بتـــــاريخ : 5/31/2008 6:29:42 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1490 0


    التوكل على الله سبحانه وتعالى

    الناقل : heba | العمر :43 | الكاتب الأصلى : د.عبد الرحمن بن صالح المحمود * | المصدر : www.islamlight.net

    كلمات مفتاحية  :
    فقه

    بسم الله الرحمن الرحيم

     إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا  مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أمر بالتوكل عليه وحده فقال : {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ }الفرقان58. وأصلي وأسلم على البشير النذير محمد بن عبد الله أفضل من توكل عليه ـ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى من سار على نهجهم واقتفى أثرهم  واهتدى بهداهم الى يوم الدين ـ                       أما بعد :

     

    تعلمون جميعا أن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها تبارك وتعالى كيف يشاء وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر كان كثيرا ما يدعو ويقول : (يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك ).

    وحينما تشتد الشدائد على المسلمين وتنزل بهم البلايا والمحن فليس لهم من معين وليس لهم سند يتمسكون به إلا الله الواحد القهار جبار السماوات والأرض بيده الملك كله وإليه يرجع الملك كله سبحانه وتعالى. 

     لا شك أن موضوع التوكل على الله هو موضوع مهم؛ لأنه يتعلق بأعمال القلوب ولأنه يتعلق أيضا بحياة  الناس كلهم في ذهابهم ومجيئهم ليلا ونهارا في أمورهم كلها.. لذلك فسنعرض لهذا الموضوع من عدة نواحي وقبل أن نتحدث عن هذا الموضوع بفقراته المختلفة ، أود في هذه المقدمة القصيرة أن أعرض لبعض المسائل المهمة :

     أولاها: أنه يجب التفريق في مسائل أعمال القلوب من التوكل والمحبة والرجاء والخوف والإنابة والاستعانة وغيرها يجب أن نفرق بين العلم النظري وبين العمل القلبي.

    إنسان قد تكون عنده معرفة وربما يحفظ الآيات والأحاديث الواردة في هذا الباب في باب الخوف أو الرجاء أو المحبة أو نحوها ولكنك تجده في داخل قلبه وفي أعماله ربما يخالف ما في علمه وهذه القضية مهمة جدا ومن ثم فعلى العبد أن يربي نفسه وأن يهيئ قلبه لئلا يخاف إلا الله وأن لا يرجو إلا الله وأن لا يحب المحبة الخالصة  لذاته إلا الله سبحانه وتعالى وأن لا يتوكل إلا على الله وحده لا شريك له ، وهكذا حتى  تتربى في  النفوس معاني العبادة ولا تبقى نظرية .

    الأمر الثاني: هو أنه يجب على كل مؤمن ومؤمنة وعلى كل مسلم ومسلمة أن يتدبروا كتاب الله تعالى وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليتعرفوا على  أسماء الله الحسنى وصفاته العليا ليعرفوا معانيها ويعرفوا دلالاتها وليعرفوا آثارها في القلوب والنفوس ونحن نعلم جميعا أننا نقرأ في كتاب الله تعالى : {إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }البقرة20 { عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ }الأنعام73 {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ }الحشر23 إلى آخر الآيات التي فيها ذكر لأسماء الله وصفاته.

    ولكن ما معاني هذه الاسماء؟ وما آثارها؟ ومادلالتها على النفوس والقلوب ؟

    هذه مسألة ينبغي أن نعتني بها وأن نربي بها أنفسنا وأسرنا حتى يعلم الإنسان أن العبد إذا عرف معاني أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته امتلأ قلبه تعظيما لله وامتلأ قلبه خوفا من الله ومهابة له فأثر ذلك على سلوكه وعلى أخلاقه وعلى فعله الأوامر واجتنابه للنواهي ولا شك أن من تدبر كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيجد فيه ما يغنيه ويكفيه والله تبارك وتعالى أمرنا بطاعة الله وطاعة رسوله واتباع شرعه واتباع ما يوحي إلى نبيه ـ صلى لله عليه وسلم ـ من القرآن ومن السنة التي سماها الله سبحانه وتعالى وحيا .

    بعد هذه المقدمة ننتقل إلى الموضوع الذي معنا: وهو موضوع التوكل على الله  سبحانه وتعالى.

    والتوكل على الله معناه – باختصار-: أن يعتمد العبد على لله وحده  في جميع أموره فيما يرغب فيه من الحاجة وفيما يحذره ، مما يخافه، وفيما يفعله تقربا  إلى الله سبحانه وتعالى.

    أن يعتمد على الله سبحانه وتعالى في هذه  الأمور كلها مع فعل الأسباب التي أذن الله سبحانه وتعالى بها فإذا توكل العبد على ربه تبارك وتعالى مثلا في الصلاة يتوكل على الله؛ لأن لله يعينه على القيام  بهذه الصلوات الخمس بأركانها وشروطها وأوقاتها وهو مع ذلك يفعل السبب فلا يجلس في بيته ويقول توكلت على الله في الصلاة وإنما يذهب ليتوضأ ويذهب ليبحث عن الجماعة ليصلي معهم.

    يبحث عمَّنْ يوقظه لصلاة الفجر فيفعل الأسباب ويتوكل على الله سبحانه وتعالى في أموره ومِنْ ثَمَّ فلا بد من باب التوكل على الله تعالى من أمرين ولا بد أن يجتمع هذان الأمران :

    أحدهما : وهو الاعتماد على الله اعتمادا حقيقيا خالصا فتعتمد على الله وحده في أمورك كلها.

    الأمر الثاني: أن تفعل الأسباب التي أذن الله سبحانه وتعالى بها ومن اعتمد على أمر دون الآخر فقد وقع إما في الانحراف وإما في نقص العقل، فلو أن إنسانا توكل على الله دون سبب لقيل هذا ناقص العقل لأنه  لا يمكن أن يتم فعل ما يريد الإنسان إلا بفعل الأسباب التي أمرنا الله سبحانه وتعالى بها، وكذلك أيضا  لو أن إنسانا اعتمد على الأسباب وحدها  دون أن يتوكل على الله  وحده لربما كان ممن دخل في الشرك والعياذ بالله لأنه اعتمد على الأسباب وحدها .

    والتوكل على الله سبحانه وتعالى فسره بعض العلماء معانيه بعدة تفاسير، فمثلا الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى يقول : التوكل عمل القلب.

    فعمل القلب هو التوكل ولا شك أنه من أعظم أعمال القلوب وبعض العلماء فسر التوكل على الله: بالرضا ، أن يرضى الإنسان بأمر الله سبحانه وتعالى ويسلم لله تبارك  وتعالى أموره كلها، وإذا سلم أموره كلها اعتمد على الله سبحانه وتعالى  سواء جاءت الأسباب بما يحبه أم بما لا يحبه فيرضى بما قدر الله سبحانه وتعالى له ولذلك سأل يحيى بن معاذ فقيل له : متى يكون الرجل متوكلا ؟ فقال : إذا رضي بالله وكيلا سبحانه وتعالى . وبعضهم قال : إن التوكل هو التعلق بالله في كل حال .

    وهذه مسألة مهمة ، فيتعلق بربه تبارك وتعالى في كل الأحوال إن جاءه المال والشرف لا يقطعه ذلك عن التوكل على الله وإن ابتلي بالصبر والمرض لا يقطعه ذلك على التوكل على الله .

    وهكذا في أحواله وأموره كلها حتى إن  بعضهم قال : إن التوكل معناه أن يستوي عندك الإقلال والإكثار أي يستوي عندك الغنى والفقر وكيف يستويان.

    يستويان حينما تعلم أن الله هو المقدر وهو الرازق حينما تعلم أن الله تبارك وتعالى هو الذي بيده الأمر كله وهو الله سبحانه وتعالى المتصرف في عباده كما يشاء، فإذا ما صرت غنيا أو فقيرا  لا تتغير أحوالك ومعاملتك لله تبارك وتعالى، ومن ثم فإننا نجد من الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز في غيرِ ما آيةٍ من كتاب الله أمر بالتوكل وجعله أحيانا شرطا للأمان وبين بعض أماراته فتذكروا كتاب الله  سبحانه وتعالى فستجدون فيه ما يرضي النفس ويشرح الصدر ويزيل غمه  ويجعل الإنسان في حياته وفي أحواله مستريحا مطمئنا يقول الله تبارك وتعالى في صفات المؤمنين {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ }الأنفال2

    الصفة الأولى : وهي الخوف من الله {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ }الأنفال2

    هذه الصفة الثانية : قرؤوا القرآن يخشعون ، تُلي عليهم القرآن وهنا في الآية  دلالة  على أن الإنسان قد يخشع حينما يتلى عليه القران  والرسول  ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر  بعض الصحابة أن يقرؤوا عليه القرآن . وقال: إني أحب أن أسمعه من غيري وبكى عليه الصلاة والسلام لما قرئ عليه القرآن {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }الأنفال2. فقوله : على ربهم يتوكلون: على ربهم: الجار والمجرور هنا على ربهم يدل على الحصر أي يتوكلون على الله لا على غيره،  ثم ذكر الصفة الرابعة  {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ}الأنفال3 والصفة الخامسة {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }الأنفال3 .

     ويقول الله سبحانه وتعالى في آية أخرى {وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }المائدة23 وهذه جرت في قصة موسى مع قومه من  بني إسرائيل كما تعلمون جميعا في سورة البقرة فإن الله  سبحانه وتعالى لما نجّى بني إسرائيل من فرعون وقومه ذهب بهم إلى ديار فلسطين  ثم إنهم لما أقبلوا على الأرض المقدسة كان يحكمها أناس يقال لهم العماليق الجبابرة  فقال موسى لقومه كما أخبرنا الله تعالى {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ}المائدة21 إذن موسى يأمرهم وهذا أمر الرسول واجب الطاعة ويبشرهم بأن الله كفلها لهم ويقول: ولا ترتدوا على أولئك فتنقلبوا . لكن طبع اليهود أبوا {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ }المائدة22 ولكن لم يكن قوم موسى كلهم على هذه الحالة  بل كان  فيهم من العباد المؤمنين {قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }المائدة23 لكنهم لم يسمعوا لا لدرس موسى ولا لدرس أصحابهم وقالوا كما أخبرنا الله  {قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ }المائدة24  نعوذ بالله من الجبن وكيف نقارن حال هؤلاء مع حال أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم  ـ لما واجهوا المشركين في بدر ولم يكونوا خرجوا للجهاد والقتال وإنما  خرجوا  لطلب العير أولئك  الصحابة لما  أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم  ـ استشارهم في الدخول في المعركة تكلم أبو بكر وتكلم عمر فقالوا خيرا ثم تكلم الأنصار وقال سعد : والله لو خضت  بنا هذا البحر لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد. وقال المقداد رضي الله عنه وأرضاه . امضِ يا رسول الله لما أمرك الله  ثم ذكر أنهم صدق عند اللقاء ، صدق في الحرب ثم قالوا: والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ولكننا  نقول لك اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون .هذا هو صدق الإيمان وصدق التوكل على الله سبحانه وتعالى ، والاعتصام به والله سبحانه وتعالى يقول {وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }آل عمران122 أي على الله وحده لا على غيره ويقول سبحانه وتعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ }الطلاق3 أي كافيه والحسب هو الكافي ولا يجوز أن يكون أحد من الخلق حسبا لأحد بل الحسب وحده والكافي وحده هو الله سبحانه وتعالى . وهذه الآية ذكرها الله في سورة الطلاق {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ }الطلاق3 3 لأن في الطلاق ما يقع في البيوت من  نزاع وخلاف إلى آخره، فعقب الله بتلك التعقيبات في سورة الطلاق وهي تعقيبات عجيبة {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً{1} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً{3}}الطلاق3 إلى أخر الآيات التي ذكرها الله في هذه السورة لتطمئن النفوس والقلوب حتى في حال الخلاف والشدة وهكذا المؤمنون يتوكلون على الله سبحانه وتعالى.

    يقول الله تبارك وتعالى قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا. ويقول سبحانه وتعالى : {رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }الممتحنة4 انتبهوا إلى هذه الأمور الثلاثة.

    التوكل : وهو الاستعانة الإنابة وهي العبادة وإليك المصير أي المرجع إلى الله سبحانه وحده والمآب إليه تبارك وتعالى ، وهنا نرى أن الله سبحانه وتعالى كثيرا ما يأمر رسوله صل الله عليه وسلم  ويكفل به امة أيضا بالتوكل عليه.فيقول الله  سبحانه وتعالى  {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ }النمل79 يا محمد إنك على الحق المبين  إنك على الصراط المستقيم  فتوكل على الله وحده لا شريك له) ونعم بالله وكيلا سبحانه وتعالى. ويقول الله سبحانه  {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً }النساء81 .

    ويقول تبارك وتعالى  {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ}الفرقان58 حتى تنقطع الآمال في العباد وحتى لا يبقى للمسلم تعلق بغير الله سبحانه تعالى لأن العباد يموتون، الملوك الرؤساء قواد العروش والجيوش يموتون لا يغنيهم إذا جاء أمر الله سبحانه وتعالى لا يغنيهم مالهم ولا قواتهم لأنهم يموتون لكن على ما يتوكل العبد وتوكل على الحي الذي لا يموت سبحانه وتعالى  له صفة الحياة أزلا وأبدا . لكن العباد يموتون ويمرضون ولو عاشوا  دهرا فلا بد أن ينتهوا إلى الفناء فكيف يتوكل الإنسان على مخلوق لا يملك من أمره شيئا فضلا عن أمر غيره ولذلك يروى عن إبراهيم بن الخياط أنه لما قرأ هذه الآية  {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ}الفرقان58 قال : لا ينبغي للعبد بعد هذه الآية أن يلجأ إلى أحد غير الله تعالى.

    وصدق لأن من تيقن أن الله هو الباقي وهو مالك الملك وهو الحي الذي لا يموت فانه يربط توكله واعتصامه بالله سبحانه  تعالى وحده لا شريك له  ويقول الله سبحانه وتعالى {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ }آل عمران173وهذا في غزوة أحد  لما وقع للمسلمين ما وقع وأصابهم القرح واستشهد من المسلمين سبعون وجرح  رسول الهدى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وناله من الأذى ما نال فخرج المشركون بعد نهاية المعركة وقيل للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنهم خرجوا يريدون المدينة  فقال النبي صلى الله عليه وسلم وهو بجراحاته والمسلمون بجراحاتهم وعددهم يقل عن عدد المشركين بأقل من ألف ووقع لهم ما وقع وجرى لهم ما جرى فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعزم المتوكل على الله  قال : (والله  لو ذهبوا  إلى المدينة  لأجدنهم  فيها)

     ولحق بهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بغزوة تسمى حمراء الأسد ولكن المشركين رضوا من الغنيمة بما نالوه وخشوا من الهزيمة ففروا فلقيهم في الطريق وفد من عبد القيس فسألهم فقالوا اذهبوا إلى محمد وقولوا له إنا قد جمعنا له ما جمعنا له فأتى هذا الوفد ومر على رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقال إن أبا سفيان وكان مشركا آن ذاك وقريشا قالوا ما قالوا فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه حسبنا الله ونعم الوكيل حسبنا الله ونعم الوكيل {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ , فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ }آل عمران174.الله أكبر من توكل على الله فهو كفاه وهذه هي الكلمة التي قالها إبراهيم  عليه الصلاة والسلام كما روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما  أنه قال (حسبنا الله ونعم الوكيل انه قالها إبراهيم حين ألقي في النار لما ألقي في النار وجمع له الحطب  وأرادوا أن يلقوه فيها قال إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم حسبنا الله ونعم الوكيل) فقال الله {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ , وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ }الأنبياء70 .

    ونجى إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما نجى النبي ـ صلى الله عيه وسلم ـ وأصحابه  فأمره بالتوكل عليه وهذا هديه ـ صلى الله عيه وسلم ـ .من تدبر في  سيرة المصطفى صلى الله عيه وسلم وجد أنه كان فيها في جميع أحواله أفضل متوكل .

    و انظروا إليه في مكة وفي المدينة وفي الهجرة وفي غزواته كيف يكون توكله على الله  والتجاؤه عليه مع أنه عليه الصلاة والسلام كان يبذل الأسباب ظاهر بين درعيه عليه الصلاة والسلام لبس درعين واحدا فوق الآخر وكان يأمر أصحابه بالتدريب  والرمي وكان صلى الله عيه وسلم ينظم صفوفه ويجمع السلاح امتثالا لأمر الله تعالى {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ }الأنفال60.إذا صدقنا في التوكل على الله لا تخيفنا جيوش الأعداء. وإنما ترعب الجيوش التي بيننا وبينها مئات الكيلومترات وهذا الذي نصر به النبي صلى الله عيه وسلم ونصر به أصحابه ولكن متى يتحقق الرعب للأمة الإسلامية ؟ .حينما تصدق في إيمانها  وتحكم قرآنها  وتتوكل على ربها وتعتصم به وإلا فلا كرامة وإن تصنّعوا الإسلام وإن تظاهروا به فلا كرامة  إلا لمن اعتمد على الله وتوكل عليه وأناب إليه وحكم شرعه . هذه موازين لا تتغير أبدا باختلاف الزمان والمكان موازين ثابتة والنبي صلى الله عيه وسلم في أحواله كلها كان أفضل من توكل على ربه وكان لنا قدوة في ذلك ولن ندخل في تفاصيل سيرته الآن لأن هذا معلوم للجميع  ودعونا  نتدبر سيرته لنخلص  مها إلى هذه المعاني الإيمانية ولما وصف النبي صلى الله عيه وسلم أن هناك سبعين ألف من أمته يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب قال في وصفهم هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون  وعلى ربهم يتوكلون فإذا ما توكل الإنسان على غير  ربه تعالى نقص إيمانه وربما زال إيمانه ولا حول ولا قوة  إلا بالله العلي العظيم وتعرفون أدعية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يدعو ويقول اللهم بك أسلمت ، وبك آمنت، وعليك توكلت ، وإليك أنبت ، وبك خاصمت وكان عليه الصلاة والسلام يقول إذا خرج من بيته : ( بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة الا بالله فيقال له هديت ووقيت وكفيت) إذا خرج الإنسان من بيته قال له الملك هذا.  بعد أن عرفنا معنى التوكل وبعض النصوص الواردة فيه في الكتاب والسنة ؛ نعرض للمسألة الثالثة وهي أن التوكل على الله عز وجل لا يتم إلا بأن  يتحقق في الإنسان عدة أمور فانتبهوا لها :

    الأمر الأول: معرفة الله بأسمائه وصفاته فمن لم يعرف الله بأسمائه وصفاته لا يصح توكله أو لا يقبل توكله إن لم يعلم أن الله هو الحي القادر علام الغيوب جبار السماوات والأرض المتكبر  بيده الأمر كله إلى آخر أسمائه وصفاته  لا يستقر في قلبه أن الله المتصف بهذه الصفات  المالك لهذه الصفات هو الذي يستحق التوكل فينقص توكله على الله تعالى.

     الأمر الثاني : إخلاص التوكل لله سبحانه وتعالى والبعد عن الشرك فمن تعلق قلبه بغير الله فقد نقص توكله على الله سبحانه وتعالى من تعلق قلبه بمخلوق مهما كان هذا المخلوق  وليا أو صالحا أو غنيا أو ملكا أو غير ذلك من تعلق قلبه بأحد من الخلق نقص إيمانه وتوكله على الله سبحانه وتعالى ولكن إخلاص التوحيد لله تبارك تعالى شرط لإخلاص التوكل وصدقه باعتماد العبد وتوكله على الله وحده لا شريك له .

    الأمر الثالث: أن الإنسان وهو يعتمد على الله سبحانه وتعالى يفعل الأسباب لكنه لا يعتمد على الأسباب نفسها  وإنما يعلم أنها أسباب وأن الله أمرنا بها فلا يقع في قلبه أن هذه الأسباب التي جعلها الله سبحانه وتعالى في خلقه أنها التي تنفع وتضر وأنها هي وحدها المتصرفة لا  وإنما يفعل السبب ويصدق  في توكله على الله سبحانه وتعالى وأنه تبارك وتعالى هو الذي بيده الأمر كله.

    الأمر الرابع: هو حسن الظن بالله سبحانه وتعالى فمن ساء ظنه  بربه تبارك وتعالى نقص توكله على الله أو عدم  فعلى الإنسان أن يحسن ظنه بالله كما ورد في الحديث : (لا يمتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله سبحانه وتعالى) .

    المسألة الرابعة:  هو أنه  ينبغي أن نعلم أن التوكل أنواع:  

    النوع الأول: التوكل في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله سبحانه وتعالى من النفع والضر والنصر والشفاء وإلى غير ذلك من الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله سبحانه وتعالى فيجب على العبد أن يتوكل على الله وحده فيها في هذه الأمور كلها ومن توكل على غيره فيها فقد وقع فيها وقد نقص توحيده ولربما وقع في الشرك الأكبر من اعتقد أن وليا من الأولياء ينفع أو يضر أو يشفي مريضا كما يفعل القبوريون وغيرهم الذين يعتقدون في  الأولياء من أهل القبور أنهم ينفعون أو يضرون إذا مرض قريبه أو زوجته إذا قل ماله أو ركبه الدين إذا أصابه هو المرض أو غير ذلك تجد هذا الإنسان يقول يا فلان اشفي مريضي  يا فلان ارزقني فيدعو غير الله سبحانه وتعالى فهذا توكل تام على غير الله وهو من الشرك الأكبر الذي يخرج الإنسان من الملة وينبغي أن يبنى على أن الإنسان لا يتوكل على الله في هذا الأمر إلا وقد وقر في قلبه أن ذلك الشيء فيه نفع وضر إن عند هذا الأمر أو هذا الذي توكل عليه عنده سبب خفيف لأجله اعتمد عليه وهذه مسالة ينبغي أن ننتبه لها وأن ننبه إخواننا المسلمين في كل مكان لأن تعلق القلب بغير الله تعالى في مثل هذه الأمور معناها أن الإنسان اعتقد فيها وعبدها من دون الله سبحانه وتعالى فتوكل العبادة لا يصرف إلا لله فإن صرف لغير الله كان شركا

    النوع الثاني: من التوكل  التوكل على الله في الأسباب الظاهرة المادية مثل أن  يتوكل الإنسان على غني أو أمير في رزقه  ويشبه كثيرا ما نشاهده عند  بعض الناس في اعتمادهم في رزقهم أو  في رواتبهم على الدولة أو غيرها ، ويستقر في قلب الإنسان أحيانا أنه إن انقطع الراتب مات أو بالأحرى إذا انقطع هذا الراتب  ساءت حاله وضاع مستقبله وهذا في الحقيقة من الأمور الخطيرة التي نشاهدها ونسمعها وخاصة من شبابنا أحيانا الذين قد تخرجوا أو قرب تخرجهم يظن أنه لا يمكن أن يضمن مستقبله كما يعبرون إلا أن يكون له راتب في الوزارة الفلانية أو الشركة الفلانية ! فهذا أسماه العلماء شركا أصغر وقالوا: إنه شرك خفي ومعنى أنه شرك أصغر يعني أنه لا يخرج الإنسان من الملة لكنه من الكبائر التي ينقص فيها إيمان العبد ويضعف إيمانه بالله سبحانه وتعالى .

     النوع الثالث: من أنواع التوكل ما يسمى بالوكالة أي الوكالة  في الأمور العادية يوكل شخصا آخر في أمر من أموره فيما يقدر عليه هذا الشخص فهذا من الأمور الجائزة ولا يكون في ذهن الإنسان إذا وكل فلانا في هذا الأمر لا يكون في ذهنه  ولا يخطر إلى قلبه أن هذا الشخص مستقل بالأمر فإذا خطر بباله هذا توكل على فلان في القضية الفلانية لينجزها له واعتمد عليه نقص توكله على الله ووقع في الشرك الأصغر وربما وقع في الشرك الأكبر لكن توكيل الإنسان غيره  في أمور عادية توكيله في شراء شيء أو بيعه أو إنابته عنه أو إلى غير ذلك بل كما هو معلوم أن غالب التوكيل غالبا يكون من الأقوى إلى الأضعف  فتجد الإنسان يوكل ابنه الأكبر أو يوكل أخاه الأصغر أو يوكل فلانا على مبلغ من المال فهو توكيل بناء من الأعلى إلى الأدنى فإن توكيله والحالة هذه إنما هو توكيل في أمر عادي لا شيء فيه  وينبغي أن نعلم  أن الناس في توكلهم على الله سبحانه وتعالى على درجات فأعظم الناس منزلة الأنبياء وأتباع الأنبياء جعلنا الله وإياكم من أتباع الأنبياء هم الذين يتوكلون على الله سبحانه وتعالى  في أمورهم كلها في إيمانهم بالله في عبادتهم لله في دعوتهم إلى الله في جهادهم في سبيل الله في نصرة دينه ومجاهدة أعدائه  في أمورهم كلها يتوكلون على الله سبحانه وتعالى وحده ودونهم درجات لم يتوكل على الله استقامة في نفسه وصلته بربه فقط لكن لا يهمه أمر المسلمين وأمر الآخرة ولهذا فإن هذا إن  توكل على الله فهو ليحمي دينه فقط لكنه أقل درجة من المجاهدين من النوع الأول من المجاهدين الداعين إلى الله سبحانه وتعالى وأدنى من هؤلاء درجة من يتوكل على الله في أمور دنياه فقط في رزق يناله أو عافية أو زوجة يريدها أو نصر على عدو أو شيء من هذا القبيل وأشر من هؤلاء جميعا من يتوكل على الله في المعاصي نعوذ بالله من أحوال هؤلاء تجده يقول بإذن الله تعالى نسافر بإذن الله نحجز  يقول بإذن الله  تقابلني فلانة تراه يتوكل في أمور المعاصي  نعوذ بالله من أحوال هؤلاء والتوكل في هذه .

    المسألة الخامسة: التوكل على الله سبحانه وتعالى كما سبق لا يثبت إلا لمن أخلص لله التوحيد واستقام على منهج أهل السنة والجماعة ومن ثم فإننا نجد أن الذين ظلوا في باب التوكل على الله عدة أسماء الصنف الأول المعطلة الذين نفوا أسماء الله وصفاته هؤلاء على ماذا يتوكلون إذا كانوا لا يقرون أن الله سبحانه وتعالى  خلاق رزاق محيي مميت عالم قادر إلى آخر أسمائه وصفاته يضعف إيمانهم ويضعف توكلهم على الله سبحانه وتعالى النوع الثاني من الذين ضلوا القدرية المعتزلة الذين قالوا: إن الإنسان له إرادة مستقلة عن الله   وقالوا: إن العبد هو الذي يخلق أفعاله وأن الله لا يخلق أفعال العباد فهؤلاء لا يتوكلون على الله في أمورهم وإنما يتوكلون على أنفسهم فيظنون أنهم أنفسهم الذين يفعلون أفعالهم ولا حاجة بهم إلى التوكل على الله .

    النوع الثالث: الذين ضلوا في هذا الباب الأشعرية والصوفية، فإن الأشعرية أنكروا الأسباب فقالوا: الله هو الفاعل والأسباب لا قيمة لها وإنما يأتي الفعل عند السبب لا بالسبب . والصوفية أيضا كما تعلمون وكما تسمعون عن أحوالهم قالوا: حقيقة التوكل  ترك الأسباب! فلا تطلب الرزق ولا تسعى في الأرض ومن ثم تجد كثيرا من هؤلاء يذهب إلى البراري لا يحمل معه شيئا ويقول : أنا متوكل على الله وهذا لا شك خطأ كبير وضعف في العقول؛ لأن العقول المستقيمة هي التي تعلم أن الأمر إنما يأتي بسببه فلو أن إنسانا قال أنا أتوكل على الله ويأتيني أكلي لا يمكن هذا لا يمكن إلا بفعلك أنت لو قال رجل أنا أتوكل على الله وإن شاء الله سيأتيني الولد ولا يتزوج لا يمكن هذا وهكذا في بقية أمور الحياة فمن ترك الأسباب أو زعم أن الأسباب لا قيمة لها إطلاقا فقد انحرف في فهمه لتوكله على الله سبحانه وتعالى .

    المسألة السادسة : هي أن التوكل على الله سبحانه وتعالى له آثار عظيمة في حياة الفرد والمجتمع وفي بعض الأمم وسنشير إلى بعضها ومنها:

    أولا  : إن التوكل على الله سبحانه وتعالى يؤتي الإنسان القوة والعزة في الله وحده لا شريك له ومن ثم فإن بعض السلف رحمهم الله قالوا انظر ماذا قال بعضهم من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله لأن الإنسان إذا توكل على الله وحده لا يخاف أحدا مهما كان لو اجتمعت الدنيا كلها بعروشها وجيوشها على أن يكيدوا لك أيها الإنسان لن يضروك بشيء إلا بإذن الله كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عباس وهو غلام صغير قال له( واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف) إذن التوكل على الله يجعل الإنسان قويا في إيمانه قويا في حياته قويا في صبره على البلاء قويا في مواجهته للمحن والابتلاء قويا حينما تدلهم الفتن وتضطرب الأمور ويخوض الناس ويحار الحليم يقف قويا لأنه يتوكل على من على الله وحده لا شريك له ويعتصم به ويعتمد عليه وحده لا شريك له وقد ورد في الصحيح بل في الصحيحين صحيح البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ صفته في التوراة إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونديرا وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب .........إلى آخر ذلك سميتك المتوكل.

     فالرسول صلى الله عليه وسلم من أسمائه المتوكل  كما أن له أسماء أخرى معروفة محمد وأحمد والحاشر إلى آخره وقد روي في بعض الآثار أن حملة العرش إنما يقوون على حمله لقولهم لا حول ولا قوة إلا بالله  وقد صح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال عن هذه الكلمة : (لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة)

    ثانياً : ومن ثمراته الرضى في الجنة أن يرضى الإنسان بما قسم الله له فإذا توكل على الله في أموره كلها رضي بالله سبحانه وتعالى وبما قسم له لأن كل أمر قدره الله سبحانه على العبد فلا بد له فيه من أمرين:

     الأمر الأول: التوكل على الله قبل وقوعه وأثنائه ثم إن صدق الإنسان بهذا يأتي.

     الأمر الثاني: وهو الرضا بالله على أي حال وقع المكتوب وهذا الذي علمنا إياه الرسول صلى الله عليه وسلم في باب الاستخارة والاستخارة إنما تكون في الأمور الدنيوية أما في الأمور الشرعية فلا يستخير الإنسان فيها إذا أراد أن يصلي أو أن يقوم الليل أو يصوم أو يحج أو يعتمر أو يتصدق لا يقول أستخير، وإنما يقدم عليها على أنها طاعة لا يتردد فيها ولكنه يستخير في أموره الدنيوية التي لا يدري هل يكون له فيها خير أم يكون له فيها شر فإذا تردد في الأمر ولم يترجح له أوصاه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بدعاء الاستخارة الذي يقول فيه بعد أن يصلي ركعتين: (اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تعلم ولا أعلم وأنت تقدر ولا أقدر) ثم في آخر هذا الحديث يوصي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الإنسان بعد ما يسمي حاجته يقول: وإلا تصرف عني يعني إن لم يكن خيرا لها وأقدر لي الخير حيث كان ثم رضيني به فيرضى بما قسم الله له ولا شك أن الإنسان إذا توكل على الله وأحسن الظن بالله لا يغضب بأي أمر قدره الله  سبحانه وتعالى عليه والتوكل على الله سبحانه وتعالى عليه أن يزيل على الإنسان الخوف والرعب ومن توكل على غير الله أصابه الخوف والرعب يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى  القلب لا يتوكل إلا على من يرجوه فمن رجا عمله أو قوته أو علمه أو حاله أو صديقه أو قرابته أو شيخه أو ملكه أو ماله غير ناظر إلى الله .كان فيه نوع توكل على ذلك السبب  وما رجا أحد مخلوقا أو توكل عليه إلا كانت النتيجة عكسية خاب ظنه فيه فينقلب عليه  فإنه مشرك والحالة هذه، والله سبحانه وتعالى يقول{حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }الحج31 وكذلك المشرك يخاف المخلوقين فيرجوهم فيحصل له رعب كما قال تعالى {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ}آل عمران151 والخلص من الشرك أي من أخلص قلبه من الشرك هو الذي يحصل له الأمن كما قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ }الأنعام82 والظلم بما فسره النبي صلى الله عليه وسلم لما شكا إليه أحد الصحابة وقال يا رسول الله أينا لم يلبس إيمانه بظلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (ذلك هو الشرك ألم تسمع للعبد الصالح لقمان حينما قال : إن الشرك لظلم عظيم) فالذي لم يلبس إيمانه بظلم أي بشرك عكسه له الرعب والخوف ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم .

    ثالثاً : ومن ثمرات التوكل: أن التوكل على الله تعالى يكون سببا لأن يقوم الإنسان بما أمر الله به من فعل الأوامر وترك المنهيات، الإنسان ضعيف تحيط به الوساوس والشياطين يضعف عن الصلاة يضعف عن إتيانها في وقتها يضعف عن فعل ما أمر الله يضعف عن ترك ما نهى الله عنه سبحانه وتعالى من المعاصي ولكن التوكل على الله سبحانه وتعالى يبني في قلب العبد  المؤمن ما يجعله يقوم بما أمره الله به ويجتنب ما نهى الله سبحانه وتعالى عنه على الوجه الأكمل .

    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: إن النفس لابد لها من جلب المنفعة ودفع المضرة فإن لم تكن متوكلة على الله في ذلك واثقة به لم يمكن أن تنصرف عن ذلك فتمتثل الأمر بل لابد أن تعصي  الأمر في جلب المنفعة ودفع المضرة فلا تصح العبادة لله وطاعة أمره بدون التوكل عليه كما أن التوكل عليه لا يصح بدون عبادته وطاعته قال تعالى فاعبده  وتوكل عليه {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }الفاتحة5 العبادة لا تتحقق إلا بالاستعانة أنت تريد أن تعبد الله على الوجه الحق لكن كيف تعبده وأنت غير مستعين بالله لا يمكن فلابد من الاستعانة بالله وحده لا شريك له  {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً }الطلاق3. {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً, رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً }المزمل9.تتبتل إليه كيف تعبده ومتى  إذا علمت أنه رب المشرق والمغرب واتخذته سبحانه وتعالى وكيلا وكفى بالله وكيلا.

     يقول شيخ الإسلام بعد ذلك: والمقصود أن امتثال الأمر على الإطلاق لا يصح دون التوكل والاستعانة ومن كان واثقا بالله  فإنه يجلب ما ينفعه ويدفع عنه ما يضره أمكن أن يدع هواه ويطيع أمره وإلا فنفسه لا تدعه أن يترك  ما يكون محتاجا فيه إلى غيره

    وهنا يلاحظ على  أحوال الناس حينما تأتيهم المحن ويخافون على أنفسهم يلاحظ عليهم أمــران:

    الأمر الأول : على ضوء  هذه الثمرة من ثمرات التوكل  الإنسان الذي كان يحرص على أنه يؤدي الصلاة في وقتها  يتابع الإذاعة والتلفاز ينظر ماذا جرى خوف رعب في نفسه بينما الإنسان في حال المحنة وفي حال الخوف يلجأ إلى من يلجأ إلى الله لكن الناس انصرفوا حتى إن الإنسان بعض الأحيان لا يجد المرأة في بيتها التي كانت تتبع الشرع الإسلامي كانت تستمع إلى إذاعة القرآن وقراءة القرآن وفتاويه  تجد حتى هذه المرأة انصرفت وانشغلت بغير ذلك  إلى الله تتفرج على التلفاز تتحدث في الهاتف وتتكلم عما يجري وما هو متوقع وصار الناس كلهم يحللون الأحداث حتى العوام والصبيان ولا يعني أن الإنسان لا يتابع الأحداث الإنسان من لحم ودم وعاطفة وقلب وروح لكن أن يكون حال الناس وقت المحنة أضعف حالا من قبلها فهذا خطأ  بل يجب أن يكون حال  الإنسان عندما يشتد به الأمر أن يكون قربه من الله متوكلا على الله وقراءته للقرآن واعتصامه بالله وتدبره لآيات الله ودراسته لسيرة رسول الله  ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحرصه على العلم وعلى طلب العلم وعلى تربية أسرته وعلى بنائها وعلى توجيه الناس وعلى الدعوة إلى الله وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي غيرها من الأمور يجب أن يكون حريصا أكثر مما سبق لأنه أحوج إلى الله سبحانه وتعالى والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال في حديث عبد الله  بن عباس الذي ذكرناه  قبل قليل  (قال له تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة فإذا عرفك الله في الشدة أعانك على عبادته وطاعته والاعتصام به  وأزال عنك الخوف  والرعب ) .

    الأمر الثاني: الملاحظ على الناس في وقت المحن أن بعض الذين بيدهم الأمر إذا فعلوا بعض الأسباب قد يخطر في قلوبهم  أن هذه الأسباب كافية وحدها لمنع الشر والفتنة فيتوكلون عليها ويظنون أنها هي التي نفعتهم وهي التي أبعدت الشر عنهم ويستقر هذا الأمر في نفوسهم ومن ثم فتجد هؤلاء يقطعون صلتهم بالله تعالى سبحانه وتعالى وما ينبغي أن يكون في زمن المحنة حتى يمنع الله عنه الشر والفتنة تجد هؤلاء يظن الواحد منهم أنه ما دمنا اتكلنا على هؤلاء في هذا الأمر كفى إذن أن نغير من أحوالنا أن نتدبر حالنا والمعاصي المنتشرة فينا فنمنعها نوثق صلتنا بالله وبالعلماء حتى نغير تغييرا حقيقيا أن نفعل شيء من هذا لا يعني هذا الأمر الآن أمرا ثانويا وهذا أمر إذا استقر في النفوس فهو أمر خطير جدا لأن  الله تبارك وتعالى يبتلي عباده ويمتحنهم فإذا جاءتهم الآيات ولم يعتبروا بها فإن الأمر مؤذن بخطر ربما يأتي الإنسان من طريق لا يحسب الإنسان  حسابه وهذه مشكلة أن يستقر في النفوس أن تلك الأمور المتعلقة بإسلامنا وديننا وتحكيم شرعنا. إن هذه الأمور يكفي ما نحن فيه  من تغيير  ولا داعي للتغيير.

    رابعاً : ومن ثمرات التوكل على الله سبحانه وتعالى أن التوكل عليه فيما يخاف الإنسان من الفقر وقد ورد في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال( أصابتنا فاقة وجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يخطب الناس وهو يقول  أيها الناس والله ما يكون عندنا من خير فلن ندخره عنكم  هكذا يقول المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنه من يستغن يغنه الله ومن يستعفف يعفه الله ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي أحد عطاءً خيرا أوسع من الصبر هكذا يقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ)

    ومعنى قوله الاستغناء هو أن لا يرجو أحد –الإنسان – غير الله فيستشرف ما عنده والاستعفاف ألا يسأل أحدا ولهذا لما سئل الإمام أحمدبن حنبل  رحمه الله تعالى عن التوكل  قال قطع الاستشراف إلى الخلق أي لا يكون في قلبك أن أحدا يأتيك بشيء فقيل له الحجة في ذلك فقال قول الخليل لما قال له جبريل: ألك حاجة ؟ قال أما إليك فلا فقال حسبنا الله ونعم الوكيل .

    اعتمد على الله فنجاه الله فمن يستغن بالله ينجه الله لكنه من علق قلبه بالناس وفلان وعلان والراتب الفلاني يكله الله سبحانه وتعالى كما وجد في الأثر إليه  من تعلق بشيء وكل إليه قال بعض العلماء لا يشغلك المضمون  لك من الرزق  على المفروض عليك من العمل فتضيع أمر آخرتك ولا تنال من الدنيا إلا ما قد كتب الله لك  وكلنا نعلم الحديث الذي رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو حديث صحيح رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن المبارك والحاكم وابن حبان وبن أبي الدنيا في التوكل على الله تعالى وهو حديث صحيح يقول فيه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ "لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقم كما ترزق الطير تغدوا خماصا وتروح بطانا" هنا في هذا الحديث قال بعض العلماء أو بعض الناس قالوا: تغدو خماصا وتروح بطانا: لا يعني أنها تفعل السبب وإنما هي بطبعها تتحرك في الهواء فقط وهذه حركة سبب العيش بالنسبة لها فمن توكل على الله حق توكله يرزقه كما يرزق الطير ولكن المعنى الصحيح للحديث هو أن قوله عليه الصلاة والسلام ( لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا ) أن الطير فعلت السبب والله هو الذي هداها لتفعل السبب فتغدو في الصباح خماصا جائعة  فارغة البطن وترجع في المساء بطانا أي قد رزقها الله سبحانه وتعالى  فإذا كان الأمر كذلك فما معنى الحديث لأن كل الناس يذهب ويغدوا ما معنى حق توكله كيف يشبه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالطير  الذي يظهرـ والله أعلم ـ أن الرسول صلى الله عليه وسلم  شبه من توكل على الله حق توكله بالطير مع أن الإنسان يفعل السبب  هو أن الطير يبيت لا يحمل هم رزقه أما الإنسان يبيت مهموم مغبون أين التجارة الفلانية والخسارة الفلانية والمال الفلاني والفلوس الفلانية وكذا لا يبيت مطمئنا مرتاحا هذا هو الطير فمن توكل على الله سبحانه وتعالى جعل الله له الاطمئنان ويسر له الأسباب دون أن يحزن   فيصير مثل الطير يفعل السبب يرزقه الله سبحانه وتعالى ويأتيه رزقه وهذا هو  معنى التوكل على الله سبحانه وتعالى ولذلك يروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما كان في عهد  خلافته جاءه رجل من الأعراب ممن يطلبون الرزق فجلس عند بابه وصار عمر يعطيه من الأكل وكذا  يعني هذا خليفة المسلمين وأمير المؤمنين فمكث عند  بابه لينال  رزقه فجاء إليه رجل فقال له: يا رجل أو يا فتى أنت هاجرت إلى عمر أو إلى رب عمر قال وماذا فاذهب واقرأ القرآن فإن الله يغنيك عن عمر فاستيقظ الرجل وذهب لقراءة القرآن وعبادة الله وطلب العلم ولكن عمر الذي كان يرعى رعيته لأنه قطع عنه أياما فبحث عنه في المدينة حتى لقيه فقال يا فلان كنت عندنا فإلى أين ذهبت ؟  فقال يا أمير المؤمنين جاءني رجل فقال لي هذا الكلام اقرأ القرآن واعتمد على الله لا على عمر فقرأت القرآن فأغناني الله سبحانه وتعالى فقال له عمر يا أخي وماذا وجدت في القرآن يعني ما الذي لفت نظرك في القرآن قال قول الله تبارك وتعالى  {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ }الذاريات22

     فالتوكل على الله تبارك وتعالى يجعل العبد راضيا مطمئنا والإنسان الذي يبيت ليله مطمئنا وليس عنده مال والإنسان الذي عنده مال ويبيت ليله قلقا من منهما أكثر راحة وأكثر سعادة تلك موازين نعرفها جميعا لكن نحن في حاجة لكي نتفاعل معها عمليا  في حياتنا فلا نغضب إذا نقصت أموالنا وإنما نفرح أننا على الإيمان والهدى وهذا هو رأس مال المؤمن.

     وردت  قصة رواها ابن أبي الدنيا في التوكل على الله :

    وقعت في إحدى الفتن التي وقعت للأمة الإسلامية والآثار في هذا الباب باب التوكل والكرامات التي يذكرها الصوفية كثيرة لكننا أعرضنا عنها صفحا لأننا لا ندري صحتها وإنما يحكونها في كتبهم ولكن هذه الرواية وردت بسند صحيح إلى عوف بن عبد الله قال بينما رجل في بستان ابن الزبير جلس مكتئبا  ومعه شيء ينكت به في الأرض إذ رفع رأسه فسنح له صاحب مسحاف عامل من الحرفية  من العمال فجاءه هذا الرجل صاحب المسحاف فقال له مالي أراك مكتئبا حزينا ؟ قال فكأنه ازدراه رعى شكله وحاله فقال له لا شيء فقال له صاحب المسحاف هل الدنيا فانية ؟ الدنيا عرض حاضر يعني غير باقٍ يأكل منها البر والفاجر والآخرة أجل صادق يحكم بها ملك قادر يفصل  بين الحق والباطل فلما سمع ذلك الرجل هذا الكلام كأنه أعجبه فاخبره بما في نفسه فقال له إنني حزين مكتئب لما فيه المسلمون يعني لأحوال المسلمين فقال له هذا الرجل فإن الله سينجيك بشفقتك على المسلمين وسل فمن ذا الذي سأل الله فلم يعطه ودعاه فلم يجبه وتوكل عليه فلم يكفه أو وثق به  فلم ينجه قال عون بن عبد الله وتعلقت بالدعاء اللهم سلمني وسلم مني  فتجلت يعني الفتنة .فلم تصب منهم أحدا  فهذا الرجل يقول إن الله سينجيك  بشفقتك على المسلمين انظروا لأولئك الذين يسمعون الأحداث تمر بالمسلمين أمامهم ولكن لا يحركون ساكنا ولا تتحرك قلوبهم لكن المؤمن كما أخبر النبي  ـ صلى الله عليه وسلم ـ (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه العضو الواحد تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) وهذا الرجل يقول سينجيك الله بشفقتك على المسلمين لأنك تحمل هم الأمة الإسلامية يحزنك إذا أصابت المسلمين في مكان ما حوادث أو كوارث يحزنك إذا قصر المؤمنون في إيمانهم تحمل هم المسلمين لأنك إذا حملت هم المسلمين معنى ذلك أنك في شغل وهو الطاعة وهو العبادة والتقوى وهو الرضى بالله سبحانه وتعالى ولقد كان قواد المسلمين رحمهم الله سبحانه وتعالى يتوكلون على الله سبحانه وتعالى في جميع أحوالهم ولا أطيل عليكم بذكر الأمثلة ولكنني سأذكر مثالا واحدا لرجل من الرجال الذين قاوموا  الصليبين زمن الحروب الصليبية  كان له جهاد أي جهاد  أفنى عمره وحياته في قتال الصليبين من مكان إلى مكان وهو نور الذين محمود بن زنكي هذا الرجل ذكر عنه  أنه كان يمرغ وجهه في التراب قبل المعارك ويدعو ربه ويقول يا ربي من محمود ؟ يعني نفسه  يعني لا قيمة له انتصر أم لم ينتصر  يا رب من محمود ؟ إنما هو دينك اللهم إنهم عبادك اللهم انصرنا لا أنانيه وإنما هو رجل عاش لله وبالله واعتصم بالله وصار هم المسلمين همه وشغل المسلمين شغله وجاهد في الله ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمعنا وإياه والمسلمين جميعا في مستقر  رحمته روى أبو شامة في الروضتين وابن قاضي شهبة في كتابه الكواثر الدرية الذي ترجم لنور الدين هذا روى أن القدس لما كانت بأيدي الصليبين وكان نور الدين يجاهدهم وينتصر عليهم  لكن تحرير القدس إنما  تم بعد نور الذين عندما  جاء صلاح الدين. بعض الناس ذهبوا إلى زيارة بيت المقدس وهو تحت احتلال الصليبين فماذا وجدوهم يقولون في نور الدين محمود ؟ يقولون: إن له مع الله سرا  فإنه لا يظفر علينا بكثرة جنده وإنما انتصر علينا بالدعاء والصلاة كان مشهورا بصلاة الليل وكان معروفا عنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقول هؤلاء الكفار إنما يظفر علينا وينتصر بالدعاء وصلاة الليل فإنه يصلي الليل ويرفع يديه إلى الله  ويدعوه والله سبحانه وتعالى يستجيب دعاءه  ويعطي كل سائل سأله فلا يرد له خائبا ويظفر علينا بها فالتوكل على الله  أمر من  جميع الأمة رئيسها ومرؤوسها من  جميع الناس إذا توكلوا على الله فإن الله يوفقهم ويهديهم وينصرهم .

    بقيت مسألة صغيرة أحب أن أشير إليها :

    وهي أن نعلم أن التوكل على الله لا ينافي فعل الأسباب وإنما التوكل على الله هو عينه سبب من الله مثل الدعاء تماما كما أن الله أمر بالدعاء وجعله عبادة  بل ورد أنه العبادة فالدعاء سبب فأنت مأمور بالدعاء لكن قد يحصل أو لا يحصل كذلك التوكل على الله سبب من الأسباب فإذا توكلت على الله في أمر من أمورك قد يحصل ذلك الأمر أو لا يحصل لكنك عبدت الله وتوكلت عليه سيكون لك الخير حيث كان كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث الصحيح ( ما من عبد يدعو ربه بدعاء ليس فيه إثم ولا قطيعة رحم إلا كان على الله حقه أن يعطيه  إما أن يستجيب دعاءه أو أن الله يدفع عنه من الشر مثله أو أن الله سبحانه وتعالى يدخر له من الأجر مثله) إذن الداعي لا يخيب أمله قال الصحابة إذن يا رسول الله إذن نكثر من الدعاء ما دام كسلانين كسلانين رابحين رابحين فقال : (الله أكثر).

     فلا يقول القائل : أنا دعوت فلم يستجب لي ومثله إذا توكل على الله في الأمر قد يكون أن الله أراد أن يبتليه فلا يقول توكلت على الله فلم يستجبْ لا وإنما يكون لك الخير لأنك عبدت الله حق العبادة وقد يكون ذلك الأمر الذي جرى عليك من محنة أو غيرها سببا لمغفرة ذنوبك وزيادة إيمانك ورفع درجاتك.

     نسال الله أن يجعلنا وإياكم جميعا  ونسأله أن نكون ممن توكل عليه فنجاه كما نسأله سبحانه وتعالى أن ينجي هذه الأمة من الفتن ما ظهر منها وما بطن كما نسأله سبحانه وتعالى أن يهيئ من أمرها رشدا  فتعز أهل الطاعة وتذل أهل المعصية   كما أسأله تبارك وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن ختم له بخاتم السعادة وأن يجعل آخر كلامنا في الدنيا لا إله إلا الله محمد رسول الله والله أعلى وأعلم وصلى الله على محمد وعلى آله  وصحبه أجمعين

    كلمات مفتاحية  :
    فقه

    تعليقات الزوار ()