كثيرون يتحدثون عن أهمية النجاح في تحديد الهدف ليصح لهم البدء، وصدقوا..
ولكن كثيرين من هؤلاء -في الواقع- لم يحددوا أهدافهم كما ينبغي، فمنهم من اختلطت عليه الغايات، ومنهم أكثر من الأهداف فاختلطت عليه السبل، ومنهم من حدد هدفاً، وبعد سير يسير ذهب ببصره هدف آخر لاح له في الطريق فاستحسنه فترك الأول إلى الجديد، ثم لم يظفر بأي منهما..
حول هذه الإشكالية سوف تدور محاور هذه المقالة الضوئية!
غير مختلف فيه: إن أهم قرار يجب اتخاذه هو: تحديد الهدف، وهو في ذاته يحمل قيمة عالية، وفاعلية كبيرة للانطلاقة؛ إذ تخيل أنك رأيت رجلاً يسير في الصحراء خلال تنزهك فرابك أمره، فأوقفته وسألته: إلى أين أنت ذاهب ؟ فأجاب: لا أدري، ترى هذا الإنسان هل سيصل إلى شيء؟ حتما لا، إلا أن يحدد له هدفاً. وقد قيل "إذا لم تعلم إلى أين تذهب، فكل الطرق تفي بالغرض".
وإذا حددت هدفك فركّز نظرك عليه..
هناك عوارض كثيرة سوف تتطاير أمام عينيك.. دعها..
هناك إغراءات سوف تعترض طريقك.. لا تلتفت إليها..
هناك رغائب سوف تطل بوجهها عليك.. أجِّلها بعد أن تحقق هدفك..
حكاية
يُحكى أن والياً أراد أن يختار أحد بنيه ليخلفه على سدة الحكم، فجاء بهم جميعاً أمام نهر جميل الشاطئ، تحوم النوارس حول حدائقه الجميلة، وتعود إلى الماء تقطف رزقها بكل عفوية وانسياب. وضع الوالي هدفاً أمام أبنائه الثلاثة، وأعطى كل واحد كنانة وقوساً، وقال للكبير: ماذا ترى أمامك ؟ فقال: الهدف، قال: وماذا مع الهدف؟ قال: هذه الحدائق الغناء، فقال له أبوه انصرف، ثم دعا الأوسط فسأله فأجاب: الهدف، فأردف ثم ماذا مع الهدف؟ فأجاب: هذه الطيور الرائعة الجمال، فأمره بالانصراف وسأل الأصغر فأجاب: أرى الهدف فقال له: وماذا مع الهدف؟ فأجاب: الهدف، قال ثم ماذا؟ قال الصغير: الهدف، فخلع تاجه ووضعه على رأسه.
"إن التركيز على الهدف هو أسرع الطرق للوصول إليه"، فهناك كثيرون يبذلون جهوداً ضخمة وكثيرة، ولكنها كما قال الشاعر:
ومشتت العزمات ينفق عمره حيران لا نجح ولا إخفاق
وبعض الناس لا يعطي فكرة الهدف التي تعن له حقها من التأمل والتفكير؛ بل تأخذه الحماسة للعمل السريع، فيبادر دون تخطيط، وما هو إلا أن يتوقف بعد خطوات من بدايته، ثم يكيل التهم للناس وربما لنفسه بأنه إنسان فاشل!
وقد قيل: "في داخلك منجم للإبداع، فتّش عنه، ولكن قبل ذلك تعلّم التنقيب حتى لا تكسر الألماس"!
إن الفشل في التخطيط تخطيط للفشل، وحين تختار هدفك؛ فليكن من سامي الأهداف وأعظمها، فالواجب ألاّ يبحث الإنسان عن أكبر لذة، بل عن أشرف لذة، وقد قيل: "إياك أن يفقدك الله حيث أمرك ويجدك حيث نهاك".
والسؤال المهم هنا هو: كيف يمكنك أن تحمي طريقك إلى هدفك ؟
إن الذي يشكو الفراغ هو الذي فقد الهدف؛ فقد قيل: "إن فراغ النفس من الأهداف العظيمة يؤدي إلى فراغ اليد من الأعمال الجليلة".
ولكننا نتساءل اليوم: كيف يمكن حماية الطريق إلى هذا الهدف ؟
إن ذلك يقودنا إلى أسئلة عديدة هي:
- هل أنت مقتنع بهذا الهدف ؟
- كيف سيؤثر هذا الهدف على حياتك سلباً وإيجاباً ؟
- هل خططت للألفة مع من سيتعاونون معك لتحقيق هدفك، ومن سيتأثرون به سلباً ؟
- هل جمعت جميع المعلومات والخبرات حول هدفك مما يشابهك أو يلتقي به ؟
إذا أجبت عن كل هذه الأسئلة فاستخر واستشر وتوكل على الله الذي يقول: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق:2-3].
إذا تعثر العمل فارجع خطوات باحثاً عن مواطن الخلل وتساءل :
- هل حددت ما تريد بطريقة إيجابية ؟
- هل أخذت جميع الأحوال المختلفة بعين الاعتبار ؟
- هل المعيار الذي وضعته لقياس نجاحك مناسب ؟
- هل لديك أهداف مرحلية للنجاح ؟
- كيف يمكن أن تحافظ على حصيلتك المؤقتة خلال انطلاقتك ؟
- تحت أي ظروف لا تريد تحقيق أهدافك ؟
- ما العقبة الكؤود التي أعاقتك الآن ؟
- ما الخطوة الأولى التي ينبغي فعلها اليوم لتخطي هذه العقبة ؟
- كيف تصف حالتك الشعورية الآن خلال هذا التوقف المؤقت: كبوة جواد، أم استراحة محارب، أم إحباط شديد، أم الهزيمة النفسية ؟ حدد كيف تتعامل مع هذا الواقع الجديد.
إن الذي يسعى لتحقيق أهدافه في نفسه وأولاده ومجتمعه وأمته -والأهداف أكثر من أن تحصر- ينبغي أن يكون متفائلاً وهو يواجه الحياة. يقول الأستاذ مصطفى السباعي: "لا تفكّر إلا في كل جميل،... ولن تسعد إلا إذا رضيت عن نفسك فتطمئن وترتاح بالاً.. ولكن تفحص نفسك لن تجد دائماً كل ما يرضيك.. فما أكثر ما يجب أن تفعله.. وما أقل ما فعلته.. وسترى أن فيك صفات فريدة يجب أن تنميها لترضى عن نفسك".
نسأل الله تعالى أن يرضى عنا إنه سميع الدعاء.