بتـــــاريخ : 9/14/2008 7:16:34 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1061 0


    أرملة مغني الرباب الحزين

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : طالب همّاش | المصدر : www.adab.com

    كلمات مفتاحية  :

     

    حداءٌ بعيدٌ على مغربِ الشمسِ‏

    يُصدي على شجرِ الوحشةِ المرِّ،‏

    والغيمُ يعبرُ من خلفِ نافذةِ العمرِ‏

    مثل بقايا المواويلِ...‏

    لم تبقَ إلا أقلُّ الرياحِ نحيباً،‏

    وغيرُ هشيرٍ لعشِّ الحمامهْ.‏

    ولم تبقَ غيرُ البراري التي‏

    يهرعُ القلبُ نحو حواكيرها‏

    فاغراً فاهُ كالذئبِ،‏

    وهو يراكضُ أنثاه‏

    في شهوةِ الموتِ‏

    حتى تقوم القيامهْ.‏

    وغيرُ صراخِ الحنينِ المريرِ‏

    إلى ما فقدناه في لجّةِ الليل،‏

    والصلواتُ التي تتقطّرُ تحتَ الصفاءِ‏

    الإلهيّ أدعيةً ويتامى.‏

    كأنْ طارَ طيرُ صباحي الحزينُ‏

    على حقلِ آسٍ جريحٍ‏

    فهوَّم في الأفقِ الطلقِ كالسيفِ،‏

    ثم تهاوى على زهرةِ الروحِ‏

    مثلَ قميصِ الندامهْ.‏

    * * *‏

    حداءٌ شجيُّ المواويلِ‏

    يطرحني كالربابةِ‏

    في طرقاتِ الرحيلِ‏

    ولكنني بعدَ أنْ يتعبَ العمرُ‏

    أصرخُ من ظمئيْ:‏

    اسقني الماءَ عمرو!‏

    اسقني الماءَ!‏

    أحسبُ أني أراها‏

    أرى قلبها واقفاً في الشمالِ الحزينْ!‏

    فتاةٌ بعمرِ الرياحينِ.‏

    وخّطها الشيبُ،‏

    واصفرَّ من حولها ورقُ العمرِ‏

    والياسمينْ.‏

    كأنْ مرَّ يومانِ أو بعض يومٍ‏

    على رحلةِ الأمسِ‏

    حتى غدتْ حمصُ قفراءَ‍‏

    أينَ الحزينةُ بينَ النساءِ؟‏

    وأين مآذنها الباكياتُ‏

    على قمرِ العشقِ؟‏

    كم مرَّ منها على الأرضِ؟‏

    مرَّ زمانٌ مديدٌ‏

    فهذي البيادرُ ممحوّةُ القمحِ،‏

    والأرضُ موغلةٌ في السنينْ.‏

    وحمصُ حنينُ الغريبِ إلى الموتِ!‏

    محكومةٌ بالنواحِ نواعيرها السودُ،‏

    والحورُ وهو يميلُ مع الريحِ‏

    كامرأةٍ خاطئهْ..‏

    والهواءُ الأحنُّ على السروِ عند الغروبْ.‏

    كذئبٍ من الدمعِ يقعي بجانبها‏

    حزنُهَا البدويُّ‏

    ويغمضُ عينينِ معتمتينِ على الموتِ‏

    في جزعٍ‏

    مثل فزاعةٍ للنصوبْ.‏

    وحمصُ لفيفُ الحمامِ‏

    الذي نقتفيهِ إذا حاقنا الموتُ،‏

    والخمرُ قبلَ ارتعاشِ النمالِ‏

    على خَدَرِ الروحِ،‏

    والسكنُ الأبديُّ إلى امرأةٍ من ذنوبْ.‏

    وحمصُ الفتاة التي خصَّها الوعرُ بالثكلِ‏

    حتى استمالتْ إليها المواويلَ!‏

    عَمَّرَهَا الليلُ من شوقهِ للتأوّهِ.‏

    كي يتأمّلَ رجعَ المياهِ على ركبتيها،‏

    ويغسلَ في جدولِ الحبِّ أعضاءهُ بالشقاءْ.‏

    وحمصُ امرأهْ‏

    أبدعتها البحيراتُ‏

    كي تتهادى عليها طيورُ الإوزِّ الحزينُ،‏

    ويأتمَّ شاطئها الأنبياءْ.‏

    وحمصُ البناتُ اللواتي يزغردنَ‏

    قبلَ تفتّحِ ريحانهنَ على شهوةِ الحزنِ،‏

    والانتظارُ المريرُ لموجِ الأنوثةِ‏

    وهو يضرّجُ بالكحلِ ضلعَ النساءْ.‏

    فتاةٌ تسيّجُ حقلاً من القمحِ بالقطنِ‏

    كيما تنادي على قمرٍ ضائعٍ‏

    في سوادِ السماءْ.‏

    قديماً أهالَ عليها الحداةُ عتاباتهمْ‏

    واستحالوا رعاةً‏

    يطوفونَ حول الطلولِ‏

    وهم يقرعونَ طبولَ الفراقِ‏

    ويرثونَ كلَّ المدنْ.‏

    وجثا قربَ مرقدها الأبديّ‏

    مغنِّي الربابِ الحزينُ‏

    وراحَ يموّلُ في ظلمةِ الليلِ‏

    للحبِّ والحزنِ‏

    ذاكَ الغناءَ الشجيّْ.‏

    فعلَّمها الحزنَ‏

    قبلَ بكاءِ الحمامِ على راحتيها،‏

    وقبلَ رحيل المحبيّنَ صيفاً‏

    إليها لينتحروا‏

    تحتَ حرِّ حزيرانها الشبقيّْ.‏

    وقبلَ صعودِ الحليبِ إلى نهدِ (وردٍ)،‏

    وتلويحها الساحليِّ على شجرِ الهذيانِ‏

    ومسِّ ابن رغبانَ بالجنِّ‏

    وهو يضرّجُ بالندمِ المرِّ وجهَ‏

    شقيقِ الفراتِ الشقيّْ.‏

    فقامتْ إلى النهرِ تدعوهُ:‏

    يا دائمَ الحزنِ عندَ جذوعِ النواعيرِ!‏

    خذني بمجراكَ أرملةً للخريرِ!‏

    الذي رعرعتهُ مواويلُ أمي‏

    وهي تهزُّ سريري،‏

    وردّدهُ صوتُهَا القرويّْ.‏

    أَبى النهرُ أن يتأوّهَ إلاَّ لمجراهُ بينَ الصخورِ..‏

    شقيقُ الحقولِ الحزانى،‏

    ووارثُ ذرفِ الدموعِ!‏

    فأرختْ على كتفِ القمح صفرتها الساحليّةَ‏

    فيما الضفائرُ شاردةٌ في مهبٍّ قصيّْ.‏

    تموِّجُ في الريحِ ترجيعَهَا المستجيرَ‏

    وتصرخُ عبرَ الفيافي‏

    صراخَ الحنينِ إِلى المفتقدْ.‏

    :أنا حمصُ‏

    زهرةُ حنّائكم في ليالي الزفافِ،‏

    وزهراءُ بنتُ الهديلِ‏

    التي تتراقصُ مثلَ الزغاريدِ‏

    فوقَ سماءِ الأحدْ.‏

    أنا المستحّمةُ في نبعةِ الليلِ،‏

    أولُ أنثى اشتهاها هلالُ الربيعِ‏

    وصارَ حزيناً‏

    يهيمُ على نفسهِ في الغيومِ‏

    ولا يلتقي بامرأهْ.‏

    أنا حمصُ معشوقةُ الشعراءِ‏

    الذين مضى عمرهمْ في اقتفائيْ،‏

    وضيَّعتهمْ في الطريقِ إليّْ.‏

    ولكنها الآنَ ضلّيلةُ الألمِ المرِّ‏

    متروكة للرياحِ ضفائرُهَا الهاشلاتُ،‏

    ومجروحة روحها بالحداءِ الجنوبيْ.‏

    ينوحُ القَطا في براري صباها الحزينةِ‏

    من دونِ إلفٍ،‏

    ويعدو ابن آوى المهجّرُ‏

    في ظلمةِ الوعرِ‏

    خلفَ فراديسَ ضائعةٍ،‏

    ويشقُّ كما الطفل قمصانَهُ‏

    لهلالِ المساءِ النبيّْ.‏

    ويهرعُ نحو خرائبها في المغيبِ غريبٌ ونخلتهُ،‏

    قرويٌّ وحنطتهُ،‏

    جبليٌّ وسروتهُ راجعينَ‏

    ليرثوا بها حزنها البدويّْ!‏

    ***‏

    حداءٌ شجيُّ المواويلِ‏

    يُصدي على شجرِ الوحشةِ المرِّ‏

    والريحُ تلفحُ زيتونةَ الانتظارِ العجوزِ‏

    ببابِ الأحدْ.‏

    كأنْ حمص بنتٌ تدقُّ على بابِ‏

    حبٍّ قديم.‏

    وما منْ أحدْ.‏

    غيرُ ذاكَ الخيالِ الذي يتراءى‏

    على حائطٍ من ظلالِ الأبدْ.‏

    ولكنها حينَ ينفتحُ البابُ‏

    تلمحُ ظلاً ضئيلاً‏

    محتهُ سنون الكآبةِ‏

    يخرجُ من وحشةِ الصمتِ‏

    ثم يسيرُ (ولا يلتقي بأحدْ).‏

    فيا ليتَ تعرفُ أنّيْ‏

    أنا ذلكَ الشبحُ المريميُّ الحزينْ‍‏

    ويا ليتها حين تبكي الرياحُ على شجرِ الحورِ‏

    تعرفُ أن نحيبَ الحواكيرِ رَجْعُ صدايَ‏

    أنا البدويُّ الذي راحَ يحدو‏

    على مغربِ الشمسِ:‏

    لا تتركوني وحيداً‏

    أقاتلُ وحشَ السنينْ!‏

     

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()