بتـــــاريخ : 9/11/2008 10:42:34 AM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1948 0


    شخصيــات وأحــداث 1

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : رحال اسكندراني | المصدر : www.egyptsons.com

    كلمات مفتاحية  :
    تاريخ شخصيات احداث



    كم من شخصيات و احداث تاريخية ستظل في ذاكرة التاريخ ... كم من معجزات تمت في العصر القديم و الحديث و لم ينساها التاريخ ...
    من اجل ان لا ننسى التاريخ و من اجل ان لا ينساننا التاريخ فقد كان لي هذا الموضوع الذي سيضم المواضيع التي تناولت الحقبات المختلفه في التاريخ العالمي " سواء القديم او الحديث "



    تابعوا سلسة التاريخ

    عرف في كتب التاريخ في الشرق والغرب بأنه فارس نبيل وبطل شجاع وقائد من أفضل من عرفتهم البشرية وشهد بأخلاقه أعداؤه من الصليبيين قبل أصدقائه وكاتبوا سيرته، إنه نموذج فذ لشخصية عملاقة من صنع الإسلام، إنه البطل صلاح الدين الأيوبي محرر القدس من الصليبيين وبطل معركة حطين.





    نسبه ونشأته



    ولد صلاح الدين سنة 532هـ بقلعة تكريت لما كان أبوه وعمه بها والظاهر أنهم ما أقاموا بها بعد ولادة صلاح الدين إلا مدة يسيرة، ولكنهم خرجوا من تكريت في بقية سنة 532هـ التي ولد فيها صلاح الدين أو في سنة ثلاث وثلاثين لأنهما أقاما عند عماد الدين زنكي بالموصل ثم لما حاصر دمشق وبعدها بعلبك وأخذها رتب فيها نجم الدين أيوب وذلك في أوائل سنة أربع وثلاثين.

    ولم يزل صلاح الدين تحت كنف أبيه حتى ترعرع ولما ملك نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي دمشق لازم نجم الدين أيوب خدمته وكذلك ولده صلاح الدين وكانت مخايل السعادة عليه لائحة والنجابة تقدمه من حالة إلى حالة ونور الدين يرى له ويؤثره ومنه تعلم صلاح الدين طرائق الخير وفعل المعروف والاجتهاد في أمور الجهاد
    .

    تأسيس الدولة الأيوبية



    استقرت الأمور لصلاح الدين ونقل أسرته ووالده نجم الدين أيوب إليها ليتم له السرور وتكون قصته مشابهة لقصة يوسف الصديق عليه السلام، ولم يزل صلاح الدين وزيرا حتى مات العاضد آخر الخلفاء الفاطميين 565هـ وبذلك انتهت الدولة الفاطمية وبدأت دولة بني أيوب (الدولة الأيوبية).
    ولقب صلاح الدين بالملك الناصر وعاد إلى دار أسد الدين فأقام بها، وثبت قدم صلاح الدين ورسخ ملكه.
    وأرسل صلاح الدين يطلب من نور الدين أن يرسل إليه إخوته فلم يجبه إلى ذلك وقال أخاف أن يخالف أحد منهم عليك فتفسد البلاد، ثم إن الإفرنج اجتمعوا ليسيروا إلى مصر فسير نور الدين العساكر وفيهم إخوة صلاح الدين منهم شمس الدولة توران شاه بن أيوب، وهو أكبر من صلاح الدين.
    و ذكر ابن الأثير ما حدث من الوحشة بين نور الدين وصلاح الدين باطنا فقال: وفي سنة 567هـ حدث ما أوجب نفرة نور الدين عن صلاح الدين وكان الحادث أن نور الدين أرسل إلى صلاح الدين يأمره بجمع العساكر المصرية والمسير بها إلى بلد الإفرنج والنزول على الكرك ومحاصرته ليجمع هو أيضاعساكره ويسير إليه ويجتمعا هناك على حرب الإفرنج والاستيلاء على بلادهم فبرز صلاح الدين من القاهرة في العشرين من المحرم وكتب إلى نور الدين يعرفه أن رحيله لا يتأخر وكان نور الدين قد جمع عساكره وتجهز وأقام ينتظر ورود الخبر من صلاح الدين برحيله ليرحل هو فلما أتاه الخبر بذلك رحل من دمشق عازما على قصد الكرك فوصل إليه وأقام ينتظر وصول صلاح الدين إليه فأرسل كتابه يعتذر فيه عن الوصول باختلال البلاد المصرية لأمور بلغته عن بعض شيعة العلويين وأنهم عازمون على الوثوب بها وأنه يخاف عليها مع البعد عنها فعاد إليها فلم يقبل نور الدين عذره، وكان سبب تقاعده أن أصحابه وخواصه خوفوه من الاجتماع بنور الدين فحيث لم يمتثل أمر نور الدين شق ذلك عليه وعظم عنده وعزم على الدخول إلى مصر وإخراج صلاح الدين عنها.
    ووصل الخبر إلى صلاح الدين فجمع أهله وفيهم والده نجم الدين أيوب وخاله شهاب الدين الحارمي ومعهم سائر الأمراء وأعلمهم ما بلغه عن عزم نور الدين على قصده وأخذ مصر منه واستشارهم فلم يجبه أحد منهم بشيء فقام تقي الدين عمر ابن أخي صلاح الدين وقال إذا جاء قاتلناه وصددناه عن البلاد ووافقه غيره من أهله فشتمهم نجم الدين أيوب وأنكر ذلك واستعظمه وكان ذا رأي ومكر وعقل وقال لتقي الدين اقعد وسبه وقال لصلاح الدين أنا أبوك وهذا شهاب الدين خالك أتظن أن في هؤلاء كلهم من يحبك ويريد لك الخير مثلنا فقال لا فقال والله لو رأيت أنا وهذا خالك شهاب الدين نور الدين لم يمكنا إلا أن نترجل له ونقبل الأرض بين يديه ولو أمرنا أن نضرب عنقك بالسيف لفعلنا فإذا كنا نحن هكذا كيف يكون غيرنا وكل من تراه من الأمراء والعساكر لو رأى نور الدين وحده لم يتجاسر على الثبات على سرجه ولا وسعه إلا النزول وتقبيل الأرض بين يديه وهذه البلاد له وقد أقامك فيها وإن أراد عزلك فأي حاجة له إلى المجيء يأمرك بكتاب مع نجاب حتى تقصد خدمته ويولي بلاده من يريد وقال للجماعة كلهم قوموا عنا ونحن مماليك نور الدين وعبيده يفعل بنا ما يريد فتفرقوا على هذا وكتب أكثرهم إلى نور الدين بالخبر.
    ولما خلا أيوب بابنه صلاح الدين قال له أنت جاهل قليل المعرفة تجمع هذا الجمع الكثير وتطلعهم على ما في نفسك فإذا سمع نور الدين أنك عازم على منعه عن البلاد جعلك أهم الأمور إليه وأولاها بالقصد ولو قصدك لم تر معك أحدا من هذا العسكر وكانوا أسلموك إليه وأما الآن بعد هذا المجلس فسيكتبون إليه ويعرفونه قولي وتكتب أنت إليه وترسل في المعنى وتقول أي حاجة إلى قصدي يجبي نجاب يأخذني بحبل يضعه في عنقي فهو إذا سمع هذا عدل عن قصدك واستعمل ما هو أهم عنده والأيام تندرج والله في كل وقت في شأن والله لو أراد نور الدين قصبة من قصب سكرنا لقاتلته أنا عليها حتى أمنعه أو أقتل ففعل صلاح الدين ما أشار به والده فلما رأى نور الدين الأمر هكذا عدل عن قصده وكان الأمر كما قال نجم الدين أيوب وتوفي نور الدين ولم يقصده وهذا كان من أحسن الآراء وأجودها
    .


    معركة حطين




    كانت معركة حطين المباركة على المسلمين في يوم السبت 14 ربيع الآخر سنة 583هـ في وسط نهار الجمعة وكان صلاح الدين كثيرا ما يقصد لقاء العدو في يوم الجمعة عند الصلاة تبركا بدعاء المسلمين والخطباء على المنابر فسار في ذلك الوقت بمن اجتمع له من العساكر الإسلامية وكانت تجاوز العد والحصر على تعبئة حسنة وهيئة جميلة وكان قد بلغه عن العدو أنه اجتمع في عدة كثيرة بمرج صفورية بعكا عندما بلغهم اجتماع الجيوش الإسلامية فسار ونزل على بحيرة طبرية ثم رحل ونزل على طبرية على سطح الجبل ينتظر هجوم الصليبيين عليه إذا بلغهم نزوله بالموضع المذكور فلم يتحركوا ولا خرجوا من منزلهم وكان نزولهم يوم الأربعاء 21ربيع الآخر فلما رآهم لا يتحركون نزل على طبرية وهاجمها وأخذها في ساعة واحدة وبقيت القلعة محتمية بمن فيها ولما بلغ العدو ما جرى على طبرية قلقوا لذلك ورحلوا نحوها فبلغ السلطان ذلك فترك على طبرية من يحاصر قلعتها ولحق بالعسكر فالتقى بالعدو على سطح جبل طبرية الغربي منها وذلك في يوم الخميس 22 ربيع الآخر وحال الليل بين المعسكرين قياما على مصاف إلى بكرة يوم الجمعة فركب الجيشان وتصادما والتحم القتال واشتد الأمر وذلك بأرض قرية تعرف بلوبيا وضاق الخناق بالعدو وهم سائرون كأنهم يساقون إلى الموت وهم ينظرون وقد أيقنوا بالويل والثبور وأحست نفوسهم أنهم في غد يومهم ذلك من زوار القبور ولم تزل الحرب تضطرم والفارس مع قريصطدم ولم يبق إلا الظفر ووقع الوبال على من كفر فحال بينهم الليل بظلامه وبات كل واحد من الفريقين في سلاحه إلى صبيحة يوم السبت فطلب كل من الفريقين مقامه وتحقق المسلمون أن من ورائهم الأردن ومن بين أيديهم بلاد العدو وأنهم لا ينجيهم إلا الاجتهاد في الجهاد فحملت جيوش المسلمين من جميع الجوانب وحمل القلب وصاحوا صيحة رجل واحد فألقى الله الرعب في قلوب الكافرين وكان حقا عليه نصر المؤمنين ولما أحس القوم بالخذلان هرب منهم في أوائل الأمر وقصد جهة صور وتبعه جماعة من المسلمين فنجا منهم وكفى الله شره وأحاط المسلمون بالصليبيين من كل جانب وأطلقوا عليهم السهام وحكموا فيهم السيوف وسقوهم كأس الحمام وانهزمت طائفة منهم فتبعها أبطال المسلمين فلم ينج منها أحد واعتصمت طائفة منهم بتل يقال له تل حطين وهي قرية عندها قبر النبي شعيب عليه السلام فضايقهم المسلمون وأشعلوا حولهم النيران واشتد بهم العطش وضاق بهم الأمر حتى كانوا يستسلمون للأمر خوفا من القتل لما مر بهم فأسر مقدموهم وقتل الباقون.
    وكان ممن سلم من مقدميهم الملك جفري وأخوه والبرنس أرناط صاحب الكرك والشوبك وابن الهنفري وابن صاحبة طبرية ومقدم الديوية وصاحب جبيل ومقدم الأسبتار.
    قال ابن شداد: ولقد حكي لي من أثق به أنه رأى بحوران شخصا واحدا معه نيف وثلاثون أسيرا قد ربطهم بوتد خيمة لما وقع عليهم من الخذلان.
    وأما أرناط فان صلاح الدين كان قد نذر أنه إن ظفر به قتله وذلك لأنه كان قد عبر به عند الشوبك قوم من مصر في حال الصلح فغدر بهم وقتلهم فناشدوه الصلح الذي بينه وبين المسلمين فقال ما يتضمن الاستخفاف بالنبي (صلى الله عليه وسلم) وبلغ السلطان فحملته حميته ودينه على أن يهدر دمه
    .


    من مواقف صلاح الدين



    لما فتح الله تعالى عليه بنصره في حطين جلس صلاح الدين في دهليز الخيمة لأنها لم تكن نصبت بعد وعرضت عليه الأسارى وسار الناس يتقربون إليه بمن في أيديهم منهم وهو فرح بما فتح الله تعالى على يده للمسلمين ونصبت له الخيمة فجلس فيها شاكرا لله تعالى على ما أنعم به عليه واستحضر الملك جفري وأخاه و أرناط وناول السلطان جفري شربة من جلاب وثلج فشرب منها وكان على أشد حال من العطش ثم ناولها لأرناط وقال السلطان للترجمان قل للملك أنت الذي سقيته وإلا أنا فما سقيته وكان من جميل عادة العرب وكريم أخلاقهم أن الأسير إذا أكل أو شرب من مال من أسره أمن فقصد السلطان بقوله ذلك ثم أمر بمسيرهم إلى موضع عينه لهم فمضوا بهم إليه فأكلوا شيئا ثم عادوا بهم ولم يبق عنده سوى بعض الخدم فاستحضرهم وأقعد الملك في دهليز الخيمة.
    وأحضر صلاح الدين أرناط وأوقفه بين يديه وقال له: ها أنا أنتصر لمحمد منك ثم عرض عليه الإسلام فلم يفعل فسل سيفه فضربه بها فحل كتفه وتمم قتله من حضر وأخرجت جثته ورميت على باب الخيمة،فلما رآه الملك على تلك الحال لم يشك في أنه يلحقه به فاستحضره وطيب قلبه وقال له لم تجر عادة الملوك أن يقتلوا الملوك وأما هذا فإنه تجاوز الحد وتجرأ على الأنبياء صلوات الله عليهم وبات الناس في تلك الليلة على أتم سرور ترتفع أصواتهم بحمد الله وشكره وتهليله وتكبيره حتى طلع الفجر ثم نزل السلطان على طبرية يوم الأحد الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر وتسلم قلعتها في ذلك النهار وأقام عليها إلى يوم الثلاثاء





    تحرير عكا وما حولها




    ورحل صلاح الدين طالبا عكا فكان نزوله عليها يوم الأربعاء وقاتل الصليبيين بها بكرة يوم الخميس مستهل جمادى الأولى سنة 583هـ فأخذها واستنقذ من كان بها من أسارى المسلمين وكانوا أكثر من أربعة آلاف نفس واستولى على ما فيها من الأموال والذخائر والبضائع لأنها كانت مظنة التجار وتفرقت العساكر في بلاد الساحل يأخذون الحصون والقلاع والأماكن المنيعة فأخذوا نابلس وحيفا وقيسارية وصفورية والناصرة وكان ذلك لخلوها من الرجال لأن القتل والأسر أفنى كثيرا منهم ولما استقرت قواعد عكا وقسم أموالها وأساراها سار يطلب تبنين فنزل عليها يوم الأحد حادي عشر جمادى الأولى وهي قلعة منيعة فنصب عليها المناجيق وضيق بالزحف خناق من فيها، فقاتلوا قتالا شديدا ونصره الله سبحانه عليهم فتسلمها منهم يوم الأحد ثامن عشرة عنوة وأسر من بقي فيها بعد القتل ثم رحل عنها إلى صيدا فنزل عليها وتسلمها في غد يوم نزوله عليها وهو يوم الأربعاء العشرون من جمادى الأولى وأقام عليها ريثما قرر قواعدها وسار حتى أتى بيروت فنازلها ليلة الخميس الثاني والعشرين من جمادى الأولى وركب عليها المجانيق وداوم الزحف والقتال حتى أخذها في يوم الخميس التاسع والعشرين من الشهر المذكور وتسلم أصحابه جبيل وهو على بيروت، ولما فرغ من هذا الجانب رأى أن قصده عسقلان أولى لأنها أيسر من صور فأتى عسقلان ونزل عليها يوم الأحد السادس عشر من جمادى الآخرة من السنة وتسلم في طريقه إليها مواضع كثيرة كالرملة والداروم وأقام في عسقلان المناجيق وقاتلها قتالا شديدا وتسلمها في يوم السبت نهاية جمادى الآخرة من السنة وأقام عليها إلى أن تسلم أصحابه غزة وبيت جبريوالنطرون بغير قتال وكان بين فتح عسقلان وأخذ الإفرنج لها من المسلمين خمس وثلاثون سنة فإنهم كانوا أخذوها من المسلمين في السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة 548هـ
    .


    تحرير القدس



    لما تسلم صلاح الدين عسقلان والأماكن المحيطة بالقدس شمر عن ساق الجد والاجتهاد في قصد القدس المبارك واجتمعت إليه العساكر التي كانت متفرقة في الساحل فسار نحوه معتمدا على الله تعالى مفوضا أمره إليه منتهزا الفرصة في فتح باب الخير الذي حث على انتهازه بقوله من فتح له باب خير فلينتهزه فإنه لا يعلم متى يغلق دونه وكان نزوله عليه في يوم الأحد الخامس عشر من رجب سنة 583هـ وكان نزوله بالجانب الغربي وكان معه من كان مشحونا بالمقاتلة من الخيالة والرجالة وحزر أهل الخبرة ممن كان معه من كان فيه من المقاتلة فكانوا يزيدون على ستين ألفا خارجا عن النساء والصبيان ثم انتقل لمصلحة رآها إلى الجانب الشمالي في يوم الجمعة العشرين من رجب ونصب المناجيق وضايق البلد بالزحف والقتال حتى أخذ النقب في السور مما يلي وادي جهنم ولما رأى أعداء الله الصليبيون ما نزل بهم من الأمر الذي لا مدفع له عنهم وظهرت لهم إمارات فتح المدينة وظهور المسلمين عليهم وكان قد اشتد روعهم لما جرى على أبطالهم وحماتهم من القتل والأسر وعلى حصونهم من التخريب والهدم وتحققوا أنهم صائرون إلى ما صار أولئك إليه فاستكانوا وأخلدوا إلى طلب الأمان واستقرت الأمور بالمراسلة من الطائفتين وكان تسلمه في يوم الجمعة السابع والعشرين من رجب وليلته كانت ليلة المعراج المنصوص عليها في القرآن الكريم فانظر إلى هذا الاتفاق العجيب كيف يسر الله تعالى عوده إلى المسلمين في مثل زمان الإسراء بنبيهم وهذه علامة قبول هذه الطاعة من الله تعالى وكان فتحه عظيما شهده من أهل العلم خلق ومن أرباب الخرق والزهد عالم وذلك أن الناس لما بلغهم ما يسره الله تعالى على يده من فتوح الساحل وقصده القدس قصده العلماء من مصر والشام بحيث لم يتخلف أحد منهم وارتفعت الأصوات بالضجيج بالدعاء والتهليل والتكبير وصليت فيه الجمعة يوم فتحه وخطب القاضي محيي الدين محمد بن علي المعروف بابن الزكي
    .


    أواخر أيامه




    بعد الصلح سنة 588هـ توجه السلطان إلى القدس ليتفقد أحوالها وتوجه أخوه الملك العادل إلى الكرك وابنه الملك الظاهر إلى حلب وابنه الأفضل إلى دمشق وأقام السلطان بالقدس يقطع الناس ويعطيهم دستورا ويتأهب للمسير إلى الديار المصرية وانقطع شوقه عن الحج ولم يزل كذلك إلى أن صح عنده مسير مركب الانكتار متوجها إلى بلاده في مستهل شوال فعند ذلك قوي عزمه أن يدخل الساحل جريدة يتفقد القلاع البحرية إلى بانياس ويدخل دمشق ويقيم بها أياما قلائل ويعود إلى القدس ومنه إلى الديار المصرية.
    قال ابن شداد: وأمرني صلاح الدين بالمقام في القدس إلى حين عوده لعمارة مارستان أنشأه به وتكميل المدرسة التي أنشأها فيه وسار منه ضاحي نهار الخميس السادس من شوال سنة ثمان وثمانين وخمسمائة ولما فرغ من افتقاد أحوال القلاع وإزاحة خللها دخل دمشق بكرة الأربعاء سادس عشر شوال وفيها أولاده الملك الأفضل والملك الظاهر والملك الظافر مظفر الدين الخضر المعروف بالمشعر وأولاده الصغار وكان يحب البلد ويؤثر الإقامة فيه على سائر البلاد وجلس للناس في بكرة يوم الخميس السابع والعشرين منه وحضروا عندهم وبلوا شوقهم منه وأنشده الشعراء ولم يتخلف أحد عنه من الخواص والعوام وأقام ينشر جناح عدله ويهطل سحاب إنعامه وفضله ويكشف مظالم الرعايا فلما كان يوم الاثنين مستهل ذي القعدة عمل الملك الأفضل دعوة للملك الظاهر لأنه لما وصل إلى دمشق وبلغه حركة السلطان أقام بها ليتملى بالنظر إليه ثانيا وكأن نفسه كانت قد أحست بدنو أجله فودعه في تلك الدفعة مرارا متعددة ولما عمل الملك الأفضل الدعوة أظهر فيها من الهمم العالية ما يليق بهمته وكأنه أراد بذلك مجازاته ما خدمه به حين وصلإلى بلده وحضر الدعوة المذكورة أرباب الدنيا والآخرة وسأل السلطان الحضور فحضر جبرا لقلبه وكان يوما مشهودا على ما بلغني.
    ولما تصفح الملك العادل أحوال الكرك وأصلح ما قصد إصلاحه فيه سار قاصدا إلى البلاد الفراتية فوصل إلى دمشق في يوم الأربعاء سابع عشر ذي القعدة وخرج السلطان إلى لقائه وأقام يتصيد حوالي غباغب إلى الكسوة حتى لقيه وسارا جميعا يتصيدان وكان دخولهما إلى دمشق آخر نهار يوم الأحد حادي عشر ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأقام السلطان بدمشق يتصيد هو وأخوه وأولاده ويتفرجون في أراضي دمشق ومواطن الصبا وكأنه وجد راحة مما كان به من ملازمة التعب والنصب وسهر الليل وكان ذلك كالوداع لأولاده ومراتع نزهه ونسي عزمه إلى مصر وعرضت له أمور أخر وعزمات غير ما تقدم.




    وفاة صلاح الدين




    قال ابن شداد: وصلني كتاب صلاح الدين إلى القدس يستدعيني لخدمته وكان شتاء شديدا ووحلا عظيما فخرجت من القدس في يوم الجمعة الثالث والعشرين من المحرم سنة 589هـ وكان الوصول إلى دمشق في يوم الثلاثاء ثاني عشر صفر من السنة وركب السلطان لملتقى الحاج يوم الجمعة خامس عشر صفر وكان ذلك آخر ركوبه، ولما كان ليلة السبت وجد كسلا عظيما وما تنصف الليل حتى غشيته حمى صفراوية وكانت في باطنه أكثر منها في ظاهره وأصبح يوم السبت متكاسلا عليه أثر الحمى ولم يظهر ذلك للناس لكن حضرت عنده أنا والقاضي الفاضل ودخل ولده الملك الأفضل وطال جلوسنا عنده وأخذ يشكو قلقه في الليل وطاب له الحديث إلى قريب الظهر ثم انصرفنا وقلوبنا عنده فتقدم إلينا بالحضور على الطعام في خدمة ولده الملك الأفضل ولم تكن للقاضي الفاضل في ذلك عادة فانصرف ودخلت إلى الإيوان القبلي وقد مد السماط وابنه الملك الأفضل قد جلس في موضعه فانصرفت وما كانت لي قوة في الجلوس استيحاشا له وبكى في ذلك اليوم جماعة تفاؤلا لجلوس ولده في موضعه ثم أخذ المرض يتزيد من حينئذ ونحن نلازم التردد طرفي النهار وندخل إليه أنا والقاضي الفاضل في النهار مرارا وكان مرضه في رأسه وكان من إمارات انتهاء العمر غيبة طبيبه الذي كان قد عرف مزاجه سفرا وحضرا ورأى الأطباء فصده ففصدوه فاشتد مرضه وقلت رطوبات بدنه وكان يغلب عليه اليبس ولم يزل المرض يتزايد حتى انتهى إلى غاية الضعف واشتد مرضه في السادس والسابع والثامن ولم يزل يتزايد ويغيب ذهنه ولما كان التاسع حدثت له غشية وامتنع من تناول المشروب واشتد الخوف في البلد وخاف الناس ونقلوا أقمشتهم من الأسواق وعلا الناس من الكآبة والحزن ما لا تمكن حكايته ولما كان العاشر من مرضه حقن دفعتين وحصل من الحقن بعض الراحة وفرح الناس بذلك ثم اشتد مرضه وأيس منه الأطباء ثم شرع الملك الأفضل في تحليف الناس، ثم إنه توفي بعد صلاة الصبح من يوم الأربعاء السابع والعشرين من صفر سنة 589هـ وكان يوم موته يوما لم يصب الإسلام والمسلمون بمثله منذ فقد الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم وغشي القلعة والملك والدنيا وحشة لا يعلمها إلا الله تعالى وبالله لقد كنت أسمع من الناس أنهم يتمنون فداء من يعز عليهم بنفوسهم وكنت أتوهم أن هذا الحديث على ضرب من التجوز والترخص إلى ذلك اليوم فإني علمت من نفسي ومن غيري أنه لو قبل الفداء لفدي بالأنفس.
    ثم جلس ولده الملك الأفضل للعزاء وغسله، وأخرج بعد صلاة الظهر رحمه الله في تابوت مسجى بثوب فوط فارتفعت الأصوات عند مشاهدته وعظم الضجيج وأخذ الناس في البكاء والعويل وصلوا عليه أرسالا ثم أعيد إلى الدار التي في البستان وهي التي كان متمارضا بها ودفن في الصفة الغربية منها وكان نزوله في حفرته قريبا من صلاة العصر
    هتــــــــــــلر



    ( 1889–1945)
    دكتاتور حكم ألمانيا من سنة 1933 حتى سنة 1945 حول بلده إلى آلة عسكرية جبارة وتسبب في اندلاع الحرب العالمية الثانية في سنة 1939 احتلت قوات هتلر معظم أوروبا قبل هزيمتها في سنة 1945 . نشر الموت كما لم يفعل من قبله بشر في التاريخ الحديث إذ أمر بإعدام عشرات الآلاف من معارضيه كما كان لا أخلاقيا ويؤمن بأن القوي يفوز على الدوام وأن الهزيمة مكتوبة على الضعيف وكان يؤمن بضرورة إبادة الأجناس العرقية التي اعتبرها متدنية ومنها الساميون والزنوج والسلاف وقد اباد الملايين من أبناء تلك الشعوب وكان من بينهم اليهود واستغل اليهود ذلك لتصوير هتلر وكأنما كان عدوا لليهود وحدهم وذلك لكسب تعاطف العالم معهم . أصبح زعيم النازي وكون حزبه بسرعة وكان الحزب النازي محظورا في البداية ولكنه تحول إلى أقوى أحزاب ألمانيا بحلول سنة 1932 . وفي سنة 1933 أصبح هتلر مستشارا لألمانيا فبدأ تحضير بلاده للحرب وأصبح سيد ألمانيا المطلق وفي سنة 1936 دخلت قواته الراينلاند ثم غزت النمسا في سنة 1938 .



    وفي سنة 1933 أصبح هتلر مستشارا لألمانيا فبدأ تحضير بلاده للحرب وأصبح سيد ألمانيا المطلق وفي سنة 1936 دخلت قواته الراينلاند ثم غزت النمسا في سنة 1938 . وكانت بولندا فريسة هتلر التالية ولكن بريطانيا فرنسا تعهدتا بضمان استقلالها وفي سنة 1939 قامت ألمانيا بغزو بولندا فأعلنت فرنسا وانجلترا الحرب عليها وكانت الغلبة لجيوش هتلر في اول الأمر إذ تمكنت من احتلال فرنسا فاضطرت بريطانيا إلى الوقوف في وجهه بمفردها وتحولت دفة الحرب بعد مقاومة الروس في ستالينجراد ودخول أمريكا الحرب وضع ما بين 1924 وعام 1926 كتاب (كفاحي) الذي اعتبر في ما إنجيل النازيين ..

    أدت سياسته الخارجية التوسعية الى نشوب الحرب العالمية الثانية وقد أحرز في مستهلها انتصارات ساحقة فاحتلت قواته بولندا ونرويج والدانمارك وهولندا وبلجيكا وفرنسا حتى إذا هاجم الاتحاد السوفيتي وخسر معركة (ستالينجراد) عام (1943) توالت عليه الهزائم انتحر في 30 ابريل 1945 أثناء حصرا برلين بعد أن تزوج من إيفا براون ففي سنة 1945 دخل الحلفاء إلى قلب ألمانيا وتحول هتلر إلى حطام فانتحر في مخبئه الذي أقامه تحت مبنى مستشارية الرايخ
     
    مســـــــاجد وتاريخ





    من المساجد التي أثرت في شعبنا الأصيل من حيث التعليم والدراسة ومن حفظ القران والكثير من العلوم والتي أثرت فينا كشخصيات مسلمة ما لا يعد و لا يحصي بل إن بعض هذه المساجد تعتبر من العلامات التاريخية للبلد ولا أحد يستطيع أن ينكر فضل هذه المساجد ، ولكن كثير منا ما لا يعرف تاريخ هذه المساجد ولا نبذة صغيرة عنها ، فاسمحوا لي أن القي بعض الضوء علي بعض هذه المساجد و ارجوا أن لا يكون الموضوع مملا



     
    الأزهر الشريف








    يعد جامع الأزهر أول عمل معماري أقامه الفاطميون في مصر، وأول مسجد أنشئ في مدينة القاهرة التي أسسها جوهر الصقلي لتكون عاصمة للدولة الفاطمية، وقد بدأ جوهر في إنشائه في (24 من جمادى الأولى 359 هـ = 4 من إبري970م)، ولما تم بناؤه افتتح للصلاة في (7 من رمضان 361 هـ = 22 من يونيو 971م).
    ولم يكن يُعرف منذ إنشائه بالجامع الأزهر، وإنما أطلق عليه اسم جامع القاهرة، وظلت هذه التسمية غالبة عليه معظم سنوات الحكم الفاطمي، ثم توارى هذا الاسم واستأثر اسم الأزهر بالمسجد فأصبح يعرف بالجامع الأزهر، وظلت هذه التسمية إلى وقتنا الحاضر، وغدا من أشهر المؤسسات الإسلامية على وجه الأرض.
    ويردد المؤرخون أسبابا مختلفة لإطلاق اسم الأزهر على جامع الفاطميين الأول في مصر، ولعل أقواها وأقربها إلى الصواب أن لفظة الأزهر مشتقة من الزهراء لقب السيدة فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، التي كانت الدولة الفاطمية تنتسب إليها، ومن ثم أطلق على جامع القاهرة اسم الأزهر؛ تيمنًا باسم السيدة فاطمة الزهراء



     
    جامع عمرو بن العاص




    بعد الفتح الإسلامي لمصر في غرة المحرم سنة 20 هجرية الموافق 8 نوفمبر 641 ميلادية أسس الفاتح الكبير "عمرو بن العاص" مدينة الفسطاط لتكون أول عاصمة إسلامية لمصر، وعندما أرسل له الخليفة "عمر بن الخطاب" - رضى الله عنه - ليبني مسجداً لإقامة شعائر صلاة الجمعة بني "عمرو بن العاص" هذا المسجد الذي سمي باسمه حتى الآن، وكان يعرف أيضاً بمسجد النصر ... والمسجد العتيق ... وتاج الجوامع، فكان بذلك أول مسجد في مصر وإفريقيا والرابع في الإسلام بعد مساجد المدينة (بناه الرسول - صلى الله عليه وسلَّم - في العام الهجري الأول) والبصرة (بناه عقبة بن غزوان - رضى الله عنه - عام 14هـ / 635م) والكوفة (بناه سعد بن أبي وقاص - رضى الله عنه عام 17هـ / 638م)
    أنشئ هذا المسجد عام 21هـ / 642م علي أرض كانت حديقة تبرع بها "قيسبة بن كلثوم" وكان يشرف علي النيل، ومساحته وقت إنشائه 50 ذراعاً فى 30 ذراعاً وله ستة أبواب، وظل كذلك حتى عام 53هـ / 672م حيث توالت التوسعات فزاد من مساحته "مسلمة بن مخلد الأنصاري" والي مصر من قبل "معاوية بن أبي سيفان" وأقام فيه أربع مآذن، وتوالت الإصلاحات والتوسعات بعد ذلك علي يد من حكموا مصر حتى وصلت مساحته بعد عمليات التوسيع المستمرة نحو أربعة وعشرين ألف ذراع معماري، وهو الآن120 فى 110أمتار ( أي حوالي 13200 متر ) ويعتبر أقدم أثر إسلامي باق حتى الآن في مصر والقارة الإفريقية.




     
    جامع السلطان الناصر محمد بن قلاوون




    هذا الجامع قد شيده الملك الناصر محمد بن قلاوون فى سنة 718 هـ / 1318م .
    وكان قبل ذلك جامع دون هذا فهدمه السلطان وعمله جامعا ثم بناه هذا البناء فلما تم بناؤه جلس فيه واستدعي جميع مؤذني القاهرة ومصر وجميع القراء والخطباء وعرضوا بين يديه وسمع تأذينهم وخطابتهم وقراءتهم فاختار منهم عشرين مؤذنا رتبهم فيه وقرر فيه دراسة الفقه وجعل عليه أوقافا تكفيه وتفيض وصار من بعده الملوك يخرجون أيام الجمع إلى هذا الجامع ويحضر خاصة الأمراء . يمتاز هذا الجامع بمئذنتيه الفريدتين بالنسبة لباقي مآذن القاهرة والتى تقع أولاهما إلى اليسار من المدخل الرئيسي وهى مئذنة ذات بدن أسطواني الشكل غشيت قمتها ببلاطات من القاشاني عيها عبارة " لا إله إلا الله هو الحي القيوم " بكتابة بيضاء على أرضية زرقاء ، بينما تقع الثانية فى الزاوية الجنوبية الشرقية ،
    ويعتبر البعض هاتان المئذنتان الغريبتان والفريدتان فى مظهرهما والمختلفتان فيما بينهما شكلا وزخرفا من آثار التأثير المغولي الإيراني نتيجة للمعمار التبريزي الذى تخبرنا المصادر أنه حضر إلى القاهرة مع سفارة مملوكية عادت من عند الإلخان أبى سعيد سنة 735 هـ / 1335م وهو تاريخ التجديد الثاني للجامع
     
    تـوت عنخ آمـــون



    حكم الملك توت عنخ امون مصر في الفترة بين 1334 و 1325 ق.م ويعتبر هو الحاكم رقم 12 بين ملوك الأسرة الثامنة عشرة. وكان الملك يحمل اسما أخرا حين مولدا وهو توت عنخ أتون (الصورة الحية لأتون) .
    غير الملك توت عنخ امون اسمه في السنتين الأولى من حكمه إلي توت عنخ امون , و قضي الملك سنواته الأولى في العمارنة ربما في القصر الشمالي بل ربما بني لنفسه مقبرة أيضا هناك, عندما بلغ التاسعة من عمره تزوج من عنخ اس ان با أتون أخته نصف الشقيقة والتي اصبح اسمها فيما بعد عنخ اس ان با أمون, وكانت اكبر منه سنا وربما تزوجت من سمنخكارع قبل زواجها من توت عنخ امون. ويعتقد الباحثون أن توت عنخ امون انجب بنتين من زوجته ولم ينجب بنين.

    مات الملك توت عنخ امون في ديسمبر-يناير 1324 – 1323 ق م , ولان الملك مات في سن صغيرة ويري البعض انه لم يعاني من أية أمراض ولذا اعتقد ان الملك مات مقتولا !! ولكن من قتل الملك ؟



    البعض اتهم أي وزير الملك توت عنخ امون وخليفته علي العرش والذي تزوج من أرملة الملك , والبعض اتهم حور محب قائد الجيش الذي تعاون مع أي وتولي الحكم بعده وقد اغتصب بعض آثاره ومحا اسم الملك توت عنخ امون من عليها , وهناك البعض الآخر الذي يشير بأصابع الاتهام إلي أحد الموظفين الذين عاشوا في عهدي إخناتون وتوت عنخ امون ويدعي توتو أو دودو انه وضع السم في شراب الملك توت عنخ امون ولكن ليست هناك أدلة تثبت أو تنفي ذلك.

    والمعروف أن توتو هو صاحب المقبرة رقم 8 بالمقابر الجنوبية بتل العمارنة وحمل ألقابا هامة في عهد إخناتون مما يشير إلي وضعه الهام داخل قصر الملك إخناتون يبدو انه الشكوك دارت حوله بسبب إيمانه القوي بمبادئ إخناتون ودينه وغيظه من الملك توت عنخ امون الذي ارتد عن عقيدة أبيه ولكن أصحاب هذه النظرية غالبيتهم من دارسي التوراة .
    واختلفت الآراء حول الطريقة التي مات بها توت عنخ امون فرأي الفريق الإنجليزي بقيادة هاريسون ان الملك مات نتيجة جرح خلف الجسد ولكن هاريسون لم يقل أبدا ان الملك اغتيل , ورأي ثان يري أن الملك اغتيل نتيجة ضربة خلف الرأس وهو نائم وظل الملك ينزف واستطاع أن يعيش بعدها مدة شهرين ثم مات. أما بوب برايير فيري في كتابه "اغتيال توت عنخ امون" أن أي هو الذي قتل الملك وأصابه اسفل الوجه مما جعل الدم يتجلط في بقعة دائرية اسفل الوجه




    وقام بعض الباحثون الهولنديون في ليدن بدراسة ملابس الملك توت عنخ امون وأشاروا إلي احتمال إصابة الملك بمرض أدى إلي تراكمات دهنية مفرطة في منطقة الخصر, وأشاروا بان مقاسات الملابس تشير إلي وفاة الملك صغيرا بسبب مرض التخمة المفرطة حيث ان محيط الخصر كان يزيد 30 سم عن محيط الصدر. وفي عام 2002 عرضت القناة الخامسة البريطانية فيلما وثائقيا حاول فيه علماء بريطانيين ومن نيوزلندة إعادة تركيب وجه الملك باستخدام التقنية الرقمية , و اشار الفيلم إلي احتمالية إصابة توت عنخ امون بإصابة أثرت علي نخاعه الشوكي وأشار الدكتور ريتشارد بوير بالمركز الطبي بطب الأطفال بالولايات المتحدة إلي أن هناك اعوجاج غير طبيعي في العمود الفقري (ظهر ذلك في صور أشعة اكس لفحص عام 1968 ) مما سبب له صعوبة في الحركة.

    بعد موت الملك قام أي وزيره بالأعداد لجنازة الملك ولان الملك لم يكن له أية مقبرة فقد تنازل له عن المقبرة التي كانت معدة له , ولكنه هو الذي اشرف علي تحنيط جسد الملك وقد سلم الجسد إلي ورشة التحنيط. قام المحنطون بغسل الملك ثم ببدء إجراءات التحنيط ونزعوا المخ بعد أن كسروا العظمة المصفوية اعلي كوبري الأنف وصبوا داخل الجمجمة راتنج مغلي علي مرحلتين مرحلة كانت الرأس فيها مدلية للخلف حتى رسا الراتنج المغلي اعلي الرأس والمرحلة الثانية رسي فيها الراتنج في المنطقة الخلفية للرأس. وبعد ذلك ركز المحنطون كل تركيزهم علي استخراج الأحشاء من داخل الجسد فقام المحنطون بنزع الأحشاء من خلال فتحة التحنيط التي كانت أفقية من الجانب الأيسر ومتجهة إلى صرة البطن. ووجد دري أن طول فتحة توت عنخ أمون كانت 86 ملم.



    وعالجوا الأحشاء علي حدة , وبعد ذلك وضعوها في الأواني الكانوبية, وجففوا الجسد المدة المعروفة وهي أربعين يوما حتى جف الجسد من السوائل التي فيها.

    فأعادوا القلب إلي مكانه بعد معالجته ثم وضعوا التمائم وكانت حوالي 143 تميمة ثم قام المحنطون بلف الجسد باللفائف الكتانية وصبوا فوقها كميات كبيرة من الراتنج المغلي والتي حولت لون اللفائف إلي لون غامق.
    - فحصت مومياء توت عنخ امون أول مرة بعد اكتشاف مقبرته بالأقصر بحوالي ثلاث سنوات أي في 11 نوفمبر عام 1925 وقام به ( دوجلاس درى ) أستاذ التشريح بجامعة فؤاد الأول ( جامعة القاهرة حاليا ) وشاركه المصري( صالح بك حمدي ) مدير القومسيون الطبي بالإسكندرية .

    وعندما قام ( درى ) في الفحص الأول بعمله لاقى صعوبات كثيرة في استنتاج أية معلومات عن الملك بسبب استحالة تعريض الجسد لأشعة اكس لالتصاق جسم توت عنخ آمون بالتابوت بعد أن سكب عليه المحنطون كميات كبيرة من الراتنج الصمغي مما اثر على عظام وجلد الجسم وتحول لونه إلى الأسود المفحم نتيجة تفاعل نسيج الجلد مع هذا الراتنج .

    كما التصق القناع الذهبي بوجه وأكتاف الملك ووجد صعوبة كبيرة في تخليص الوجه بشتى الطرق مثل تعريضه لحرارة الشمس من اجل صهر الراتنج الصمغي أو تعريضه لحرارة النار !!وعندما لم تفلح هذه الطريقة لجأ هوارد كارتر ( مكتشف المقبرة ) و دوجلاس درى إلى ارتكاب خطأ فادح و هو محاولة نزع القناع بالقوة أي باستخدام أزميل ومطرقة مما أدى إلى تصدع وقطع أنسجة الوجه والصدر .وهناك خطأ ثاني ارتكبوه ألا وهو عدم اتباع الطريقة العلمية في فك لفائف المومياء التي كانت تحيط بجسد الملك وقد برروا خطئهم بقولهم انهم وجدوا صعوبة في فكها بطريقة منتظمة لأنها كانت في حالة سيئة و مهترئة وتتحلل بمجرد لمسها .وقد تلف الكتان لوجود رطوبة داخل التابوت نتجت من عدم جفاف الجسد بشكل جيد بعد عملية تحنيطه وقد اقترح مكتشف المقبرة تقويتها بشمع البرافين وعندما لم تنجح عملية التقوية قام المكتشف بعمل شق طولي لهذه اللفائف من اسفل القناع حتى القدمين بسمك بعض الملليمترات.

    وحالما انتهوا من فك اللفائف وجمع الحلي والتمائم ظهر أمامهم جسد الملك توت عنخ آمون بعد أن اختفى في ظلمات التاريخ فترة تزيد على الثلاثة آلاف عام وحصل المكتشف ( درى ) على بعض المعلومات نتيجة الفحص الوصفي وهى :-

    لون جسد الملك توت عنخ آمون غامق جدا بسبب تفاعل دهانات التحنيط مع أنسجة جلده وبدا الجلد متشققا في بعض الأجزاء.

    تفكك أجزاء الجسد بعد أن استخدموا العنف لتخليصه من التابوت وظهر هذا التفكك في انفصال الرأس والأطراف عن بقية هيكل الجسد .

    تفرطح عظمة الأنف وعيني الملك نصف مفتوحتين وبعض الرموش لا زالت موجودة .

    الأسنان بيضاء ناصعة وضرس العقل الثالث الأيمن تأكل و إصابة التسوس .

    أذنا الملك مثقوبة بثقب قطرة 12 ملم وفى التقرير الذي سجله كل من البريطاني دوجلاس درى والمصري صالح بك حمدي بعد ثمانية أيام من بدء الفحص ذكرا فيه صعوبة استخدام أشعة اكس التي أعاق عملها مادة الراتنجات والمشغولات الذهبية التي عثر عليها فوق الجسد وذكرا أيضا أن فتحة التحنيط في الناحية اليسرى من البطن ( والتي يستخرج عن طريقها أحشاء الجسد أثناء عملية التحنيط ) كان طولها حوالي 8.6 سم وان اليدين كانتا موضوعتين على الصدر في وضع متواز .ولم يخف المكتشف أخطاءه في فحص جسد الملك وذكرت في البيان الختامي لوزارة الأشغال العامة ( التي كان يتبعها مصلحة الآثار وقتئذ ) في 19 نوفمبر 1925.

    أكد كارتر أن مشكلة الرأس الملتصقة بالقناع كانت تتطلب مطرقة وأزميلا لتخليص الرأس وبعدها استخدمنا سكاكين حادة لإنجاح هذا الفرض وتم عمل هذا الفحص بمقبرة مجاورة لمقبرة الملك توت عنخ آمون والتي استخدمها مكتشف المقبرة كمعمل وورشة لإجراء الصيانة والترميم للقطع الأثرية وبعد انتهاء الفحص أعيد الجسد إلى مقبرته يوم 31 أكتوبر 1926 وسجلت مصلحة الآثار بيانا بذلك :-" بعد أن أعيد لف المومياء في كفنها ووضعها في التابوت أنزلت لحجرة دفنه بحضور كل من محمد شعبان أمين المتحف المصري ومحمود أفندي رشدي مفتش آثار الأقصر "

    2-وبعد قرابة ثلاث و أربعين سنه كان جسد توت عنخ آمون موجودا فيها داخل مقبرته التي تحمل رقم 62 بالبر الغربي بمدينة الأقصر أقصى جنوب مصر قام " رونالد هاريسون " أستاذ الباثولوجي بجامعة ليفربول وساعده كل من " كونوالى و فيليس ليك " بالفحص الثاني لجسد الملك في عام 1968 واستطاع هذا الفريق في استخدام أشعة اكس وحصلوا على حوالي خمس وسبعين صورة .ورغم انه لم تنشر أعمالهم علميا حتى الآن إلا أن الصور التي التقطوها تمثل أهمية في دراسة خصائص جسد الإنسان المصري القديم والحفاظ عليه والرؤية المبدئية لهذه الصور توضح الحالة المتردية لجسد الملك لفترة نصف قرن تفصل بين الفحصين وأيضا اختفاء أعضاء من جسم الملك

    3 - في عام 1978 استطاع طبيب الأسنان الأمريكي جيمس هاريس من جامعة ميتشجان الحصول علي تصريح لتصوير مومياء توت عنخ امون بأشعة اكس , وبرغم الغموض الذي نشأ حول حيثيات هذا الفحص إلا آن هاريس كان يهدف إلي تصوير جمجمة الملك وفمه وأسنانه لمحاولة إيجاد وتخيل شكل الملك عندما كان حيا.
     
    الملك فهد خادم الحرمين الشريفين






















     
    نبذة عن حياة الملك فهد بن عبد العزيز



    شهدت فترة حكم الملك فهد بن عبد العزيز تعزيز دور المملكة العربية السعودية على الصعيدين العربي والعالمي وتمتين تحالفها مع الغرب وبخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا، إضافة إلى مواجهتها المصاعب الاقتصادية الناجمة عن تدهور أسعار النفط وتعرض الوضع الأقليمي والداخلي لهزات كبرى.

    تقلد الملك فهد عرش المملكة العربية السعودية عام 1982 بعد أخيه الملك خالد، وربما كانت فترة حكمه أكثر الفترات صعوبة في تاريخ المملكة العربية السعودية منذ نشأتها في عام 1932.

    وقد بذل خلال الجزء الأكبر من فترة حكمه الكثير من الجهد لتدعيم قواعد الاستقرار والازدهار في المملكة.

    يذكر أنه أصيب بنوبة قلبية في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1995، وبقي منذ ذلك التاريخ على عرش المملكة، متحديا كل التكهنات بانتهاء فترة حكمه.

    ولد الملك فهد عام 1923، وحصل على قدر ضئيل من التعليم، لكنه تسلم في الخمسينات منصبا وزاريا. وكان أحد سبعة أبناء لمؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز آل سعود من زوجته المفضلة حصة بنت أحمد السديري.

    وقد حرص خلال فترة توليه وزارة التعليم لخمس سنوات على الدعوة لتعليم الفتيات.

    وبعد ذلك شكّل أثناء شغله منصب وزير الداخلية لـ 13 عاما بدأت عام 1962، قوات الأمن الخاصة لتعديل كفة الميزان مع القوات المسلحة والحرس الوطني، وبرز خلال هذه السنوات كشخصية رئيسية في المملكة، التي مثلها مرات عديدة في الخارج.

    وخلال فترة ولايته للعهد، كان فهد أحد مهندسي التحول الهائل للسعودية، من مملكة صحراوية بدائية - رغم ثرائها - إلى دولة معاصرة صناعيا وتجاريا.

    وظل الوضع كذلك خلال فترة حكمه بإكمال مشروعات اقتصادية منها على سبيل المثال مشروعا مجمعي الجبيل وينبع، بما فيهما من موانئ ومناطق صناعية، إضافة إلى برنامج "السعودة" الذي كان يهدف إلى تقليص الاعتماد على الخبرات المهنية والهندسية الأجنبية.

    إلا أن تحقيق تلك التطورات كان مرهونا لدخل قومي غير ثابت، فقد انخفضت أسعار النفط من مستوياتها العليا التي وصلت إليها في سنوات الازدهار في السبعينات. وتعرضت بذلك برامج الحكومة التي تهدف إلى توفير الدعم السخي والخدمات الاجتماعية الوفيرة إلى الانكماش في ظل برامج تقشف طبقت في بعض الفترات.

    وقد أنفق الملك فهد الملايين الكثيرة لدعم العراق في حربه مع إيران، ويعود ذلك جزئيا إلى القلق مما يعتقد أنه عزم إيراني لتصدير الثورة الإسلامية.

    كما عمل الملك فهد أيضا على تدعيم الإطار الإسلامي لحكومته، وأطلق على نفسه لقب خادم الحرمين الشريفين عام 1986.
    أعداء الداخل والخارج

    اثارت الثورة الإيرانية عام 1979 مخاوف من انتشار مدها إلى المملكة، مما حدا بالملك فهد إلى الوقوف إلى جانب الرئيس العراقي السابق صدام حسين في الحرب مع إيران ودعمه بأموال طائلة.

    لكن صدام حسين قرر، عام 1990، أي بعد نهاية الحرب بسنتين غزو الكويت، الأمر الذي اهتزت له أركان المملكة، وأشعل المخاوف من أن تكون طموحات بغداد الإقليمية لا تقتصر على الكويت فقط بل قد تتعداها إلى السعودية نفسها.

    وجاء رد الملك فهد بالقرار بدعوة قواة التحالف من الدول الحليفة العربية والغربية للتصدى للقوات الغازية, وتحرير الكويت

    تحديات سياسية واقتصادية

    وبعد حرب الخليج، استحدث الملك فهد المزيد من التغييرات. حيث تأسس بتوجيهاته مجلس للشورى،

    وكان على الملك فهد أن يوفر مع وزرائه التكاليف الباهظة للعملية العسكرية ضد العراق، وهو ما تزامن أيضا مع هبوط أسعار النفط.

    وعلى الرغم من أن اقتصاد المملكة كان عرضة للاهتزاز، إلا أن المملكة اتخذت عدة إجراءات لتجنيب البلاد أزمة اقتصادية.

    ومع ذلك فقد تسببت عمليات شراء الأسلحة بمليارات الدولارات في تقشف محدود خلال حكم الملك فهد.

    وتمكن حكمه من المحافظة على التوازن الصعب بين اتجاهات إصلاحية وأخرى تفرضها سطوة المؤسسة الدينية المحافظة، خصوصا أن حكم الملك فهد شهد أكثر التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية إثارة في العالم.


    خليفة متمرس

    وعلى الصعيد الصحي رافقت الملك فهد متاعب صحية طويلة الأمد فقد كان يعاني من داء السكري وأصيب بنوبة قلبية عام 1995، وبعد استراحة قصيرة استأنف بعض أعماله الرسمية مستخدما مقعدا متحركا.

    وقد أناط بولي عهده الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، رئيس الحرس الوطني، تسيير دفة الأمور اليومية والسياسات المهمة.

    ويحظى الأمير عبدالله باحترام واسع على الأصعدة الداخلية والعربية والدولية وهو متمرس في إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية وكان الحاكم الفعلي خلال السنوات الخمس الماضية.

    وقد عضد الأمير عبدالله علاقاته العربية والدولية ,الى جانب اكساب المملكة ثقلا دوليا,


    ,,,ختاما
    أقرؤ الفاتحة لأجله , وادعو له ان يتغمده الله برحمته الواسعة, ويسكنه فسيح جناته
    ......رحم الله خادم الحرمين الشريفين,,,
     
    تــــاريخ العراق




     
    سكان العراق القدماء



    يتفق المؤرخون على أن الإنسان العراقي القديم يقف وراء التطور الحضاري المشهود في العراق وهو صاحب رسالة التطور النوعي للمجتمع والانتقال التاريخي به من البدائية إلى الحضارة والمدنية لكنهم ينكرون عليه التطور اللاحق الذي ظهر في الآلف الرابع ق.م على الرغم من انهم لم يعثروا حتى الآن على موقع واحد في العالم يزامن المواقع الحضارية العراقية أو يبلغ ما بلغته من إبداع حضاري على أيدي سكانها من سومريين وأكديين وغيرهم من الأقوام التي سكنت بلاد وادي الرافدين في تلك الأزمنة المبكرة من التاريخ. لقد رفد سكان المناطق الشمالية الحضارة بعناصر مبتكرات لا تضاهي شأنهم شأن سكان المناطق الجنوبية. وبتبادل الخبرة وانصهار الأفكار ظهرت حضارة العراق ونمت وتطورت في العصور التاريخية. لاحظنا ان القرى الأولى ظهرت بجهود الإنسان العراقي وهو الذي طور أنماط الحياة فيها وابتكر حاجاتها الأساسية وهو الذي ابتكر الكتابة وادخل البشرية في ما يعرف بالعصور التاريخية أو عصر فجر التاريخ (3000 سنة ق.م) حيث تطورت قرى كثيرة إلى مدن شهدت ظهور أول أشكال السلطة (السلالات الحاكمة) أو عصر دويلات المدن السومرية مثل كيش والوركاء وأور ولكش وأوما. والملاحظ على معظم المدن الحضارية تركزها فيما حول نهر الفرات في القسم الأوسط والجنوبي من العراق. والراجح أن جريان الفرات في أرض مستوية، جانبها الغربي هضبي مرتفع، تنحدر باتجاه دجلة جعل حوضه أكثر ملاءمة للاستقرار البشري، إذ يمكن التحكم في فيضانه بتحويله عبر قنوات إلى دجلة فضلاً عن إمكانية إقامة المدن على الحافات المرتفعة غربي النهر. والذي يدقق في قوس المدن الأولى (أور وأريدو والوركاء ونفر) وان نهر الفرات يمثل خط الإمداد الدائم من شبه جزيرة العرب للإنسان العراقي الذي اضطلع بمعظم النتاجات الحضارية في وادي الرافدين يجد دعماً لهذه الفرضية، فهي بعيدة نسبياً عن مجرى النهر الحالي وربما ربطت بالنهر عن طريق قنوات توصل الماء وتسمح بالملاحة في آن واحد، على خلاف حوض دجلة حيث كانت سرعة الجريان وطغيان النهر على كلا الضفتين إضافة إلى تهديدات خارجية مثلتها القبائل الجبلية في المرتفعات الشرقية بخاصة، قد عقدت فرص استقرار حضاري فيه.




     
    تطور التاريخ في العراق



    ابتدأ النشاط البشري الملموس في بلاد وادي الرافدين في حدود (100-60) ألف سنة ق.م، حيث ظهرت اثار الجماعات الأولى من انسان نياندرتال في منطقة الرطبة وحوض صدام وكهف شنايدر. وتدل الاثار المكتشفة حتى الآن على اهتمامات الانسان، كما تحدد في الوقت نفسه طبيعة حياته ومصادرها، وابرزها (الالتقاط والصيد). وتدل اثار الحيوانات المتوحة التي عثر عليها في هذه المناطق وقرب مراكز استقراره على اصول الحيوانات التي دجنها الانسان فيما بعد. وتكشف البقايا العظيمة المكتشفة لانسان تلك الفترة عن اوجه الشبه بينها وبين المجموعة البشرية المعاصرة لها التي عاشت في فلسطين مما يدل على وجود علاقة بينهما. وعبر العصور الثلاثة التي اصطلح عليها المؤرخون (العصر الحجري القديم، والأوسط، والحديث) تطور نشاط الانسان الأول في العراق وبدأ انتقاله التاريخي من الالتقاط والصيد إلى الزراعة والتدجين وظهر اثر هذا في نضج كفاءة الاداء والعمل إذ بدأت مصنعاته من الالات تتنوع لتلائم شكل الانتاج وتتحسن من حيث المواد الأولية والمظهر الخارجي والكفاءة لتلائم حاجاته الاجتماعية والذوقية. وفي العقدين الأخيرين من الالف العاشر ظهرت القرى الزراعية التي كشفت طبقاتها الأولى عن نشاط زراعي حيواني منتظم وكشفت عن استقرار اجتماعي منفتح عرف مستوى من الترف.

    وهكذا ازدهر الاستقرار الاجتماعي في مئات القرى الزراعية. وتنوعت مصادر الانتاج والوسائل المستخدمة فيه، وعبر الاستقرار الاجتماعي عن نفسه في نضج مستمر في المستخدمات الاجتماعية على أن أبرز المبتكرات التي لها اهميتها الاجتماعية آنذاك والتاريخية هو (الفخار) الذي اصبح تطور صناعته وزخرفته وشكله مقياساً لتمييز حقب من التقدم في العصر الحجري الحديث وهو سمة تعكس التقدم الاجتماعي. وشاع استخدام المعادن وتطور النمط العمراني بتطور المباني وتطور تلوين الخرف وتطورت المعابد وتطور الفن واتسع انتشار مراكز الاستقرار الاجتماعي في وسط العراق ونموها السريع، وظهر الدولاب الذي يصنع به الفخار وبدأت الحضارة العراقية تأخذ طريقها إلى خارج العراق، وفي فجر التاريخ (3000 ق.م) تعززت مكانة المعبد ودوره الاجتماعي والاقتصادي الذي ارتبط بتطور القرى الزراعية الى مدن يتسع فيها التخصص الاجتماعي شمولاً ودقة، ويعبر ظهوره عن بداية نشوء المركز الذي يقود النظام الاجتماعي العام، وقد توج هذا التطور بابتكار الكتابة إذ عثر على أول نموذج لها بهيئة صورية تعود إلى سنة 3000 ق.م في الطبقة الرابعة من موقع مدينة الوركاء، وظهرت اثار هذا العصر وأبرزها الاختام الاسطوانية والكتابة في سوريا ومصر وعيلام وأواسط انضوليا. ويدل هذا الانتشار على الأثر المبكر للنشاط الحضاري في العراق في الأقوام المجاورة كما يعطي فكرة عن حجم التطور الذي شهده العراق وانتهى إلى ظهور أول اشكال السلطة وبداية عصر حضاري جديد.




     
    عصر فجر السلالات



    تبلور تطور المجتمع العراقي في الربع الاخير من الالف الرابع ق.م وبرزت فيه جماعتان رئيستان هما السومريون ومن اطلق عليهم الأكديون في عهود لاحقة. وعلى الرغم من تركز السوموريين في المدن الجنوبية مثل اريدو وأور في محافظة ذي قار والوركاء في محافظة المثنى، وتركز الأكديين في كيش في محافظة بابل وسبار في محافظة بغداد وبعض المواقع في محافظة الانبار فقد امتزجت كلتا الجماعتين وتفاعلتا في كل المدن العراقية القديمة. وربما كانت القيادة السياسية للاكديين ثم للسومريين ومن بعدهم للاكديين والسومريين مرة أخرى.

    وظهر الأموريون الوافدين عبر الفرات في العراق في الربع الأخير من الالف الثالث ق.م وتعاظم نفوذهم حتى تسنموا القيادة السياسية للبلاد في مطلع الالف الثاني ق.م وظهر التخصص الاجتماعي واضحاً في الانتاج، وظهر أيضاً الترابط العضوي بين انماط الانتاج والنظام الاجتماعي. وبعد اختراع السومريين الكتابة في حدود 3000 ق.م بداية للعصور التاريخية في العراق وقد رافق هذا التطور تطور اخر مهم، بل ربما كان أكثر أهمية، هو ظهور السلطة في شكل سلالات ظهرت كل منها في مدينة، ويظهر من دراسة جداول الملوك السومرية ان السلطة (الملوكية) نزلت من السماء إلى الأرض، أول مرة، في كيش قرب بابل غير انها اندثرت بفعل الطوفان الذي اكتسح الأراضي عدا رجل الطوفان. ثم عادت إلى الظهور ثانية بعد الطوفان في مدينة (كيش)، وعلى يد ملوك هذه السلالة تحققت الوحدة الداخلية في العراق في عصر مبكر (2800 ق.م) بحدوده الحالية تقريباً. ومن السلالات السومرية المشهورة سلالة الوركاء الأولى وملكها الخامس كلكامش (2700 ق.م). وقد خلدت السلالة وملكها في الملحمة البابلية المشهورة (ملحمة كلكامش). ومن السلالات السومرية الاخرى سلالة أور الأولى (2650 ق.م). وتكشفت اثار هذه المدينة عن تقدم الفنون والثقافة، فمن هذه المدينة وصلت إلينا القيثارة المشهورة، كما تطور استخدام العربة وادخلت في الأغراض العسكرية فضلاً عن الزراعة والنقل، واخر سلالات هذا العصر سلالتا لكش وأوما (2550). ويعد الملك أور وامكينا صاحب اصلاح اجتماعي قانوني في العالم وهو الذي وضع أسس التشريعات القانونية التي ظهرت بعد هذا التاريخ، والى ملك أوما لوكال زاكيزي ترجع الجهود الأولى لتوحيد دويلات بلاد سومر وربما الأرض الواقعة بين الخليج العربي والبحر المتوسط إذ يذكر في كتاباته انه وصل من "البحر السفلي إلى البحر العلوي" وتلقب بلقب ملك سومر. جاء التطور الكبير على يد سرجون الأكدي (2371-2316ق.م) الذي انتزع السلطة من السومريين في مدينة (كيش) واستطاع بعد فترة قصيرة توحيد دويلات المدن السومرية. وبجهود لاحقة شملت دولته الخليج العربي والأراضي العربية حتى البحر المتوسط وشمالي العراق، حيث كانت مدينة أشور تحتل احد المراكز الإدارية، الأكدية المهمة، وشمالي سوريا وبلاد عيلام في الشرق وحارب القوام التي هددت حدودها ومصالحها في أسيا الصغرى ومنطقة (اوان) فظهرت بذلك أول دولة مركزية تضم أراضي واسعة من الوطن العربي وهي المحاولة الأولى للوحدة التي تمت بقيادة العراق.

    وأضيف إليها مناطق أخرى من الوطن العربي أبان حكم حفيده نرام – سين (2291-2255 ق.م) وبقيت تلك الإمبراطورية مزدهرة إلى ان استولى عليها الكوتيون (عقاب الجبل) الذين دام احتلالهم قرابة مائة عام (2211-2120ق.م) وكانت من احلك فترات التاريخ لما أصاب البلاد من خراب ودمار على أيديهم.




     
    العصر البابلي القديم



    أعقب نهاية سلالة اور الثالثة (2006 ق.م) قيام عصر جديد في العراق عرف بالعصر البابلي القديم نسبة إلى مدينة بابل، وكون الأموريون قوام هذا العصر بعد ما ظهروا قوة بشرية وسياسية قوية في وسط العراق وجنوبيه. والظاهر ان دور الأموريون الاجتماعي وتزايد اعدادهم بعد التحاق بقاياهم في الجزيرة العربية بهم كانا عاملين اساسين في نجاحهم في تاسيس عصر جديد بعد ان عاشوا منذ الالف الثالث ق.م جزءاً من مجتمع العراق القديم إلى جانب السوموريين والأكديين، ظهر الأموريون أول الأمر سلالات متفرقة ابرزها سلالتا ايسن ولارسا.

    أسس سلالة ايسن اشبي ابرا الأموري (2017-1985ق.م) وبدأ حكمه بتأديب العبيلاميين في غربي إيران حالياً في معركة لم يفكروا بعدها في الأعتداء على العراق، وازدهرت في عهد هذه السلالة الثقافة العراقية القديمة (السومرية) وتطور التشريع الذي اظهر عناية خاصة بأستخدام عناصر الانتاج وادواته ووسائله ورعاية الأسرة. كما ظهر أول مرة دور لسكان المدن من خلال مجالس الشعب مما يشير إلى تطور في شكل السلطة وجوهرها.

    أما سلالة لارسا فقد أسسها الملك الأموري نبلاتم (2005-2025ق.م) وقد واجهت هي الأخرى الخطر العيلامي القادم من الشرق ثم ظهرت السلالة الثالثة في بابل على يد سومو-ايم (1894ق.م) الأموري زعيم احدى القبائل الأمورية التي التحقت في عصر لاحق باصولها الأمورية القديمة في العراق، واتخذت بابل عاصمة لها.

    كما ظهرت مملكة اخرى عرفت بمملكة (اشنونة) التي قادت عدة مدن مثل تل حرمان وخفاجي وتلول الضباعي وشجالي واسمر، وازدهرت المعرفة في هذه المملكة كالعلوم والرياضيات، والقوانين أيضاً خصوصاً تلك التي تتعلق بتحديد أسعار البضائع الأساسية فضلاً عن أمور المجتمع. ومن بين هذه السلالات كان الازدهار السياسي من نصيب سلالة بابل الأولى التي اتجهت في عصر ملكها السادس حمورابي (1793-1751 ق.م) إلى توحيد العراق في إطار سلطة مركزية واحدة واخضاع الملوك المعاصرين كافة.

    اتجه حمورابي إلى العناية بالنواحي الإدارية والاجتماعية والثقافية فاتبع نظاماً مركزياً في الإداارة ربط بموجبه حكام المناطق به وفصل في سلطاتهم بين السلطة الدينية والسلطة الدنيوية وحول وظائفهم إلى وظائف إدارية، واهتم بالبريد وسرعة وصوله بين العاصمة والمدن الأخرى، ونظم المعابد وحدد صلاحيات الكهنة وألغى محاكمهم وانشأ المدارس إضافة إلى دور العلم والمعرفة في المعابد، وبدأت أول مرة حركة العناية بتراث العراق القديم وتدوينه واعاد كتابة الملاحم السومرية.

    واهتم بالجيش واتبع نظام التجنيد الاجباري وسن قانوناً موحداً للبلاد يبدو انه اعتمد التشريعات القديمة ولكن برؤية عصره ويهدف إل توحيد المجتمع وتعزيز هيمنة الدولة.

    تعرضت الدولة البابلية لأقوام غازية، فقد واجهت في آن واحد ضعف الملوك الذين جاءوا بعد حمورابي وانقسام الدولة إلى مملكتين ضمت الأولى جنوبي العراق والخليج وعرفت بمملكة القطر البحري اوسلالة بابل الثانية بقيادة ايلوم. وثارت مدن لارسا واور والوركاء وواجهت الدولة البابلية اخطاراً خارجية تمثلت بالغزو الحثي والغزو الكشي والغزو الخوري وقد استولى الحثيون على بابل ولم يبقو فيها طويلاً إذ سرعان ما تركوها للكشيين. كما غزا الخوريون منطقة كركوك واحتلوها زهاء قرن من الزمن. يتسم العصر البابلي بقوة السلطة المركزية وانفصالها عن المعبد إذ اختص الملك ومعاونوه بشؤون المجتمع. وظهرت مجالس المدن التي اختصت بالقضايا الكبرى فضلاً عن المشاركة في الحكم، وتطورت تنظيمات الجيش وكان الملك يرأس الجيش المؤلف من المجندين إضافة إلى الجيش الثابت. وتورت مكانة المرأة فشاركت في الجيش ومارست التجارة ومختلف المهن الأخرى. ويتسم هذا العصر أيضاً بظهور القوانين، موحدة وشاملة، ويعكس الحرص على اعطائها طابعاً مقدساً اهميتها في تنظيم المجتمع وسيادة العدل الاجتماعي في الدولة وفي نشوء النظام العام المعبر عن وحدة المجتمع في الوقت نفسه.

    وتتجلى قيمة العصر البابلي بعاصمة بابل ذات الموقع الوسط بين مراكز تجارية وزراعية متعددة. واهتم البابليون بالري، وازدهرت الثقافة والأدب والفنون، فإلى هذا العصر تعود أقدم نسخة من ملحمة كلكامش وقصة الطوفان وقصة الخليفة البابلية وتعطي منحوتات العصر فكرة عن النحت الذي اتسم بالواقعية.


     
    الاحتلال الكشي


    تعرض العراق للاحتلال الكشي (1595-1157ق.م) وهم قوم اجانب من أواسط جبال زاجروس تغلغلوا في المجتمع البابلي وساتغلوا فرصة سقوط بابل على يد الحثيين (1595ق.م) فغزوا الدولة واتخذوا من (دور كوريكا لزو) عاصمة لهم. وكانت لهم صلات بمصر واتسم عصرهم باستخدام الحصان في النقل والعربات في الحروب لذلك اهتموا بالخيل وانسابها. وواجهوا غزو العيلاميين وتهديدات الاشوريين معاً إلى ان استطاع العيلاميون القضاء على الحكم الكشي في حدود (1157 ق.م) ودموروا بابل ومدناً عراقية أخرى وسلبوا ممتلكاتها بما في ذلك مسلة النصر ومسلة حمورابي أيضاً وتمثال مردوخ كبير الالهة البابلية.


     
    النضال ضد الاحتلال


    اتجه البابليون إلى الأدب واحياء التراث واستثارة الهمم والتجارة عندما خضع المجتمع للاحتلال. والراجح انهم افادوا من ذلك في تعزيز قدراتهم ثم القيام بالثورة بقيادة زعيم من مدينة ايسن اسمه (مردوخ-كابت-اخبشو) وطرد الحامية العيلامية واقامة سلالة وطنية في ايسن (1156-1025ق.م) ومن أبرز ملوكها نبوخذ نصر الأول (1124-1103 ق.م) الذي اعاد ثقة الشعب بنفسه ورفع هيبة الحكم ووجه جهوده إلى محاربة العيلاميين فباغتهم في شهر تموز القائظ إذ لم يكونوا يتوقعون ذلك والحق بهم هزيمة كبيرة.وكان العصر الذي تلا نبوخذ نصر يحفل بالمتغيرات. فالاشوريون ظهروا قوة مؤثرة في شمالي وادي الرافدين في 1200 ق.م وازدادت في الوقت نفسه اعداد القبائل الأرامية في بلاد بابل وازدادت ضغوطها السياسية. وعندما نجح الاراميون في انتزاع السلطة في بابل كان واضحاً ان فترة من الصراع لحسم مسألة قيادة العراق قد بدأت.


     
    الأشوريون



    استوطن الآشوريون القسم الشمالي من العراق الذي عرف في النصوص المسمارية بـ"بلاد أشور". وهو كبقية أقسام العراق شهد حياة إنسان العصر الحجري القديم في وقت مبكر قبل قسمه الجنوبي، ونشأت أيضاً القرى الزراعية في العصر الحجري الحديث، غير أن طبيعة المنطقة في مناخها وتضاريسها ساعدت على بقاء الجماعات البشرية مبعثرة وظهر اثر التطور الحضاري في جنوب العراق واضحاً في بلاد اشور خصوصاً بعد ما أصبحوا جزءاً منها سياسياً وثقافياً منذ زمن لوكالة زاكيزي وسرجون الاكدي. وواجهت بلاد أشور الأخطار التي واجهها السومريون والاكديون وانضوت المنطقة ثانية في الوحدة التي حققها حمورابي، واسهم عنف التحديات المحيطة ببلاد أشور من الشمال والشرق في خلق مجتمع يعلق أهمية على الروح الحربية التي منحت المجتمع قادة عسكريين عظاماً في فترة بروز الاشوريين (1521-911 ق.م) احدى القوى الرئيسة في المنطقة إلى جانب الكشيين والمصريين بعد سقوط بابل دون ان ينسوا دورهم في توحيد بلاد وادي الرافدين والدفاع عنها من القوى المحتلة او التي تسعى إلى احتلالها، وقد عززت هذه الوحدة التمازج البشري في العراق وعممت المبتكرات الحضارية.
    وفي الحقبة اللاحقة (911-612 ق.م) ازدهر تاريخ الشوريين السياسي والثقافي والاقتصادي وظهرت علي مسرح الأحداث أول إمبراطورية عندما نجح الاشوريون في ضم معظم أقاليم الشرق الأدنى القديم، إمبراطورية اشتهرت بإبداعها الحضاري وشهدت تطور المدن الاشورية من مثل اشور ونينوى وكالح (نمرود) ودور شروكين 0خرسباد) بقصورها وزقوراتها واسوارها وما حوت من قطع فنية رائعة فضلاً عن الاعمال العسكرية والثقافية ولا سيما تلك التي حوتها مكتبة اشور بانيبال وكانت سجلاً للحياة العراقية القديمة. لقد نجح الاشوريون في قيادة العراق في عصر القوى الخارجية الطامعة كالكيشيين والحثيين والميتانيين إلى جانب الدولة المصرية. غير ان هذا الوضع لم يستمر، فهذه القوى بدأت تختفي عن مسرح الاحداث منذ مطلع الالف الأول ق.م وبدأت منطقة الشرق الادنى القديم تشهد تغيراً في الخريطة البشرية ترتب عليه تغير في القوى السياسية الفاعلة في المنطقة. فعلى المستوى الداخلي بدأت موجات الاراميين تضغط على الحدود الغربية منطلقة من دويلاتها المتعددة في بلاد الشام إلى جانب انتشار القبائل الكلدية في جنوب العراق وتأسيسها سلالات محلية كانت تطمح في السيطرة على بابل. أما على المستوى الخارجي فقد ازدادت حوادث القبائل الجبلية على الحدود الشمالية والشمالية الشرقية من خلال دولها في اوراتو وميديا، وكانت عيلام في غربي إيران تمارس تحريضها في ذات الوقت الذي كان فيه اليهود في فلسطين يمارسون الشغب على الدولة الاشورية مستغلين تنافسها مع الدولة المصرية.

    تكشف وثائق العصر الاشوري الحديث عن نشاط عسكري كان غرضه تأمين حدود الدولة والقضاء على معارضيها كما تكشف، في الوقت نفسه، عن نشاط حضاري ثقافي واداري وسياسي واقتصادي واسع النطاق قاده ملوك عظام غير ان الفترة المتأخرة بعد حكم اشور بانيبال تبدو غامضة في المصادر الاشورية، والراجح انها شهدت ملوكاً ضعفاء على المستوى الداخلي ومؤامرات واسعة محلية ومتغيرات حادة في الاوضاع الخارجية في الوقت الذي ظهر فيه زعيم كلدي قوي هو نابو-بولاصر الذي نصب نفسه ملكاً على بابل سنة 626 ق.م وبسط نفوذه على العراق بما فيه الدولة الاشورية.


     
    سلالة بابل الحديثة (626-539 ق.م)


    ظهر الكلديون في الخليج العربي منطلقين من اراضيهم المجاورة للسبئيين، وهذا يضعنا أمام احتمالين: أما مجاورتهم السبئيين في اليمن ومن ثم تقدمهم نحو العراق عبر جنوبي الجزيرة وشرقيها بمحاذاة الخليج العربي واما مجاورة السبئيين في شمال غري الجزيرة العربية حيث محطات التجارة السبئية ثم بدأ تقدمهم من هناك باتجاه الخليج والعراق. ويرجح المؤرخون الاحتمال الأول مستندين إلى وجود كتابات بالعربية الجنوبية في مدن جنوبي العراق مثل اور والوركاء ونفر أو وصلوا منحدرين إلى سوريا مع الفرات ثم اتجهوا جنوباً. مارس الكلديون دورهم السياسي انطلاقاً من وضعهم الاجتماعي بوصفهم جزءاً من سكان العراق بقيادة الاشوريين فكانوا يحكمون باسم الاشوريين في بابل إلى ان انتزعوا الحكم في عهد نابو – بولاصر. واشتهر من ملوكهم نبوخذ نصر (604-562 ق.م) بحروبه التي ثبت بها الدولة خصوصاً في بلاد فلسطين ضد الشعب اليهودي وبميوله العمراني وبقيادته الحكيمة وبالسياسة والإدارة وتثبيت كيان موحد للدولة. ويتميز عهد الكلديين ببعث الثقافة العراقية القديمة ولا سيما في حقول الادب والعلوم والمعارف الأخرى والاهتمام بالماضي وجمع مخلفات الملوك العظام وهو اتجاه واضح في حياة نبوخذ نصر ونبونئيد اخر الملوك الكلديين.

    لقد اعقب نبوخذ نصر ملوك ضعاف ربما كان جل اهتمامهم منصباً على تحالفاتهم مع الميديين والاخمينيين (من الشعوب الفارسية) إلا ان الملك نبونئيد حاول الوقوف في وجه تلك التحديات عبر محاولاته مع سكان حران والجزيرة العربية من أجل توحيد الجهود لصد الهجمة المتوقعة القادمة من بلاد إيران، غير ان جهوده جاءت متأخرة فاستغل الفرس الاخمينيون هذا الواقع المتردي وتقدموا بقيادة كورش مستفيدين من تحالفاتهم مع اليهود ومع احد الطامعين من اعوان الملك البابلي ليدخلوا بابل وينهوا الدولة الكلدية سنة 539 ق.م.


     
    العراق في الفترة الاحتلالية الأولى (539ق.م –635م)


    كان دخول كورش مدينة بابل سنة 539 قز/ بداية لفترة احتلالية طويلة تعددت فيها الاطراف التي مارست احتلال العراق واستمرت حتى دخول العرب المحررين بقيادة سعد بن ابي وقاص المدائن وانهاء الاحتلال الفارسي الساساني سنة 635م. لقد حاول الاخمينيون في البداية تطبيق سياسة استرضاء سكان وادي الرافدين مكتفين بحيازتهم لقب (ملك بابل) وما يرمز إليه من معانٍ حضارية، غير أنهم لم يستطيعوا الاستمرار على هذه السياسة خصوصاً بعد ان ثارت مدينة بابل وتكررت ثوراتها مما دفع المحتلين إلى ممارسة قتل السكان في العراق ومدينتهم العظيمة بابل وتشريدهم وحرقهم.

    وتكشف الوثائق المعاصرة للاحتلال الفارسي الاخميني عن ثقل الضرائب المفروضة على السكان فضلاً عن تطبيق سياسة اقتصادية تدميرية اعتمدت نظام الإقطاع وتجنيد الفلاحين في الجيش الفارسي وانهاء دور المعابد في الحياة الاجتماعية والاقتصادية وظهور المصارف التي كانت تدار بتعاون يهودي فارسي. أما في المجال الاجتماعي فقد انتهج الفرس سياسة سيئة شملت بيع النساء واسترقاقهن. وانتهجوا أيضاً سياسية توطين الفرس وبخاصة رجال الدين المجوس ببلاد بابل في محاولة لفرض طبقة ثقافية وثقافة دخيلة على المجتمع غير ان اقصاء الكهنة والكتاب البابليين الذي سار عليه الفرس لم ينه دورهم اذ سرعان ما اتحدوا ونشطوا في دور علمي وفكري ظهرت نتائجه في وقت لاحق في حين لم يستطع الفرس خلق أي ثقافة في العراق وقوا محض محتلين يمتلكون القوة ولا يمتلكون الأبداع.

    وازداد تمسك المجتمع بثقافته الوطنية واصبح اسم نبوخذ نصر رمزاً للوطنية، واتخذه اسماً كل ثائر ظهر في بلاد بابل مما يدلل على فعل الذاكرة التاريخية في صنع المواقف السياسية. ويظهر من قوائم اسماء المولودين في عهد الاحتلال تدني نسبة الذين سموا ابناءهم باسماء فارسية على خلاف الفرس الذين انتقلوا إلى العراق واليهود الذين اتخذوا الاسماء البابلية بكثرة. ولم يعتنق السكان الديانة الزرادشية، فلم تكشف البقايا الاثارية أيو اثار لمعبد نار في العراق. انتهى الاحتلال الفارسي على يد الاسكندر المقدوني (331-323 ق.م) الذي تقدم على رأس جيش اغريقي-مقدوني ليهزم دارا الثالث ويدخل بابل ويستولى على املاك الاخمينيين في العراق وعيلام وفارس. وبعد وفاته قسمت امبراطوريته بين قادته وكان العراق من نصيب سلوقي عام 311 ق.م مؤسس الدولة السلوقية، وقد اتسم عهدها بالأضطرابات والنزاعات بين الطامعين في حين وقف السكان موقفاً سلبياً ن تلك الاحداث، وادى انشغال المحتلين بخلافاتهم إلى استعادة بعض المؤسسات البابلية بخاصة المعبد دورها في الحياة وظهر الدور العلمي والفكري لبابل التي قصدها العلماء اليونانيون طلاباً للعلم.

    لجأ اليونانيون إلى الغاء الدور المحلي للمجتمعات المحتلة وتخطيط عالم جديد بقوة اليونانيين فشيدوا مدناً جديدة خصصت لليونانيين، غير ان سياستهم لم تفلح واضطروا إلى اعطاء المجتمع البابلي دوراً فعادت المدن البابلية الكبيرة إلى دورها السابق ولكن بطابع جديد يطمس معالم الحضارات القديمة ويلغي دور العراقيين في التقدم العلمي الذي سلبوا معه أسماء المبدعين فاطلقوا عليهم أسماء اغريقية أو غلفوا أسماءهم بأسماء يونانية لاسدال الستار على كل ما هو عراقي ونسبته إلى انفسهم.

    ومع اشتداد الصراعات الداخلية بين القادة اليونانيين ظهر الفرثيون في شمال إيران واستطاعوا الانقضاض على العراق مستغلين الاضطرابات التي رافقت وفاة الحاكم السلوقي انطيوخوس الرابع
     
    الفرثيون 140 ق.م –226م



    دخل الفرثيون سنة 140 ق.م واتخذوا لهم معسكراً عرف فيما بعد بطيسفون في حين ظهرت امارات عربية على امتداد نهر الفرات ولا سيما امارة بيت عديني الكلدية وامارة كرخ ميسان في جنوبي العراق وامارة الحضر في شمالي العراق. واستقل متغلب من خارج السلالة الفرثية ببابل فاقتصر حكم الفرثيين على شمالي العراق الذي تعرض في زمنهم لهجمات الرومان، غير ان الدولة الفرثية استمرت إلى 226م إذ استطاع الفرس الساسانيون دخول طيسفون (المدائن) وقتل الملك الفرثي واحتلال العراق.


     
    الاحتلال الساساني 224م – 635م




    استولى الساسانيون أولاً على إيران الفرثية ثم توجهوا إلى طيسفون سنة 224م واستولوا على بابل واتسم حكمهم على المستوى العالمي بحروبهم مع الرومان، وعلى المستوى الداخلي بالانقسامات في الاسرة الحاكمة وظهور الديانة المانوية وبكثرة الحروب بين الفرس والعرب الذين ازداد ضغطهم على الفرس واستمر تدفقهم باتجاه جنوبي العراق ووسطه وإلى منطقة الجزيرة، فقد تقدمت قبيلة قضاعة إلى الحيرة وبادية السماوة وتقدم قسم منها إلى الحضر تلته قنص بن معد واياد وعبد القيس وربيعة وبكر بن وائل بخاصة وبعض مضر ويشار إلى خليط قبلي من الازد وكلب وحنظلة وتميم في الاحواز، وفي حين عبرت حملة سابور ذي الاكتاف عل القبائل العربية في العراق وشبه الجزيرة عن اصرار الفرس على اقصاء العرب من العراق وتذويب سكانه القدماء بمنع تواصلهم مع اخوانهم عرب الجزيرة عبر التحرك البشري للقبائل العربية عن اصرار على التوجه إلى العراق وقد تركز انتشارها في غربي الفرات، إذ بدأ من الابلة صعوداً إلى اعالي الفرات وكانت تغتنم الفرص للاندفاع نحو الداخل بثلاثة اتجاهات: الأول نحو الاحواز (بنو العم وقبلهم عرب امارة كرخ ميسان) والثاني نحو دجلة من منطقة بادية السماوة (قضاعة) والثالثة نحو الجزيرة بدءاً من تكريت إلى اعالي دجلة والفرات (اياد وقضاعة وربيعة). وفي سبيل تحقيق هذا الانتشار خاضوا حروباً طوالاً مع الفرس في عهد سابور ذي الاكتاف وبعده. ويكشف توزيع العرب في العراق قبل الاسلام عن انتشارهم في معظم انمائه. وبعد ظهور امارة الحيرة في اوائل القرن الثالث الميلادي احدى ثمار هذا التحرك الواسع الذي مارسوه واخذ فيما بعد في زمن النعمان بن المنذر أمير الحيرة بعده الثقافي كما سنرى.




     
    الحضــر




    ظهرت الحضر ابان حقبة التسلط الفرثي على العراق وقد اسستها جماعات من الازد من قضاعة. وقد عرف احد ملوكها سنطرق بكتابته الشهيرة (سنطرق ملك عربو) أي سنطرق ملك العرب، ولأن الحضر من مدن العرب الصحراوية الشهيرة، مثلها مثل البتراء وتدمر، فأن قصتها نمواً ودماراً لاتختلف كثيراً عن قصص الاخريات، فقد قاومت طموحات سكانها السلطتين الرومانية والفارسية أمداً طويلاً ولكن الرومان والفرس دمروها جميعاً واحدة بعد الأخرى، وكان نصيب الحضر ان يدمرها الفرس الساسانيون.
    وذكر المؤرخون الرومان فشل محاولات تراجان وسبتموس سيفروس احتلال الحضر، وكذلك اردشير بادئ ذي بدء. ويروى عن حصار سبتموس سيفروس اياها عام 199م بعد ان احتل كلا من بابل وسلوقية وطيسفون ان سكانها دافعوا عنها دفاعاً عنيداً، وانهم استخدموا اقواساً مركبة ترمي سهمين مرة واحدة، وانهم قتلوا بعضاً من الحرس الخاص بالأمبراطور.

    كما قاموا بحرق النفط وقذف الجرار المملوءة بالحشرات فوق رؤوس الغزاة. وعندما حقق الرومان فتح ثغرة في السور الخارجي فرحوا بذلك طمعاً بالمغانم التي سيغنمونها في اليوم التالي ولكنهم فوجئوا باهل الحضر وهم يسدون الثغرة في اليوم نفسه، وعندئذ اصابتهم الخيبة واستبد بهم الغضب، ورفضوا التقدم. واضطر سبتموس سيفروس إلى العودة إلى سوريا بعد عشرين يوماً من حصاره الحضر.


    ويبدو ان مدينتي بابل والحضر بقيتا عاملي جذب واغراء على الدوام لجيوش الغرب التي غزت الرافدين. فقد طمع الرومان بكنوز معبد الشمس في الحضر، كما كانت قصة موت الاسكندرية في بابل واحلامه بجعلها عاصمة له تثير لديهم الرغبة في دخولها حتى ان تراجان قدم القرابين في الرغفة نفسها التي مات فيها الاسكندر عندما كان في بابل ربيع عام 116 ميلادية، أي بعد مرور أكثر من 400 سنة على موت الاسكندر. أما الفرثيون والساسانيون فقد عقدوا امالهم على احتلال سلوقية وطيسفون لضمان السيطرة على العاصمة السياسية قبل اهتمامهم ببابل، بل ان الساسانيين اسهموا في تدمير بابل تدميراً نهائياً، وجعلوها مهجورة إلى الابد قبل ان ينتهي القرن الخامس الميلادي، ومع ان الروايات تذكر ان اسوار بابل كانت ما تزال قائمة غير انها من الداخل كانت خرائب يسرح فيها الوحش، وان ملوك ساسان اتخذوها مربعاً من مرابع الصيد والنزهة ولا شيء غيرهما.




     
    دولة الحيـرة




    استمرت الممالك العربية في الظهور في مناطق الفرات الوسطى والجنوبية منذ العصر السلوقي، وكانت اخرها مملكة الحيرة على الضفة الغربية للفرات، في منطقة الكوفة الان وكانت حدود هذه المملكة تمتد في بلاد بابل على الفرات إلى الخليج العربي، ويعتقد المؤرخون ان الحيرة ظهرت مدينة عربية في الربع الأول من القرن الثالث الميلادي، وقد اختلفت الآراء في أصل عرب الحيرة فقيل انهم من اليمن ومن عرب الجنوب من عشائر قضاعة والازد، وهنالك من يعتقد انهم من العرب الشماليين بدليل التشابه اللغوي بينهم وبين اللهجة العدنانية. وربما كانوا مجموعة متحالفة من القبائل العربية الشمالية والقبائل الكلدية التي استوطنت بعد سقوط بابل المنطقة نفسها، كما انها (أي مملكة الحيرة) سيطرت على المنطقة نفسها بحدودها الجغرافية – السياسية التي كانت تحت سيطرة مملكة بيت عديني عند بداية الاحتلال الفرثي لبلاد الرافدين. وقد اجمع المؤرخون، اعتماداً على المصادر العربية، ان سكان الحيرة كونوا تآلفاً من ثلاث مجاميع بشرية، هي:

    1-اللخميون (آل نصر بن ربيعة): النازحون من الجزيرة.

    2-العباد: من السكان الاصليين (أي من قبائل كلدة التي كانت تسكن المنطقة نفسها).

    3-الاحلاف: عرب مهاجرون نزلوا في المنطقة، وحالفوا تنوخ والعباد.

    لقد حكم الحيرة (25) ملكاً، منهم خمسة من الأوائل الذين ترون عنهم بعض القصص غير الواقعية. اما الملك الأول الذي حكم الحيرة فعلاً وثبت وجوده بنص مكتوب فهو امرؤ القيس بن عمرو بن عدي وقد ذكر في النص أنه وصل اسوار نجران، وكان له من ابنائه سفراء لدى الفرس والروم، وعاش ملكاً في حدود 288-328م.


     
    آخـر ملوكها




    كان النعمان بن المنذر (580-602م) آخر ملوك آل لخم في الحيرة، وقد عاصر حكم الملك الفارسي ابرويز، وكان عهده يمتاز بجو من السلام الذي ساد علاقة الحيرة بالغساسنة في الشام، ولا سيما علاقاته الوثيقة بجزيرة العرب التي اتضحت في:

    أولاً- لقاءاته المستمرة مع قادة العرب من الحكماء والشعراء والخطباء ورؤساء القبائل.

    ثانياً- علاقاته الواسعة بشعراء عصره، مما مهد له ان يكون على صلة بالرأي العام إذ كان الشاعر أبرز حلقات الاتصال في ذلك الوقت.

    ثالثاً- علاقته بمكة عن طريق تردد رجالاتها إلى الحيرة في رحلاتهم التجارية إذ يشار إلى علاقات تجارية بعبدالله بن جدعان وسهيل بن عمرو.

    لقد اسهمت هذه العلاقات في تكوين مناخٍ ثقافي مؤثر في بلاط النعمان، ولا بد أيضاً أنهم كانوا ينقلون اخبار لقاءاتهم إلى قبائلهم ويسهمون في تكوين رأي عام عربي مشترك في قضايا تتجاوز المكاسب والمفاخر القبلية.

    وقد حاول النعمان توظيف هذه العوامل الإيجابية لمصلحة استقلاله عن الفرس غير ان محاولته اصطدمت بالقوة الفارسية وادت إلى مقتله وهو امر قاد إلى معركة ذي قار التي انتصر بها العرب على العجم وكانت بداية لسلسلة من الانتفاضات قام بها العرب في الاحواز والابلة (البصرة) والسماوة والحيرة.




     
    تأسيس الدولة العراقية الحديث




    كانت ثورة العشرين درساً بليغاً لقنه العراقيون للبريطانيين، فكان لا بدلهم من مهادنة الشعب العراقي فتشكلت الحكومة العراقية المؤقتة التي رأسها نقيب اشراف بغداد عبدالرحمن الكيلاني لإدارة شؤون البلاد البلاد. وقد استمرت تلك الحكومة المؤقتة على العمل إلى ان انتخب الأمير فيصل بن الحسين ملكاً على العراق في شهر آب عام 1921. وكان الشعب العراقي قد طالب، في الاستفتاء الذي اجرته السلطات البريطانية عام 1918-1919 في مستقبل العراق، بأن تشكل حكومة عربية يرأسها أحد انجال الشريف حسين قائد الثورة العربية عام 1916، على أن يكون مقيداً بمجلس وطني ينتخبه الشعب، فكان اختيار الملك فيصل الأول لحكم العراق يمثل استجابة لمطالب العراقيين.

    اصطدم الملك فيصل الأول بالبريطانيين لأنه رفض توقيع المعاهدة العراقية البريطانية التي اقترحتها بريطانيا، لأنها تضمنت بنود نظام الانتداب الذي يرفضه الشعب العراقي، ولن الملك فيصل اراد هو والقوى الوطنية ان تكون المعاهدة بديلاً من الانتداب لتنظيم علاقات العراق ببريطانيا على أساس الاستقلال التام للعراق، في حين ارادت بريطانيا ان يستمر الانتداب بصيغة المعاهدة. وقد عبرت القوى الوطنية عن رأيها هذا في الذكرى الأولى لتتويج الملك فيصل عام 1922، وفي اليوم نفسه اعلنت السلطات البريطانية على نحو مفاجئ اصابة الملك فيصل بالزائدة الدودية واجراء عملية له. فتسلم المندوب السامي البريطاني السلطة في البلاد ووجه ضربة قوية إلى الحركة الوطنية وخير الملك بين الغاء الحكم الوطني وتوقيع المعاهدة، فلم يجد الملك خياراً غير توقيع المعاهدة شريطة موافقة المجلس التأسيسي العراقي، الذي يجب ان ينتخبه الشعب بكامل حريته، عليها.

    قاطع الشعب العراقي انتخابات المجلس التأسيسي في البدء لأنه وجد في الظروف القائمة ما يحول دون اجراءها بحرية، وعندما اضطر الإنكليز إلى رفع تلك القيود جرت الانتخابات ويمكن القول أنها الانتخابات النيابية الوحيدة التي جرت في العهود السابقة ولم تشهد ستدخلا أو تزويراً، ولهذا رفض المجلس التأسيس العراقي المصادقة على المعاهدة العراقية البريطانية عندما عرضت عليه، وكشف عن عيونها التي تمس الاستقلال. إلا أن الإنكليز جمعوا نحو نصف اعضاء المجلس ليلة 10/11 حزيران 1924 وخيروهم بين المصادقة على المعاهدة أو إلغاء الكيان السياسي للعراق وإعادة السيطرة البريطانية المباشرة وحل المجلس التأسيسي، واتخذت بعض الإجراءات بهذا الاتجاه، فأضطر الحضور إلى المصادقة على المعاهدة شريطة ان ينظر في تعديلها فور انتهاء المجلس من اعماله، ثم ناقش المجلس مسودة أول دستور عراقي وقانون الانتخابات وصادق عليهما، وانحل المجلس في آب من العام نفسه.

    بدأت مسيرة الدولة العراقية على أسس دستورية بداية عام 1925، غير ان وجود نظام الانتداب وسعي بريطانيا إلى ترسيخ مصالحها قد أيدا بتلك المسيرة إلى الانحراف في الكثير من جوانبها، إذ عملت بريطانيا على تزوير الانتخابات النيابية والاتيان بمجالس لا تمثل الشعب تمثيلاً حقيقياً، بحقوق العراق في ثروته الوطنية وحاولت اشاعة التفرقة بين ابناء الشعب وعرقلت ترشيع قانون الخدمة العسكرية الالزامية للحيلولة دون تطوير الجيش العراقي الذي تشكلت نواته منذ 6 كانون الثاني/1921، واستمرت على التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد في ظل نظام الانتداب، فكانت الإدارة العراقية مزدوجة لأن لكل وزير عراقي مستشاراً بريطانياً ولكل متصرف "محافظ حالياً" مفتشاً إدارياً بريطانياً، ويناقش الملك في سلطته المندوب السامي البريطاني.

    أصر الشعب العراقي والملك فيصل الأول على انهاء الانتداب البريطاني وضغطا كثيراً لتحقيق الاستقلال، فرضخت بريطانيا للأمر، وادخلت العراق عضواً في عصبة الأمم وألغت نظام الانتداب عام 1932، ومع ذلك فأنها أبقت استقلال العراق مقيداً بمعاهدة وقعها الطرفان عام 1930، لذلك كان استقلال العراق ناقصاً أو شبه استقلال.

    توفي الملك فيصل الأول على نحو مفاجئ في السنة التالية لدخول العراق عصبة الأمم، واعتقد الناس أنه مات مسموماً بيد الإنكليز فولدت وفاته فراغاً كبيراً لكونه مؤسساً للدولة العراقية الحديثة وحل محله ولده الملك غازي الذي عرف بعدائه لبريطانيا ومهاجمتها بسبب تشجيعها الهجرة اليهودية إلى فلسطين وعدم منع الصهاينة من تهجير العرب، ومساعداتها أياهم على الاستيطان. وقد جعل الملك غازي من العراق مركزاً لتجميع العناصر القيادية العربية الداعية إلى الوحدة العربية وانقاد فلسطين من الصهاينة، فأصبح العراق منطلقاً لحركة القومية العربية والتجأ إليه العرب القوميون الهاربون من طغيان الاستعمار البريطاني والفرنسي في فلسطين وسوريا ولبنان.

    لقد تميز عهد الملك غازي بالاتجاه إلى تحقيق استقلال العراق ووحدته الوطنية من أجل الوحدة العربية. إلا أن آماله انتهت بمقتله في حادثة سيارة غامض عام 1939 ومازالت الشكوك تحوم على الإنكليز في تدبير الحادث، فخلفه أبنه فيصل الثاني على العرش ولأن سنة القانونية لم تكن تسمح له باعتلاء العرش لصغره فقد اصبح خاله عبد الاله وصياً على عرش العراق.


     
    الاحتلال البريطاني للعراق



    عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى تقدمت قوة بريطانية واحتلت البصرة في الخامس من تشرين الثاني1914 وبدأت عملياتها العسكرية ضد الدولة العثمانية وفي 1918 اكملت بريطانيا سيطرتها على العراق بولاياته الثلاث المعروفة (بغداد-موصل-بصرة) وكان البريطانيون قد وعدوا العرب بالأعتراف باستقلالهم ودولتهم الموحدة عندما اعلنوا ثورتهم العربية على الاتراك العثمانيين، ولذلك اعلن الجنرال مود قائد القوات البريطانية التي دخلت بغداد في 11 آذار 1917 انهم جاءوا محررين لا فاتحين، لكن البريطانيين تنكروا لوعودهم وبدأوا يعملون على ترسيخ استعمارهم العراق من خلال نظام الانتداب الذي ابتدعوه مع القوى الكبرى المنتصرة في الحرب للسيطرة على المناطق العربية التي كانت خاضعة للسيطرة العثمانية، وكان هذا النظام يعني من الناحية الشكلية انتداب عصبة الأمم دولة كبرى على منطقة معينة لمساعدة اهلها على تقرير مصيرهم. أما من الناحية العملية، فقد كان الانتداب وسيلة للاستعمار ولذلك عدّه الشعب العراقي قناعاً للسيطرة البريطانية على العراق.

    أعلن الانتداب البريطاني في 25 نيسان 1920، فرفضه الشعب العراق وطالب بعقد مؤتمر عراقي منتخب يقرر شكل الحكم والحاكم في العراق. وعندما ماطالت بريطانيا باستجابتها لهذا المطلب وعملت على اضطهاد الشعب العراقي ثار الشعب في 30 حزيران 1920، واندلعت الصدمات بين الثوار والقوات البريطانية.

    وقد قاتل العراقيون (بالمكوار والفاله) وبكل ما يملكون من ادوات بسيطة في مواجهة بنادق ومدفعية البريطانيين. ومع ان ثورة العشرين لم تحقق اهدافها فقد كانت نموذجاً حياً للحركة الوطنية في العراق ونبراساً مضيئاً في الوقوف في وجه الاستعمار البريطاني.
    الهكسوس




    هم جماعة من الآسيويين يُرجَّح أنها كانت سامية الأصل (خليط من العموريين والكنعانيين وبينها عناصر من الحوريين أيضاً). كان المصريون يُطلقون عليهم لفظة «عامو» أي «الآسيويين». كما كانوا يُعرَفون باسـم «حكـاو خوو Hekau Khowe» أي «حكـام الأراضي الأجنبية». أما كلمة «هكسوس» فهي كلمة مصرية فسرها الكاتب اليوناني مانيتو بأنها تعني «الملوك الرعاة».
    حكم الهكسوس مصر بعد سقوط المملكة الوسطى (1675 ـ 1570 ق.م) إذ استفادوا من ضعف الحكومة المركزية ومن استخدامهم العربات الحربية التي لم تكن معروفة في مصر آنذاك، وكذلك استفادوا من استخدام السهم الآسيوي القوي الذي يُعَدُّ أكثر تركيباً من السهم الذي كان يستخدمه المصريون.ولم يتم غزوهم لمصر دفعة واحدة (كما كان يُظَن حتى عهد قريب) وإنما تم على شكل موجات أخذت شكلاً سلمياً في بادئ الأمر حيث كان الرعاة البدو يدخلون مصر للسقيا والتجارة،ثم أخذت العملية شكل تَسلُّل وأخيراً شكل الغزو،وهي عملية استغرقت في مجموعها عدة قرون.

    استقر الهكسوس في مصر، وبنوا عاصمتهم جت وعرت وهي أواريس (أفاريس) التي سماها اليونانيون تانيس (صا الحجر فيما بعد، أو تل اليهودية) بالقرب من الزقازيق شرقي الدلتا. ثم استولى الهكسوس على معظم مقاطعات الدلتا، ودخلوا العاصمة ممفيس (منف) عام 1674 ق.م. وقد اتحدت مصر وسوريا وفلسطين تحت حكمهم، وتوطدت بينهما العلاقات الحضارية والتجارية، واستمرت تلك العلاقات بينهما بعد خروج الهكسوس وقيام المملكة الحديثة.
    أدخل الهكسوس إلى مصر عناصر مادية جديدة مثل إشاعة استخدام الخيول، والبرونز، وطريقة جديدة في التسليح، وبعض الآلات الموسيقية، وبعض الاختراعات والخبرات الحربية التي ساهمت فيما بعد في إنجاز فتوحات المملكة الحديثة. وقد تَعاقَب على عرش مصر عدد من ملوك الهكسوس، وإن ظل أمراء طيبة يتمتعون بشيء من الحكم الذاتي. وقد تمكَّن أحمس (1570 ـ 1546 ق.م)، مؤسس الأسرة الثامنة، من طردهم. وفيما بعد، أخضع الفراعنة فلسطين وسوريا.
    ويبدو أن وجود الهكسوس في مصر هو الذي سهل عملية دخول العـبرانيين إليها، وربما كانت ثمة صـلة عرْقية وإثنيـة بينهم وبين الهكسوس. ومن الجدير بالملاحظة أن أحد رؤساء الهكسوس كان يُسمَّى «يعقوب إيل» أو «يعقوب بعل». والعنصر «يعقوب» الذي يعني «يحمي» هو نفسه أحد الآباء العبرانيين، كما أن أحد ملوك الهكسوس كان يُسمَّى «شيشا» وهو يشبه اسم «شيشاي» أحد ملوك قرية أربع (الخليل أو حبرون). وكان استيطان العبرانيين في الدلتا في جاسان (جوش) وهي نفسها المنطقة التي كانت فيها أواريس عاصمة الهكسوس. وقد ذكر يوسيفوس نقلاً عن المؤرخ المصري الهيليني مانيتو أن عدداً كبيراً من الهكسوس ذهبوا من أواريس إلى كنعان وبنوا القدس، وربط مانيتو بين استيطان الهكسوس مصر ودخول يوسف إليها، وذكر أن طردهم أو هجرتهم منها هو خروج العبرانيين.
    قطز قاهر التتار
    في معركة عين جالوت
    بقلم اللواء الركن: محمود شيت خطاب


    السلطان


    الملك المظفر قطز قاهر التتار هو السلطان الملك المظفر سيف الدين قطز بن عبد الله المعزي، تسلطن بعد أن خلع الملك المنصور علي ابن الملك المعز أيبك في يوم السبت 17من ذي القعدة سنة 657 هـ- 1959م، بعد أن تفاقم خطر التتار، وأصبحت مصر مهددة بغزوهم الوشيك.
    وكانت مصر على إثر وفاة ملكها الصالح، ومقتل ولده الملك المعظم قد رفعت على عرشها امرأة هي: شجرة الدر -أرملة الملك الصالح-، فكانت أول ملكة، كما كانت آخر ملكة اعتلت عرش مصر الإسلامية. وأقيم للسلطنة نائب قوي، هو الأمير عز الدين أيبك -كبير المماليك البحرية-، ليعاون شجرة الدر في تدبير الأمور، وبالرغم مما أبدته شجرة الدر من حزم وبراعة في تسيير أمور الدولة، وتصفية الموقف مع الصليبيين وإجلائهم عن مصر فقد كان جلوس امرأة على عرش مصر نذيرًا بوقوع الفتن والاضطرابات، حيث أبى معظم الأمراء أن يحلفوا يمين الطاعة للملكة الجديدة، لذلك رأت شجرة الدر أن تتزوج من الأمير عز الدين أيبك، فلما لم تفلح هذه الخطوة في تهدئة الأمور رأت أن تتنازل عن العرش لزوجها، فتولى الأمير عز الدين أيبك عرش مصر باسم الملك المعز، وذلك في آخر ربيع الثاني سنة 648 هـ 1250م، وحكم مصر زهاء سبع سنين.
    وكانت شجرة الدر وراء زوجها تعينه في تصريف الأمور، حتى دب الخلاف بين الزوجين، لاعتزام المعز الزواج ثانية، فدبرت شجرة الدر مؤامرة لاغتياله، ونفذتها في بيتها يوم الثلاثاء 23 من ربيع الأول من سنة 655 هـ - 1257م.
    وتولى الملك المنصور علي ابن الملك المعز أيبك، المُلْكَ يوم الخميس 25 من ربيع الأول من سنة 655 هـ 1257م، وكان عمره 15 سنة، فلم يكن قادرًا على تحمل أعباء الملك في ظروف حرجة للغاية؛ إذ كانت البلاد مهددة بالغزو التتري، لذلك خلعه قطز، وتولى الملك مكانه سنة 657 هـ - 1259م، وكان هدفه: حرب التتار، وإنقاذ مصر خاصة والبلاد العربية عامة من خطر غزوهم الكاسح.


    الموقف العام

    ولعل في عرض الموقف العام العصيب التي كانت مصر والبلاد العربية تجتازه من جراء الغزو التتري الجارف ما يبرز مبلغ التضحية التي بذلها قطز في قبوله تحمل المسؤولية حينذاك، في بلد مهدد بغزو خارجي ماحق، وارتباك داخلي فظيع، وقد كان بإمكانه أن يستمتع بالسلطة الفعلية بالرغم من بقاء الملك المنصور في الحكم دون أن يكون المسؤول الأول في مثل تلك الظروف الحرجة، ولكنه آثر المصلحة العامة على مصلحته الشخصية، فقضى أولاً على الارتباك الداخلي، ووضع الأمور في نصابها، ثم وجه همه إلى العدو الخارجي، فاستطاع بأعجوبة خارقة حقًا إحراز النصر وإنقاذ مصر والبلاد العربية من التتار وقواتهم الضاربة.
    ففي سنة أربع وخمسين وستمائة هجرية 1256م، مَلَكَ التتار سائر بلاد الروم بالسيف، فلما فرغوا من ذلك، نزل هولاكو بن طولوي بن جنكيز خان كالإعصار على بغداد في صفر من سنة ست وخمسين وستمائة هجرية 1285م، ودخلوها دخول الضواري المفترسة، وقتلوا مئات الآلاف من أهلها، ونهبوا خزائنها وذخائرها، وقضوا على الخلافة العباسية، وعلى معالم الحضارة الإسلامية، ثم قتلوا الخليفة المستعصم بالله وأفراد أسرته وأكابر دولته..
    وتقدم التتار إلى بلاد الجزيرة، واستولوا على "حران" و"الرُّها" و"ديار بكر" في سنة سبع وخمسين وستمائة هجرية 1259م، ثم جاوزا الفرات، ونزلوا على "حلب" في سنة ثمان وخمسين وستمائة هجرية 1260م، واستولوا عليها وجرت الدماء في الأزقة أنهارًا.
    ووصل التتار إلى "دمشق"، وسلطانها الناصر يوسف بن أيوب، فخرج هاربًا ومعه أهل اليسار، ودخل التتار دمشق، وتسلموها بالأمان، ثم غدروا بأهلها وفتكوا بهم، ونهبوا وسلبوا ودمروا.
    وتعدوا دمشق، فوصلوا إلى "نابلس"، ثم إلى "الكرك" وبيت المقدس، وتقدموا إلى "غزة" دون أن يلقوا مقاومة تذكر، واضطر هولاكو فجأة إلى مغادرة سورية، بعد أن جاءته الأخبار بوفاة أخيه الأكبر "منكوقاآن" في الصين، وبتنازع أخويه الآخرين "قوبيلاي" و"أريق بوكا" ولاية العرش.
    وقد استثمر التتار حرب الصاعقة، التي تعتمد على سرعة الحركة، كما استثمروا حرب الأعصاب إلى أقصى مدى، فنشروا الذعر والخوف في كل مكان، وحيثما اتجهت قواتهم كانت تسبقهم الأقاصيص عن طغيانهم وقسوتهم ومذابحهم.


    موقف أوروبا


    فرحت أوروبا النصرانية بانتصار التتار على المسلمين، فقد كانوا من أصدقاء النصارى وفيهم بعض النصارى، ولهولاكو نفسه زوجة نصرانية، فضلاً عن أن القائد الذي ولي أمر سورية عندما غادرها هولاكو كان نصرانيًا، كل هذا جعل البابوات وحكام غرب أوروبا ينظرون إلى التتار وكأنهم حلفاؤهم في قتال المسلمين.
    والواقع أن فكرة تكوين حلف من الأوروبيين والتتار لتدمير البلاد الإسلامية، كانت موضع تفكير البابوات في عصور متتالية، وكانت سياسية هؤلاء تهدف إلى نشر الدين النصراني بين التتار، وقد تبادل التتار وحكام أوروبا البعوث، وعلى سبيل المثال: فقد دعا لويس التاسع قسمًا من رجال أمير التتار إلى فرنسا، حيث فاوضهم على عقد اتفاقية عسكرية، تنص على أن يقوم طرفاها بعمليات حربية على المسلمين، يكون فيها دور التتار غزو العراق وتدمير بغداد والقضاء على الخلافة الإسلامية، ويكون دور الصليبيين حماية هذا الغزو التتري من الجيوش المصرية, وتجريد جيوشهم لمنع نجدة القوات المصرية للمسلمين في آسيا، وبالأحرى تقوم بعزل مصر عزلاً تامًا عن سائر البلاد العربية.
    ولم يكفّ لويس التاسع عن العمل لاستمالة التتار، وتسخير قوتهم المدمرة لضرب الإسلام، ففي السابع عشر من يناير سنة 1249م سنة 646هـ أرسل إلى أمير التتار هدايا ثمينة حملها إلى الأمير وفد على رأسه الراهب الدومنيكي "أندريه دي لونجيمو"، ومما يذكر أنه كان من بين هذه الهدايا قطعة من الصليب المقدس وصورة للسيدة العذراء، ومختلف النماذج الصغيرة لعديد من الكنائس.
    ويقول الأسقف "دي مسنيل Du Masnil" -نائب مدير البعثات التبشيرية في روما- في كتابه عن الكنيسة والحملات الصليبة: "اشتهر هولاكو بميله إلى النصارى النسطوريين، وكانت حاشيته تضم عددًا كبيرًا منهم، من بينهم قائدهم الأكبر "كتبغا" وهو تركي الجنس نصراني نسطوري، كما كانت الأميرة "دوكس خاتون" زوجة هولاكو نصرانية أيضًا.
    ولقد لعب نفوذ هذه الأميرة على زوجها دورًا خطيرًا، تفخر به الكنيسة في تجنيب أوربا النصرانية أهوال الغزو التتري، وتوجيه غزوهم إلى العرب المسلمين في الشرق العربي، حيث ذبحت قوات التتار العرب المسلمين في مذابح بغداد، في الوقت الذي أبقت فيه على النصارى في تلك المدينة، فلم تمسهم في أرواحهم أو أموالهم بأذى، كما لعبت الأميرة دورًا في إغراء زوجها باحتلال سورية الإسلامية.
    ويصف الأسقف حملة التتار فيقول: "لقد كانت الحملة التترية على الإسلام والعرب حملة صليبية بالمعنى الكامل لها، حملة نصرانية نسطورية، وقد هلل لها الغرب وارتقب الخلاص على يد "هولاكو" وقائده النصراني "كتبغا" الذي تعلق أمل الغرب في جيشهما، ليحقق له القضاء على المسلمين، وهو الهدف الذي أخفقت في تحقيقه الجيوش الصليبية، ولم يعد للغرب أمل في بلوغه إلا على أيدي التتار خصوم العرب والمسلمين.
    وقد بادر "هاتون الأول" -ملك إرمينية - و"بوهومونت السادس" - أمير طرابلس -، وأمراء الإفرنج "صور" و"عكا" و"قبرص" بادر هؤلاء جميعًا إلى عقد حلف مع التتار، يقوم على أساس القضاء على المسلمين كافة في آسيا، وتسليم هؤلاء الأمراء بيت المقدس.
    ويقول "دي مسنيل" في كتابه عن تاريخ التبشير: "إن النصارى هم الذين حرضوا "هولاكو" على الرحيل عن سورية إلى بلاده، ومحاربة أخيه هناك، بسبب موالاته للإسلام".
    وأخيرًا انتهى أمل الصليبيين بدخول التتار في الإسلام، وفي ذلك يقول الأسقف "دي مسنيل" واصفًا هذه الخاتمة: "وهكذا نرى الإسلام الذي كان قد أشرفت قوته على الزوال، يسترد مكانته، ويستعيد قوته، ويصبح أشد خطرًا من ذي قبل".
    لقد كانت مهمة قطز صعبة جداً، لأنه كان عليه أن يواجه الخطر الداخلي المتمثل بالارتباك والفوضى في نظام الحكم والصراع على السلطة، وفي الوقت نفسه كان عليه أن يواجه الخطر الخارجي المتمثل بالغزو التتري الداهم المتحالف مع الصليبيين في الغرب والشرق معًا.
    زحف التتار

    قبل مغادرة "هولاكو" سورية أرسل رسولاً من رجاله وبرفقته أربعون رجلاً من الأتباع إلى قطز يحملون إليه رسالة منه جاء فيها:
    "من ملك الملوك شرقًا وغربًا القائد الأعظم: باسمك اللهم، باسط الأرض، ورافع السماء، يعلم الملك المظفر قطز الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الإقليم، يتنعمون بأنعامه، ويقتلون من كان بسلطانه بعد ذلك، يعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها من الأعمال، إنا نحن جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على مَن حَلَّ به غضبه، فلكم بجميع البلاد معتبر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم وأسلموا لنا أمركم. قبل أن ينكشف الغطاء، فتندموا ويعود عليكم الخطأ، فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرقّ لمن شكر، وقد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد، وطهرنا الأرض من الفساد، وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب، وعلينا الطلب، فأي أرض تؤويكم، وأي طريق تنجيكم، وأي بلاد تحميكم؟! فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، فخيولنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فالحصون عندنا لا تمنع، والعساكر لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يُسمع، فإنكم أكلتم الحرام، ولا تعفُّون عند كلام، وخنتم العهود والأيمان، وفشا فيكم العقوق والعصيان، فأبشروا بالمذلة والهوان، فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، فمن طلب حربنا ندم، ومن قصد أماننا سلم، فإن أنتم لشرطنا وأمرنا أطعتم، فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن خالفتم هلكتم، فلا تهلكوا نفوسكم بأيديكم، فقد حذّر من أنذر. وقد ثبت عندكم أنا نحن الكفرة، وقد ثبت عندنا أنكم الفجرة، وقد سَلَّطَنا عليكم من له الأمور المقدّرة، والأحكام المدبرة، فكبيركم عندنا قليل، وعزيزكم عندنا ذليل، فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا برد الجواب، قبل أن تضرم الحرب نارها، وترمي نحوكم شرارها، فلا تجدون منا جاهاً ولا عزًا، ولا كافيًا ولا حرزًا، وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، فقد أنصفناكم إذ راسلناكم، وأيقظناكم إذ حذرناكم، فما بقي لنا مقصد سواكم، والسلام علينا وعليكم، وعلى من أطاع الهدى، وخشي عواقب الردى، وأطاع الملك الأعلى".
    وكان ذلك في سنة ثمان وخمسين وستمائة هجرية "أوائل سنة 1260م".
    فلما سمع قطز ما في هذا الكتاب جمع الأمراء، واتفقوا على قتل رُسُل هولاكو، فقبض عليهم، واعتقلوا، وأمر بإعدامهم فأعدموا توسيطًا-أي:ضربوا بالسيف في وسطهم ليشطروا شطرين -، كل مجموعة منهم أمام باب من أبواب القاهرة، وعُلقت رؤوسهم على باب "زويلة". لقد عقد قطز العزم على حرب التتار، وكان قراره نهائيًا لا رجعة عنه؛ إذ هو المسوغ الوحيد لاستيلائه على السلطة، وتواترت المعلومات الموثوق بها عن زحف التتار باتجاه مصر، كما علم المصريون باستيلاء التتار على سورية وفلسطين، كما وصل إلى القاهرة كمال الدين عمر بن العديم أحد العلماء الأعلام رسولاً من الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب حلب والشام يطلب من قطز النجدة على قتال التتار.
    وجمع قطز القضاة والفقهاء والأعيان لمشاورتهم فيما يعتمد عليه من أمر التتار، وأن يؤخذ من الناس ما يستعان به على جهادهم، وحضر أصحاب الرأي في دار السلطنة بقلعة الجبل، وحضر الشيخ عز الدين بن عبد السلام، والقاضي بدر الدين السنجاري -قاضي الديار المصرية-، وأفاضوا الحديث، فكان الاعتماد على ما يقوله ابن عبد السلام، وخلاصة ما قال: "إنه إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب على العالم قتالهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم، بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء، وتبيعوا مالكم من الحوائص-أي:حزام الرجل وحزام الدابة- المذهبة والآلات النفيسة، ويقتصر كل الجند على مركوبه وسلاحه، ويتساووا هم والعامة، وأما أخذ الأموال من العامة، مع بقايا في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا يجوز".
    وانفض المجلس على ذلك، ولم يتكلم السلطان، وهو الملك المنصور علي ابن الملك المعز أيبك، لعدم معرفته بالأمور ولصغر سنه، فلهج الناس بخلع السلطان وتولية قطز حتى يقوم بهذا الأمر المهم. فقد علم قطز أنه لا بد من خروجه من مصر على رأس قواته العسكرية لقتال التتار، ولكنه لا يستطيع أن يفعل ما يريد، لأن الآراء مغلولة لصغر سن السلطان، ولأن الكلمة مختلفة، فجمع قطز الأمراء والعلماء من أصحاب الرأي، وعرفهم أن الملك المنصور هذا صبي لا يحسن التدبير في مثل هذا الوقت الصعب، ولا بد من أن يقوم بأمر الملك رجل شهم يطيعه كل أحد، وينتصب للجهاد في التتار، فأجابه الجميع: ليس لها غيرك.
    لقد كان الجواب على رسالة هولاكو هو: القتال، ولا شيء غير القتال. وكان هذا القرار متفقًا عليه من الجميع قبل وصول وفد هولاكو، وقبل وصول رسالته إلى القاهرة.
    ولم يكن إعدام الوفد إلا حافزًا جديدًا لقطز وقواته على القتال، دون أن يتركوا الباب مفتوحًا لحل آخر غير القتال.
    وهذا موقف لقطز في مثل تلك الظروف التي كانت تحيط به، موقف يُحمد عليه، لأنه انتزع آخر أمل من نفوس المترددين والانهزاميين في احتمال رضوخ قطز إلى مطالب التتار، فقال قطز قولته الحاسمة: "إن الرأي عندي هو أن نتوجه جميعًا إلى القتال، فإذا ظفرنا فهو المراد، وإلا فلن نكون مسلمين أمام الخلق".
    الحشد
    خرج قطز يوم الإثنين الخامس عشر من شعبان سنة 658 هـ - 1260م بجميع عسكر مصر ومن انضم إليهم من عساكر الشام ومن العرب والتركمان وغيرهم من قلعة الجبل في القاهرة، يريد معسكر الصالحية، معسكر مصر الكبير في شرق الدلتا.
    وقبل ذلك، وفي اليوم نفسه، أحضر قطز رسل "هولاكو" وأعدمهم، ليضع قواته المسلحة أمام الأمر الواقع: لا مفر من القتال.
    ونودي في القاهرة والفُسطاط وسائر أقاليم مصر بالخروج إلى الجهاد، وتقدم قطز إلى جميع الولاة يحث الأجناد للخروج إلى القتال، وسار حتى وصل إلى الصالحية، وتكامل حشد قواته، فجمع الأمراء وكلمهم بالرحيل، فأبوا كلهم عليه وامتنعوا عن الرحيل، فقال لهم: "يا أمراء المسلمين، لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين".
    وتكلم الأمراء الذين اختارهم وحلّفهم مؤيدين له في المسير، فلم يسع البقية غير الموافقة. لقد جمع قطز قادته قبل المسير، وشرح لهم خطورة الموقف، وذكرهم بما وقع من التتار في البلاد التي غزوها من شنيع السفك والتخريب، وما ينتظر مصر وأهلها من مصير مروع إذا انتصر التتار، وحثهم وهو يبكي على بذل أرواحهم في سبيل إنقاذ الإسلام والمسلمين من هذا الخطر الداهم، فضج القادة بالبكاء، ووعدوا ألا يدخروا وسعًا في سبيل مقاتلة التتار، وإنقاذ مصر والإسلام من شرهم.





    كان هولاكو في خلق لا يحصيهم إلا الله، ولم يكونوا من حين قدومهم على بلاد المسلمين سنة 616 هـ - 1219م يلقاهم عسكر إلا فلّوه، وكانوا يقتلون الرجال ويسبون النساء ويستاقون الأسرى وينهبون الأموال، لذلك آثر قادة قطز بعد إكمال حشد قواتهم حماية مصر لا غير، لكثرة عدد التتار واستيلائهم على معظم بلاد المسلمين، لأن التتار لم يقصدوا إقليمًا إلا فتحوه، ولا عسكرًا إلا هزموه، ولم يبق خارج حكمهم إلا مصر والحجاز واليمن، وقد هرب جماعة من المغاربة الذين كانوا بمصر إلى المغرب، لقد كانت المعنويات منهارة، فلا عجب أن يبذل قطز كل جهده لرفع معنويات قادته ورجاله خاصة، والشعب المصري عامة، وأن يستحث القادرين على حمل السلاح للجهاد بأرواحهم، والقادرين على تقديم الأموال للجهاد بأموالهم، وأن يحشد كل طاقاته المادية والمعنوية للحرب، فلا يعلو صوت على صوت المعركة، ولا يُقبل عذر من أحد قادر على الجهاد بماله وروحه، وقد قدم قطز مثالاً شخصيًا رائعًا في الجهاد بماله وروحه في سبيل الله.
    كما أن قطز صمّم على لقاء التتار خارج مصر، وألا ينتظرهم في مصر للدفاع عنها على الأرض المصرية، حتى يجنب مصر ويلات الحرب أولاً، ويرفع معنويات رجاله ومعنويات المصريين ثانيًا، ويوحي للتتار بأنه لا يخافهم فيؤثر ذلك على معنوياتهم ثالثًا، ولأن المدافع لا ينتصر مطلقًا إلا في نطاق ضيق محدود بعكس المهاجم الذي يؤدي انتصاره إلى كارثة تحيق بعدوه رابعًا، ولأن الهجوم أنجح وسائل الدفاع خامسًا وأخيرًا.
    إن تصميم قطز على قبول المعركة خارج مصر، كان قرارًا عسكريًا فذًا.
    المعركة
    وخرج قطز من مصر في الجحافل الشامية والمصرية، في شهر رمضان من سنة 658 هـ- 1260م وغادر معسكر الصالحية بجيشه، ووصل مدينه "غزة" والقلوب وجلة، وكان في "غزة" جمع التتار بقيادة "بيدر"، وكان بيدر هذا قد أخبر قائده "كتبغا نوين" الذي كان في سهل "البقاع" بالقرب من مدينة "بعلبك" بزحف جيش قطز، فرد عليه: "قف مكانك وانتظر". ولكن قطز داهم "بيدر" قبل وصول "كتبغا نوين" فاستعاد غزة من التتار، وأقام بها يومًا واحدًا، ثم غادرها شمالاً باتجاه التتار.
    وكان "كتبغا" مقدم التتار على جيش "هولاكو" لما بلغه خروج قطز، وكان في سهل البقاع قد عقد مجلسًا استشاريًا، واستشار ذوي الرأي في ذلك، فمنهم من أشار بعدم لقاء جيش قطز في معركة، والانتظار حتى يجيئه مدد من "هولاكو" ليقوى على مصاولة جيش المسلمين، ومعنى هذا مشاغلة جيش قطز بالقوات المتيسرة لديه ريثما ترده النجدات التي تضمن له النصر، ومنهم من أشار بغير ذلك -قبل المعركة- اعتمادًا على قوات التتار التي لا تقهر، وهكذا تفرقت الآراء، وكان رأي "كتبغا نوين" قبول المعركة ومواجهة جيش قطز، فتوجه من فوره جنوبًا باتجاه القوات المصرية.
    وكان أول الوهن اختلاف الآراء وظهور رأي يحبذ الانسحاب، ورأي يحبذ عدم الانسحاب وقتال قطز.
    وبعث قطز طلائع قواته بقيادة الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري لمناوشة التتار واختبار قواتهم، واستحصال المعلومات المفصلة عن تنظيمهم وتسليحهم وقيادتهم، فالتقى بيبرس بطلائع التتار في مكان يقع بين "بيسان" و"نابلس" يدعي: "عين جالوت" في "الغور" غور الأردن، وشاغل التتار حتى وافاه قطز على رأس القوات الأصلية من جيشه، وفي يوم الجمعة 25 رمضان سنة 658هـ- 6 سبتمبر1260م نشبت بين الجيشين المتقابلين معركة حاسمة، وكان التتار يحتلون مرتفعات "عين جالوت"، فانقضوا على جيش قطز تطبيقًا لحرب الصاعقة التي دأب التتار على ممارستها في حروبهم، تلك الحرب التي تعتمد سرعة الحركة بالفرسان، وكان القتال شديدًا لم يُر مثله، حتى قتل من الجانبين جماعة كثيرة.
    وتغلغل التتار عميقًا، واخترقوا ميسرة قطز، فانكسرت تلك الميسرة كسرة شنيعة، ولكن قطز حمل بنفسه في طائفة من جنده، وأسرع لنجدة الميسرة، حتى استعادت مواقعها.
    واستأنف قطز الهجوم المضاد بقوات "القلب" التي كانت بقيادته المباشرة، وكان يتقدم جنوده وهو يصيح: "واإسلاماه.. واإسلاماه.." واقتحم قطز القتال، وباشر بنفسه، وأبلى في ذلك اليوم أعظم البلاء، وكانت قوات "القلب" مؤلفة من المتطوعين المجاهدين من الذين خرجوا يطلبون الشهادة، ويدافعون عن الإسلام بإيمان، فكان قطز يشجع أصحابه، ويحسّن لهم الموت، ويضرب لهم المثل بما يفعله من إقدام ويبديه من استبسال.
    وكان قطز قد أخفى معظم قواته النظامية المؤلفة من المماليك في شعب التلال، لتكون كمائن، وبعد أن كر بالمجاهدين كرة بعد كرة حتى زعزع جناح التتار، برز المماليك من كمائنهم وأداموا زخم الهجوم بشدة وعنف.
    وكان قطز أمام جيشه يصرخ: "واإسلاماه.. واإسلاماه.. يا الله انصر عبدك قطز على التتار"، وكان جيشه يتبعه مقتديًا بإقدامه وبسالته، فقتل فرس قطز من تحته، وكاد يعرض للقتل لولا أن أسعفه أحد فرسانه، فنزل له عن فرسه.
    وسارع قطز إلى قيادة رجاله متغلغلاً في صفوف أعدائه، حتى ارتبكت صفوف التتار، وشاع أن قائدهم "كتبغا نوين" قد قُتل، فولوا الأدبار لا يلوون على شيء.
    وكان "كتبغا نوين" يضرب يمينًا وشمالاً غيرة وحمية، وكان يكر على المسلمين، فرغَّبه جماعة من أتباعه في الهرب، ولكنه لم يستمع إليهم وقال: "لا مفر من الموت هنا، فالموت مع العزة والشرف خير من الهرب مع الذل والهوان".
    ورغم أن جنوده تركوه وهربوا فقد ظل يقاتل حتى قُتل، وفي رواية أخرى أن جواده كبا به، فأسره المسلمون، والرواية الأولى أصح.
    وكانت هناك مزرعة للقصب بالقرب من ساحة القتال، فاختفى فيها فوج من التتار، فأمر قطز جنوده أن يضرموا النار في تلك المزرعة، وأحرقوا فوج التتار جميعًا.
    وبدأ المسلمون فورًا بمطاردة التتار، كما طاردهم المسلمون الذين لم يكونوا من جيش قطز، حتى دخل قطز دمشق في أواخر شهر رمضان المبارك، فاستقبله أهلها بالابتهاج.
    وامتدت المطاردة السريعة إلى قرب مدينة حلب، فلما شعر التتار باقتراب المسلمين منهم تركوا ما كان بأيديهم من أسارى المسلمين، ورموا أولادهم، فتخطفهم الناس، وقاسوا من البلاء ما يستحقونه.


    أسباب النصر

    يجدر بنا أن نتوقف قليلاً لمعرفة أسباب انتصار قطز على التتار.
    إن كل الحسابات العسكرية تجعل النصر إلى جانب التتار بدون أدنى شك، ولكن الواقع يناقض كل تلك الحسابات، فقد انتصر قطز، وانهزم التتار.
    فقد كان لقادة التتار تجارب طويلة في الحروب، ولم يكن لقطز وقادته مثل تجارب قادة التتار ولا ما يقاربها، والقائد المجرب أفضل من القائد غير المجرب قطعًا، وكذلك الجيش المجرب أفضل من الجيش الذي لا تجربة له.
    وكانت معنويات التتار قادة وجنودًا عالية جدًا، لأنهم تقدموا من نصر إلى نصر، ولم تهزم لهم راية من قبل أبدًا، وكانت معنويات قادة قطز وجنوده منهارة، وقد خرج أكثر القادة إلى القتال كرهًا.
    وقد انتصر التتار في حرب الأعصاب، فكانوا ينتصرون بالرعب، مما يؤثر في معنويات أعدائهم أسوأ الأثر، والجيش الذي يتحلى بالمعنويات العالية ينتصر على الجيش الذي تكون معنوياته منهارة.
    وكانت كفاية جيش التتار متفوقة على كفاية جيش قطز فواقًا كاسحًا، لأن جيش التتار خاض معارك كثيرة، لذلك كانت تجربته العملية على فنون القتال باهرة إلى أبعد الحدود، أما جيش قطز، فقليل التجربة العملية قليل التدريب.
    والجيش الذي يتحلى بالكفاية -خاصة في ميدان التدريب العملي- ينتصر على الجيش الذي لا كفاية عملية لديه.
    وكان جيش التتار متفوقًا على جيش قطز عَددًا وعُددًا، وقد ازداد تعداد جيش التتار بالذين التحقوا به من الموالين والمرتزقة والصليبيين، بعد احتلاله أرض الشام، والتفوق العَددي والعُددي من عوامل إحراز النصر.
    وكان جيش التتار يتمتع بمزية فرسانه المتدربين، وكان تعداد فرسانه كبيرًا، مما ييسر له سرعة الحركة، ويؤدي إلى تطبيق حرب الصاعقة التي كانت من سمات حرب التتار، والجيش الذي يتحلى بسرعة الحركة يتغلب عل الجيش الذي لا يتحلى بهذه الميزة.
    وكانت مواضع جيش التتار في عين جالوت أفضل من مواضع جيش قطز، لأن تلك المواضع كانت محتلة من التتار قبل وصول جيش قطز إلى المنطقة التي كانت تحت سيطرة التتار.
    وللأرض أثر عظيم في إحراز النصر
    وكان جيش التتار متفوقًا على جيش قطز في قضاياه الإدارية؛ إذ كان يستند على قواعده القريبة في أرض الشام، وهي التي استولى عليها واستثمر خيراتها، بينما كانت قواعد جيش قطز بعيدة عنه، لأنه كان يعتمد على مصر وحدها في إعاشته، والمسافة بين مصر وعين جالوت طويلة؛ خاصة في تلك الأيام التي كانت القضايا الإدارية تنقل على الدواب والجمال مخترقة الصحاري والوديان والقفار.
    هذا التفوق الساحق الذي بجانب التتار في سبع مزايا حيوية:
    التجربة العملية، والمعنويات العالية، والكفاية القتالية، والعدد والعدة، وسرعة الحركة، والأرض، والقضايا الإدارية، هذا التفوق له نتيجة متوقعة واحدة، هي: إحراز النصر على قطز وجيشه أسوة بانتصاراتهم الباهرة على الروم والفرس والعرب والأمم الأخرى في زحفهم المظفر الطويل.
    ولكن الواقع أن الجيش المصري انتصر على جيش التتار، فكيف حدث ذلك؟
    أولاً: قدّم شيوخ مصر، وعلى رأسهم الشيخ العز بن عبد السلام إرشاداتهم الدينية لقطز، فأخذ بها ونفذها على نفسه وعلى رجاله بكل أمانة وإخلاص، وأمر رجاله بالمعروف ونهاهم عن المنكر، فخرج الجيش من مصر تائبًا منيبًا طاهرًا من الذنوب.
    وكان على رأس المجاهدين جميع القادرين من شيوخ مصر على السفر وحمل السلاح وتحمل أعباء الجهاد.
    ثانيًا: قيادة قطز الذي كان يتحلى بإرادة القتال بأجلى مظاهرها، فكان مصممًا على قتال التتار مهما تحمل من مشاق، وبذل من تضحيات، ولاقى من صعاب.
    ولعل إصراره على مهاجمة التتار خارج مصر، وعدم بقائه في مصر، واختياره الهجوم دون الدفاع، واستبعاده خطة الدفاع المستكن، هو الذي جعل رجاله قادة وجنودًا في موقف لا يؤدي إلا إلى الموت أو النصر، مما جعلهم يستقتلون في الحرب، لأنه لم يكن أمامهم في حالة الهزيمة غير الإبادة والإفناء.
    إن قطز لم يجاهد ليتولى السلطة، بل تولى السلطة من أجل الجهاد.
    ثالثًا: إيمان قطز بالله واعتماده عليه، وإيمان المتطوعين في جيشه من المجاهدين الصادقين الذين خرجوا طلبًا للشهادة، كان له أثر عظيم في إحراز النصر.
    إن أثر قطز والمجاهدين معه في معركة عين جالوت كان عظيمًا، وحين اطمأن قطز إلى نصر الله ترجل عن فرسه، ومرغ وجهه في التراب تواضعًا، وسجد لله شكرًا على نصره، وحمد الله كثيرًا وأثنى عليه ثناءً عاطرًا.
    لقد كان انتصار المسلمين في "عين جالوت" على التتار انتصار عقيدة لا مراء.
    الشــهيد

    لم تمض أسابيع قلائل، حتى طُهرت بلاد الشام كلها من فلول التتار، فرتب قطز أمور البلاد، واستناب على دمشق أحد رجاله، ثم خرج من دمشق عائدًا إلى مصر، إلى أن وصل إلى "القصير"، وبقي بينه وبين الصالحية المعسكر الذي حشد فيه قواته قبل الحركة لقتال التتار مرحلة واحدة، ورحلت قواته إلى جهة الصالحية، فانقض عليه عدد من الأمراء وقتلوه على مقربة من خيمته، ذلك يوم السبت 16 من ذي القعدة سنة 658 هـ- أكتوبر- 1260م، ولم يمض يومان على قتله حتى حلّ "بيبرس" مكانه باسم الملك الظاهر.
    وقد دفن قطز في موضع قتله، وكثر أسف الناس وحزنهم عليه، وكان قبره يُقصد دائمًا للزيارة..
    وكانت سلطنة قطز سنة إلا يومًا واحدًا.
    وكان قطز بطلاً شجاعًا مقدامًا حسن التدبير، يرجع إلى دين وإسلام وخير، كما قال فيه الذهبي، وله اليد البيضاء في جهاد التتار، فعوض الله شبابه بالجنة ورضي عنه.
    لقد كان قطز صادقًا عزيز النفس، كريم الأخلاق، مجاهدًا من الطراز الأول.
    قُتل قاهر التتار مظلومًا، فخسر روحه وربح الدنيا والآخرة، وسجله التاريخ في أنصع صفحاته - رضي الله عنه وأرضاه-، وجعله قدوة صالحة لقادة العرب والمسلمين، فما أشبه غزو التتار بغزو الصهاينة، وما أشبه دعم الصليبيين القدامى للتتار بدعم الصليبيين الجدد للصهاينة، وما أحوجنا اليوم إلى مثله قائدًا يتخذ الهجوم مبدأ، ولا يكتفي بالدفاع، ويتخذ العمل منهجًا ولا يكتفي بالكلام، ويقاتل العدو الصهيوني في الأرض المحتلة، ولا ينتظر أن يقاتله في أرضه، ويطلب الموت لتوهب له الحياة
    ..
    نابليون بونابرت





    قائد عسكري وإمبراطور فرنسي، ولد في جزيرة كورسيكا وكانت فرنسا استولت جزيرة كورسيكا قبل ولاته بخمسة عشر شهرا، وكان نابليون وطنيا متطرفا، وعندما حدثة الثورة في فرنسا جاءت فرصة نابليون في سنة 1793 عندما حاصر الفرنسيون مدينة تولون واستردوها من البريطانيين، وكان نابليون قائدا للمدفعية براع وقد عدل عن نزعاته الوطنية وأصبح مخلصا، وأكتسب احترام الجميع وأصبح قائدا للجيش الفرنسي في إيطاليا وأصبح انتصارات كبيرة وحكم أوروبا بأسرها تقريبا، وأرسل نابليون إلى مصر بهدف القضاء على تجارة إنجلترا مع الهند، ولكن حملته انتهت بالفشل أمام الأسطول الإنجليزي بقيادة نيلسون في معركة النيل، فعاد إلى فرنسا، ثم أعلن بعدها نفسه مستشارا أول لمدة عشر سنوات ثم لقب بالإمبراطو، ودخل الحرب عام 1805 ثانية ضد أعظم ثلاث قوى وهي: بريطانيا و النمسا و روسيا، فنجح في دحر النمسا وروسيا في استرلتين، ثم هزم بروسيا في جينا عام 1806، وتحدت روسيا حلف نابليون فهاجمها عام 1812، متغلبا على الجيش الروسي، ولكنه عندما دخل موسكو كان أهلها قد دمروها وكان جيشه جائعا تعبا يعاني من برد الشتاء في روسيا، وأخيرا هزم هذا الرجل عام
    1815، ونفى بعدها إلى جزيرة القديسة هيلينا حيث مات بسرطان المعدة.
    تومـــاس أديســون



    مخترع أمريكي عظيم ولد في مدينة ميلانو بولاية أوهايو الأمريكية، ولم يتعلم في مدارس الدولة إلا ثلاثة أشهر فقط، فقد وجده ناظر المدرسة طفلا بليدا متخلفا عقليا! وظهرت عبقريته في الاختراع وإقامة مشغله الخاص حيث أظهر سيرته المدهشة كمخترع، ومن براءاته ، اختراع مسجلات الاقتراع و البارق الطابع والهاتف الناقل الفحمي والمكرفون والفونوغراف أو الفرامافون و اعظم اختراعاته المصباح الكهربي،والكثير وأنتج في السنوات الأخيرة من حياته الصور المتحركة الناطقة، وعمل خلال الحرب العالمية الأولى لصالح الحكومة الأمريكية، وقد سجل أديسون باسمه أكثر من ألف اختراع وهو عدد لا يصدقه العقل، وتزوج أديسون مرتين وقد ماتت زوجته وهي صغيرة، وكان له ثلاثة أولاد من كل زوجة، أما هو فقد مات في نيوجرسى سنة 1931
     
    أفــلاطـــــــون


     





    فيلسوف إغريقي عظيم ومعلم لفيلسوف أرسطو وكان أفلاطون التلميذ الشهير لفيلسوف سقراط، ولد أفلاطون من أسرة غنية في مدينة أثينا وهو يعتبر أعظم آباء الفكر الغربي كله، وهو شاب صغير عرف الفيلسوف سقراط وظل صديقا له، وكان سقراط في السبعين من عمره،وحكموا عليه بإعدام بتهمة إفساد عقول الشباب، وترك هذا الإعدام أثرا سيئا في نفس أفلاطون وترك أفلاطون مدينة أثينا بعد ذلك لفترة طويلة وعاد إلى أثسنا وأسس مدرسة هناك وأسماها الأكاديمية، وكان أشهر تلامذته فيلسوف العظيم أرسطو، وألف أفلاطون 36 كتابا أكثرهاعن السياسة والأخلاق وعن أمور ما بعد الطبيعة وعن الإلهيات، ومات أفلاطون بعمر الثمانين تقريبا ..


    كلمات مفتاحية  :
    تاريخ شخصيات احداث

    تعليقات الزوار ()