بتـــــاريخ : 9/14/2008 7:31:03 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1221 0


    عجوز الانتظار

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : طالب همّاش | المصدر : www.adab.com

    كلمات مفتاحية  :

     

    يا عازفَ المزمارِ‏

    شرّدني وراءكَ في القفارِ!‏

    فإنني شارفتُ أن أبكي‏

    على بابِ المدينة كالغريبِ‏

    مفارقاً هذي الديارْ‏

    يا عازفَ المزمارِ شردّني!‏

    لأخلعَ خرقةَ الأحزانِ عن روحي المهيضةِ‏

    إنني أقفلتُ شباكي على نفسي الحزينةِ‏

    واقتعدتُ الليلَ‏

    منسيّاً على بابِ المزارْ‏

    فبكيتُ من يأسيْ قليلاً‏

    وانصرفتُ كجرّةِ الخمرِ العتيقِ‏

    إلى عجوزِ الانتظارْ‏

    متنهدٌ قلبيْ،‏

    وباكيةٌ دواةُ الحبرِ في روحي‏

    وأيامي غبارْ‏

    فأنا المشرّدُ تحتَ أمطارِ الشتاء‏

    تسوطني الريحُ الجريحةُ،‏

    والغيومُ السودُ‏

    ترخي فوقَ أكتافي جدائلَ حزنها‏

    والقمحُ يدفعني بإيقاعِ الحفيفِ‏

    إلى صخورِ الانتحارْ!‏

    يا طاعناً في السنّ فاطعني!‏

    ويا صفصافُ فاشنقني على أغصان داليةٍ،‏

    وكفّنْ يا خريفُ حياتي الثكلى‏

    بأوراقِ الدموعِ،‏

    ورُدَّني للاصفرارْ!‏

    فأنا الغريبُ بلا رسائلَ أو ديارْ!‏

    يا ليتني أيقونة في الليلِ‏

    يملؤني المسيحُ بحزنهِ‏

    ويفيضُ في معناهُ بين جوانحي..‏

    يا ليتني أرجوحة عندَ المغيبِ‏

    ينامُ عصفورٌ بها‏

    وعباءةٌ لتضمّ أحزانَ الغريبْ!‏

    من أينَ يأتي الحزنُ يا أمّاهُ؟‏

    يأتي من نداءاتِ الهوى المهجورِ،‏

    من زغرودةٍ،‏

    من خصلةِ الشعرِ التي تلهو بها ريحٌ على‏

    شجرِ النحيبْ‏

    يا عازفَ المزمارِ شرّدْني‏

    أنا المولودُ من ذرفِ الدموعِ‏

    على الترابِ،‏

    ومن أغاني المهدْ‏

    مرّت على وجهي يدُ الريحانِ دافئةً‏

    فنمتُ..‏

    وكررّتْ حزني على الأيامِ‏

    أصواتُ الخريرْ‏

    يا سيدَ الأحزانِ مالحةٌ هي الأيامُ‏

    والأجراسُ مثخنة بأصداءِ الحداءِ‏

    فخلّني للخبزِ يبكيني،‏

    وتحملني الأغاني‏

    مثل كسراتِ الجرارِ إلي الفقيرْ‏

    لا طفلةً نسيتْ سريري‏

    خلفَ ذاك الغيم مهتزّاً،‏

    ولا ريحاً مضتْ بغناءِ أميَ للجبالِ‏

    كأن هذا الغيمَ أيلولي المشرّدُ،‏

    والنواعيرَ العتيقةَ‏

    فصلُ مرثاتي الأخيرْ‏

    يا سيدَ الأحزانِ أثكلني حبيبيْ‏

    الأرضُ موحشةٌ بدونِ يديهِ‏

    والأيامُ باكيةٌ كتمثالٍ ضريرْ‏

    دعني أحكُّ بقبرهِ النائي‏

    جدائلَ شعريَ السوداء‏

    واتركني جريحَ الروحِ‏

    نوّاحاً على وترِ الهجيرْ!‏

    ليصيرَ معنى الليلِ والأحزانِ معنىً واحدا‏

    وتصيرَ مريمةُ المراثي‏

    قلبَ هذي الأرضِ إن غابوا‏

    وإن صلبوا‏

    وإن مالوا على كتبِ الطفولةِ تائبينْ‏

    كلُّ النواحةِ أنني كوخٌ حزينْ‏

    ترعاهُ أغنيةٌ مهجّرةٌ‏

    ويحرسهُ سياجُ الفلّ‏

    من حزن العصافيرِ الطعينةِ‏

    والحمامُ الغضُّ ينتظرُ الرسائلَ‏

    من غيابِ الراحلينْ‏

    مروا على كوخي وضاعوا‏

    سبعُ غيماتٍ بكتْ فوقي‏

    ومالتْ شجرةُ الأرزِ الكليمةِ للغروبِ‏

    وأجهشتْ بالدمعِ فوق الياسمينْ‏

    يا ليتنا ورقٌ‏

    لنسقطَ فوقَ أرضِ الدمعِ‏

    من غصنِ الحياةِ!‏

    لكي نناديهم بأسماءِ الكهولةِ‏

    كلما مرّ الخريفُ على كهولتنا:‏

    خذوا دمنا‏

    يا راحلينَ إلى الجنوبْ!‏

    مروا كغيمِ الصيفِ في صفصافنا العالي‏

    وصاروا كالنصوبْ!‏

    مروا وراحوا وردةً في الريحِ‏

    يا شجرَ الذين نحبهم!‏

    وقفوا وراءَ حدود حسرتنا‏

    كأصنامِ الغروبْ‏

    مزمار يا مزمارُ نوّحْ في ليالينا‏

    فلعلهمْ يأتونْ!‏

    تشتاقهمْ نفسيْ فيؤلمها الضنى‏

    وتزورهمْ بالسرّ روحي‏

    عندما يبكونْ‏

    تركوا السوادَ لليلتي‏

    وتراجعوا نحو الفراقْ‏

    سأعولُ ما نبحتْ ذئابٌ في دميْ،‏

    وأنوحُ ما ناحَ الحمامُ على العراقْ!‏

    لو كنتَ يا مزمارُ توأمَ حنطتي بالدمعِ‏

    كنتُ بكيتُ مثلَ الغيمِ في شجر النخيلْ!‏

    لو كنتَ رجعَ ندامتيْ في الحبِّ‏

    كنتُ زرعتُ في حقلِ الغروبِ قسيمتي‏

    لأصيرَ أيّوبَ الرحيلْ!‏

    لو كانَ أنكَ ثاكلي‏

    لرفعتُ صوتيَ بالبكاءِ على الليالي،‏

    واستعرتُ من الحمامِ الحرّ حنجرةَ الهديلْ‏

    وبكيتُ طولَ العمرِ من غابوا‏

    ومن أيامهم في الأرضِ أضرحةٌ‏

    وغربتهم ترابُ‏

    يا لابسي ندماً عباءاتِ الحدادِ على السوادِ‏

    ترفقّوا بالروحِ!‏

    ولتصغي السماءُ لآهتي،‏

    ولدمعي المذروف‏

    فليصغي البكاءُ المستطابُ!‏

    أنا نأمةُ الصوفيِّ في حزن اليمامةِ‏

    تُنكرُ الأحزانُ أرداني، ويألفني الغيابُ

     

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()