شبكة النبأ المعلوماتية الجمعة 19 مارس 2004 - 28 محرم الحرام 1425هج نعود مرة أخرى للمروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما فيها من حقيقة تمس بالصميم الواقع الذي صرنا إليه – ينقل أنه ذات يوم مرّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على مجموعة من الأطفال، وبعد أن نظر إليهم قال: (ويل لأولاد آخر الزمان من آبائهم) فقيل: يا رسول الله من آبائهم المشركين؟ فقال: لا من آبائهم المؤمنين، لا يعلمونهم شيئاً من الفرائض، وإذا تعلم أولادهم منعوهم ورضوا عنهم بعرض يسير من الدنيا، فأنا منهم برئ.. وهم مني براء!! عندما تستيقظ في الصباح الباكر ترى أن الكل في عجلة من أمورهم، لا وقت لأحد للإصغاء أو التكلم فالأب إلى عمله والأم العصرية إلى عملها والإخوة كل واحد منهم حسب الوضع منهم إلى المدرسة أو العمل أو الأصدقاء، وفي الشارع أيضاً ترى الناس سراعاً لا يلتفتون إلى شيء فقط همهم الوصول إلى العمل خوفاً من أن يفقد وظيفته أو يطرد من العمل، والهاجس الرهيب ملازم له طوال حياته. وفي المساء سيناريو العودة من العمل ومن الدراسة والمشاوير ولا مجال للتحادث بل عليهم الاستسلام للنوم للاستعداد ليوم جديد من العمل وهكذا. فلا فرصة للتوجيه والإرشاد والنصيحة والتعاطف تاركين ذلك للأقدار، وأن تسير الأمور في مجاريها دون التدخل في حكم الطبيعة. والثقافة الغربية التي نتلهف في تقمصها ربما نتباهى بها حيث هو من النموذج الراقي في المجتمع ولكنها تجنح إلى المقاييس المادية في صناعة عقل وثقافة الطفل الغربي، على الرغم من أن الغرب يولي الأطفال عناية خاصة في المراحل الأولى من حياتهم تتمثل في توفير أكبر قدر من الرفاهية وتلبية رغباتهم مهما كانت مغرقة في الجنوح، ولذلك فإن الصدمة النفسية التي تواجه الأطفال عندما ينتقلون من عالم الطفولة إلى الحياة الواقعية يتولد عنها كثير من الأمراض النفسية. والعالم الإسلامي الذي غرق في الثقافة الغربية الواردة عليه حتى التخمة بحيث لم يبق مجال لشيء آخر بل والإصلاحات الحديثة تفرض عليه أن ينسى هويته الإسلامية ترى الطفل فيه يقف حائراً بين الثقافة الغازية والثقافة المطلوبة والتي تتناسب مع الهوية الإسلامية وسبل توصيلها بالشكل الصحيح إلى الطفل بحيث تلقى إقبالاً من الأطفال عليها. ومن هنا يأتي دور الأدب الإسلامي للأطفال حيث أدب الأطفال يجعل قيم الإسلام ومبادئه وعقيدته أساساً لبناء كيان الطفل عقلياً ونفسياً ووجدانياً وسلوكياً وبدنياً ويساهم في تنمية مداركه وإطلاق مواهبه الفطرية وقدراته المختلفة وفق الأصول التربوية الإسلامية، وبذلك ينمو ويتدرج الطفل بشكل صحيح يوهله لأداء الرسالة المنوطة به في الأرض، فيسعد في حياته ويسعد به مجتمعه. وفي تقرير حديث أكدت أكاديمية تربوية أهمية التعرف على أنواع الذكاء المتعددة لدى الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة وتطبيقاتها التربوية من أجل تحسين الأداء واكتشاف القدرات الشخصية وتنميتها على أسس موضوعية سواء من الوالدين ومن العاملين في مرحلة رياض الأطفال. وضمن المتابعة لعمل وزارة التربية قالت المستشارة المحلية للمركز شبه الإقليمي للطفولة أنه تم تحليل نظرية الذكاء المتعددة في ضوء مبادئ التربية الإسلامية كما تم معرفة خصائص ونماذج لكل نوع من أنواع الذكاء سواء الذكاء اللغوي والمنطقي والحسابي والذاتي والحركي والطبيعي والاجتماعي والعلمي والموسيقي. وبينت أن نظرية أنواع الذكاء المتعددة توضح أن الإنسان يتمتع ببضعة جوانب ينبغي أن يراعيها وينميها وزاد عليها هورد غاردنر بأن الذكاء العقلي ليس الأساس الوحيد للنجاح بل إن هناك بعضة جوانب هامة تساعد الإنسان على حل المشاكل والتكيف مع البيئة. فالثقافة هامة جداً من حيث تنوعها وتأثيرها في أنواع الذكاء لدى الطفل – لأن أدب الأطفال وثقافة الأطفال – كوسيط تربوي – يتيح الفرص أمام الأطفال لمعرفة الإجابات عن أسئلتهم واستفساراتهم ومحاولات الاستكشاف واستخدام الخيال وتقبل الخبرات الجديدة كما يتيح لهم الفرصة لتحقيق الثقة بالنفس وروح المخاطرة في مواصلة البحث والكشف وحب الاستطلاع، وأيضاً أدب الأطفال يوفر سياقاً نفسياً واجتماعياً يراعي سمات الإبداع وينميها خلال عملية التفاعل والتمثل والامتصاص من حيث استثارة المواهب، وتنميها عن طريق جو من التسامح والدفء العاطفي والحب والديمقراطية. وأيضاً الدكتور حسام محمود مهدي له إلتفاتة جميلة بأن ثقافة الطفل تساهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في تشكيل عقل ووجدان الطفل وتزرع في شخصيته الكثير من الأفكار والقيم، ولذا يجب أن تعرض العمل الموجه للطفل على المنهج الإسلامي في التربية. ويضيف: أن الدارس للسيرة النبوية وأسلوب النبي (ص) في تربية الأطفال وتوجيهه لأصحابه في كيفية تربية أطفالهم ثمانية محاور رئيسية: نذكرها للاستفادة: 1- البناء العقائدي: تلقين الطفل كلمة التوحيد، وحضه على حب الله والاستقامة به، وترسيخ حب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته كنموذج راقي، وتعليم القرآن الكريم، وتربية الثبات على العقيدة والتضحية من أجلها. 2- البناء العبادي: تعليم الأطفال الصلاة وربطه بالمسجد والصوم والحج والزكاة. 3- البناء الاجتماعي: اصطحاب الأطفال إلى مجالس الكبار، وإرساله لقضاء الحاجات، وتعويده على السلام، وعيادة الطفل إذا مرض، واختيار أصدقاء له من الأطفال، وتعويده البيع والشراء وحضور الطفل المناسبات، ومبيته عند أقربائه من الصالحين. 4- البناء الأخلاقي: تعليمه الأدب مع الوالدين والعلماء وأدب الاحترام والتوقير، وأدب الأخوة والجار والاستئذان وأدب الطعام والمظهر والإنصات للقرآن، وخلق الصدق وحفظ الأسرار وخلق الأمانة وسلامة الصدر من الأحقاد. 5- البناء العاطفي والنفسي: من خلال تعليمه الرأفة والرحمة ومداعبة وممازحة الأطفال والهدايا والعطايا لهم، وحسن استقبال الطفل والسؤال عنه والرعاية الخاصة بالبنت واليتيم، والتوازن في حب الطفل بلا إفراد ولا تفريط. 6- البناء الجسمي: حق الطفل في السباحة والرماية وركوب الخيل وإجراء المسابقات الرياضية للأطفال، ولعب الكبار مع الأطفال، ولعب الأطفال مع الأطفال. 7- البناء العلمي والفكري، تحرس تحب العلم وأدبه في الطفل، وحفظ الطفل لقسم من القرآن والسنة، واختيار المدرس الصالح والمدرسة الصالحة للطفل، وإتقان الطفل اللغة العربية، والى جانبها اللغات الأخرى، توجيه الطفل وفق ميوله العلمية. 8- البناء الصحي: الرياضة والسواك والنظافة وتقليم الأظافر، وإتباع السنة في الأكل والشرب والنوم، وتعليم الطفل العلاج الطبيعي، وإبعاد الطفل عن الأمراض المعدية. وفي هذه المحاور يتم تشغيل وتصقيل جميع أنواع الذكاء عند الإنسان خصوصاً الطفل حتى الذكاء التاسع المتعلق بالوجود وهو الذي يرتبط بتفكير الإنسان بالوجود والحياة والموت والحقائق المطلقة والتي يتطرق لها بكثرة في الخطاب الإسلامي.