هل قمت بشراء طابع بريدي من الطراز الأول في المدة الأخيرة؟... يظهر الاصدار الأخير الخاص للطوابع صورة شمبانزي شبيه جدا بالإنسان يحدق بحزن من خلال قضبان عالم قرود بلا جدال. ان هذه النكتة من مجلة Punch قد تهدف إلى مهاجمة داروين ولكن المقصود منها توضيح اكتشاف جديد وهو ان 90 إلى 98 في المئة من الحمض النووي عند الانسان يشبه ذلك الموجود لدى قردة الشمبانزي. بإمكانك ان تفسر هذا بطرق عدة ولكن الصورة الكاريكاتورية تختار أوضح طريقة. وهناك رأي آخر وهو ان جينات الشمبانزي تشبه جيناتنا ولكن الشمبانزي لا يشبهنا. اذا ما المقصود بالجينات؟ هذا ما يجيب عنه مات ريدلي. ان كتبه بما في ذلك "المجين" قد زادت بشكل كبير من المعرفة الشائعة لعلم الوراثة وعلم التطور أو النشوء. ومع ذلك قرر ريدلي العمل بناء على طريقة فهمنا. ولكن الوقت قد حان لنتخلى عن افكارنا بالنسبة إلى ما نعرفه عن علم الوراثة. اننا مازلنا نستخدم تشبيها خاطئا لابد من تغييره. وكما هو مفهوم لدينا فإن الجينات هي الاجزاء التي تتحدد سويا لتكوين الحياة، أي النموذج الذي يحدد كيفية تطور الإنسان وشكله. واذا ما تم رسم المجين بطريقة سليمة فسيكون بإمكاننا دراسته مثل الرسم البياني المفصص "الذي يظهر الاجزاء منفصلة مع الاحتفاظ بالعلاقة الصحيحة بين بعضها بعضا" لنموذج لطائرة. فبإمكاننا حينئذ ان نقول: انظر هنا يوجد طبعك السيئ! آه، حسنا وهنا توجد اصابع قدمي المكففة! ويميل بعض الناس إلى الفكرة القائلة إن كل شيء يمكن تحديدة عند ادراكه ولكن الغالبية تخشى هذه الفكرة. فهناك عوامل أخرى تحدد فهم الاشياء مثل التعليم والعلاج النفسي والنمو الغذائي واعاده تأهيل المذنبين بالاضافة إلى المثابرة الذاتية. ولكن التشبيه خاطئ. ان الجينات ليست نموذجا يحدد تطور الإنسان وشكله. انني ارى - وهنا يسوق ريدلي قياسا من ريتشارد دوكنز - ان الجينات تشبه الصيغة الطهوية. فاذا قمت بخلط الزبدة والسكر والدقيق والبيض بالمقادير الصحيحة ووضعت المزيج داخل الفرن فإنك ستحصل على كعكة. واذا اطفأت الفرن فلن تحصل على شيء، كما لا يمكنك القول أي قطعة من الكعكة دقيق وأي قطعة بيض. ويوضح ريدلي ان التفاعل بين الجينات عملية معقدة للغاية. ان الجينات تؤدي وظائف مختلفة طبقا لنظام الفتح والغلق لهذه الجينات المصممة لايواء التأثيرات البيئية في الرحم واثناء الطفولة وفي المراحل الأخرى من العمر. ويشرح ريدلي ذلك من خلال تجربة قامت بعملها سوزان مينيكا في وسكونسن بالولايات المتحدة. في المناطق البرية تخاف القردة من الثعابين أما اذا ولدت القردة في مختبر فإنها لا تخاف من الثعابين. ولكن اذا وضعنا قرد مختبر صغير مع قرد يخاف من الثعابين وقمنا بادخال ثعبان فإن قرد المختبر يتعلم الخوف من الثعابين ايضا. اذا فإن الخوف شيء يمكن تعلمه. حسنا، دعنا نأخذ قرد مختبر ونقدمه إلى قرد يبدو انه يخاف من الورود. اننا نتوقع ان يخاف قرد المختبر من الورود ايضا ولكنه لا يخاف منها. ان القردة تتعلم الخوف من نظرائها ولكن فقط من الاشياء التي تعمل الجينات على ايجاد مثل هذه النزعة للخوف لديها: الثعابين بمعنى آخر وليس الورود. ان الخوف من الثعابين فطري ولكن لا يمكن لهذا الخوف ان يتم من دون الاتصال بقرد آخر خائف. ان جين "خوف الثعبان" لابد ان يتعدل بيئيا. ولهذا السبب اصدر ريدلي هذا العنوان: لا نقل "الطبيعة أو التنشئة" بل "الطبيعة عن طريق التنشئة". ان ريدلي مرشد شهم غير متحيز لهذا الموضوع. ان الأمر فريد بالنسبة إلى كاتب علوم حديث لأنه يتحدث بشكل جيد عن اناس مثل فرويد وديركهايم كما يبدي احتقاره لأصحاب المذهب السلوكي المتشددين وخصوصا BF سكنر الذي وضع طفلته في صندوق عازل للصوت. لقد كان لكتاب ريدلي خاصية مهمة للغاية لربما لم يشجعها العاملون في مختبرات البحوث العلمية. لقد اجاد ريدلي سرد الحقائق ويبدو انه قرأ كل شيء ويعرف كيف يشرحه مقدما لنا بعض الآراء في مجال الكيمياء الحيوية التي تتخللها مجموعة من القصص الطريفة والتجارب الغريبة. هل تعرف - على سبيل المثال - ان أفضل طريقة لمعرفة اذا ما كان التوأمين متشابهين هي النظر إلى آذانهما؟ ان الاخبار الجيدة تذكر انك اذا قمت بوضع 30,000 جين في عدد لا نهائي من المواقف البيئية فإنك ستحصل على عدد غير معروف من التفاعلات والنتائج. ويتوصل ريدلي إلى نتيجة مفادها ان مثل هذا المجين يجعل حرية الارادة ممكنة. ولا يوافق الجميع على هذا الاسلوب في التفكير الذي يعتمد على كون النشاط الدماغي دائريا وليس شبيها بخط مستقيم. ولكن مثل هذا النموذج المفصل يعيد الينا شخصيتنا الفردية وخصوصية دوافعنا وافكارنا وحتى خاصيتنا البشرية التي يهددها ذلك النموذج الذي يحدد تطور الإنسان وشكله. ولكن هل سيبقى من المتعذر فهم هذا الأمر المعقد إلى الابد!