متى لاح برق أو بدى طلل قفر |
جرى مستهل لا بكيء ولا نزر |
وَما الشّوْقُ إلاّ لَوْعَةٌ بَعدَ لَوْعَةٍ، |
وَغُزْرٌ منَ الآمَاقِ، يَتبَعُها غُزْرُ |
فَلا تَذكُرَا عَهدَ التّصابي، فإنّهُ |
تَقَضّى وَلَمْ نَشعُرْ بهِ، ذلكَ العَصْرُ |
سَقَى الله عَهْداً من أُناسٍ تَصَرّمتْ |
مَوَدّتُهُمْ، إلاّ التّوَهّمُ والذّكرُ |
وَفَاءٌ منَ الأيّامِ رَجْعُ حدُوجِهمْ، |
كما أنّ تَشرِيدَ الزّمانِ بهمْ غَدْرُ |
هَلِ العَيْشُ إلاّ أنْ تُسَاعِفَنَا النّوَى |
بوَصْلِ سُعَادٍ، أوْ يُسَاعدَنا الدّهرُ |
عَلى أنّها مَا عندها لمُوَاصِلٍ |
وِصَالٌ، وَلا عَنها لمُصْطَبِرٍ صَبرُ |
إذا ما نَهَى النّاهي، فلَجّ بيَ الهَوَى، |
أصاختْ إلى الوَاشِي، فلَجّ بها الهَجرُ |
تَوَهّمْتُها ألوَى بأجفانهَا الكَرَى، |
كرَى النّوْمِ، أو مالتْ بأعطافها الخَمرُ |
لعَمْرُكَ ما الدّنْيا بناقصَةِ الجَدى، |
إذا بَقيَ الفَتحُ بنُ خاقَانَ والقَطْرُ |
فَتىً لا يَزَالُ، الدّهرَ، حَوْلَ رِباعِهِ |
أيَادٍ لَهُ بِيضٌ، وأفنيَةٌ خُضْرُ |
أضَاءَ لَنَا أُفْقَ البلادِ، وَكَشّفَتْ |
مَشاهدُهُ ما لا يُكَشّفُهُ الفَجرُ |
بوَجهٍ هوَ البَدرُ المُنيرُ نَفَى الدّجَى |
سَناهُ، وأخلاقٍ هيَ الأنجُمُ الزُّهْرُ |
غَمَامُ سَمَاحٍ ما يَغُبُّ لَهُ حَيَا، |
وَمِسْعَرُ حَرْبٍ ما يَضِيعُ لهُ وِتْرُ |
وَحَارِسُ مُلْكٍ مَا يَزَالُ عَتَادَهُ |
مُهَنَّدَةٌ بِيضٌ، وَخَطِّيّةٌ سُمْرُ |
يصُونُ بَنُو العَبّاسِ سطوَةَ بأسِهِ، |
لشَغْبٍ غَدى يَعتادُ، أو حادِثٍ يَعرُو |
يَبيتُ لَهُمْ حَيثُ الأمَانَةُ والتّقَى، |
وَيَغدو لَهُمْ حيثُ الكفاَيةُ والنّصرُ |
يَعُدُّ انتقاضاً أنْ تُطَاوِلَهُمْ يَدٌ، |
وَيَعْتَدُّ وزْراً أنْ يَغُشّهُمُ صَدْرُ |
تَوَاضَعَ منْ مَجدٍ، فإن هوَ لم يكنْ |
لَهُ الكِبْرُ في أكْفَائِهِ فَلَهُ الكُبْرُ |
وَذُو رِعَةٍ لا يَقْبَلُ الدّهرَ خِطّةً، |
إذا الحمدُ لم يَدلُلْ عَلَيها وَلاَ الأجْرُ |
فِدَاكَ رِجَالٌ باعَدَ المَنْعُ رِفْدَهُمْ، |
فلا الخُمسُ وِرْدٌ من نَداهمْ ولا العُشرُ |
ألامَتْ سَجَايَاهُمْ، وَضَنّتْ أكُفُّهم، |
فإحسانُهُمْ سُوءٌ، وَمَعْرُوفُهُمْ نُكرُ |
يكونُ وُفُورُ العِرْضِ هَمّاً دونَهمْ |
إذا كانَ هَمُّ القَوْمِ أن يَفِرَ الوَفْرُ |
وَلَوْ ضَرَبُوا في المَكْرِمَاتِ بسَهمَةٍ، |
لَكَانَ لهمْ فيها اللَّفَا، ولَكَ الكَثرُ |
بَقَاءُ المَساعي أنْ تُمَدّ لكَ البقا، |
وَعُمْرُ المَعَالي أنْ يَطُولَ بكَ العُمْرُ |
لقَدْ كَانَ يَوْمُ النّهرِ يَوْمَ عَظيمةٍ، |
أطَلْتَ، وَنَعماءٍ جَرَى بهما النّهرُ |
أجَزْتَ عَلَيْهِ عابراً، فَتسَاجلَتْ |
أواذِيهِ لَمّا أنْ طَما فَوْقَهُ البَحرُ |
وَزَالَتْ أوَاخي الجسرِ، وانهَدَمَتْ بهِ |
قَوَاعِدُهُ العُظْمَى، وَمَا ظَلَمَ الجسرُ |
تَحَمّلَ حِلْماً مثلَ قُدْسٍ، وَهمّةً |
كَرَضْوَى، وَقَدْراً لَيسَ يَعدِلُه قدرُ |
ولَوْلا دِفاعُ الله عَنْكَ وَمنّةٌ |
عَلَيك، وَفَضْلٌ من مَوَاهِبِهِ غَمْرُ |
لأظلَمَتِ الدّنيا، ولانقَضّ حُسنُها، |
وَلا نحَتّ من أفنانَها الوَرَقُ الخُضْرُ |
وَلَمّا رأيْتَ الخَطْبَ ضَنْكاً سَبِيلُهُ، |
وَقد عَظُمَ المَكرُوهُ واستُفْظِعَ الأمرُ |
صرَمتَ فلَمْ تَقعُدْ بحَزْمِكَ حيرَةُ الـ |
ـمَرُوعِ، وَلَمْ يَسْدُدْ مَذاهبَك الذّعرُ |
وَماَ كَانَ ذاكَ الهَوْلُ إلاّ غَيَابَةً، |
بَدا طالعاً منْ تَحْتِ ظُلمَتها البَدْرُ |
فإنْ نَنْسَ نُعْمَى الله فيكَ فحَظَّنا |
أضَعْنا، وإنْ نَشكُرْ فقد وَجَب الشكرُ |
أرَاكَ بعَينِ المُكتَسي وَرَقَ الغنى، |
بآلائكَ اللاّتي يُعَدّدُها الشّعرُ |
وَيُعجبُني فَقرِي إلَيكَ، وَلم يَكُنْ |
ليُعجبَني، لَوْلا مَحَبّتُكَ، الفَقْرُ |
وَوَالله لا ضَاعَتْ أيَادٍ أتَيْتَهَا |
إليّ، وَلا أزْرَى بمَعْرُوفها الكُفْرُ |
وَمَا لِيَ عُذْرٌ في جُحُودِكَ نعْمَةً، |
وَلَوْ كَانَ لي عُذْرٌ لَمَا حسُنَ العُذْرُ |