بتـــــاريخ : 9/14/2008 6:47:05 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1425 0


    أيّوبة الأحزان

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : طالب همّاش | المصدر : www.adab.com

    كلمات مفتاحية  :

     

    طوبى لمريَمَ‏

    وَهْيَ تركضُ كالغزالَة تِحتَ بدر الصيفِ‏

    خلفَ ربيعها العشرينَ‏

    طوبى للبلابلِ‏

    وَهْيَ تجرحُ صدرَها الشفَّافَ بالآهات‏

    أوَّلَ عُمْرِهَا‏

    فتذوبُ كالنسرينِ‏

    عيناها نوارسُ نَرْجِسٍ زرقاءُ‏

    لكنَّ الحمامةَ مِنْ ذهَبْ!‏

    وسماؤها جَرَسٌ مِنَ الشهواتِ‏

    مشلوحٌ على دَرْبِ الِعنبْ‏

    زفّتْ إليها الماءَ كي تتزوّجَ الصفصافَ‏

    لكنّ اليمامَ اختارَ محبرةَ الهديل!‏

    وراحَ يكتبُ للقرى البيضاءِ‏

    تلكَ حبيبتيْ!!‏

    ما أعذبَ اللوزَ الذي ينمو على أهدابها السوداءِ!‏

    أعذب من صلاةِ الصبح في صيفٍ بعيدٍ...‏

    ما أحنّ حفيفها الهادي على الريحانِ!‏

    سبعُ رسَائلَ انتحَرتْ على ترتيلها المجروحِ‏

    كالسُحُبِ العتيقةِ‏

    وهو يقفلُ راجعاً نحوَ النخيلِ!!‏

    أريدُ أنْ أبكي إذنْ!‏

    أبكي مِنَ الزيتون حتى التينِ!!‏

    سَبْعُ حمائمَ انتحبتْ نحيبَ الثلجِ،‏

    مالتْ وَرْدَةٌ عمياءُ نحوَ النهرِ‏

    وارتحلتْ مناديلُ الوداعِ إلى الحدا..‏

    لكنَّ مريمَ لا تميلُ!!‏

    إلى النخيلِ!‏

    وقلبُهَا مرآتُهَا للغيمِ‏

    تَسْمَعُ من بعيدٍ ريحَهَا الخرساءَ تعوي..‏

    -والظلامُ محدَّبْ بالحزنِ-‏

    تَسْمَعُ طَرْقَ أَجْرَانِ البكاءِ‏

    على أعالي النَّخْلِ:‏

    أنْ هُزِّي إليك بجذعِهَا!‏

    فتهزُّ جذعَ الروحِ‏

    مسدلةً ضفائرها على التفّاحِ!!‏

    مثلَ سحابةٍ عذراءَ في أعلى القرى‏

    لكنَّ رَطْباً لَنْ يَهرَّ على مراثيها،‏

    بل الرمانُ!‏

    هزَّتْ مرّةً أخرى‏

    فهرَّتْ فوقَ راحتِهَا توائمُ مِنْ حمامٍ!‏

    والغيومُ تنوحُ كالزيتون فوقَ مآذنِ الميلادِ!‏

    كيفَ تصدّق امرأةً بفطرتها إذنْ؟‏

    أنْ النبوءةَ زهرةٌ بيضاءُ‏

    في هذا السواد!‏

    وكلما مدَّتْ أصابعَهَا إلى الينبوعِ‏

    كي تُحْصي سنينَ شبابها‏

    طارتْ حساسينُ الصلاةِ إلى الحدادِ!!‏

    كأنّها أيّوُبَةُ الأحزانِ!‏

    لا ريحٌ لتحرثَ روحها بالدمعِ..‏

    لا قَمْحٌ لتتركَ صوتها للياسمين‏

    ولو أرادَ الليلُ ظَلَتْ كالغزالةِ‏

    تحتَ بَدْرِ الصيفِ‏

    خلفَ ربيعها العشرينَ‏

    تحملُهُا النجومُ على سريرِ غنائها العالي‏

    كأغنيةٍ،‏

    وتمسحُ صدرَها بالحزنِ أقمارُ السنينْ!‏

    ***‏

    وجهٌ لمريمَ وهي تحفرُ في زوايا الدمعِ‏

    بئراً للنواحِ المُرّ..‏

    وجهٌ للقصيدةِ وهي ترثي حزنَها‏

    بعدَ الغروبِ!‏

    أكلَّما مالتْ على شبّاكنا الأشجارُ نادمة الحفيفِ‏

    بكتْ سماءُ الحزن صفراءَ الغيومِ!؟‏

    وأنصتتْ أرواحُنَا‏

    لنحيب مريَمَ في الجنوبِ!!‏

    تخاطبُ الظلماتِ‏

    جاثيةً وراءَ خريفها النائي‏

    كأرملةِ الجليلِ!:‏

    أنا التي أطلقتُ أسمائيْ على الصفصافِ‏

    كي يَرثَ الغروبُ سكينتيْ،‏

    وزرعتُ زهرَ الحزنِ في دربِ الهديلِ!!‏

    أنا البكاءُ المرُّ في وجْه الرياحِ‏

    أنا التماثيلُ..‏

    التي نامتْ على صلواتِهَا‏

    ظمآنةْ للموتِ!‏

    يرثيني ضريحُ الحبِّ‏

    والأشعارُ تُولِمْني قوافيها‏

    لأسكنَ في عراءِ الأرضِ‏

    نادبةً عذابي فوقَ أشجارِ النخيلْ!!‏

    ورفعتُ حزنيْ مثل رابيةٍ على الزيتونِ‏

    في هذا العويلْ!!‏

    أَستَعْطِفُ الناياتِ من ألميْ!‏

    وأحفرُ في جذوع الحَوْرِ أوجاعيْ الطويلةَ‏

    لا صهيلٌ عادَ من بَرِّ الشآمِ،‏

    ولا تراجعٌ مِنْ رُبَى نجدٍ صدى‏

    لكنَّ وحيّا رائعَ القَسَمَاتِ‏

    حَلّ وثاقَ أحشائيْ‏

    فَهَلّ الطفلُ أجمل مِنْ صَبَابةِ‏

    شَهْوةٍ زرقاءَ غابتْ في أصائل كربلاءْ!!‏

    وجهٌ لمريمَ وهي تذرفُ كالسماءِ‏

    دموعَهَا التعبى‏

    على الينبوعِ..‏

    إنشادٌ لصبحِ اللوز فوقَ مواسمِ الليمونِ‏

    تلكَ صلاتَها الأولى‏

    ولكنَّ انحناءةَ ضلعها القرويِّ‏

    تهطلُ كالشفاءِ على يَسُوعَ!‏

    كأنّهُ أيقونَةٌ مرسومةً بالدمعِ والنعناعِ‏

    سبحانَ الذي تَرَكَ الحساسينَ الصغيرةَ‏

    في محارمِ حزننَا ترعى..‏

    وسبحانَ الذي تركَ النوارسَ‏

    في سواحلِ نومنا تجرى،‏

    وخلَّى للمزاميرِ الجميلةِ في الغناءِ‏

    أصابعَ العشَّاقِ..‏

    سبحانَ الذي مالتْ على صلواتهِ زيتونةٌ أُنثى‏

    فعلّمَهَا الضياء‏

    وقالَ للأشجارِ: يا..‏

    كوني مباركةً، وسيريْ بالهديلِ!‏

    فإنَّني أعطيكِ أسماءَ الغيابِ..‏

    وقالَ للأجراس: كوني آخرَ الطيرِ التي‏

    سمعتْ صلاتيْ ثمَ غابَ‏

    كَشَلْحَةِ النسيانِ خلفَ مواسمِ العنَّابِ‏

    غابَ ضياءُ كوكبهِ المهيبْ!!‏

    لكنَّ أجراسَ اليَسُوْعِ البيضَ‏

    طارتْ كالحمائمِ من شجيراتِ الصليبْ!‏

    لتدقَّ عَنْ بُعْدٍ رثاءَ حدائها،‏

    وتراجعتْ للبيلسانِ!‏

    وكان يُجدرُ بالرسائلِ أن تموتَ‏

    على صدورِ التائبينَ!!‏

    وبالمناديلِ البعيدةِ أن تمزّقَ قلبَها‏

    حُزْناً على حبل الأنين!!‏

    وبالمواويلِ الحزينةِ‏

    أن تعمِّرَ فوقَ جذعِ الليلِ‏

    تمثالَ الندمْ!‏

    بَلْ كانَ يجدرُ بالغيومِ السودِ‏

    أن تبني قباباً للمراثي‏

    فوقَ جثمانِ الحياةِ!!‏

    وبالجراحِ السبع أن تلقي‏

    بخرقةٍ روحِهَا الثكلى‏

    صليباً للألمْ!!‏

    وتمدّه في وجهِ مريمْ..‏

    لتنوحَ كالطيّونِ فوقَ ربابةِ الماضي‏

    وتتركَ شَعْرها يبكي على شَمْسِ الأفولِ..‏

    حفيفهَ المكتوم‏

    واأَسَفَاْهُ!!‏

    واقفة على ظلماتِ وحشتِهَا بمفردها!‏

    ورافعة مراثيها إلى أعلى الغيومِ!!‏

    تدقّ بابَ الليلِ كالخنساءِ..‏

    لكن الرثاءَ..‏

    يمامةٌ مجروحةٌ بالريحِ في بابِ الشتاءِ!!‏

    و(مريمٌ) كلُّ النساءِ‏

    ونايهنَّ الأبيضُ الولهانُ!‏

    مريمٌ قبراتٌ للسجودِ بلا شواطئَ‏

    والبكاءُ الغضُّ للرمانِ...‏

    أعراسُ الأيائلِ في قميصِ العيدِ‏

    حنطةُ حبّنا في أوّلِ البستانِ..‏

    واأسفاهُ!!‏

    مريمُ خبزَنَا المحروقُ‏

    والغيمُ الذي قد ضاعَ من أعمارنا‏

    في البردِ،‏

    آخرُ ما سمعنا عن وجودِ اللهِ في الإنسانِ..‏

    وامرأةٌ سرابٌ‏

    لا حدودَ لحزنِهَا‏

    منذورةٌ للدمعِ والريحانِ!‏

    تتركُ للرياحِ ضريحها الحادي‏

    وترفعُ لليالي البيض طائرها الحزينَ!‏

    ولو أرادَ الليلُ‏

    ظلّتْ كالغزالةِ تحتَ بدرِ الصيفِ‏

    خلفَ ربيعها العشرين..‏

    تحملها النجومُ على سريرِ غنائها العالي‏

    كأغنيةٍ‏

    وتمسحُ صدرَهَا بالحزنِ أقمارُ السنينْ

     

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()