( الأدميرال بنج )
قائد الأسطول البريطاني
أعدم رميا بالرصاص في 14 مارس 1757، علي ظهر البارجة (مونارك) احدي قطع الأسطول البريطاني الراسي في ميناء ( بورت سموث ) بانجلترا.. أي أن هذه الباخرة كانت مسرحا لمأساة تاريخية كبري وقعت أحداثها في القرن الثامن عشر...
كانت الجريمة التي نسبت إليه هي أنه: ظهر بمظهر الجبان الرعديد عند مواجهته للأسطول الفرنسي بالغرب من جزيرة ( ميتوركا ) بالبحر الأبيض المتوسط'
هذا الحادث المؤسف وصمة عار في جبين العدالة البريطانية إلي أبد الآبدين.. حقيقة لقد هزم الأدميرال بنج في هذه الموقعة البحرية، ولكن ذلك لم يكن عن جبن كما نسب إليه في قرار الاتهام، بل لأن أسطول العدد كان يفوقه عددا وقوة'
ملخص القصة، أن فرنسا أرادت أن تستعيد جزيرة ميتوركا التي كانت تملكها واستولت عليها انجلترا، وأعدت لذلك أسطولا مكونا من اثنتي عشرة بارجة تحمل ستة عشر ألف مقاتل، وعتادا ومؤنه لا حصر لها، بينما كان أسطول بنج يتكون من عشر سفن صغيرة في حالة غير صالحة للحرب!
وكان رئيس وزراء انجلترا ( نيوكاسل ) يعلم بتحرك الأسطول الفرنسي، ومن هنا أصدر الأمر إلي الأدميرال بنج في 7 ابريل سنة 1756 بالإبحار إلي هناك للدفاع عن الجزيرة. ولو كان الأسطول البريطاني في حالة جيدة لأمكنه بسهولة أن يهاجم الأسطول الفرنسي في عرض البحر مادام لم يستول علي الجزيرة بعد، وكان الأسطول الفرنسي تحت قيادة أدميرال البحر (لاجالبسويتر) ، وتقابل الأسطولان وجها لوجه في العشرين من شهر مايو..
وبعد المعركة الأولي عقد بنج اجتماعا بالبارجة ضم جميع ضباط السفن المحاربة، واتضح أن الخسارة التي لحقت بالأسطول البريطاني كانت اثنين وأربعين قتيلا من الجنود منهم القبطان ( أندروز ) قائد البارجة (ديفاياني) ومائة وستة وثمانون جريحا
واقترح القائد أن يعود بالأسطول إلي جبل طارق، حيث وجد أن الجزيرة ليست علي استعداد لمقاومة الأسطول الفرنسي إذا أراد الاستيلاء عليها.. وبعد نقاش طويل وافق قادة الأسطول علي الانسحاب، وهاجم الأسطول الفرنسي الجزيرة واستولي عليها بعد مقاومة ضعيفة من جانب الجنرال ( بلاكن ) حاكم الجزيرة بالنيابة.
كان لاستيلاء الفرنسيين علي الجزيرة رنة حزن وأسف في انجلترا، وضربة شديدة لكبريائها، وطلب الرأي العام محاكمة من تسبب في هذه الكارثة، وألقي اللوم علي الحكومة لأنها أهملت تحصين هذه الجزيرة، وطلب إجراء تحقيق سريع في هذا الشأن عندئذ لم تجد الوزارة بدا من أن تجعل من الأدميرال بنج كبشن فداء
أعيد بنج ونائبه (دست) إلي انجلترا أسيرين وكرم الجنرال بلاكن الذي دافع عن الجزيرة قدر استطاعته فقد أنعم عليه بلقب (باردن) كما ألقي القبض أيضا علي الجنرال ( فويك ) حاكم جبل طارق الذي تقاعس عن مساعدة الأسطول البريطاني
المحاكمة
شكلت محاكمة عسكرية في 28 من ديسمبر 1756 لمحاكمة الأدميرال، وتلي عليه الاتهام الذي يتلخص في أنه أظهر كثيرا من الجبن تجاه العدو، وكانت هذه الجريمة تعتبر في ذلك الوقت من جرائم الخيانة العظمي ودافع الأدميرال بنج عن نفسه فقال: أقف اليوم في موقف لا أحسد عليه فإن التهمة الموجهة إلي لاتهدد حياتي، وكل ما أملك بل تهدد أيضا ذكراي بعد وفاتي، فلا عجب إذا رأتني المحكمة مضطربا، ولكن متأكد من براءتي كما أنني متأكد أيضا من عدالة هذه المحكمة'
وأخذ بعد ذلك يشرح بوضوح تام تفاصيل المعركة التي نشبت بين أسطوله وأسطول العدو وكيف كان أسطوله في حالة يرثي لها، وتصور أن المحكمة ستحكم عليه بالبراءة، ولكن خاب ظنه، فقد حكم عليه بالإعدام، رغم أن اللورد ( تمبل ) رئيس المجلس الأعلى للبحرية وقتئذ كان له رأي أخر، إذ صرح بأن بنج لا يستحق الحكم عليه بالإعدام مادام قد اتضح للمحكمة عدم ثبوت تهمة (الجبن) المنسوبة إليه.
ونفذ حكم الإعدام في يوم 14 مارس . وقاموا بوضع عصابة علي عينية إلا أنة رفض وضعها ، عندها ألح عليه أحد الضباط بأن وجوده غير معصوب العينين قد يسبب اضطرابا للجنود الذين سيطلقون النار عليه! جلس علي كرسي وضع فوق ظهر البارجة، وفي لحظة أطلق عليه أربعة رصاصات اخترقت جسده.
وعلي شاطئ ميناء( بورت سموث ) كانت جموع من الناس يتطلعون ببصرهم ناحية البارجة الراسية في الميناء، وقد لاح علي سطحها سيد كبير الحجم، راكعا علي ركبتيه، وعصبت عيناه بعصابة سوداء، ووقف أمامه أربعة جنود من البحرية أطلق عليه واحد منهم ثلاث رصاصات بكل هدوء فسقط صريعا.. ثم انصرف الناس.
سأل المشاهدون لهذا الحادث رجلا يقف بجانبه فقال:
ما معني كل هذا؟
ومن يكون هذا النفس الذي أعدم بهذه الطريقة الوحشية؟
أجاب الرجل:
هو الأدميرال.
ولماذا يعدمون الأدميرال؟
فأجاب آخر من المشاهدين.
لأنه عجز عن قتل أدميرال آخر مثله اشتبك معه في معركة بحرية ولم يقترب ببارجته الاقتراب الكافي حتى يتمكن من الفتك به!
وهل هذا يدعو إلي إعدامه رميا بالرصاص؟
أجاب المسئول:
يقولون أنه من مصلحة هذا البلد قتل أدميرال من وقت لآخر، وذلك لتشجيع الآخرين'!
وهكذا انتهت حياة الأدميرال بنج قائد الأسطول الانجليزي في القرن الثامن عشر ... وفقد حياته ليكون كبش فداء لأوضاع كانت تسود بلاده.
فقد كان بنج ضحية الإدارة الضعيفة التي كانت تدار بها انجلترا وقتذاك، فقد أرادت الوزارة أن تنجو بسمعتها أمام الرأي العام عندما سقطت ميتوركا في أيدي الفرنسيين، قررت أن تلصق تهمة هذه الهزيمة بالأدميرال بنج وأن يموت ميتة خائن لبلاده.
إذا كان هناك من الحب ما قتل.. فإن الحقيقة تؤكد ذلك
(هيباتيا)
ابنة الفيلسوف (يتون)
حدثت هذه القصة في الإسكندرية عام 415م التي تؤكد هذه الحقيقة المؤلمة، وأن المشاعر كثير ما تقود إلي الهلاك.
بطلة هذه القضية هي الفتاة التي ولدت بالإسكندرية عام 370 للميلاد، وماتت عام 415م.. كانت هذه الفتاة البالغة الجمال بنت الفيلسوف (يتون).. وكان من الطبيعي وقد عاشت في بيئة تحب الفلسفة، وتنشد المعرفة.. وتتوق إلي أن يصبح العقل هو هادي الإنسان في حياته، كان من الطبيعي أن تقلد والدها، وتعتز بالثقافة اليونانية وبفلسفة أفلاطون وأرسطو، وأصبحت لها شهرتها في شرح فلاسفة اليونان، مما مهد لها الطريق أن سند إليها كرسي الفلسفة في جامعة الإسكندرية.
وكان هذا العصر عصر صراع بين الفكر المسيحي النامي، وبين الفكر اليوناني والفلسفة اليونانية.. وكانت الإسكندرية مسرحا لهذا الصراع بين رجال الدين، وبين الذين لا يرون هناك تناقضا بين العلم والدين وكانت (هيباتيا) تري هذا الرأي.. وأنه ليس ثمة تعارضا بين الدين والعلم، وانه لا يخشي من الثقافة علي الدين، بل علي العكس فإن الثقافة توسع المدارك وتهوي إلي اليقين.
وكان في الإسكندرية كاهن متعصب يدعي (سيربل) ويري أن الفلسفة تفسد الدين.
وكان يحكم الإسكندرية حاكم مستنير يؤمن بالثقافة اليونانية، ومتأثر بها، فكان من الطبيعي أن يحمي هذا الحاكم (هيباتيا).. ويساندها ويعمل علي أن تنشر أفكارها.. وهذه الأفكار لا تهدد الدين.. لأن الدين في القلب والوجدان ومن الصعب زعزعته، كما أن أراء أفلاطون وأرسطو تنير العقول، ففتح أفاق عريضة للاعتداء بالعقل في الحياة..
وكان الناس يستمعون إلي (هيباتيا) وهي تعقد الحلقات في الشوارع، حيث تجلس علي الأرض، وحولها أتباعها، ويستمعون لصوتها العذب الجميل وهي تشرح لهم أراء فلاسفة اليونان العظام..
كان هناك أحد حراس الحاكم واسمه (ابو لونيوس) يهيم بها حبا، وكانت هي تعرف ذلك، ولكنها أخبرته أن قررت أن تعيش حياتها مع الفكر والفلسفة، وأنها لن تتزوج، وأنها تقدر شعوره، وعليه أن يبحث عن أخري تملأ عليه حياته، ولكن هذا الشاب كان مفتونا بها، وكان حبه لها يفوق أي تصور، وقرر أن يقترن بها مهما كانت الصعوبات ومهما كانت أشواك الطريق.
وهداه تفكيره أن يؤلب عليها الجماهير التي تحيط بها عند شاطئ البحر، ويستمعون إليها، وكثير من هؤلاء من أتباع (سيريل المتعصب) وعندما تثور عليها الناس، ينقذها، ويذهب بها إلي مقر الحاكم، وهناك يقنعها أن مكان المرأة الطبيعي هو البيت والزواج وخدمة زوجها، وقضاء الوقت في غزل الصوف وعمل البيت، وبذلك يفوز بها، وتصبح زوجته الأثيرة إلي نفسه الذي يقضي معها رحلة العمر.
وذات يوم وهي تتجه صوب شاطئ الإسكندرية بقامتها المديدة، وجمالها المفرط، ومتشحة بمئزرها الأبيض، وشعرها الغزير يتهدل علي كتفها. وهي تتجه إلي صخرة بجانب الشاطئ، كان (ابدلونيوس) يتسلل مع الناس المتجهة إلي سماعها.. قالت لهم:
(الله معرفة ونور، وهو جل جلاله إذا كان قد أودع فوره في قلوب الرسل والأنبياء، فذلك ليقتبس الإنسان النور منهم، ويدرك أن في وسعه بهذا النور أن يفكر بعقله المستقل، ويتصل بنور الله نفسه.
فالفلسفة لا تعترض الدين إذ الدين عاطفة وضمير، والفلسفة بحث في أصل هذه العاطفة وهذا الضمير.. إعلاء لشأن الإنسان، وتمكينا له من فهم سر وجوده، ومعالجة شئون دنياه، والجميع بين ضميره الديني وعقله البشري في وحدة داعية ورائعة ترمز إلي الوحدة الكاملة الكبير التي هي الله ).
وانقسم الناس وهم يستمعون إلي هذه الحكيمة الجميلة وهي تتحدث عن عدم التناقض بين الفلسفة والإيمان.
بعضهم يؤيدها ويهتف لها..
والبعض الآخر يعارضها ويهتف ضدها وذهلت الفتاة وهي تري حبيبها (أبدلونيوس) يقف بين الجماهير ويهاجمها ويؤلب عليها الناس، ويطلب منها الكف عن نشر الفلسفة والعلم، حتى يستقر الأمن في المدينة المنقسمة، وكان معه خمسة من رجال الحرس، لقد صرخ في وجه الفتاة الجميلة المثقفة:
هذا كلام الزنادقة والكفرة يا فتاة.. لن نؤخذ به، ولن ندع العقل البشري الناقص يستكبر علي القوة التي خلقته.
الدين والعلم لا يتفقان، نحن لسنا في حاجة إلي علم.. في الكتاب المقدس وحده لكل الحقائق وكل العلم!!!
هاج الناس..
قال إتباعها إنه يثير المتعصبين وأن الحاكم نفسه نصيرا للعلم.
قال لهم:
إن مهمة الحاكم الحفاظ علي الأمن، وهيباتيا تنشر الفوضى، وأنه بوصفه رئيس الحرس يجب أن يصون سلامة المدينة وسلامة الحاكم وأن يحفظ الأمن، ويفضي كل مظاهرة وكل اجتماع.
كان يحرض الناس علي (هيباتيا) والفتاة غير مصدقة لما تسمع وتري.. الرجل الذي يدعي أنه يهم بها حبا، يؤلب الناس عليها، ويتهمها بالإلحاد، وبث الفوضى، ويطالبها بأن تعود إلي البيت، لأن مكان المرأة الحقيقي هو البيت، حيث تغزل الصوف.. ثم يتمادي في بغضه وكراهيته لها، ويريد أن يثور الناس عليها، فقالت بصوت مرتفع للجماهير:
هذا الرجل يخدعكم.. يريد أن يسومكم الجهل والفقر باسم الدين، لينعم هو وأمثاله بالدنيا علي حسابكم.
الدين هو العدل..
الدين هو الحرية..
صرخ أحد المتعصبين:إنها تحرف.. تقول أن علمها هو الدين، وإذن فالعلم في زعمها يحل محل الله.. لا ترحموها!!
وذهلت الفتاة الجميلة المثقفة، وهي تري أن الندوة قد تحولت إلي ثورة ضدها، وأن هذه الجماهير المتعصبة، قد أعماها التعصب، وأنها انقادت بحكم غريزة القطيع إلي هذا الرجل الذي انقلب حبه لها إلي كره، بل إنه يريد أن يغري بها الدهماء لقتلها، إنها تسمع هدير الناس والمطالبين بدمها، وحاول البعض أن يذهب إلي قصر الحاكم لإنقاذ الفتاة، ولكن الوقت لم يعد في صالحها.. لقد تغيرت الجماهير، وقررت الثورة عليها والفتك بها..
وهنا أدرك (ابدلونيوس) أن خطته قد فشلت، وأنه لن يستطيع أن يخطف الفتاة إلي قصر الحاكم، وأنهم سوف يقتلونها، فحاول هو ومن معه من الحراس الدفاع عنها،ودافعوا عنها بالفعل دفاعا مستميتا والجماهير ترمها بالحجارة حتى سقطت إعياء، وشاهدت الرجل والحرس يدافعون عنها باستماتة ففهمت أن الرجل كان يهاجمها ويؤلب عليها الناس بدافع أن يخطفها ويذهب بها إلي الحاكم، وهناك يقنعها بالتفرغ للحياة الزوجية..
عرفت ذلك وهي تراه يصد عنها قذائف الحجارة ويفتديها بنفسه، ولكن كان ذلك بعد فوات الأوان، فقد أدمتها هذه الحجارة حتى ماتت بين يديه، ومات هو الأخر وهو يحتضنها ويبكيها بفعل الرمي بالحجارة، وهكذا ذهبت الفتاة العظيمة كما يقول إبراهيم المصري ضحية أنانية الرجل وفريسة التعصب، وشهيدة الحرية والفكر والضمير....
عدوة شكسبير
دليا بيكون
الأمريكية التي اتهمته بالجهل وسرقة أفكار مسرحياته
طلبت نبش قبره وانتهت حياتها بالجنون
لاشك أن ( وليم شكسبير )هو أعظم كاتب مسرحي عرفه التاريخ. لطالما تباهت به انجلترا حتى قالت عنه انه أهم من ممتلكاتها في الهند ،فهو تاج علي رأس كل انجليزي، بما أوتي من موهبة وعبقرية وشهرة تجاوزت بريطانيا إلي مختلف أرجاء العالم..
ألف شكسبير العديد من القصائد والمسرحيات، وأصبح واحدا من أصحاب مسرح 0 ( الجلوب ) الذي يقع في أحد ضواحي لندن، ثم سرعان ما اشتهر وحصلت فرقته علي إذن بتغيير اسمها إلي الفرقة الملكية، وفي بعض الأحيان كانت تقدم عروضها في القصر الملكي.
وقد تزوج شكسبير وأنجب بنتا وتوأمين، واعتزل المسرح عام 1612 أي قبل وفاته بأربع سنوات ليعيش في مهبط رأسه ودفن هناك.
وقد كتب شكسبير 37 مسرحية ذاعت وانتشرت وتأثر به المسرح العالمي، وتحول العديد من هذه المسرحيات إلي أفلام سينمائية وتحول بعضها الآخر إلي مسرحيات موسيقية.
ومع كل هذه الشهرة التي حظي بها شكسبير إلا أن هناك باحثة أمريكية تدعي ( دليا بيكون) كرست حياتها للبحث في أعماله وتخرج من دراستها بأن شكسبير مجرد لص.. وكان متهما بالسرقة . ولكنها تمادت في كراهيتها لشكسبير، وأعلنت انه ليس هو المبدع الحقيقي لهذه المسرحيات التي تنسب إليه، ثم تمادت في ادعائها فحاولت أن تنبش قبر شكسبير لتعرف أسرار هذا القبر!!
ولكن السلطات رفضت هذا الطلب الغريب وعندما سنحت لها الظروف وحاولت أن تنبش هذا القبر خافت من عاقبة عملها هذا، واكتفت بأن تؤلف كتابا عن شكسبير لتقول فيه:
اني أعرف أن (هنري شيتل ) (وفرانسيس ميرز) بل والناقد العظيم ( بن جونسون ) قد كتبوا عنه، وأشادوا بشعره، ولكنهم لو يدرون لم يكتبوا عن الرجل المسمي وليم شكسبير بل عن تلك المجموعة من العظماء التي كتبت هذه المسرحيات، واختارت لنفسها قناع وليم شكسبير فلقد كانوا يحبون بعضهم بعضا من خلاله، وكأنهم يعلنون إنهم يدركون أصول اللعبة التي لا تخفي علي أحد من المثقفين، وان خفيت علي الملكة ( إليزابيث ) ذاتها.. وإلا فإني أرجوكم أن تدلوني متى تعلم هذا الشاكسبير التاريخ، ومتي قرأ آثار الإغريق، ومتي تعلم آداب البلاط وتقاليد الفروسية؟
ومتي حصل علي قدر من الحربية، وكيف يتسنى له ذلك كله وهو يكتب مسرحيتين كل عام.. وهل وجدتم في أوراقه مخطوطا لأحدي مسرحياته بخطه هو؟
وهل وجدتم خطابا لناشر أو كاتب زميل أو ناقد أو ممثل؟
وقالت أيضا 'أؤكد لكم أيها السادة أن شكسبير لم يضع طول حياته سن قلم علي ورقة'
والغريب أن بعض المثقفين تأثروا بكلامها، وأن شكسبير اتخذه البعض ستارا هدف هؤلاء العظماء الذين يكتبون له محاولة بث الأفكار الديمقراطية التي تحارب حق الملوك والملكات في الاستئثار بالسلطة، وتؤيد قضايا الحرية والمساواة والعدل
ولكن ما الذي جعل هذه النافذة تأخذ هذا الموقف العدائي من الكاتب والشاعر الشهير؟
وما الذي دفعها أن تترك بلادها أمريكا وتستعين بمن يساعدها علي السفر إلي انجلترا ويمدها ببعض المال الذي يساعدها في رحلتها تلك؟
إنها قرأت الأبيات المكتوبة علي قبر شكسبير وهي أبيات ركيكة من الشعر، مما حدا بها أن تشك في عبقرية الشاعر الكبير.. الأبيات تقول:
الصديق الطيب لخير يسوع
أن يحفر التراب النادي هنا
ليبارك الله فيمن يحفظ هذه الأحجار
ويعلن ذلك الذي يحرك عظامي
هذه الأبيات حركت الشك في قلب الكارهة لشكسبير.وكان سفرها إلي انجلترا.
التقت هناك ببعض المثقفين الانجليز الذين لم يوافقوا علي أرائها في شاعرهم الكبير، واعتقدوا أن رأي هذه المرأة الأمريكية ما هي إلا مجرد 'موضة' كتلك الموضات التي تشتهر بها أمريكا.
ولكن كتابها الذي صدر في ابريل من عام 1857 وكان عدد صفحاته تقترب من التسعمائة.. تشك في قدرة شكسبير علي تأليف هذه المسرحيات.
وتأثر بهذه الآراء البعض من المثقفين، وهم يقرأون ما كتبته هذه المرأة الأمريكية، وأن شكسبير واجهة تخفي ما كتبه (السير فرانسيس ييكون والسير فيليب سيدني والشاعر ادموند سبنسر) .
عاشت هذه الكاتبة الأمريكية في انجلترا وهي تحاول أن تهدم شكسبير، وعاشت في لندن أربع سنوات حتى أتمت كتابها هذا!
ولكن ما صدي هذا الكتاب؟
قابل النقاد هذا الكتاب بالهجوم الشرس وبدلا من أن يساعد هذا الهجوم علي انتشار الكتاب كما يحدث في العادة، حدث العكس تماما، فقد تجاهله القراء كما هاجمه النقاد.
يقول الشاعر الكبير صلاح عبدالصبور:
'ولكن سنوات مضت ووقع الكتاب في بعض الأيدي المتأوية.. وأثار ومضات من الخيال والفكر، فلقد قرأه مثلا (مارك توين) بعد عشرين سنة من صدوره، واقتنع بما فيه، أما الآن فإن الرأي يكاد ينعقد أن هذه السيدة قد فتحت بابا من الجدل لا يغلق، وخلقت ما يسمي في عالم الأدب 'المشكلة الشكسبيرية'.
ولكن لعنة شكسبير حلت بها للمرة الثانية بعد كتابها.
فلقد كان الجهد الذي بذلته قد هدٌّ قواها، وكان استقبال النقاد لكتابها قد برد ما بقي من عزمها وجلدها، فانهارت المرأة التي عرفناها قوية الشكيمة بالغة الجد، وما لبثت أن فقدت توازنها العقلي، فأشرف (هوثورن) علي نقلها إلي احدي مصحات المجانين، حتى أدركها أحد أقاربها، فحملها مرة ثانية إلي نيويورك في ابريل عام 1858
وبعد ذلك بعام واحد سلمت (دليا بيكون) الروح، وقال هوثورن عند سماع خبر موتها:
لقد سقطت عليها أحجار قبر شكسبير التي حاولت نقضها'!