بتـــــاريخ : 11/18/2014 3:34:28 AM
الفــــــــئة
  • التربيــــــــــة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 10327 0


    التوافق المدرسي

    الناقل : MOUDNANE | العمر :33

    كلمات مفتاحية  :

    الباحث "مودنان مروان"

    1-  التوافق المدرسي:

    1.1  مفهوم التوافق المدرسي :

    التوافق الدراسي كما عرفه الدكتور " كمال دسوقي"  : "هو عملية تغير وتغيير، والدارس يبدو في هذا الموقف أكثر من أي موقف توافقي آخر وكأن عليه هو دائما أن يتغير لا أن يغير، أي أنه لابد أن يتكيف مع محيطه الدراسي الجديد، فالتوافق الدراسي هو الفترة التي ينتقل فيها الفرد من توافق جو الأسرة والمنزل إلى توافق جو المدرسة، فتصبح علاقة التلميذ بالمدرسة والمعلم والأقران أوسع دائرة من علاقاته الأسرية بالأم والأب، فيطبع المعلم التلميذ بصورته ويكون مثلا أعلى له مثلما كان الأب أو أكثر، فقد يكون توافقه الذاتي مع نفسه تحقيق لتوافقه مع دراسته".

    ويعرف الدكتور " صلاح مرحاب " التوافق المدرسي على أنه :" توافق الفرد مع مدرسته، فيشعر بأن مدرسيه يحبونه ويستمتع بزمالة أقرانه، ويجد أن العمل المدرسي يساير مستوى نضجه وميوله، وهذه العلاقات الطيبة تتضمن شعور الفرد بأهميته وقيمته في المدرسة".

    1.2  مؤثرات التوافق المدرسي :

    ينمو الفرد في إطار اجتماعي نتيجة احتكاكه بمؤسسات اجتماعية فينتقل من توافق جو الأسرة كعامل من عوامل التنشئة الاجتماعية إلى جو المدرسة بمختلف مؤثراتها ، فالتلميذ المراهق في هذه المرحلة يجد نفسه أمام مجموعة من المؤثرات تفرض عليه ضرورة التوافق، وهذه العملية تسمى عملية التطبيع الاجتماعي، حيث يجب على الفرد أن يتأثر بثقافة المجتمع ومؤسساته، ومنها مؤسسة المدرسة بمختلف مكوناتها من مدرسين وأقران، ومناهج تعليمية.

    ‌أ.  التوافق مع المدرسة:

    المدرسة هي المؤسسة التي تنفذ الأهداف التي يريدها ويرسمها المجتمع وفقا لخطط ومناهج محددة وعمليات تفاعل وأنشطة مبرمجة داخل الفصول الدراسية وخارجها على جميع المستويات الدراسية والفنية والثقافية والاجتماعية والرياضية، و غيرها، أما وظيفتها فهي تنشئة الجيل الطالع على أسس رسمها المجتمع، فهي الأداة والمكان الذي بواسطته ينتقل الفرد من حياة التمركز حول الذات إلى حياة التمركز حول الجماعة، إنها الوسيلة التي يعتقد أن يصبح من خلالها الفرد الإنساني إنسانا اجتماعيا وعضوا عاملا وفاعلا في  المجتمع.

    وتشكل المدرسة عاملا من عوامل التأثير في حاجات التلميذ النفسية بحيث إنها لا تقل أهمية عن عامل الأسرة، فالمدرسة قد تهيئ للفرد الإمكانيات والوسائل التي تجعله يتجه نحو الاعتماد ذاته وتحمل المسؤوليات واحترام القوانين ومزاولة النشاطات المختلفة عن طريق الأندية المدرسية والنشاطات وقاعات المحاضرات وغيرها، أو على العكس، فإنها قد تضع العراقيل والعوائق أمام  تطلعاته وتحفيزاته الذاتية فيشعر بالإحباط والصد والمرارة .

    إن التجربة التوافقية للتلميذ المراهق مع المدرسة محددة بثلاثة عوامل:

    1. حلم التلميذ : ويرتبط بالأصل الاجتماعي والعائلي للتلميذ وبطبيعة المواد والدروس المقدمة إليه، وتصرفات المربيين التي يمكن أن يستنبطها المراهق لينسج على منوالها.

    2. تكوين الذات : باعتبار المدرسة مجالا للمعارف المتنوعة بامتياز وفضاء تنسج داخله العديد من العلاقات الاجتماعية.

    3. المصلحة:  وتحسب عن طريق معدلات المواد وأهميتها في النجاح أو الفشل وعلاقة المراهق بأساتذته وبأعضاء الأسرة التربوية عموما.

    فالتجربة المدرسية تجربة اجتماعية شاملة، وطبيعة العلاقات داخلها ليست على وتيرة واحدة وليست عفوية ومرتجلة. إن هذه الميزة في المدرسة يمكن أن تشكل في بعض الأحيان عائقا هيكليا أمام التلميذ المراهق، فالمنقطعون والمتسربون من التعليم ليسوا بالضرورة أقل كفاءة ممن واصلوا تعليمهم، وليسوا أقل حلما بمستقبل علمي وعملي أفضل، ولكنهم قد يكونوا في الغالب ممن فشلوا في الاندماج في مجتمع المدرسة بكل مكوناته لاحتمالات عدة منها النفسي ومنها الاجتماعي ومنها التربوي، وقد يكون غياب التواصل واللغة المشتركة في فضاء المدرسة من أهم أسباب الفشل أو الانقطاع، ففي غياب التوحد الذاتي والاجتماعي مع المؤسسة المدرسية قد يحدث الفشل الدراسي أو عدم التوافق مع المؤسسة المدرسية، " فأن أتوحد اجتماعيا هو أن أتملك علاقتي بالمجتمع عبر مؤسساته وفكر أفراده انطلاقا من تملك نفس الرموز والدلالات ونفس اللغة".

    ‌ب. التوافق مع المدرس :

    يعد المدرس ركنا أساسيا من أركان العملية التعليمية، فالخصائص المعرفية والانفعالية للمدرس مهمة في عملية التعليم ونتاجها الفعال عند المتعلم، حيث أن لهذه الخصائص آثارها على الناتج التحصيلي للمتعلم، من حيث إشباع حاجاته النفسية والحركية والانفعالية والمعرفية والاجتماعية، وقد يؤدي التفاعل الإيجابي أو التوافق بين المدرس والتلميذ إلى حدوث التعلم والتحصيل الجيد، فالتربية عملية تفاعل بين إنسان وآخر في زمان ومكان محددين لتحقيق هدف تحصيلي معين، وعوامل التربية والتعليم عندما تتفاعل إيجابيا في ارتباط مع علاقة تلميذ-مدرس قد تنتج حاصلا جيدا نسميه التعلم .

    والواقع أن العلاقة مدرس- تلميذ تتضمن ثلاثة جوانب وهي أن المدرس يتفاعل مع التلميذ في مجال تربوي يمثله الفصل الدراسي، ثم إن علاقة المدرس- تلميذ من جهة ثانية تتم انطلاقا من ميثاق مشترك يربطهما وهو البرنامج والمقررات الدراسية التي يسير المدرس على هديها في علاقته بالتلميذ، ومن جهة ثالثة فهذه العلاقة ليست ثنائية وإنما يتأثر الخطاب المتبادل بينهما بمجال الفصل الدراسي الذي يشغله عدد كبير من التلاميذ يحسب لهم حسابهم  في عملية التواصل والتفاعل التربوي.

    إن تمثلات صورة الأستاذ لدى التلاميذ المراهقين في أبعادها المتعددة المعرفية والأخلاقية و غيرها، لها أثرها الواضح على مستوى التوافق الدراسي للتلميذ في محيطه،  فقد يكون ارتياح التلميذ لمستوى أستاذه الثقافي وشعوره بالشغف في الوصول إلى مستوى الأستاذ ومحاكاة المظهر والأخلاق، كل ذلك قد يشكل محفزا للرفع من مستوى التحصيل العلمي لدى المراهق، وقد يحدث العكس من ذلك،  فاضمحلال واهتزاز هذه الصورة لدى التلميذ يجعله غير متوافق مع المحيط المدرسي لما يتميز به هذا  المراهق التلميذ من عدم استقرار نفسي وانتفاضة داخليتين، مما قد يؤثر سلبا على مستوى التحصيل العلمي وهو ما يمكن أن يعبر عنه بسوء التوافق الدراسي.

     ويمكن أن تمر علاقة فتور بين المدرس والتلميذ، وقد تستمر هذه العلاقة إلى أمد طويل مما

    يسمح بظهور وتأصل سوء التوافق في إطار هذه العلاقة، فالمدرس قد يعتبر التلميذ وسيلة يأدي بها وظيفته ويصبح همه الأكبر هو شحن ذهنه بالمعلومات غير مبال في ذلك بالجوانب الأخرى المحيطة.

    وقد يرتبط هذا النموذج بطريقة الأستاذ التقليدية الإلقائية المرتكزة على إعطاء المعلومات في ظل الاتجاه العمودي للمعرفة والسلطة، ويمكن أن يكون هذا الموقف خال من الحس العاطفي الذي قد يلعب دورا  أساسيا في تبليغ وتركيز المعلومات في ذهن التلميذ.

     وقد يحدث سوء توافق للتلميذ المراهق مع أستاذه انطلاقا من شخصية الأستاذ، فقد تكون شخصية الأستاذ متسلطة وعنيفة خارجة عن قوانين الصرامة المسؤولة، و غير مبالية بنفسية المراهق، وبما أن شخصية المراهق التلميذ في هذه الفترة تكون حساسة وانفعالية، فإنه قد يصطدم مع أستاذه أو قد ينفر من مادته، فالمدرسون قد يتفاوتون في السيطرة على سلوك حجرة الدراسة التي تطبعها شخصيات متنوعة للتلاميذ تقابلها شخصيات مختلفة أيضا لمدرسيهم.

    قد يحدث أن تكون للمراهق نفسية متفائلة وراغبة في التعلم، والأستاذ بدوره قد يهيئ الأرضية  الملائمة ليهذب شخصية هذا المراهق ويحبب إليه مادته بطرق إيجابية مختلفة، فهناك بعض الشهادات التي يتذكر أصحابها معلمهم الذي كانوا يستوعبون ويفهمون دروسه، لما كان يوفر لهم من جو بعيد عن الترهيب والتخويف، بل العكس كان يقدم لهم الدروس في قالب مفعم بالسرور والغبطة، فحبب  إليهم المادة وأبعد عنهم الملل، فكل الاحتمالات لتحقيق التوافق مع المدرس أو عدم تحقيقه يمكن أن تحصل.

    ‌ج. التوافق مع أقران الدراسة:

    في إطار التوافق الاجتماعي تتضح قدرة الفرد على مسايرة الجماعة والإحساس بالألفة والمودة والميل إلى التفاهم والتعاون في كل أمر يهم الجماعة، ومن بين أفراد هذه الجماعة؛ أقران الدراسة، بحيث أن المدرسة تلعب دورا مهما في اجتماع والتقاء الأفراد فيما بينهم، فتتكون جماعات من الأقران تحمل مجموعة من القيم والعادات الاجتماعية والمثل المسيطرة والموجهة للجماعة، والموحدة لأهدافها، وفي إطار التأطير التربوي، يمكن أن نطلق على هذه الجماعة صفة الجماعة المنتظمة.

     وتعتبر علاقة التلميذ بزملائه من العلاقات الهامة في المحيط المدرسي، فهو في مرحلة المراهقة يرتبط بالرفاق والزملاء لأنه قد يرى عالم الرفاق قريبا من أهدافه وأغراضه، فيعتقد أن جماعة الرفاق في  المدرسة تساهم في بناء شخصيته وتنمية هواياته ومهاراته، فيتوافق مع زملائه إيجابيا في إطار علاقة مثمرة، فقد يتأثر بالثقافة العامة السائدة بين رفاقه، وقد يخرج بثقافة خاصة بعدما تبلورت شخصيته مع ثقافة زملائه، فجماعة الرفاق بالمدرسة قد يكون لها تأثير في سلوك الطالب أكثر من تأثير الأسرة أو المدرسين والمربيين، ذلك أن التلميذ حين ينضم لهذه الجماعات يشترك مع أعضاءها في الاهتمامات والأفكار وتشبع رغبات معينة لديه، وتحقق له مصالح معينة،  وفي علاقة منعكسة قد يحدث سوء توافق للفرد مع زملاء الدراسة وقد يكون ذلك نتيجة عوامل التنشئة الاجتماعية السلبية، وقد يكون ذلك نتيجة عوامل خارجية مرتبطة بالمؤشرات السوسيو-اقتصادية كالطبقية والعنصرية بين التلاميذ إلى غير  ذلك من مختلف المؤثرات الأخرى.

    ‌د. التوافق مع المناهج الدراسية:

    قد يتوافق التلميذ مع المناهج الدراسية إذا كانت معقلنة وتخاطب مستوياته المختلفة العقلية المعرفية والحسية الحركية والعاطفية، وتلبي مقرراتها حاجاته المعرفية الخاصة بواقع الحال في مجتمعه وطموحه الذاتي للحصول على وظيفة بغية الاندماج الكامل في المجتمع. لكن قد يكون العكس، فقد تتداخل عوامل الأنظمة التعليمية غير الملائمة لحاجات التلميذ المراهق وواقع مجتمعه، فالنظام التعليمي الذي تغلب عليه أساليب تعليمية جامدة وبالية لا تحل مشاكل المراهقين ولا تشبع رغباتهم، قد يؤدي إلى إحباطهم وسوء توافقهم، هذا بالإضافة إلى عوائق الكتاب المدرسي المعتمد على التصور الدوغمائي للمعارف والذي يترك ثقافة هشة سرعان ما قد تتلاشى.

     وهناك عامل آخر قد يؤثر في علاقة التلميذ بالمقررات الدراسية، وهي الكمية المعرفية وكثرة المقررات والدروس التي قد تشتت ذهنه وتعجزه عن مواكبة جميع متطلبات هذه الدروس، وقد يكون الكم الكبير لأعداد التلاميذ أيضا وراء سوء التوافق الدراسي، فحجرات الدراسة مكتظة في ظل كثرة الطلب على التعليم مع النقص الحاصل في المنشئات التعليمية مما يعكس ذلك في نظر التلميذ المراهق  سوء التسيير الإداري والتربوي بحكم أن التعليم يحتاج إلى جو من الهدوء والتركيز والانتباه، وهو الشيء المفتقد في حجرات الدراسة المكتظة.

    وهناك عامل آخر قد يؤثر في سوء التوافق الدراسي للتلميذ المراهق، وهو عامل الامتحانات، فالمدرس يمكن أن يعطي انطباعا مخوفا ومرهبا للتلاميذ عن الامتحانات مما يزعزع استقرارهم النفسي، وقد يضاف إلى كل هذا تأرجح النظام المدرسي بين الصرامة والقسوة والإهمال، وسيطرة أنواع العقاب المختلفة وعدم إحساس التلميذ بالحب  والاحترام والتقدير من قبل عناصر المجتمع المدرسي، وإحساسه  أيضا بعدم إيفاء التعليم لمتطلباته الشخصية والاجتماعية والمناسبة لميوله وقدراته واستعداداته التي تساعد على خفض التوتر لديه، فيمكن لكل هذه المؤثرات أن تحدث إحساسا للتلميذ بسوء التوافق الدراسي.

    وفي رأي الدكتور "أحمد أوزي" أن المجهودات التي بذلت في ميدان التعليم جد عديدة ومتنوعة، ولكنها ربما قد ركزت على الجانب المادي للعملية التعليمية كالتجهيز والبناء وتوفير الكتب المدرسية، بيد أن هذه الجهود أهملت الجانب النوعي أو البعد الإنساني، ولم تقدم في نظره الخدمات النفسية للتلميذ.

    هكذا، يتبين أن التوافق المدرسي أو عدمه لدى التلميذ المراهق تطبعه مجموعة من المؤثرات داخل مؤسسته التربوية، فالمدرسة يمكن أن يتفاعل معها إيجابا أو سلبا، ونفس الأمر ينطبق على علاقته  مع المدرس، فقد تحدث علاقة توافقية أو العكس ، كما يمكن أن تؤثر مناهج المدرسة التعليمية في توافق التلميذ أو عدم توافقه، كل هذه المؤثرات التي تتم داخل المدرسة تدفعنا إلى التقصي عن حالة التلميذ السيكولوجية في مرحلة المراهقة لاكتشاف كيف يتفاعل التلميذ داخل هذا المحيط المتقلب.

      

    المصادر والمراجع :

    كمال دسوقي: "علم النفس ودراسة التوافق"، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، طبعة 1974 ، ص: 329-341.

      صلاح أحمد مرحاب: "سيكولوجية التوافق النفسي ومستوى الطموح"، دار الأمان للنشر والتوزيع، الرباط، ط. 1، 1989،ص53.

      إبراهيم ناصر: "علم الاجتماع التربوي"، دار الجيل، بيروت، (ب.ت)، ص: 71.

      المرجع نفسه، ص72.

      فؤاد السيد: "علم النفس الاجتماعي"، دار الفكر العربي، ط. 2، 1980، ص 195-196.

      مصلح أحمد صالح: "التكيف الاجتماعي والتحصيل الدراسي"، دار الفيصل الثقافية، ط. 1، 1976، ص73.

      الدكتور أحمد أوزي " المراهق والعلاقات المدرسية "،منشورات علوم التربية، عدد 2 الشركة المغربية للطباعة والنشر ،ط ، 1993 ،ص 99.

      أحمد أوزي: "التعليم والتعلم بمقاربة الذكاءات المتعددة"، منشورات مجلة علوم التربية، ع. 6، 1999، ص85.

      الدكتور مصطفى فهمي: "التوافق الشخصي والاجتماعي"، مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط. 1، 1979 ، ص: 24-25.

      أحمد أوزي: "المراهق والعلاقات المدرسية"، منشورات مجلة علوم التربية، ع. 8، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط. 2، 2000، ص105.

      أحمد أوزي: "المراهق والعلاقات المدرسية"، ص101.

     

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()