فإذا قوي القلب تحمل الشدائد فصار قلبًا متسعـًا لكل قضية ، أو مشكلة تمر عليه . فيصبح صاحب القلب الشجاع متسع الصدر، منشرحه .
ثـامنـًا / من أسباب انشراح الصدر أيضـًا.
إخراج حقد القلب ، ودغله ، وكل صفة مذمومة توجب ضيقه وعذابه وهذا أيها الإخوة يحتاج من النفس البشرية إلى نوع مجاهدة .نعم لأن هذا الأمر أحيانًا لا يملكه الإنسان لكن يحتاج إلى أن يجاهد نفسه فيخرج ما فيها من أضغان ، وأحقاد ، وغير ذلك حتى يستريح.
تـاسعًا / من أسباب أيضـًا انشراح الصدر.
الإبتعاد عن ما لا فائدة فيه من الفضول التي لا فائدة فيها فضول النظر إلى ما لا فائدة منه ،فضول الكلام فيما لا فائدة منه ، الاستماع إلى ما لا فائدة منه ، المخالطة ، الأكل ، النوم ، كل شيء من ذلك إن كان في حرام فهذا نسأل الله العافية الداء العضال . لكن إن لم يكن فيه فائدة فإنه يتحول إلى نظر . فترك فضول هذه الأشياء يعين على شرح الصدر ؛ لأن النفس إذا لم تُشغلها بباطل أو بمثل هذا الفضول إذا ابتعدت ولم تشغلها به فإن هذه النفس لابد أن تشتغل بحق بإذن الله تبارك وتعالى . كما أن النفس إذا لم تُشغلها بالحق إن شغلت بباطل ، أو بفضول . والمراد بالفضول : ما زاد عن الحاجة والضرورة من هذه الأشياء .
*أيها الإخوة في الله هذه خلاصة لأسباب شرح الصدر فتأملوها لعل الله سبحانه وتعالى أن ينفعني وإياكم بها ؛ حتى نعمل بها فنكون ممن انشرح صدره ، ورضي قلبه ، وطابت نفسه .
رابعـًـا : من معوقـات سلامة القلب وآثار ذلك.
1/ فإنها من أهم أسباب عدم سلامة القلوب . وهذا أيها الإخوة من أعظم آثار وعقوبات المعاصي العاجلة حيث إنها تـُظلم القلب ؛ فتؤدي إلى وحشة بين هذا المذنب وبين ربه ، كما تؤدي إلى وحشة بينه وبين الآخرين ومن ثـَمَّ فإن هذه الظلمة تؤدي إلى الشحناء ، والقطيعة . وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (ما توادَّا اثنان في الله عز وجل ، أو في الإسلام فيُفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما ) رواه البخاري في الأدب المفرد والحديث صحيح .
فتأملوا كيف أن المودة التي تكون بين المؤمنين مما يخلخلها الذنوب فإذا عصى العبد استوحش قلبه ،وإذا استوحش قلبه استوحش من أخيه الطيب ، فإذا استوحش من أخيه الطيب أدى هذا إلى فرقة ، وإلى اختلاف . نسأل الله السلامة والعافية.
ثـانيًا / الحذر من إساءة الظن بأخيك ؛ لأن إساءة الظن في القلب غيبة للقلب ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: ( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ) . وسوء الظن بالآخرين يدعو إلى ضغن القلوب وقد يتطور إلى التجسس عليهم والغيبة والنميمة لهم . وعلى المؤمن أن يكون حسن الظن بأخيه . قال ابن المبارك رحمه الله تعالى : المؤمن يطلب المعاذير ، والمنافق يطلب العثرات. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم ( من ستر عورة أخيه ستره الله يوم القيامة ) انتبهتم كيف أن حسن الظن بأخيه ، وعدم إساءة الظن به تؤدي إلى هذه المعاملة الطيبة بينك وبين إخوانك ، كما أنها تؤدي إلى طيب القلوب ، وانشراحها . وهذه الأمور أيها الإخوة من أكثر ما توغظ القلوب الغيبة ، النميمة ، التجسس ، كشف العورات ، وغير ذلك والبحث عن العثرات هذه الأمور من أشد ما توغظ القلوب . نسأل الله السلامة والعافية.
بهذا فعلى المؤمن أن يحذر منها جميعًا . وعليه أن يحسن الظن بأخوانه ، وعليه أن يكون صريحًا، فلا يسمح بغيبة أحدٍ عنده ، ولا يسمح بنميمة بل يكون ناصحًا لإخوانه في كل حال . ويكون هو أيضًا عاملاً ، ممتثلاً بما يأمر به . ورد عن العباس رضي الله عنه: أنه أوصى ابنه عبد الله ابن عباس قائلا له : يا بني إني أرى هذا الرجل يعني عمر ابن الخطاب يقدمُك على الأشياخ فاحفظ عني خمسًا لا تفشينَّ له سرًا ، ولا تغتابنَّ عنده أحدًا ، ولا يجربنَّ عليك كذبًا ، ولا تعصينَّ له أمرًا ، ولا يطلعنَّ منك على خيانة . قال الشعبي / الإمام التابعي المشهور معلقـًا على هذه كل كلمة من هذه الخمس خيرٌ من ألف . وهذه من الوصايا التي تجعل القلوب عامرة ، والمجالس عامرة بالخير وبالإخوة بالله سبحانه وتعالى . أما إذا اشتعلت فيها هذه المفسدات من غيبة ، ونميمة، ونحوها احترقت القلوب ، وضاقت الصدور ، وتباغضت النفوس ، ومن ثم حلت العداوات بين الإخوان
ثـالثـًا / وليُحذر من عقوبة الشحناء ، والبغضاء وقد ورد في حديث نزول الرب ليلة النصف من شعبان في بعض ألفاظه ورد: ( فيُغفر لكل مسلم إلا مشركٌ أو مشاحن ) وفي حديث صيام الإثنين والخميس . ورد أن الأعمال ترفع إلى الله فيهما إلا لاثنين بينهما شحناء فيقال : ( لا ترفعوا أعمالهما حتى يصطلحان ) وهذا من آثار الشحناء ، والبغضاء التي تتسبب من عدم سلامة الصدور. نسأل الله السلامة والعافية. ثـُمَّ اعلموا أيها الإخوة في الله أن سلامة القلب من الغش، والحسد له أثر عظيم . واسمعوا لهذه الحادثة التي وقعت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم : فقد روى أنس ابن مالك رضي الله عنه قال : كنا جلوسًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
(يطلع عليكم الآن رجلٌ من أهل الجنة ) فطلع رجلٌ من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد تعلقَّ نعليه في يده الشمال . فلمَّا كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك أي قال( يطلع عليكم رجل من أهل الجنة )فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى . فلمَّا كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضًا . فطلع ذلك الرجل مثل حاله الأولى . فلمَّا قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله ابن عمرو ابن العاص أي تبع ذلك الرجل الذي قال فيه النبي إنه من أهل الجنة . فقال له عبد الله ابن عمرو إني لا حيتُ أبي أي خاصمت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثـًا فإن رأيت أن تؤوِيني إليك حتى تمضي فعلتَ قال : نعم . قال أنس وكان عبد الله يُحدَّث أنه بات معه تلك الليالِ الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئـًا غير أنه إذا تعارَّ أي: استيقظ أثناء النوم. غير أنه إذا تعارَّ وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبَّر حتى يقوم لصلاة الفجر . قال عبد الله غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرًا فلما مضت الثلاث الليالٍ ، وكدت أن احتقر عمله ؛ لأن النبي قال فيه يطلع عليكم رجل من أهل الجنة ثلاثة أيام متوالية . فعبد الله ابن عمرو يقول كدت أن أحتقر عمله. ولكنه صارحه يقول : فقلت له يا عبد الله إنه لم يكن بيني وبين أبي غضبٌ ولا هجر ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات يطلع عليكم الآن رجلٌ من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث مرارًا ؛ فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فاقتدي به . فلم أرك تعمل كثير عمل ! فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ذلك الرجل ما هو إلا ما رأيت .قال عبد الله ابن عمرو فلمَّا وليت دعانِ فقال لي : ما هو إلا ما رأيت غير أني < وانتبهوا إلى هذا الكلام > ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحدٍ من المسلمين غشًا ، ولا أحسد أحدًا على خيرٍ أعطاه الله إياه . انتبهتم إلى سلامة الصدر ، وخلوه من الغش ، وخلوه من الحسد ، كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد لصاحبه ثلاث مرات بأنه من أهل الجنة .
نعم أيها الإخوة في الله إن هذا أمرٌ عظيم يحتاج من إلى تدبر ، وتمعن ، وهذا الحديث رواه البزَّار. وفي لفظه أنه قال : ما هو إلا ما رأيت يا ابن أخي إلا أني لم أبت ضاغنـًا على مسلم ، أو كلمة نحوها . إذا جاء إلى فراشه نام مستريح القلب ، منشرح الصدر ، لا يحقد على أحد . قال عبد الله ابن عمرو : هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق . انتبهوا معي لكلمة عبد الله ابن عمرو يعني صعبة على النفس أن تطيق هذا الأمر العظيم :وهو أن يسلم صدرك من الضغن ،ومن الشحناء، ومن الحسد . ومع هذا أيها الإخوة ما ذلك على الله بعزيز فربُّوا قلوبكم ، وراقبوها فإن الله سبحانه وتعالى إذا شرح صدوركم كان ذلك من أعظم النعم . وأعظم الراحة لكم حتى في الدنيا . وهذا الحديث رواه الإمام أحمد ، والنسائي وهو على شرط البخاري ، ومسلم. كما قال المنذري رحمه الله تعالى في الترغيب والترهيب.
أيها الإخوة في الله / من الأمور والحوادث العجيبة وها نحن الآن في الخاتمة ما قرأته عن أحد الصحابة واسمه أبو ضمضم فقد ورد عنه أنه جاد بعرضه روي عنه رضي الله عنه أنه كان إذا أصبح قال : اللهم إنه لا مال لي أتصدق به على الناس وقد تصدقت عليهم بعرضي فمن شتمني، أو قذفني فهو في حلٍ . سبحان الله إنه قلب سليم . أين القلوب التي تغلي إذا اعتدي عليها هذا جاد بعرضه على الناس.
أيها الإخوة في الله يقول ابن القيم معلقًا على هذا : وفي هذا الجود من سلامة الصدر ، وراحة القلب ، والتخلص من معاداة الخلق ما فيه . أقول : هذا له أثره الكبير في حياة الإنسان حيث يصبح ، ويمسي وهو لا يطلب من أحدٍ شيئـًا ، ولا يعتب على أحد ، ولا يغضب على أحد ممن قال عنه كلِمًا أو تصرَّف تجاهه بتصرف بغيبة ، أو نميمة ، أو غير ذلك . وإنما يمحُ ذلك من قلبه يرجو به ثواب الله سبحانه وتعالى . فيحصل على فائدةٍ راحة صدرٍ في الدنيا ، وثوابٌ وأجر عند الله سبحانه وتعالى .
أيها الإخوة وأختم هذه المسائل بمسألة تتعلق باختلاط الأمر حول مسببات الحب في الله ، والبغض فيه . وهذه يحتاج إليها كثير من طلبة العلم ولذا أحببت أن أعرضها هنا وأن أذكرها في ختام هذا الدرس . أسأل الله لي ولكم التوفيق .
فإن الخلط بين الحب في الله والبغض فيه مما قد يقع بين المؤمنين بحيث قد يظن في أخيه شرًا فيبغضه من أجله وقد يكون ظنه خاطئـًا قد تكون اتهمت شخصًا بتهمة ولو تدبرتها لوجدت أنه هو المصيب وأنت المخطئ فتكون أبغضته على ما لا يصلح أن يكون سببًا لبغض . ولهذا فإنني أنقل هذه الفائدة من ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه جامع العلوم، والحكم فإنه يقول : وانتبهوا لما يقول . يقول ابن رجب رحمه الله : ولمَّا كثر اختلاط الناس في مسائل الدين ، وكثر تفرقهم ، كثر بسبب ذلك تباغضهم وتلاعنهم ، وكل واحد منهم يظهر أنه يبغض في الله وقد يكون في نفس الأمر معذورًا ، وقد لا يكون معذورًا بل يكون متبعًا لهواه مقصِّرًا في البحث عن معرفة ما يبغض عليه . فإن كثيرا من البغض كذلك إنما يقع لمخالفة متبوعٍ يظن أنه لا يقول إلا الحق وهذا الظن خطأ
قطعًا . وإن أريد أنه لا يقول إلا الحق فيما خولف فيه فهذا الظن قد يخطئ ، ويصيب . وقد يكون الحامل لمجرد الميل إليه مجرد الهوى ،أو الإلْف، أو العادة ، وكل هذا يقدح في أن يكون هذا البغض لله. فالواجب على المؤمن أن ينصح نفسه ، ويتحرز في هذا غاية التحرز وما أشكل منه فلا يدخل نفسه فيه ؛ خشية أن يقع فيما نُهي عنه من البغض المحرم . ثم يقول ابن رجب بعد هذا مباشرةً . وهاهنا أمرٌ خفي ينبغي التفطن حوله وهو أن كثيرًا من أئمة الدين قد يقول قولاً مرجوحًا ويكون مجتهدًا فيه مأجورًا على اجتهاده فيه ، موضوعًا عنه خطؤه فيه ولا يكون المنتصر لمقالته تلك بمنزلته في هذه الدرجة ؛ لأنه قد لا ينتصر لهذا القول إلا لكون متبوعه قد قاله بحيث إنه لو قاله غيره من أئمة الدين لما قبِله ،ولا انتصر له ، ولا والى من وافقه ، ولا عادى من خالفه وهو مع هذا يظن أنه إنما انتصر للحق بمنزلة متبوعه وليس كذلك ، فإن متبوعه إنما كان قصده الانتصار للحق وإن أخطأ في اجتهاده ، وأمَّـا هذا التابع فقد شاب انتصاره لما يظنه الحق إرادة علو متبوعه ، وظهور كلمته ، وأن لا يُنسب إلى الخطأ . وهذه دسيسة تقدح في قصد الانتصار للحق فافهم هذا فإنه فهمٌ عظيم . والله يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم. أ.هـ . كلام ابن رجب رحمه الله تعالى .
*وخلاصته أيها الإخوة / أن عالم من العلماء قد يقول قولاً ، ويكون مجتهدًا فيه مأجورًا لكن قد يُخطئ فيأتي تابعٌ له متعصبٌ له فيدافع عن هذا الخطأ من أجل متبوعه ويظن أنه مجتهد مثل اجتهاده ، وخفي عليه أنَّ الواجب عليه أن يتحرز وأن يطلب الحق ، وأن يعرف الحق بالحق لا بالرجال . الرجال لا يعرف الحق بهم . نعم الرجال لا يعرف الحق بهم وإنما يعرف الرجال بكون أقوالهم حقًا فبعضهم يتَّبع يظن أنه لأن متبوعه ، مجتهد ، مأجور ، فهو أيضًا مجتهدٌ مأجور.
وهذا لا ؛ لأن الحامل له قد يكون الإخلاص ، وقد يكون محبة هوى النفس ، أو دفاعًا عن أمرٍ من الأمور التي تجعله يدافع عن هذا الشخص إما إلف، أو عادة، أو هوى ، أو غير ذلك . وهذا باب مهم ينبغي أن ينتبه له الجميع كما أشار ابن رجب رحمه الله تعالى .
*أيها الإخوة في الله / إن سلامة الصدر نعمة عظيمة ، كما أن الإيمان نعمة عظيمة . وإذا كان الواجب علينا معرفة الإيمان ، وعبادة الواحد الديان ولإخلاص له . فإن الواجب علينا أيضًا أن نعرف الوسائل التي تعين على سلامة الصدر فنعملها ، وأن نعرف الوسائل التي تضيق الصدر وتوغظه فنحذرها .
*أيها الإخوة في الله / إن هذا الشهر الكريم شهر خيرٍ ، وبركة . شهر صفاء النفوس ، والأخوة في الله . شهر يجمع الله سبحانه وتعالى فيه أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم على شريعةٍ ، ومنهاج واحد إمساكًا ، وفطرًا ،وصلاةً واحدة . لا فرق بين عربي ولا أعجمي . لا فرق بين من جاء من مشرقٍ أو مغرب الجميع يجمعهم الإيمان ، وطاعة الرحمن . فاغتنموا فرصة هذا الشهر الكريم ؛ لتألف القلوب ، وتنشرح الصدور ، وتزيل عنها الهموم ، والغموم فإن في ذلك لكم من الخير الشيء الكثير.
اللهم إنـا نسألك أن ترزقنا سلامة الصدور . اللهم ارزقنا سلامة الصدور . اللهم ارزقنا سلامة الصدور ، وطيبها ، اللهم إنا نسألك قلوبـًا خاشعةً ، مؤمنةً بك . اللهم إنا نعوذ بك من سيء الأخلاق ، والعادات ، والآداب . اللهم اهدنا إلى الحق واعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن . وتقبل منا صيامنا وقيامنا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
جزى الله الشيخ خير الجزاء والآن نترككم مع الأسئلة :
· يقول السائل / السلام عليكم ورحمة الله أما بعد : فإني أحبك في الله وسؤاله يقول : ما حكم هجر الأب لابنه من أجل التربية ، وهل له أصل في الشرع ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا.
أحبك الله لما أحببتنا له . أما هجر الأب ابنه من باب التأديب إذا كان فاعلاً لمعصية ، أو مقصرًا في واجب فإنني أعتبره من أفضل أنواع الهجر النافعه لماذا ؟ لأن الهجر وارد ، هجر صاحب الفسق والبدعة وارد. لكن قال العلماء إن الهجر يكون إذا كان نافعًا فإن الإنسان يهجر ، لكن إذا لم يكن نافعًا فعلى الإنسان أن يسعى بإزالة هذا المنكر والنصح بوسائل أخرى . فأقول إن الأب إذا هجر ابنه لا شك أن الابن إذا كان عاقلاً يتأثر بذلك . بهذا فإن هجر الأب ، أو الأم لابنه من أجل معصية كثيرًا ما تُسبب في رده إلى الحق . أما التساهل في ذلك وعدم هجره ، وعدم نصحه ..إلخ ذلك فإنه قد يؤدي إلى أن لا ينتفع هذا الابن بنصحهم بهما .
· يقول السائل / أنا شخصٌ كثير الانزعاج ، وضيق الصدر ؛ بسبب الذنوب ، والمعاصي التي أراها دائمًا أمامي في المنزل عند إخواني ووالدي من مَشاهد محرمة ، وأيضًا لدي زملاء يدخنون ولديهم معاصي كثيرة دائمًا يدعونني لمجالستهم وعندما أمتنع عن تلبية الدعوة يزعلون ، ويقولون نحن مسلمين نصلي ونصوم فكيف لا ترغب في الجلوس معنا فإذا جلست معهم ضاق صدري بعدما أخرج من عندهم لما لقيت عندهم من المعاصي فكيف أعمل لأنجومن هذا دلوني ؟ جزاكم الله خيرًا.
أنت يا أخي في جهاد أسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك . في جهاد عظيم ولهذا فإن جوابي من ثلاث نقاط : أولها / بالنسبة للصحبة السيئة من الزملاء فهؤلاء يجب عليك أن تبتعد عنهم ولو غضبوا . وقولهم إننا مسلمون قل نعم أنتم مسلمون لكن عندكم معاصي فأنا أخاف على نفسي منها . أنا لا أكفركم .لكنني أريد أن أنجو بنفسي ؛ لأن مجالسكم لا تزيدني من الله إلا بعدًا .
ثانيًا / بالنسبة لأهل بيتك ولا شك أن مثل وضعك كثير . ولا شك أن الشاب في هذه الحالة مجاهد لأنه بين نارين بين أمه وأبيه وإخوانه ، وبين هذه المعاصي التي يراها ويشاهدها .لهذا فعليك أن تجمع بين أمرين داخل بيتك . أحدهما / البعد عن ما فيه من محرمات لأنه لا يجوز لك أن تجلس إلى محرم، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق أبدًا ولو كان أمك أوأباك . ثانيًا / وتؤمن أن عليك أن تعمل على نصحهم بشتى الوسائل : بالكتيب ، بالشريط ، بالزميل الذي يؤثر عليهم بأي وسيلة حاول وادع لهم بظهر الغيب أن الله تعالى يهديهم ويصلح حالهم . لكن لا يجوز لك أن تجلس معهم لأنهم أهلك.
الأمر الثالث / الذي أحببت أن أذكرك به وهو أن تختار لك رفقة صالحة لتكون بديلاً عن تلك الرفقة السيئة ، ولتأنس بهم حينما يضيق صدرك لأن من أعظم وسائل زيادة الإيمان مجالسة الصالحين ولهذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول بعضهم لبعض يا فلان ، يا أخي تعال اجلس بنا نؤمن ساعة ؛ لأن مجالسة الصالحين تزيد في الإيمان . والإنسان قد يكون في يوم من الأيام ضائق الصدر فإذا ذهب إلى أخيه في الله ، وجلس معه ، وسمع كلامه انشرح صدره ؛ لأن القلوب تتلاقح. أسأل الله لي ولك التوفيق.
· يقول السائل / أرجو إفادتي عن مشكلة وهي أن بيتنا فيه منكرات ، وأبي يقع في بعض المحرمات، وأنا أريد أن أنصحه . وكلما أردت أن أنصحه يغضب غضبًا شديدًا فأفتونا جزاكم الله خيرًا؟
لا تتعبأ ولا تيأس من كثرة النصح حتى ولو غضب لكن أنصحك بتنويع الأساليب . عندك وسيلة الدعاء لأبيك وهو أحق الناس أن تدعو له بظهر الغيب . عندك وسيلة زملائه إذا كان فيهم أحد خيِّر أو جيران أو غير ذلك ، عندك وسيلة الكتيب ، أو الشريط ، أو غير ذلك . حاول ونوع الأساليب لعل الله سبحانه وتعالى أن يهدِي أباك لكن لا ينبغي لك أن تيأس بل كرر ولو غضب عليك.
· يقول السائل / قد جاء النهي عن التناجي بالإثم والعدوان في القرآن . فهل هذا النهي يكون واردًا بين الإخوة الصالحين يتناجى مجموعة ليعتدوا على أخيهم ولا يفعلون ذلك غلاً ، أو حقدًا بل يفعلون ذلك للمزاح والذي يُعتدى عليه يعلم أن ذلك مزحًا ، ولا يُحدث ذلك في قلبه شيئًا فهل مثل هذا التناجي منهيًا عنه ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا.
كما شرح السائل أقول إن هذا التناجي نوعان : نوع منه يؤدي إلى ترويع المسلم ولو قليلاً فهذا حرام .أي أمر يؤدي إلى ترويع أخيك هذا حرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم : لما رأى بعض الصحابة أخذوا سلاح أحد الصحابة في أثناء حفر الخندق وأظنها عبد الله ابن عمر كان يحفر الخندق وكان صغيرًا وسلاحه ثقيل ولشدة البرد لما حفروا الخندق ونزلوا تحت صار تحت التراب المحفور صار دافئًا فأحس في الدفء فنام وهو صغير ربما سنه قريب التمييز أو بعده بقليل . فلما رآه نائمًا بعض الصحابة أخذوا سلاحه فإذا به وهو في جو المعركة والأحزاب قادمون ولا يدري متى يأتون، والسلاح معه في كل لحظة إذا به ينتبه وسلاحه قد أُخذ فقام منتفضًا يبحث عن سلاحه وأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : يا أبا رقاد نمت حتى ذهب سلاحك ، ثم أمر من أخذ سلاحه أن يعطيه إياه ونهى عن ترويع المؤمن . إذن هذا النوع من المزاح الذي يؤدي إلى الترويع منهي عنه.
النوع الثاني من المزاج/ الذي يؤدي إلى الضحك ، ولا يؤدي إلى الترويع نقول أقل أحواله الكراهه والنبي صلى الله عليه وسلم كان يمزح لكنه كان لا يقول إلا حـقـًا . والله أعلم.
· أرجـو إفادتي عن خيـانة الأصدقاء ؟ وبماذا يتعامل معها الفرد ؟ وخاصة إذا وجد أفراد من أسرته قد شاركوا هذا الصديق في الخيانة ؟ أفيدونا أفادكم الله .
والله ما أدري ما نوع هذه الخيانة هل هي بغيبة ؟! هل هي بنميمة ؟! هل هي بأمر آخر ؟!
هي بحسبها لكن لا شك أن هؤلاء أصدقاء سوء إذا كان فيهم هذه الخيانة . وأن هذا قريب سوء ما اتقى الله في رحمه . والواجب عليك النصح أن لا تعبأ بهم وبخيانتهم وأن تكون حذرًا معهم . وكل ناصحًا لهم ، وحب لهم ما تحب لنفسك . انصح قريبك أولاً ، وانصح إخوانك الآخرين؛ ليبتعدوا عن هذه الأساليب.
· هنـاك أنـاسٌ لا يقبلهم القلب ، ولا يحبهم سواءٌ كانوا على حق أو على باطل فما ذا أفعل؟ وما العمل مع هؤلاء ؟
عليك أن تبحث عن السبب ، لا بد أن يكون هناك سبب . ليس هناك شيء لا يقبله القلب أبـدًا إلا بسبب فلا بد أن تبحث عن السبب ؛ لأنك لو بحثت عن السبب فلم تجد سببًا ؛ فإنك ستجد نفسك مخطئ على أخيك . فإذا وجدت نفسك مخطئًا على أخيك قابلت حالتك الأولى بالإحسان إليه فتحدث الألفةٌ بين القلوب لكن فيما لو وجد شيء من ذلك لا يقدر عليه الإنسان ، ولا يدري ما سببه نقول لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها لكن هذا الشخص بحسب حاله إن كان قريبًا منك ،أو جارًا لك ،أو زميلاً لك تكثر التعامل معه فلا ينبغي أن يبقى في قلبك بغضاء له بدون سبب بل عالج قلبك تمام المعالجة .أما إن كان شخصًا بعيدًا عنك لا تراه إلا في أزمنة متباعدة فهذا أمره يسير .
· يا شيخ ذكرت عند قولك عن الغبطة أنها ميدانٌ للتنافس فكيف يكون ذلك ؟
نعـم . يكون ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا حسد أي لا غبطة إلا في اثنتين رجلٌ أتاه الله القرآن ، ورجل أتاه الله مالاً ينفقه آناء الليل، وأطراف النهار ). كذلك أيضًا كون الإنسان يغبط الآخرين على الخيرات هذا ميدان التنافس . إذا رأيت واحد طالب علم ما تتمنى زوال العلم وإنما تقول سبحان الله فلان ما شاء الله صار طالب علم يا ليتني كنت مثله فتسعى أنت لتكون طالب علم. فلان حافظ للقرآن تأتي وتقول سبحان الله فلان كان زميلي أنعم الله عليه بحفظ القرآن ما شاء الله فتأتي فتقول لا ، لا بد أن أكون أنا مثله فتنافسه بل تقول أنا أكون إن شاء الله أحسن منه حفظًا وأحسن منه علمًا ..إلخ . كذلك أيضًا الصدقات . كذلك أيضًا الدعوة إلى الله ، كذلك أيضًا الأمر بالمعروف ، النهي عن المنكر أبواب واسعة هي مجال للتنافس في الخير. يتنافس فيها العباد ويتسابقون وهذه كانت حالة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . بل عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه كان يقول ما اتجهت إلى خيرٍ أعمله إلا وقد ووجدت أبا بكرٍ قد سبقني . تنافس في الخير . ولما دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى النفقة في سبيل الله في يوم من الأيام أراد عمر هذه المرة أن ينافس أبا بكر فأتى بنصف ماله . أتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذه المرة لابد أن أكون أسبق من أبي بكر في هذه الخيرية يقول فلما أعطيته نصف مالي وجدت أبا بكر قد أتى بماله كله . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ماذا تركت لأولادك؟ قال تركت لهم الله ورسوله . أبو بكر كان يسابق إلى الخيرات حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام كان جالسًا مع أصحابه فقال للصحابة الجالسين من أصبح منكم اليوم صائمًا؟ فقام أبو بكر فقط فقال: أنا يا رسول الله . فقال النبي صلى الله عليه وسلم من عاد منكم اليوم مريضًا؟ فسكت وقام أبو بكر فقال أنا . قال من تبع منكم اليوم جنازة ؟ فسكتوا وقام أبو بكر فقال : أنا يا رسول الله . فقال النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما اجتمعت هذه في يوم لعبد إلا أدخله الله الجنة . مسابقة إلى الخيرات . وهذه كانت حالة الصالحين بعد الصحابة رضي الله عنهم .
· يقول السـائل / هل هنـاك تعارض بين المطالبة بحقك وبين سلامة الصدر ؟
لا ، ليس هناك تعارض بل الإنسان يأخذ حقه بل قد يجوز له أن ينتصر ممن ظلمه ( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم ..) النساء148، (..فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ..) البقرة194. لكن من صبر وغفر فإن ذلك من عزم الأمور . لذلك إذا طالبت بحقك عليك أن تأخذ حقك فقط ولا تزيد انتبهوا إلى هذه النقطة لأن بعض الناس إذا كان له حق عند فلان وطالبه به فلربما حتى لو استرد حقه لا يزيل ما في نفسه وإنما تبق ضغائن قلبه عليه لذلك أيها الإخوة فالأولى بالإنسان أن يكون دائمًا مراقبًا لربه سبحانه وتعالى . وإذا كان الآخر قد عصى الله فيك فاعتدى عليك ، أو على عرضك ، أو على مالك فاتق الله وأطع الله فيه فإنك والحالة هذه تكون من خير الناس خلقًا ، وأسلمهم قلبًا .
· يقول السـائل أرجو إفادتي عن بعض الأسماء التي لا يجوز أن نسميها أبناءنا علمًا بإن لي ابنة اسمها (فتون) وقيل لي بأن هذا الاسم حرام ويجب عليك تغييره فهل هذا الاسم يستخدم للأنثى الجميلة ولا يقصد بها الفتن كما يرى بعض الناس ؟
هذه المسألة الإحصاء فيها يصعب والله سبحانه وتعالى أحصى علينا ما حرم علينا ثم أباح لنا ما سوى ذلك. والأسماء والحمد لله كثيرة بهذا فإن من الأسماء التي نهى عنها كثير من العلماء ؛ نظرًا لما يترتب عليها من مساوئ مثل : اسم إيمان ، أو أبرار . فإن بعض هذه الأسماء أحيانـًا يـُتكلم فيها فلو شتمه فلربما شتم الإيمان . ولو سأل عنه فلربما قال الإيمان في دورة المياه ..إلخ العبارات التي يُـحذر منها . فيحذر ما فيه تزكية شديدة أو يؤدي إلى تبذية .وهذا الاسم فتون هو قريب من هذه الأسماء لأنه إما فتون: من الفتن التي حذر منها الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو فتون :هي فتنة تفتن غيرها. فالذي أرجحه والعلم عند الله تعالى أنك لو غيرت هذا الاسم باسم لا إشكال فيه . والأسماء كثيرة طيبة فإن في هذا خيرًا لك ،ولها ، ولزوجها ، ولأولادها ، فيما بعد ؛ لأن الاسم الطيب الحسن يفيد صاحبه وربما يكون له أثر . ونحن عرفنا أنـاسًا تعقدوا من أسمائهم فعلا صار عنده عقده من اسمه ، وأحيانًا من اسم أبيه فلا ينبغي للإنسان أن يحرج نفسه .
· ماتعليقكم على قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف )؟
هذا صحيح مشاهد والتعليق على هذا الحديث ليس بأن نقول صحيح التصحيح ليس تصحيحًا لكلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما نقول إن هذا من الأمور المشاهدة التي يشاهدها الإنسان فالقلوب لا شك أن ما تعارف منها ائتلف. وما تناكر منها اختلف . لكن ما الشأن في أسباب التعارف والتناكر هذا الذي يجب أن ينتبه له الإنسان. أسباب التعارف كثيرة لكن أعظمها التي تجمعها وتجعل المسألة مسألة إخوة في الله في الدنيا وفي الآخرة : فهي ما كان في سبيل الله سبحانه وتعالى. ولهذا تجد أهل الخير مع بعضهم أهل الصلاح مع بعضهم . رجل الصلاح يلتقي بأخيه في أي مكان فيجد أخاه هو وإياه وكأنهما على قلب واحد هذا مهم . وكذلك أيضًا ما تناكرت نسأل الله العافية في أي سبب من الأسباب التناكر.
· أرجو إفـادتي عن الأسباب المعينة على إخراج الحسد ؟
والله يا أخي تكلم العلماء عن هذه المسألة والقضية تطول لكن من أهمها أنْ تعلم أنَّ الأمور مقدرة
الأمر الذي كتبه الله لأخيك المحسود هو حاصل له حسدت أو ما حسدت . وكذلك أيضًا بالنسبة لك ما كتبه الله لك سيأتي وما لم يكتبه الله لك لن يأتي حسدت أو ما حسدت . فاحرص يا أخي أن تؤمن بقضاء الله وقدره ، وأن ترضى بالقضاء والقدر فتُسلِّم هذه واحدة . والثانية / إذا عرفت عواقب الحسد وآثاره لأن الحسد يولد بغضاء وشحناء ويأكل الحسنات وهذه أمور لا يقبل الإنسان أن يقع فيه . الأمر الثالث / أن تعلم أنك إذا حسدت صار هو في منزلة أفضل من منزلتك فإن الله سبحانه ينمي عليه ماله وأنت يقسي قلبك لأنك حسدت على ما أنعم الله عليه والله تعالى يقول عن أهل الكتاب : ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناه ملكًا عظيمًا ). فالحسد صفة منغرزة في نفوس اليهود خاصة . وفي أهل الكتاب عامة يحسدون المؤمنين فلا تكن لك صفة شبيهه بهم فتحسد من أنعم الله عليه وابتلاه بهذا المال أو بهذا المنصب ، أو بهذا الجاه ، أو بهذا البيت ،أو بغيره هو مبتلى وممتحن .فإن رضيت بما قسم الله لك سلم قلبك.
· فضيـلة الشيخ أرجـو إفادتي عن أخٍ لي قاطعته منذ سنوات وذلك لما يلحقه لي من الأذى ويعلم الله أني لم أتعرض له بسوء فما قولكم في ذلك ؟ وجزاكم الله خيرًا .
أعانك الله ، وادعُ لأخيك .
· فضيلة الشيخ أرجو إفادتي عن هجـر بعض الأقارب بسبب وجود بعض المخالفات والمعاصي والملاهي من فيديو ، وتلفاز ، ودش ، ولا يستمعون لي حيث أنصحهم ، وقد أتعرض للأذى من قبل أولادهم بسبب نصحهم . فهل يجوز لي يا فضيلة الشيخ أن أهجرهم حيث ذكرت أن هجر المؤمن كسفك دمه ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا.
إذا كان الهجر ينفع . كما أشرنا في هجر الوالد ، أو أحيانًا في هجر الأخ أخاه أحيانًا ينفع . أحيانًا إذا هجر الأخ أخاه ، أوالجار جاره نفع . بل هناك في بعض الأحياء إذا هجر إمام المسجد واحد منهم فعلاً يتأثر جدًا ففي هذه الحالة الهجر وسيلة من الوسائل التي تـُقمع بها المعصية ، أو البدعة. لكن إذا لم يكن الهجر نافعًا بحيث أنه لا يبالي بك هجرته أو لم تهجره لا يهتم بك إطلاقًا ففي هذه الحالة الأولى لك أن تبحث عن وسائل أخرى ومنها النصح ، والمناصحة ولو لقيت ما ذكرت يا أخي في سؤالك.
· فضيـلة الشيخ أرجو إفادتي . يقول الله تعالى في محكم كتابه ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكًا ) نجد في عالم اليوم بأن الكفرة بالرغم من إعراضهم عن ذكر الله وكفرهم إلا أن حياتهم أكثر رخاءً واستقراراً ، ورفاهية من حياة المسلمين فأفيدونا حفظكم الله ؟
أولاً / هؤلاء عُجلت لهم الدنيا فقد ورد أن الكافر إذا عمل خيرًا أو صالحًا أو تصدق أو غير ذلك يعجل له في الدنيا . فهذا الذي عندهم من عاجل حسناتهم حتى يأتوا يوم القيامة وليست لهم حسنات هذه واحدة. الأمر الثاني / هو أن الحياة متقاربة بمعنى أنك لو فتشت في حياة الناس لو جدت أن هناك أمورًا يشترك فيها المؤمنون والكفار هذا طويل العمر وهذا قصير . هذا مريض وهذا صحيح . يعني الأمراض وطول العمر ، وقصره ، والأشكال ، والألوان ، والأحزان وغير ذلك لوجدت أنها متقاربة في لناس لأن عمر كتبه الله على جميع بني آدم لكن الفرق هنا أن المؤمنين انتبهوا معي . أن المؤمنين بإيمانهم بالله تتحول تلك الأكدار والأحزان إلى نعمة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له ) إذن كما أن الخيرات تتحول إلى شكر . كذلك أيضًا المصائب تتحول إلى صبر فتكون خيرًا للمؤمنين . أما بالنسبة للكفار فلا . إذا أصابهم خيرٌ بطروا ، وإذا أصابهم حزنٌ أو نحو ذلك نسأل الله السلامة والعافية تعقدوا . بهذا فإننا نقول إن كانت مظاهر حياتهم براقة يضحكون ، ويعمرون دنياهم إلا أنك لو فتشت فيها من الداخل لوجدتها لا ، نفوس ضيقة . والدليل على ذلك أن الواحد منهم ينتحر لأتفه الأسباب . أن الواحد من هؤلاء إذا كبرت سنه قليلاً أو مرض تعقَّد . أليس كبار السن عندهم يتحولون لأن يعيشوا بقية أعمارهم عند كلابهم أو في الملاجئ هذا واقعهم . فعلاً ترى كبارهم من الرجال والنساء وآثار نعوذ بالله آثار الحياة التعيسة بادية على وجوههم . لكن المؤمنين لا ، تدخل والحمد لله على الشيبة المؤمن الذي انتابته الأمراض من كل جانب وتسأله كيف حالك ؟ يقول : الحمد لله الحمد لله أنا في نعمة ما فيها إلا أنا من أين هذا ؟ إنه الإيمان ينتظر ما عند الله سبحانه وتعالى لكن ذاك ينتظر عذاب جهنم . الأمور ليست بمظاهرها .
· أرجـو إفادتي عن هل يجوز هجر الزوجة فوق ثلاث لتأديبها ؛ بسبب تقصيرها في الأعمال المنزلية ، والدنيوية ؟
نعم . لكن بعض العلماء قيدها بالثلاث لعلها ترجع والله سبحانه وتعالى ذكر ذلك في كتابه العزيز. فالهجر جائز لكن نقول لك الأولى أن لا تزيد على ثلاث لأن الله سبحانه وتعالى ذكر الموعظة ، وذكر الهجر ، وذكر الضرب وهذا كله وارد في كتاب الله تبارك وتعالى . فإذا كان لأمر تستحق فيه الهجر فإنها تُهجر لكن قال كثير من العلماء لا يهجرها فوق ثلاث . أما في الأمور التافهة أو الأمور البسيطة خدمة منزل أو غير ذلك فعلى الإنسان أن يكون حكيمًا. يتعامل معها بحكمة ، ويعالج الأمور بشكل طيب ، ولا يصبح سريع الغضب في أي أمر يغضبه يقلب البيت إلى جحيم فمعصية الزوجة ونشوزها نوعان : نوع منه / ما يكون في معصية الله ، أو في عصيان الزوجة في الفراش أو نحو ذلك فهذا هو الوارد . النوع الآخر / مما لا يسلم منه بيت فالحكيم هو الذي يعالج أموره بطرق ميسرة .
· إذا كان في صدري شيء على أحد من إخواني فما الحل و العلاج في تلك المشكلة ؟
الحل والعلاج هو يا أخي أن تقابله إساءته بإحسان . وإذا لم تكن منه إساءة أن تبادر أنت إلى الإحسان . وأن تبحث في هذا الأمر . وأن تعلم أنه يجب أن يكون بينك وبين أخيك محبة وأنك مجبور على ذلك فإذا رأيت أخاك وتحرك قلبك بشيء من العداوة ، أوالبغض فتذكر ربك وربه . وتذكر الأجر عند الله سبحانه وتعالى إن أبدلت هذا البغض محبة وقربة من الله سبحانه وتعالى.
وفقني الله وإياكم جميعًا إلى ما يحبه ويرضاه .
أ.هـ
وبالله التوفيق ،،،