أولا: تبعية من نوع جديد على بلدان الجنوب
العولمة، بالنسبة لبلدان الجنوب، تشكل التغير الهيكلي النوعي الجديد في العلاقة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ما بين دول الشمال، أي الدول الصناعية الكبرى التي تقود مسيرة العولمة، وبين بلدان الجنوب المنعزلة عن هذه المسيرة التي نجمت نتيجة استقلالية دورة الرأسمال العالمي عن المواد الأولية التي كانت تربطه ببلدان الجنوب، وأدى هذا الانفصام النسبي إلى تغرب البلدان النامية عن مسيرة العولمة والى خلق نوع جديد من أشكال التبعية غير المفروضة سياسياً وعسكرياً.
العولمة، لها سمات متعددة وذات تأثيرات مختلفة بين عالم الشمال وعالم الجنوب، من أهم هذه السمات تسارع خلق القيمة المضافة التي تفرضها التحولات السريعة في عملية تجديد الإنتاج من أجل تعظيم الأرباح والصمود أمام المنافسة، وتؤثر هذه العملية على بنية رأس المال حيث تزداد الأهمية النسبية للرأسمال الثابت (المكائن والتكنولوجيا) في تكوين القيمة المضافة مقارنة بعنصر العمل المتمثل بأجرة العمال، كما تفرض عملية التجديد المستمر وتطوير التكنولوجيا، وينجم عن احتدام المنافسة وما تفرضه من تكييفات هيكلية نحو زيادة تركز وتمركز الرأسمال في دول الشمال.
ثانيا: توسيع الفجوة بين الشمال والجنوب
لقد شكل تمركز الرأسمال المالي والاستثماري في بلدان الشمال الصناعية (المركز) القاعدة الأساسية للعولمة وانحصارها في هذه البلدان، مما أدى إلى توسيع الفجوة بين البلدان التي تملك القدرة المالية والتكنولوجية لمواكبة العولمة وبين البلدان التي لا تملك هذه القدرة والوسائل، أي بين الشمال والجنوب، وفي تكوين عالمين غير مترابطين، وانعكس هذا بتراجع دور وحصة بلدان الجنوب في مجمل الاستثمارات الأجنبية على المستوى العالمي في حين شكلت حصة البلدان الشمالية ما يقرب من 84% من مجموع هذه الاستثمارات، بينما شكلت حصة البلدان النامية، باستثناء البلدان الحديثة التصنيع في جنوب شرق آسيا والصين، نسبة 8% من الاستثمارات العالمية، والتي ذهبت غالبيتها إلى القطاعات الاستخراجية وبالأخص القطاع النفطي الذي لا تملكه إلا بلدان قليلة، كما تمركزت ملكية ومراكز هذه الاستثمارات بحوزة الشركات العالمية في بلدان الشمال، حيث استحوذت 14 دولة من مجموعة التعاون والتنمية الاقتصادية (O.C.D.E) على 84% من ملكية هذه الشركات وبحدود 90% من مجمل البلدان الصناعية.
ثالثا: آليات إقصاء دول الجنوب
إن مسيرة النمو والتطور الاقتصادي في البلدان النامية اعتمدت تاريخياً على إنتاج وتصدير المواد إلى البلدان المتقدمة صناعياً، وبصيغة أخرى أن هيكل وإنتاج هذه المواد الأولية كان يحدد حسب متطلبات دول الشمال الصناعي وليس متطلبات التطور الاقتصادي للبلدان النامية، وهذا ما شكل القاعدة وجوهر النظام الاستعماري والامبريالي ونظم العلاقات السياسية دولياً.
لذلك لم يشكل اقتصاد البلدان النامية وصادراتها مصدر تنافسي في سوق التجارة الدولي ولم تشكل نظرية ريكاردو”المنفعة النسبية” التي اعتمدتها العلاقات التجارية الدولية عنصراً في العلاقات بين بلدان الشمال الصناعية وبلدان الجنوب النامية، إنها علاقة اعتمدت على الاستفادة الوحيدة الجانب ورسخت دولياً مبدأ إخفاق المجتمع الدولي سياسياً واقتصادياً في خلق الفرص لإقامة علاقات متبادلة ومتكافئة ما بين الشمال والجنوب، فأدى ذلك إلى التفاوت في مسيرة النمو والتطور وبروز فجوة واسعة الاستقطاب ما بين الشمال والجنوب فأصبح 6.2 % من سكان العالم في عالمنا الجنوبي لا يحصلون إلاّ على 5.4 % من الناتج الإجمالي العالمي بينما يحصل 15.6 % من سكان العالم في بلدان الشمال الصناعي على 80.6 % من الناتج الإجمالي العالمي.
إن مجموع سكان الأرض 6 مليارات من البشر ويعيش 2.8 مليار منهم تحت خط الفقر، أي ما يقرب من نصف البشرية بدخل مقداره دولاران يومياً، بل إن 1.2 مليار يعيشون بأقل من دولار واحد يومياً، هذا ويبلغ معدل دخل الفرد في بلدان الشمال أكثر من العشرة آلاف دولار سنوياً، أي حوالي 28 دولاراً يومياً، وهذه الفجوة في توسع مستمر نتيجة لما تفرضه مسيرة العولمة من احتكار الشمال للمنافع الأساسية للتقدم.
رابعا: الفجوة التكنولوجية
تعتبر الابتكارات هي جوهر التحولات التكنولوجية المتولدة عن الأنماط الملائمة للاقتصاديات الصناعية المتقدمة فأصبحت هذه الابتكارات عنصرا ديناميكيا في التبادل الدولي ولصالح الميزة النسبية لهذه الاقتصاديات باعتبارها صاحبة السبق فيها.
إن عملية انتقال التكنولوجيا بين مختلف اقتصاديات العالم الشمال والجنوب يعد أمرا مخالف للمنطق الاقتصادي كما أكد vernon أن ذلك يتناقض مع واقع التباين الكبير في الميزة النسبية المستمدة من البحث والتطوير ووفرات السعة الكبيرة فتبقى السيطرة حتى في ظل الانتقال الحر للموارد الاقتصادية والتكنولوجية في أيدي الاقتصاديات الصناعية المتقدمة ذات الأسبقية.
خامسا: الفجوة الرقمية
يعبر مفهوم الفجوة أو الهوة الرقمية عن الفارق في حيازة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشكلها الحديث وحيازة المهارات التي يتطلبها التعامل معها، بين الدول المتقدمة المنتجة لهذه التكنولوجيات ولبرامجها ولمحتوياﺗﻬا وبين الدول النامية التي لا تساهم في إنتاج هذه التكنولوجيات وفي صياغة محتوياﺗﻬا. وهي أيضا الفارق في توزيع هذه التكنولوجيات على الأفراد بين الدول المتقدمة والدول النامية وكذا بمدى النفاذ إلى المعرفة من حيث توفر البنى التحتية اللازمة للحصول على موارد المعلومات والمعرفة بالوسائل الآلية أساسا دون إغفال الوسائل غير الآلية من خلال التواصل البشري، إن هذا التعريف يركز على الحد الفاصل بين مدى توافر الشبكات الاتصالية ووسائل النفاذ إليها، وعناصر ربطها بشبكة الانترنت .
ولقد تعددت أثار الفجوة الرقمية اقتصاديا واجتماعيا نذكر منها:
o عدم إمكان تكيف الاقتصاد النامي مع الاتفاقيات الدولية مثل O.M.C؛
o جمود الاقتصاد وعدم إمكان التحول إلى اقتصاد السوق أو الاقتصاد التنافسي؛
o انخفاض المستوى العلمي وانعزال الفكر في الدول النامية؛
o انخفاض الوعي التكنولوجي والتواصل مع العالم؛
o تزايد حدة الفقر الاقتصادي والمعلوماتي؛
o زيادة الفكر المتطرف من خلال عدم التفاعل مع الفكر العالمي وتوالد الأحقاد ضد الدول المتقدمة؛
o غياب القنوات العصرية لتبادل المعلومات بين صناع القرار في الدول النامية؛
o غياب الشفافية المعلوماتية في المجتمع؛
o غياب صور الاتصال الإنساني بين الحضارات المختلفة مما يؤثر سلبا في اتساع هذه الفجوة.