بتـــــاريخ : 9/14/2008 6:54:21 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 918 0


    أحزان الأعالي

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : طالب همّاش | المصدر : www.adab.com

    كلمات مفتاحية  :

     

    لَوْ كَاْنَ للعشَّاقِ يا فَيْرُوْزُ‏

    حزنكِ في الأعاليْ!.‏

    لو كانَ للعشَّاقِ يا فيروزُ‏

    شبَّاكٌ على النسيانِ‏

    ما مالوا على الأحزانِ‏

    وانحازوا إلى رَجْعِ الخريفِ‏

    ليتبعوا كالغنمِ غزلانَ الشمالِ! .‏

    لو كانَ للعشّاقِ أن يتألمْوا‏

    في الريحِ‏

    راحتْ روحُهُمْ تجري على الأنهارِ‏

    كالحَسَرَاتِ! ..‏

    لكنَّ البياضَ نبيُّهمْ في اليتمِ،‏

    والرمانَ سنبلةُ الخيالِ.‏

    لو كانَ أنَّكِ دمعة‏

    لتسابقوا كي يذرفوها‏

    فوقَ هُدْبِ البيلسانِ..‏

    ليزهرَ الرمانَ‏

    في شباككِ العالي!،‏

    فدليِّهمْ إلى الياقوتِ!‏

    كي يتعمّدوا بعد الكسوفِ‏

    بصوتكِ المذروف‏

    فوقَ الأرض ثلجاً من حنانْ! .‏

    وترفَّقي بنحيبهمْ فوقَ السفرجلِ!‏

    إن صوتكِ لا يمدُّ صلاتَهُ‏

    إلا لنحلِ الصبح..‏

    هل نرعى مع النحلاتِ‏

    دمعَ التوتِ‏

    من أيقونةِ الآهاتِ!؟‏

    كي نُصغي إليه بفطرةٍ أعلى،‏

    ونسمعَ كالحساسينِ البريئةِ‏

    رَجْعَةُ في الأرجوانْ.‏

    لا بدَّ من نايٍ‏

    لنعرفَ أننا للحزنِ والنسيان!‏

    فابكينا طويلاً‏

    خلفَ أشجارِ الجنوبِ!‏

    ولوّحي بإزاركِ الصيفيّ‏

    من أعلى الغروبِ‏

    وأطلقي طيرَ الصنوبر خلفنا يبكي،‏

    لنتركَ دمعنا للأقحوانْ! .‏

    لا بدَّ من قمرٍ وأغنيةٍ‏

    ليصبحَ عاشقانِ‏

    سحابةً،‏

    وتصيرَ روحَكِ أرجوانْ.‏

    لا بد من قمر شآميَّ الغناءِ‏

    ليعرفَ العشاقُ أنهمُ..‏

    نوارسُ فوق مئذنةِ الشآم..‏

    وساحلٌ للقمح يسكنهُ الحمامُ.. وأنّكِ‏

    تحتَ السماءِ سماوةٌ أخرى،‏

    وفوقَ الأرزِ في أعراسِ زرقتنا‏

    سنونوةُ الكمانْ .‏

    لَمْ نسمعِ الأنهارَ ترفعُ بيلسانَ‏

    خريرها المجروحِ‏

    قبل الآن،‏

    والمزمارَ يبكي في السكينة‏

    موجعاً سكرانَ..‏

    لَمْ نسمعْ سوى نوحِ الشحاريرِ الحزينِ،‏

    ونغمةٍ سوداءَ تلقيها السحابةُ‏

    في القصبْ! .‏

    لَمْ نسمعِ الأشجارَ تنشجْ في الخريفِ‏

    ولَنْ نَعِيْ‏

    أن الأيائلَ من حفيفٍ،‏

    والغناءُ (توائمٌ) بيضاءُ‏

    في أرواحنا ترعى‏

    دُمَيْعاتِ العنبْ.‏

    غَنِّي علينا واتركينا كالبلابل! ،‏

    فوق سطح الليلِ‏

    يشربُ عمرُنَا من مائكِ‏

    فيطولُ‏

    والأقمارُ تتبعُ حزنَكِ المتروكَ‏

    في أقصى السهولِ..‏

    وحينما يأتي المسيحُ إلى ضريحِ الخبزِ‏

    نُصبح نائحينَ ذويْ ضراعهْ،‏

    ونعدُّ فوقَ سلالم الذكرى‏

    حمائمَ من ذهبْ.‏

    غني إذن!‏

    غني ليولدَ عاشقانِ‏

    من الهديل ويكبرانْ..‏

    لتشبّ من أضلاعنا التعبى‏

    نسائِمُ سنديانْ..‏

    وتصيرَ قريتنا مساقطُ للسحبْ.‏

    أنتِ الحداءُ المرُّ‏

    إن كبرتْ مراثينا على الأشجارِ‏

    أنتِ الوردُ إن شَرَدَتْ أيادينا وراءَ سحابةٍ..‏

    ومواسمُ التفّاحِ بعدَ القمحِ‏

    أنتِ البليلُ الباكي على أيلولُ،‏

    أجراسُ النواعيرِ التي‏

    تَحْدُو على قمر الغيابْ.‏

    أنتِ الأغاني الراحلهْ..‏

    وربابةُ الأحزانِ قبلَ دخولها في اللحنِ‏

    أو جسدُ الكآبةِ راحلاً‏

    قبلَ انقشاعِ الغيمِ‏

    عن سفرِ السحابْ‏

    أنتِ كتابْ الحزنِ مطوياً‏

    على أشعارنا الأولى‏

    فدلِّينا على الأشعار!‏

    كي نختارَ قافيةً‏

    تلائم يأسنا في الأرضِ،‏

    أغنية تلائمُ موتنا فنموتْ!! .‏

    أنتِ السكينةُ فوق سفحِ الليلِ فاردة يديها للنجوم‏

    وفوقَ زهرِ نعاسنا شالاتُهَا الزرقاءُ‏

    هادلةً بأحلامِ السماءْ.‏

    أنتِ الكآبةُ‏

    فوقَ عرشِ الحزنِ! .‏

    نائحةٌ على الطيّونِ‏

    ناياتُ اغترابكِ في عراءِ الريحِ‏

    غنّي كي نتوبَ!‏

    بلا ذنوبٍ‏

    للأناجيلِ التي ضاعتْ‏

    ونرمي بالأصابعِ للسكاكينِِ‏

    الجريحةِ‏

    كلّما طابَ الغناءْ!!‏

    ما أجملَ الكلماتِ‏

    وهي تطيرُ خبزاً من يديكِ إلى الشتاءِ! ،‏

    وما أحنّ خريفها في الروحِ!،‏

    والقمرَ المعلقَ في الليالي!‏

    ***‏

    اليوم رهبانُ الحدا‏

    مرّوا على العالي!!‏

    لم يكسروا جرساً على قلبي‏

    ولا انتبهوا لموّالي!!‏

    يا ليتهم قمحٌ‏

    لأتبعهم إلى أقصى السهولِ!‏

    وليتهم رَحَلُوا‏

    ليخلعني قميصُ الوحشةِ البالي!! .‏

    لو كانَ للعشاقِ يا فيروزُ‏

    حزنكِ في الأعالي!‏

    أغمضتُ أجفانيْ لأختارَ اليمامةَ،‏

    وانتحبتُ على النخيلْ!‏

    وطرقتُ بابَ الصيفِ كالحطّابِ‏

    كي تجتثّنيْ من غُربتيْ صفصافةٌ‏

    ووهبتُ أنثى اللوزِ أحزانيْ‏

    لترضعني الهديلْ!!.‏

    وبكيتْ في أيلولَ‏

    يا أيلولُ يا أيلولُ!‏

    إني راهبٌ للريحِ‏

    جرّحني الصدى،‏

    وحمامةُ الريحِ الحزينةُ في النواحِ‏

    غناءُ من هذا الذي يبكي على الإيقاعِ‏

    نورسُهٌ الجميلُ؟! ..‏

    وكلّما ملْنَا مع الأجراسِ نحوَ النومِ‏

    في حزنٍ يميلْ!‏

    يبكي كما لو قلتَ أنْكَ راحلٌ‏

    ومكثتَ تنتظرُ الرحيلْ!! .‏

    غنّي إذن!‏

    لنعودَ مجروحينَ بالنعناعِ‏

    نحو بيوتنا البيضاءِ في أقصى النخيلْ.‏

    كلماتنا في الحَبّ‏

    تأكُلُها العصافيرُ البريئةَ‏

    والنجومُ (أيائل) ترعى على أرواحنا‏

    عشبُ الأصيلْ.‏

    ***‏

    والقمحُ يا للقمحِ يا فيروزَ‏

    لو أنّ السنابلَ لا تموت!‏

    لكنتُ أسلمتُ الرياحَ ربابتيْ‏

    ليَبُحَّ صوتُ جَرِيرِهَا ،‏

    وتركتُ شريانيْ على القيثارْ!! .‏

    وتبعتُ صوتَ الناي للهندِ البعيدةِ‏

    كي أحطَّ على مآذنها العتيقة‏

    وهي تتركُ للصلاةِ بياضها،‏

    وتطيّرُ الأشعارْ.‏

    وصرختُ باسمِ الصيفِ‏

    من أعلى التلالِ‏

    أيا حقولَ القمح دلّينيْ‏

    على الأمطارِ دلينيْ!‏

    لأتبعَ كالغُلامِ الغضِّ أحزانَ الغيومِ!‏

    كأنني طفلُ المواويل الذي ضاعَ ..‏

    انتهتْ أيّام حزنيّ بالصدى،‏

    وبكانيَ المزمارْ!!.‏

    ***‏

    والعاشقُ الولهانُ يا فيروزُ‏

    كالمنصور(1) يقتل نَفْسُهُ‏

    وتَصُوْتُ كالنّاياتِ رَاحَتُهُ‏

    على قمرِ الأعالي،‏

    كلَّما كبرُ الهلالُ على هضابِ الحزنِ‏

    وانحدرَ الحمامُ كسورةٍ ثكلى‏

    على الأيّامِ‏

    والعشّاقُ يا فيروزُ‏

    موّالونَ خلفَ النهرِ كلَ العمرِ‏

    يتبعَهْم سحابُ النصفِ من أيّارَ‏

    كالأشجارِ..‏

    والأجراسُ تُقرَعُ من تَصَاديْهَا‏

    على الأبراجِ‏

    فيما يستحيل القمحُ ساقيةً من الريحانِ‏

    والرمّانُ يهُدي القمحُ شَعْرَ حبيبهِ البريّ‏

    لا ترمي إزاركِ عن تلالِ الصيفِ يا فيروزُ!‏

    كي يجدَ المدى قدّيسةً‏

    لتهزَّ مهدَ بكائهِ،‏

    وتطيرَ فوق سمائه الثكلى‏

    يماماتُ البيادرْ.‏

    لا تخلعيهِ ليتبعَ العشاقُ!‏

    مسْحَةَ حزنهِ للغيبِ‏

    أو ليظلَّ حاديهمْ يخبُّ أمامهم..‏

    يمشونَ مثل أيائلِ الأحزانِ في دربِ الغروبِ‏

    كأنهم غيمُ الحياةِ‏

    يرافقُ امرأةً‏

    تكرّرُ حزنَهَا بين المقابرْ؟!.‏

    لا تخلعي حُلَلَ الصلاةِ!‏

    ففي ليالي الصيفِ يطلعُ وجهكِ المسحورَ‏

    من قمر الغيابِ،‏

    يضيءُ أجراسَ البساتينِ‏

    التي صلّتْ‏

    ويحْدُبُ كالسحابِ على الشآمْ.‏

    يا شامُ عادَ الصيفُ‏

    غابَ الصيفُ مكتئباً‏

    ومن قلبي يخلْصهُ البكاء!‏

    ويسجدُ الكروانُ‏

    خلفَ مآذنِ الصفصافِ مسكوتَ الغناءِ‏

    ويبكياهُ على ربى صدريْ‏

    حمامٌ زاجلٌ وغروبُ!.‏

    يا شامُ عادَ الصيفُ‏

    غابَ الصيفُ عن أسحارنا،‏

    واستوحشَ الحسونُ‏

    منسيْاً على ليمونةٍ صفراءَ‏

    صيفٌ ناضج كالتينِ‏

    يسقطُ في مياهِ الصبح كالقدّاح..‏

    يمسحُ دمعه.. (نايٌ ونهرٌ عندليبُ).‏

    ما أجملَ الزهراتِ تطفرُ كالحليب الطلِّ‏

    من صدرٍ يطيبُ..!‏

    فيروزُ يا فيروزُ!!‏

    يعرفني غزالُ الصبحِ من حزني،‏

    ويعرفكِ الغروبُ‏

    * لمنصور: في لغة الصوفية شيخُ العطّارين

     

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()