لم يعد الرسم أحد الفنون المعروفة فحسب، بل لم يعد كونه أحد الهوايات المحببة في نفوس الأطفال والكبار، بل أصبح دوره أخطر وأكبر بكثير من ذلك إذ يعد أداة مهمة، ومتنفس لدى العديد من الناس، فلم تعد الرسومات التي تخطوها الأيدي بين الفينة والأخرى خطوط لا معنى لها، فكل خط له معنى من المعاني كما أن كل لون يعطي إحساس من الأحاسيس، وبذلك نستطيع أن نتمكن من قراءة شخصية الإنسان من خلال رسمه واستخدامه للألوان، وتعدى الأمر إلى الحد الذي يستطيع الإنسان من خلال الرسم أن يفرغ الشاحنات السالبة والموجبة من داخل نفسه وبذلك نوجه دعوة صادقة للإنسان ونقول له ارسم وعبر ما بداخلك فالانسان الذي لا يرسم يعرض نفسه لضغوط داخلية رهيبة قد تؤدي أحياناً إلى الجنون... كما أن محتوى الرسم وأبعاده وألوانه وخطوطه ترسم ملامح نفسية كاملة لصاحبه... فالإنسان المتفائل يرسم شروق الشمس ويلونها باللون الأصفر الفاقع أما المتشائم فيرسم الغروب ويلونها باللون الأحمر المائل إلى السواد... كان لنا تحقيق بسيط مع الناس حول الرسم وماذا يرسموا وكيف يرسموا، ولماذا يرسموا، وأحلى اللوحات الفنية في نظرهم، وأفضل الألوان لديهم.... بعدها ندرج ما أثبته الدراسات النفسية والتحليلية من دلالات خاصة بالرسم وأنواعه... فندعوكم للاستمتاع بالقراءة والتحليل... تعشق رسم الوجوة كثيراً وأنا أكتب هذا التحقيق تذكرت أنه عندما كنت طالبة بالمرحلة الثانوية كانت لدي صديقة عزيزة على قلبي أتذكرها جيداً حيث كانت دائماً تعمد إلى رسم الوجوه بأشكالها بعيون واسعة ورموش جميلة جذابة حيث كانت في الأساس مصدر جمالها يكمن في عيونها حيث كانت تمتلك عيون خضراء براقة، وكانت ترسم وجوة إناث في الغالب في مختلف الأوضاع والأحوال، كما كانت تشغل نفسها دائماً بتلك الهواية إلى الحد الذي لا نفتح كتاب مدرسي لها والا نجده مزدان بالوجوه الجميلة على الرغم من أنها لم تكن يوماً تحب الرسم. أجيد رسم الزهور فاطمة علي، طالبة بالمدرسة بالمرحلة الثانوية، ذكرت بأنها تفضل كثيراً رسم الزهور والورود، على الرغم من أنها تعترف بأنها غير فنانة، أو أنها أصلاً ليست من هواة الرسم، ولكن صرحت بأنها عندما تريد أن ترسم فإنها كثيراً ما كانت تفضل رسم الزهور، وخصوصاً عندما تفتح الكتاب للمذاكرة بشكل لا أرداي، لدرجة أنني أحياناً أتفاجأ حينما أفتح الكراسة وأرى الزهور مرسومة هنا وهناك وأخجل حينما أفتحها أمام الآخرين خوفاً من إتهامي بالإهمال، كما ذكرت بأنها تفضل بأن تترك الزهور بلا ألوان، وتفضل رسمها باستخدام قلم الرصاص. أهوى رسم أوراق الشجر منال ميرزا، طالبة جامعية بجامعة البحرين، محاسبة سنة ثانية، تذكر بأنها من الأشخاص الذين لا يحبون الرسم، ولا يجيدون فنون الرسم، ولكنها مع ذلك تهوى التلوين كثيراً، ولكن تعترف بأنها تحب رسم أوراق الشجر كثيراً، وكذلك من الأشكال الهندسية (المكعب)، وعن سؤالنا لها متى ترغبين في رسم مثل تلك الأمور أجابت في وقت الانتظار وخصوصاً في الجامعة عندما يتأخر الأستاذ فإنها تلجأ إلى رسم أوراق الشجر والمكعب دون تلوينها، وعن الألوان أشارت إلى أنها تفضل كثيراً الألوان الفاتحة والزاهية. أفضل رسم الحيوانات بأشكالها بسمة حسن، طالبة جامعية بجامعة البحرين، سنة ثانية محاسبة، وهي من الفناناتومن هواة الرسم منذ الصغر،، تقول أفضل كثيراً رسم الحيوانات على الإطلاق، وأكثر الحيوانات التي أرسمها هي الضفادع والسلاحف والكاركاتير، إلى جانب الحيوانات الأليفة كالقطط والخيول، وتقول تفضل كثيراً الرسم عندما تكون مع الأطفال حيث في الغالب ترسم من أجلهم كما أنها تفضل عدم الأحتفاظ بما ترسمه الا نادراً وتعطي نتاجات رسمها إلى الأطفال الذين جلست معهم، كما أحياناً تلجأ إلى هذه الهواية وقت الفراغ والملل، وتشعر براحة نفسية لا توصف عندما تنتهي من إكمال لوحتها، وعن الألوان أشارت بأنها تعطي الرسمة حقها من اللون، فالضفدع مثلاً تلونه باللون الأخضر. أجد ضالتي في رسم المناظر الطبيعية جعفر علي، طالب بالمدرسة بالمرحلة الثانوية، يقول أفضل رسم المناظر الطبيعية، وخصوصاً البحر في حال تلاطم الأمواج، كما أميل كثيراً إلى رسم القارب وسط البحر، مع ضرورة تواجد الشمس أو الغيوم في السماء لإكتمال عناصر اللوحة، وأفضل عدم تلوينها على الرغم من حبه إلى التلوين، ولكن يوضح، هذه رغبة فعندما أكون أرغب إلى الرسم فأنا أرسم فقط دون أن ألون، وحينما أرغب في التلوين فأنا ألون ولا أرسم، وهذا بالضبط ما أشعر به، وعموماً أميل إلى الرسم أكثر من التلوين، وأكرر ما أرسمه كثيراً إلى حد الإتقان، وعن الألوان أشار إلى أنه يفضل اللون الأزرق بتدرجاته. الآن مع نتائج التحليل وهذا ما أوضحته الدراسات النفسية والتحليلية: أولاً: رسم الحيوانات: الحيوان في الرسم ـ يعبر دائماً عن صاحبه وغالباً ما تتضمن الرسوم حيوانات أليفة في أوضاع حركية معينة (قطة نائمة، حصان يركض، كلب يقف أمام منزل... الخ)، وخلف هذه الأوضاع المستقرة ظاهرياً، تلوح المشكلات العاطفية أو الاجتماعية التي يعاني منها صاحب الرسم، حيث يقول الطب النفسي: أن كل حيوان من هذه الحيوانات يقدم نموذجاً نفسياً فالكلب يمكن أن يعض، والقط قد يخمش، فهذه الرسوم بطبيعتها توحي بوجود تناقض في شخصية صاحبها، وهناك تحليل آخر يقول أن الشخص الذي يرسم الحيوانات يحاول أن يصل إلى المكانة التي يصبو إليها، أو أنه يعبر عن حاجته للتدليل، والعناية، إذا كانت الخطوط قاسية لكنها في نفس الوقت شاحبة وخفيفة فإنها تدل على هشاشة نفسية، بينما تدل أذن الحيوان إذا كانت منتصبة على قلق في داخل الرسام. ثانياً: باقات الزهور: الزهور وسيلة لإظهار الجانب الأنثوي الخفي من الشخصية، وما تتمتع به من حساسية، رغم، ذلك، يعد رسم الزهور النوع المفضل من الرسوم لدى بعض الرجال ممن أعتادوا على تكلف القسوة، والصرامة، وبصفة عامة فإن خطوط الرسم وألوانه، وعدد الزهور الذي يتضمنه الرسم تعتبر من العناصر التي تساعد المحلل على فهم الأسلوب الذي يتبعه صاحب الرسم في التعامل مع هذا الجانب من الشخصية، (الجانب الأنثوي) ومدى تقبله له. كما تعد باقة الورد مرآة لشخصية صاحب الرسم فباقة الزهور قد تعبر عن عدد افراد الاسرة او عدد زملاء العمل كما توضح الزهور احيانا التنافس إذا كان موجود سواء بين أفراد الأسرة الواحدة أو بين زملاء العمل، كما ان الالوان التي تستخدم في تلوين الزهور لها دلالات خاصة فاللون الفاتح للزهور يوحي بالحساسية المفرطة وخصوصا بالنسبة للرجل التي يتظاهر منذ الصغر بالقسوة والصرامة. ثالثاً: المناظر الطبيعية: تعد هواية رسم المناظر الطبيعية من شروق الشمس وغروبها، أو صورة البحر بأوضاعه المختلفة، أو الشلالات، أو الجبال، أو غيرها من المناظر الطبيعية ـ تعد إنعكاس صادق لإنفعالات الشخصية. فإذا كان البحر هائج الأمواج فكان ذلك دليل على التوتر والإنفعال، وإذا كان الشلال بنساب بهدوء فهذا دليل على التروي والحكمة، أما إذا كانت الجبال عالية شامخة فدليل على الطموح العالي والنجاح... وهكذا رابعاً: رسم الوجوه: من خلال رسم الوجوه يقوم الرسام بعمل اسقاط لوجه من اوجه شخصيته المكبوته او رسم صورة مثالية له أو لأحد أقاربه، فالإنسان الذي يرسم دائماً وجوهاً لنساء محتشمات، فإنه يصور أمه في أجمل صورة، ويبدو وكأنه يريد الاحتفاظ بهذه الصورة كما في ذهنه حتى لا تهرب منه أمه مرة أخرى، وهو الذي أعتاد على هروبها. كما يعكس رسم الوجوة محاولة صاحبه لفهم نفسه بشكل أفضل أو قد يكون تعبيراً عن وجه من أوجه شخصيته التي يرفضها لأنها لا تتفق مع مثالياته. فإذا كانت العيون بارزة في رسم الوجه فإن ذلك قد يعني احساسه بالذنب او صعوبة في الافصاح عن بعض المشاعر التي تجتاحه. خامساً: الألوان: كما أن للألوان وتداخلها وامتزاجها وسيلة للكشف عن شخصية صاحبها: فقد يرسم الرسام لوحة ما أروعها ولكنه حينما تأتي مرحلة التلوين فإنه سرعان ما يجعلها رسمة مجهولة الملامح والهوي، وهذا بدوره يكشف عما بداخل الشخص حيث أن يخطط جيداً ويرسم خطوط المستقبل بشكل جيد ولكنه لا يهتم كثيراً بما موجود لذلك نجده يتخبط ويكون الضياع طريقه. وأخيراً: دعوة صادق للجميع أمسك بيدك ريشتك أو قلمك وارسم واطرح قلقك وأحزانك، ودع الرسم يعبر عما بداخلك، لتبدو في كل مرة شخصية متجددة العطاء وبلا حدود، فمن لا يرسم فقد ضاعت فرصته في التخلص من همومه، وأنت سيد الموقف