بتـــــاريخ : 6/25/2013 7:43:46 AM
الفــــــــئة
  • الاقتصـــــــــاد
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1199 0


    "الإنكماش الإقتصادي" .. خطر فادح يهدد الإقتصاد العالمي!

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : رمضان أبو إسماعيل | المصدر : www.businesstendersmag.com

    كلمات مفتاحية  :
    الإنكماش الإقتصادي

    - د. حافظ منصور: انخفاض الإنتاجية وضعف القدرة على تصريف البضائع والخدمات وتدني نوعية المنتج أو عدم القدرة على استيعاب التكنولوجيا الحديثة في العملية الإنتاجية .. أهم الأسباب

    - د. مختار الشريف: أزمة الركود الأمريكية الأولي ترتب عليها خسائر فاقت تكاليف الإنفاق علي الحرب العالمية الأولي

    - د. محمد رمضان: لو حدثت معجزة وانتهى الإنكماش الإقتصادي، سيتطلب الإقتصاد العالمي أكثر من ثلاث سنوات لكي تعود "العمالة" بالطاقة الإنتاجية إلى مستوياتها السابقة

    - د. نورييل روبيني: المواجهة تستوجب تحرك البنوك المركزية لتطبيق مزيد من إجراءات التيسير الكمي

     

     

    تحقيق - رمضان أبو إسماعيل

    يتفق خبراء الإقتصاد على أن مصطلح "الإنكماش المالي" يشير إلي حالة من الإنخفاض المتواصل في أسعار السلع والخدمات في مختلف جوانب الإقتصاد، ليكون اصطلاحا يقف في الاتجاه المعاكس للتضخم الإقتصادي، إلا أنه أسوأ في نتائجه وآثاره على الإقتصاد، لكنه في ذات الوقت نادر الحدوث، وربما تكون حالة الكساد الكبير، التي ضربت الإقتصاد العالمي في 1929 تعد النموذج المثالي للإنكماش الاقتصادي.

    ويذهب خبراء إلى أن الإنكماش يحدث عندما يعاني اقتصاد الدولة من كساد أو ركود ، مما يؤدي إلى تراجع مؤقت لأوجه النشاط الإقتصادي، لكن السبب الرئيسي لحدوث الإنكماش، هو قلة الطلب على السلع والخدمات، وذلك بسبب تراجع القدرة الشرائية للمستهلكين, أو لتدني السيولة النقدية المتاحة بسبب عجز المصارف المركزية للدول عن ضخ المزيد من النقود للتداول, وأنه من الممكن أن يحدث هذا "الإنكماش المالي" أيضا بسبب المنافسة الحادة بين المصنعين ومنتجي السلع والخدمات سعياً منهم لزيادة مبيعات منتجاتهم بتخفيض أسعارها.

    أكد د. علي حافظ منصور أستاذ الإقتصاد بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة أن حالة الإنكماش الإقتصادي يتحقق في اقتصاد الدولة عندما يعاني أدائها الإقتصادي من تراجع مستمر في ناتجها المحلي الإجمالي بما يعني تحقيقها نموا سلبيا في النمو الإقتصادي الحقيقي لمدة فصلين متعاقبين أو أكثر من السنة ويُشار إلى أن معظم حالات الركود الإقتصادي في العالم كانت قصيرة.

    وأوضح أنه من الممكن القول بأن الإقتصاد المصري شهد حالة من الإنكماش خلال العام المالي 2011 / 2012، وهو العام الذي أعقب الثورة التي ترتب عليها حالة من الركود في الأسواق ظهرت في تراجع معدلات النمو لدرجة أن حقق الاقتصاد خلال الفصل الثالث والرابع من هذا العام معدلات (نمو سالبة)، لافتاً إلي أن هذا الإنكماش الذي أصاب الإقتصاد المصري كان عارضا، لأنها نتجت عن عوامل عارضة أيضا، لذلك جاءت الآثار غير ملموسة في الأسواق بحيث لم تنخفض الأسعار.

    وقال د. منصور إنه من الممكن مشاهدة آثار الركود في الإنخفاض الكبير بالنشاط الإقتصادي لعدة أشهر، مما يعكس انخفاضا بالناتج المحلي الإجمالي والدخل الحقيقي للدولة، وفي زيادة البطالة وانخفاض الإنتاج الصناعي وانخفاض تجارة التجزئة، وتبدأ حالة "الإنكماش الاقتصادي" بعد أن يصل النشاط الإقتصادي إلى تراجع مؤقت ، وينتهي بعد أن يصل الإقتصاد إلى أدنى درجة في النمو، وبعدها يبدأ الإقتصاد مرحلة جديدة يعاود فيها الصعود الى الأعلى فيما يعرف بالنمو الإقتصادي.

    وأضاف أنه يصاحب فترة "الإنكماش الإقتصادي" انخفاض في النشاط الإقتصادي العام، وزيادة في عدد العاطلين عن العمل، وانخفاض في حجم الإستثمارات وأرباح الشركات، وقد يصاحب الركود انخفاض كبير بالأسعار أي انخفاض في معدل التضخم، وقد يصاحبه أيضا إرتفاع كبير في معدل التضخم، وهذا ما يطلق عليه في الأدبيات الإقتصادية "الكساد الكبير ,"وأضاف أن حالة الانكماش تعد مرحلة حتمية لأي اقتصاد، ومن ثم لابد لكل اقتصاد أن يمر بها، لكي تستقيم الأمور لأنها دورات اقتصادية تتعاقب على الإقتصاد العالمي، فتكون موجات من النمو المتسارع قبل أن تتراجع المعدلات مرة أخري، ويدخل الاقتصاد حالة من الركود الاقتصادي أو الإنكماش، مشيرا إلي أن الأسباب التي تؤدي إلى الإنكماش تنقسم إلى شقين الأول أسباب خارجية، تتمثل في كل ما يخرج عن سيطرة الحكومة من "صدمات اقتصادية" كالارتفاع الزائد في أسعار الطاقة أو الكوارث والحروب وغيرها.

    وأسباب داخلية ،تتمثل في انخفاض الإنتاجية وضعف القدرة على تصريف البضائع والخدمات وتدني نوعية المنتج أو عدم القدرة على استيعاب التكنولوجيا الحديثة في العملية الإنتاجية، فضلا عن ذلك قد ينتج الإنكماش الاقتصادي أحيانا عن طريق رفع حجم الإنفاق، ومن ثم التراجع عن هذا المستوى من الإنفاق ما يؤدي إلى إحداث نقص مفاجئ في الطلب الكلي بما يعنيه من إنكماش في الآداء الاقتصادي.

    ومن جانبه قال د. مختار الشريف أستاذ الاقتصاد في جامعة المنصورة أن "الكساد الكبير" هو اصطلاح يطلق على الأزمة، كالتي نتجت عن تدهور معدلات النمو الاقتصادي في معظم دول العالم عام 1929، وانتهت في ثلاثينيات القرن الماضي أو بداية أربعينيات القرن نفسه في أوقات مختلفة، وبالتالي يعد ذلك "الكساد الكبير" أبرز فترة تدهور اقتصادي عرفها التاريخ الحديث، لدرجة أن خبراء الاقتصاد يتعاملون مع المؤشرات الاقتصادية لهذه الأزمة الاقتصادية لقياس العمق الذي يمكن أن يهوي إليه الاقتصاد العالمي في أي وقت لاحق لهذا الإنكماش الكبير.

    وأضاف أن هذه الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة بدأت من أسواق المال الأميركية، التي كانت أول ضحايا الأزمة, وتم التأريخ لها بانهيار بورصة نيويورك في حي المال أو وول ستريت يوم 24 أكتوبر عام 1929، الذي أطلق عليه "الخميس الأسود" وتبعه "الثلاثاء الأسود" يوم 29 أكتوبر الأول من نفس السنة، وحدث ذلك بسبب طرح 13 مليون سهما للبيع، لكنها لم تجد مشترين لتفقد قيمتها، وبالتالي ترتب علي هذا الوضع الإقتصادي حالة من الذعر لدى المستثمرين في البورصة، وبدورهم بادر الوسطاء إلى البيع بكثافة، ليجد آلاف المساهمين بعد ذلك أنفسهم مفلسين.

    وأوضح د. الشريف أنه ترتب علي هذه الأزمة الإقتصادية ان أعلنت عشرات المؤسسات المالية إفلاسها، وأغلقت العديد من المصانع أبوابها وسرحت العمالة، لتتسبب في أعداد هائلة من العاطلين عن العمل وتوقف للإنتاج, وانتقلت الأزمة كالنار في الهشيم إلى جميع الأسواق العالمية، لدرجة أن خسر مؤشر "داو جونز" المنهار 22,6 من قيمته يوم 24 أكتوبر 1929، فيما بلغت الخسائر الإجمالية بين 22 أكتوبر و13 نوفمبر 1929 نحو ثلاثين مليار دولار بمعدل يفوق الميزانية الإتحادية عشر مرات، وأكثر من النفقات الأميركية في الحرب العالمية الأولى، ولم يحل عام 1932 حتى كان مؤشر "داو جونز" قد فقد 89% من قيمته.

    وأشار إلي أن أصحاب المصارف بالولايات المتحدة سارعوا إلى اتخاذ إجراءات لمواجهة الأزمة، فقاموا باسترجاع كميات كبيرة من المال من مصارف في ألمانيا وفرنسا وإنجلترا, مما ترتب عليه أن لحق باقتصاديات هذه الدول أضرار بالغة أيضا نتيجة أزمة السيولة التي تعرضت لها هذه الأسواق بسبب خروج الأموال الأمريكية والتوجس غير المسبوق لرجال المال وعزوفهم عن دخول الأسواق في ظل هذه الحالة غير المسبوقة من الإنكماش أو الركود، موضحا أن هذه الأزمة ترتب عليها انهيار جمهورية "فيمار" في ألمانيا ليعقبها ظهور "النازيين"، وفي فرنسا، بدأت آثار الأزمة بالظهور سنة 1931، بينما اتخذت بريطانيا إجراءات قللت من حدة الأزمة مثل تخفيض أسعار الفوائد.

    ولفت إلي أن هذه الحالة الإنكماشية تملكت الإقتصاد الأمريكي منذ 1929 واستمرت في تداعياتها الإقتصادية الخطيرة حتي عام 1932، وأنه لم يبدأ الانتعاش في الولايات المتحدة إلا عام 1933 مع سياسة "العهد الجديد"، التي وضعها الرئيس "فرانكلين روزفلت"، التي نصت على وضع حلول للأزمة المصرفية عام 1933، وإعادة فتح البنوك السليمة، وإصدار قوانين عامي 1933 و1935 تمنع البنوك من التعامل بالأسهم والسندات، فضلا عن إنشاء مؤسسات لرعاية ضحايا الأزمة من العاطلين، وإصدار قوانين تحقق الاستقرار في قطاع الزراعة، وإصدار قانون الإصلاح الصناعي عام 1933، وتصحيح استخدام الأوراق المالية من خلال إنشاء لجنة تبادل الأوراق المالية عام 1934.

    فيما أكد د. محمد علي رمضان الخبير الإقتصادي أن الإقتصاد العالمي يشهد حالة انكماشية لا مثيل لها، حيث أدى هذا الإنكماش إلى تزايد معدلات البطالة، وانخفاض الكمية الإنتاجية للمصانع، وانخفاض مبيعات التجزئة، وتناقص الطلب على القروض المقدمة من البنوك، وحتى الإختراعات والإبتكارات الجديدة تأثرت سلبياً، مما أدى إلى زيادة في الطاقة غير المستغلة لدى الكثير من المصانع.

    وأوضح أنه حتى لو حدثت معجزة وانتهى الإنكماش الإقتصادي، سيتطلب الإقتصاد العالمي أكثر من ثلاث سنوات لكي تعود "العمالة" بالطاقة الإنتاجية إلى مستوياتها السابقة، ومع وجود بعض المؤشرات الايجابية عن تحسن طفيف في أسواق المال العالمية، فان الزيادة في الطلب على المنتجات والخدمات سيحتاج إلى وقت أطول، فالدورة الاقتصادية للخروج من انكماش حاد تتطلب مدة زمنية أطول لعدة أسباب أهمها، إيجاد مستأجرين لشغل المحال والعقارات غير المؤجرة ليس بالشيء السهل، وذلك لعدم رغبة رجال الأعمال في الاقتراض من البنوك والدخول في مشاريع تجارية في هذا الوقت.

    من جانب آخر، قال د. رمضان أن المصانع لن تزيد من قدرتها الإنتاجية حتى تتأكد من وجود طلب قوي من المستهلكين، وبالتالي لن يتم توظيف المزيد من العمالة في المصانع أو محال التجزئة، مما يؤدي إلى بقاء معدلات البطالة على مستويات عالية، فمستويات البطالة العالية ستؤدي إلى انخفاض الطلب على المنتجات والخدمات، وهذه الدورة القاسية ستؤخر في عملية النمو المطلوبة للإقتصاد العالمي، وعلى سبيل المثال، لتعويض فقد تريليون دولار من الإقتصاد الأميركي، يحتاج الإقتصاد إلى معدل نمو سنوي 2,5%، وهو أكبر معدل حققه في السنوات الماضية، أو ما يقارب 350 بليون دولار سنوياً، أي ثلاث سنوات متتالية من النمو العالي، وهذا ما يصعب تحقيقه.

    وأضاف أن تزايد الطاقة غير المستغلة لا يقتصر على المصانع فقط، ولكن الخدمات المقدمة تشهد تراجعاً حيث يشير تقرير الإحتياطي الأميركي الأخير إلى تراجع في ساعات عمل المحامين والأطباء وتزايد في المساحات غير المؤجرة وانخفاض في الطلب على الخدمات السياحية وحجوزات شركات الطيران .

    وأوضح أن الأثر الإيجابي الوحيد لهذا الإنكماش الإقتصادي هو غياب الضغوطات التضخمية، ومن جانب آخر لم تثمر السياسات النقدية التي طبقتها دول كثيرة والمتعلقة بتخفيض معدلات الفائدة إلى أدنى مستوياتها بهدف تشجيع الإقتراض والإنفاق عن أي نجاحات ملموسة، حيث لا يزال سوق الطلب في انخفاض والطاقة غير المستغلة في تزايد.

    وخلص د. علي رمضان إلي أن ما يشهده الاقتصاد العالمي من انكماش حاد هو ما حذر منه الاقتصادي الشهير "جون ميراند كينز" في أوائل القرن العشرين، وهو أنه في حالة الإنكماش الشديد للإقتصاد، وذلك لتهاون الحكومات في التدخل المباشر لمنع الصدمات للأسواق، سيتجه الإقتصاد إلى نقطة توازن جديدة تتسم بطاقة إنتاجية أقل، وبطالة متزايدة، وانخفاض في الدخل والثروة، ومن ثم يحتاج العالم إلى أعوام عديدة لكي يعود إلى مستويات الإنتاج التي سبقت الإنكماش الاقتصادي.

    وقال د. نورييل روبيني أستاذ الاقتصاد في جامعة نيويورك الأمريكية إنه هناك احتمالات قوية بأن البلدان المتقدمة مُقْدِمة على طور آخر من الركود الاقتصادي الحاد، حيث أظهرت نتائج النصف الأول من العام 2011 تباطؤاً في النمو الإقتصادي، إن لم يكن انكماشاً بكل ما في الكلمة من معنى، في معظم البلدان المتقدمة، وأن المتفائلين قالوا: "إن هذا كان أداءً ضعيفاً مؤقتاً"، لكن هذا الوهم تحطم الآن، لأن الاحتمالات تذهب في مجملها إلي أن الولايات المتحدة والبلدان المتقدمة الأخرى مُقْدِمة على طور آخر من الركود الإقتصادي الحاد.

    وأضاف أن بوادر الإنكماش الاقتصادي تبدو في التباطؤ في اعداد الوظائف التي يتم اضافتها للإقتصاد، فضلا عن تراجع معدلات النمو الإقتصادي، وبقاء مستوي الإستهلاك والإنتاج الصناعي على حاله، وسيادة حالة من الركود علي سوق العقارات، وتراجع مستويات ثقة المستهلكين والأعمال والمستثمرين في الإقتصاد، لافتا إلي أن توافر كل هذه العوامل في اقتصاديات الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا ينبأ بحالة من الانكماش الممكن أن تتملك هذه الإقتصاديات ومن بعدها تنتقل إلي كل الإقتصاديات المتعاملة مع الإقتصاديات الغربية.

    وأكد أن البلدان الطرفية في منطقة اليورو تعاني الآن حالة من الإنكماش الإقتصادي، أو أنها في أحسن الأحول لا تكاد تسجل نمواً اقتصادياً يذكر، وبالتالي فإنه هناك الآن خطر كبير للغاية في أن إيطاليا أو إسبانيا ستخسرا القدرة على الإستفادة من أسواق الدين، وأن هذان البلدان، على خلاف اليونان والبرتغال وإيرلندا، يبلغان من الحجم كبراً يجعل من غير الممكن إنقاذهما، لافتا إلي أنه في الوقت نفسه، شهدت بريطانيا نمواً فاتراً، في الوقت الذي أخذت تبدو فيه آثار التقشف.

    وأوضح أن هناك أعراض انكماشية ضربت اقتصاديات عديدة أخري في أسيا، فالاقتصاد الياباني يعاني من حالة غير مسبوقة من جمود هيكلي ستتعافى لعدة أرباع – بعد الركود الإقتصادي المزدوج الذي أصابها بعد الزلزال – لا لشيء إلا لتعاود الجمود مرة أخرى في الوقت، الذي تتلاشى فيه آثار التحفيز الإقتصادي، وما هو أسوأ من ذلك أن المؤشرات الرئيسية للتصنيع العالمي تتباطأ بصورة حادة – في البلدان الناشئة مثل الصين والهند والبرازيل، وفي البلدان التي تعتمد على الصادرات أو البلدان الغنية بالموارد الطبيعية، مثل ألمانيا وأستراليا.

    وأشار د. روبيني مؤلف كتاب ''اقتصاديات الأزمة" إلي أنه حتى السنة الماضية كان بإمكان أهل الحل والربط دائماً تبني وتطبيق بدائل لمواجهة الأعراض الإنكماشية، لإشعال فتيل الإنعاش في الموجودات (تنشيط الطلب دون تأجيج التضخم) والانتعاش الإقتصادي، وقد جُرِّبت جميع السبل المتاحة، مثل أن تكون أسعار الفائدة الرسمية عند المستوى الصفري، والدخول في الجولة الأولى من التسهيل الكمي، ثم في الجولة الثانية من التسهيل الكمي، وتيسير الائتمان، وبرامج التحفيز من المالية العامة، وتسوير الموجودات، وتقديم السيولة عند مستويات وصلت إلى تريليونات الدولارات، وإنقاذ البنوك والمؤسسات المالية.

    لكن الوضع، وفقا لـ"ربيني"، وصل إلي مرحلة لم يتبقي معها أي بدايل يمكن الإعتماد عليها لتحفير الإقتصاد لمقاومة أعراض الإنكماش التي فاقت كل امكانيات المواجهة، فإن القرار القائم على أخطاء في التقدير، والذي اتخذته وكالة "ستاندار آند بورز" بتخفيض المرتبة الائتمانية للولايات المتحدة في وقت يتسم بهذا القدر الحاد من الجيشان في الأسواق، ويتسم بالضعف الإقتصادي لن يكون من شأنه إلا زيادة احتمالات الوقوع في حالة من الركود الإقتصادي المزدوج وحتى الوقوع في حالات أعلى من العجز في المالية العامة.

    ولفت إلي أن المثير للمفارقة هو أن سندات الخزانة الأمريكية ستظل على الأرجح أقل الموجودات المأمونة قبحاً في العالم، لأنه من الممكن أن يؤدي العزوف عن المخاطر وتراجع أسعار الأسهم والركود الإقتصادي، الذي تلوح ظلاله في الأفق إلى تراجع العوائد على سندات الخزانة وليس ارتفاعها، مؤكدا أن سياسة المالية العامة تتسم الآن بالانكماش في كل من منطقة اليورو وبريطانيا، وحتى في الولايات المتحدة، وأكد أنه أمام هذه التحديات الجمة تظل الآمال المعقودة على التسهيل الكمي مقيدة بالتضخم، الذي يبلغ الآن مستويات تزيد كثيراً على الأهداف المحددة له عبر بلدان العالم الغربي، وأنه هناك احتمال بأن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي جولة ثالثة من التسهيل الكمي، لكنها ستكون أقل من اللازم وتأتي بعد فوات الآوان، ففي السنة الماضية كانت نتيجة الجولة الثانية من التسهيل الكمي بمبلغ 600 مليار دولار إلى جانب ألف مليار دولار على شكل تخفيضات ضريبية ودفعات عوائد اجتماعية، هي إحداث انتفاخ في النمو الإقتصادي لا يكاد يصل إلى 3%، وكان هذا لمدة ربع واحد، أما الجولة الثالثة من التسهيل الكمي، فسيكون مقدارها أقل من ذلك بكثير، وسيكون أثرها أقل من ذلك بكثير.

    وذكر أن النجدة لا يمكن أن تأتي من الصادرات، لأن جميع البلدان المتقدمة بحاجة إلى عملات أضعف، لكنها لا تستطيع جميعاً الحصول على عملات ضعيفة في وقت واحد – فإذا كانت إحدى العملات ضعيفة فلا بد أن تكون عملة أخرى قوية، وهذه لعبة يربح فيها طرف على حساب خسارة طرف آخر، ولن يكون من شأنها إلا المخاطرة باستئناف حرب العملات، وبالتالي فإن هذا الحل أيضا فقد قدرته علي التدخل لحماية الاقتصاديات من الانكماش، متسائلا: "هل سيكون بمقدور الإقتصاد العالمي أن يتجنب الوقوع مرة أخرى في ركود اقتصادي حاد؟".

    وقال د. روبيني إنه قد يكون مستحيلا، لكن أفضل رهان لدي العالم الآن أن تعمل البلدان، التي لم تفقد قدرتها على الإستفادة من الأسواق مثل الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان وألمانيا على تطبيق إجراءات تحفيزية جديدة قصيرة الأجل، وفي الوقت نفسه الإلتزام بإجراءات التقشف في المالية العامة على الأجل المتوسط، وبالتالي سيعمل تخفيض المرتبة الإئتمانية للولايات المتحدة على تسريع المطالبات بالتقليص في المالية العامة، إلا أنه ينبغي على أمريكا بصورة خاصة أن تلتزم بالبحث عن إجراء تخفيضات لا يستهان بها على الأجل المتوسط، وليس الدخول في إجراءات مباشرة تؤدي إلى تهاوي قدرات المالية العامة وترَدِّي النمو وحالات العجز.

    وأضاف أن المواجهة تستوجب أيضا أن تتحرك البنوك المركزية خاصة الغربية منها للبدء في تطبيق مزيد من إجراءات التيسير الكمي، حتى ولو أن أثرها سيكون محدوداً، ولا مانع أن تخفض البنوك ومنها البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة، لتصل إلي الصفر، فضلا عن قيام هذه البنوك بمشتريات ضخمة من السندات الحكومية، ولابد من أن تبدأ عملية منظمة لإعادة هيكلة الديون، بما يعنيه ذلك من عمل تخفيضا في مبالغ القروض العقارية من أولها إلى آخرها بالنسبة للأسر الأمريكية، التي تزيد قروضها البنكية على أسعار مساكنها، وأن تفرض الحكومات على دائني البنوك المعتلة أن يشطبوا جزءاً من قروضهم قبل اللجوء إلى أموال دافعي الضرائب.

    ونصح بضرورة تطبيق الإجراءات الخاصة بالتمديد القسري لتواريخ استحقاق السندات، بأسعار فائدة خالية من المخاطر، كما حدث مع اليونان، وتطبيق ذلك بالنسبة للبرتغال وإيرلندا، مع احتمال تطبيق الأمر نفسه بالنسبة لإسبانيا وإيطاليا في حالة فقدانهما القدرة على الإستفادة من الأسواق، مؤكدا أنه قد لا يكون في الإمكان منع وقوع طور آخر من الركود الإقتصادي، لكن السياسة تستطيع الوقوف دون الدخول في كساد ثان، وهذا سبب كاف لاتخاذ إجراءات سريعة نحو أهداف بعينها.- د. حافظ منصور: انخفاض الإنتاجية وضعف القدرة على تصريف البضائع والخدمات وتدني نوعية المنتج أو عدم القدرة على استيعاب التكنولوجيا الحديثة في العملية الإنتاجية .. أهم الأسباب

    - د. مختار الشريف: أزمة الركود الأمريكية الأولي ترتب عليها خسائر فاقت تكاليف الإنفاق علي الحرب العالمية الأولي

    - د. محمد رمضان: لو حدثت معجزة وانتهى الإنكماش الإقتصادي، سيتطلب الإقتصاد العالمي أكثر من ثلاث سنوات لكي تعود "العمالة" بالطاقة الإنتاجية إلى مستوياتها السابقة

    - د. نورييل روبيني: المواجهة تستوجب تحرك البنوك المركزية لتطبيق مزيد من إجراءات التيسير الكمي

     

     

    تحقيق - رمضان أبو إسماعيل

    يتفق خبراء الإقتصاد على أن مصطلح "الإنكماش المالي" يشير إلي حالة من الإنخفاض المتواصل في أسعار السلع والخدمات في مختلف جوانب الإقتصاد، ليكون اصطلاحا يقف في الاتجاه المعاكس للتضخم الإقتصادي، إلا أنه أسوأ في نتائجه وآثاره على الإقتصاد، لكنه في ذات الوقت نادر الحدوث، وربما تكون حالة الكساد الكبير، التي ضربت الإقتصاد العالمي في 1929 تعد النموذج المثالي للإنكماش الاقتصادي.

    ويذهب خبراء إلى أن الإنكماش يحدث عندما يعاني اقتصاد الدولة من كساد أو ركود ، مما يؤدي إلى تراجع مؤقت لأوجه النشاط الإقتصادي، لكن السبب الرئيسي لحدوث الإنكماش، هو قلة الطلب على السلع والخدمات، وذلك بسبب تراجع القدرة الشرائية للمستهلكين, أو لتدني السيولة النقدية المتاحة بسبب عجز المصارف المركزية للدول عن ضخ المزيد من النقود للتداول, وأنه من الممكن أن يحدث هذا "الإنكماش المالي" أيضا بسبب المنافسة الحادة بين المصنعين ومنتجي السلع والخدمات سعياً منهم لزيادة مبيعات منتجاتهم بتخفيض أسعارها.

    أكد د. علي حافظ منصور أستاذ الإقتصاد بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة أن حالة الإنكماش الإقتصادي يتحقق في اقتصاد الدولة عندما يعاني أدائها الإقتصادي من تراجع مستمر في ناتجها المحلي الإجمالي بما يعني تحقيقها نموا سلبيا في النمو الإقتصادي الحقيقي لمدة فصلين متعاقبين أو أكثر من السنة ويُشار إلى أن معظم حالات الركود الإقتصادي في العالم كانت قصيرة.

    وأوضح أنه من الممكن القول بأن الإقتصاد المصري شهد حالة من الإنكماش خلال العام المالي 2011 / 2012، وهو العام الذي أعقب الثورة التي ترتب عليها حالة من الركود في الأسواق ظهرت في تراجع معدلات النمو لدرجة أن حقق الاقتصاد خلال الفصل الثالث والرابع من هذا العام معدلات (نمو سالبة)، لافتاً إلي أن هذا الإنكماش الذي أصاب الإقتصاد المصري كان عارضا، لأنها نتجت عن عوامل عارضة أيضا، لذلك جاءت الآثار غير ملموسة في الأسواق بحيث لم تنخفض الأسعار.

    وقال د. منصور إنه من الممكن مشاهدة آثار الركود في الإنخفاض الكبير بالنشاط الإقتصادي لعدة أشهر، مما يعكس انخفاضا بالناتج المحلي الإجمالي والدخل الحقيقي للدولة، وفي زيادة البطالة وانخفاض الإنتاج الصناعي وانخفاض تجارة التجزئة، وتبدأ حالة "الإنكماش الاقتصادي" بعد أن يصل النشاط الإقتصادي إلى تراجع مؤقت ، وينتهي بعد أن يصل الإقتصاد إلى أدنى درجة في النمو، وبعدها يبدأ الإقتصاد مرحلة جديدة يعاود فيها الصعود الى الأعلى فيما يعرف بالنمو الإقتصادي.

    وأضاف أنه يصاحب فترة "الإنكماش الإقتصادي" انخفاض في النشاط الإقتصادي العام، وزيادة في عدد العاطلين عن العمل، وانخفاض في حجم الإستثمارات وأرباح الشركات، وقد يصاحب الركود انخفاض كبير بالأسعار أي انخفاض في معدل التضخم، وقد يصاحبه أيضا إرتفاع كبير في معدل التضخم، وهذا ما يطلق عليه في الأدبيات الإقتصادية "الكساد الكبير ,"وأضاف أن حالة الانكماش تعد مرحلة حتمية لأي اقتصاد، ومن ثم لابد لكل اقتصاد أن يمر بها، لكي تستقيم الأمور لأنها دورات اقتصادية تتعاقب على الإقتصاد العالمي، فتكون موجات من النمو المتسارع قبل أن تتراجع المعدلات مرة أخري، ويدخل الاقتصاد حالة من الركود الاقتصادي أو الإنكماش، مشيرا إلي أن الأسباب التي تؤدي إلى الإنكماش تنقسم إلى شقين الأول أسباب خارجية، تتمثل في كل ما يخرج عن سيطرة الحكومة من "صدمات اقتصادية" كالارتفاع الزائد في أسعار الطاقة أو الكوارث والحروب وغيرها.

    وأسباب داخلية ،تتمثل في انخفاض الإنتاجية وضعف القدرة على تصريف البضائع والخدمات وتدني نوعية المنتج أو عدم القدرة على استيعاب التكنولوجيا الحديثة في العملية الإنتاجية، فضلا عن ذلك قد ينتج الإنكماش الاقتصادي أحيانا عن طريق رفع حجم الإنفاق، ومن ثم التراجع عن هذا المستوى من الإنفاق ما يؤدي إلى إحداث نقص مفاجئ في الطلب الكلي بما يعنيه من إنكماش في الآداء الاقتصادي.

    ومن جانبه قال د. مختار الشريف أستاذ الاقتصاد في جامعة المنصورة أن "الكساد الكبير" هو اصطلاح يطلق على الأزمة، كالتي نتجت عن تدهور معدلات النمو الاقتصادي في معظم دول العالم عام 1929، وانتهت في ثلاثينيات القرن الماضي أو بداية أربعينيات القرن نفسه في أوقات مختلفة، وبالتالي يعد ذلك "الكساد الكبير" أبرز فترة تدهور اقتصادي عرفها التاريخ الحديث، لدرجة أن خبراء الاقتصاد يتعاملون مع المؤشرات الاقتصادية لهذه الأزمة الاقتصادية لقياس العمق الذي يمكن أن يهوي إليه الاقتصاد العالمي في أي وقت لاحق لهذا الإنكماش الكبير.

    وأضاف أن هذه الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة بدأت من أسواق المال الأميركية، التي كانت أول ضحايا الأزمة, وتم التأريخ لها بانهيار بورصة نيويورك في حي المال أو وول ستريت يوم 24 أكتوبر عام 1929، الذي أطلق عليه "الخميس الأسود" وتبعه "الثلاثاء الأسود" يوم 29 أكتوبر الأول من نفس السنة، وحدث ذلك بسبب طرح 13 مليون سهما للبيع، لكنها لم تجد مشترين لتفقد قيمتها، وبالتالي ترتب علي هذا الوضع الإقتصادي حالة من الذعر لدى المستثمرين في البورصة، وبدورهم بادر الوسطاء إلى البيع بكثافة، ليجد آلاف المساهمين بعد ذلك أنفسهم مفلسين.

    وأوضح د. الشريف أنه ترتب علي هذه الأزمة الإقتصادية ان أعلنت عشرات المؤسسات المالية إفلاسها، وأغلقت العديد من المصانع أبوابها وسرحت العمالة، لتتسبب في أعداد هائلة من العاطلين عن العمل وتوقف للإنتاج, وانتقلت الأزمة كالنار في الهشيم إلى جميع الأسواق العالمية، لدرجة أن خسر مؤشر "داو جونز" المنهار 22,6 من قيمته يوم 24 أكتوبر 1929، فيما بلغت الخسائر الإجمالية بين 22 أكتوبر و13 نوفمبر 1929 نحو ثلاثين مليار دولار بمعدل يفوق الميزانية الإتحادية عشر مرات، وأكثر من النفقات الأميركية في الحرب العالمية الأولى، ولم يحل عام 1932 حتى كان مؤشر "داو جونز" قد فقد 89% من قيمته.

    وأشار إلي أن أصحاب المصارف بالولايات المتحدة سارعوا إلى اتخاذ إجراءات لمواجهة الأزمة، فقاموا باسترجاع كميات كبيرة من المال من مصارف في ألمانيا وفرنسا وإنجلترا, مما ترتب عليه أن لحق باقتصاديات هذه الدول أضرار بالغة أيضا نتيجة أزمة السيولة التي تعرضت لها هذه الأسواق بسبب خروج الأموال الأمريكية والتوجس غير المسبوق لرجال المال وعزوفهم عن دخول الأسواق في ظل هذه الحالة غير المسبوقة من الإنكماش أو الركود، موضحا أن هذه الأزمة ترتب عليها انهيار جمهورية "فيمار" في ألمانيا ليعقبها ظهور "النازيين"، وفي فرنسا، بدأت آثار الأزمة بالظهور سنة 1931، بينما اتخذت بريطانيا إجراءات قللت من حدة الأزمة مثل تخفيض أسعار الفوائد.

    ولفت إلي أن هذه الحالة الإنكماشية تملكت الإقتصاد الأمريكي منذ 1929 واستمرت في تداعياتها الإقتصادية الخطيرة حتي عام 1932، وأنه لم يبدأ الانتعاش في الولايات المتحدة إلا عام 1933 مع سياسة "العهد الجديد"، التي وضعها الرئيس "فرانكلين روزفلت"، التي نصت على وضع حلول للأزمة المصرفية عام 1933، وإعادة فتح البنوك السليمة، وإصدار قوانين عامي 1933 و1935 تمنع البنوك من التعامل بالأسهم والسندات، فضلا عن إنشاء مؤسسات لرعاية ضحايا الأزمة من العاطلين، وإصدار قوانين تحقق الاستقرار في قطاع الزراعة، وإصدار قانون الإصلاح الصناعي عام 1933، وتصحيح استخدام الأوراق المالية من خلال إنشاء لجنة تبادل الأوراق المالية عام 1934.

    فيما أكد د. محمد علي رمضان الخبير الإقتصادي أن الإقتصاد العالمي يشهد حالة انكماشية لا مثيل لها، حيث أدى هذا الإنكماش إلى تزايد معدلات البطالة، وانخفاض الكمية الإنتاجية للمصانع، وانخفاض مبيعات التجزئة، وتناقص الطلب على القروض المقدمة من البنوك، وحتى الإختراعات والإبتكارات الجديدة تأثرت سلبياً، مما أدى إلى زيادة في الطاقة غير المستغلة لدى الكثير من المصانع.

    وأوضح أنه حتى لو حدثت معجزة وانتهى الإنكماش الإقتصادي، سيتطلب الإقتصاد العالمي أكثر من ثلاث سنوات لكي تعود "العمالة" بالطاقة الإنتاجية إلى مستوياتها السابقة، ومع وجود بعض المؤشرات الايجابية عن تحسن طفيف في أسواق المال العالمية، فان الزيادة في الطلب على المنتجات والخدمات سيحتاج إلى وقت أطول، فالدورة الاقتصادية للخروج من انكماش حاد تتطلب مدة زمنية أطول لعدة أسباب أهمها، إيجاد مستأجرين لشغل المحال والعقارات غير المؤجرة ليس بالشيء السهل، وذلك لعدم رغبة رجال الأعمال في الاقتراض من البنوك والدخول في مشاريع تجارية في هذا الوقت.

    من جانب آخر، قال د. رمضان أن المصانع لن تزيد من قدرتها الإنتاجية حتى تتأكد من وجود طلب قوي من المستهلكين، وبالتالي لن يتم توظيف المزيد من العمالة في المصانع أو محال التجزئة، مما يؤدي إلى بقاء معدلات البطالة على مستويات عالية، فمستويات البطالة العالية ستؤدي إلى انخفاض الطلب على المنتجات والخدمات، وهذه الدورة القاسية ستؤخر في عملية النمو المطلوبة للإقتصاد العالمي، وعلى سبيل المثال، لتعويض فقد تريليون دولار من الإقتصاد الأميركي، يحتاج الإقتصاد إلى معدل نمو سنوي 2,5%، وهو أكبر معدل حققه في السنوات الماضية، أو ما يقارب 350 بليون دولار سنوياً، أي ثلاث سنوات متتالية من النمو العالي، وهذا ما يصعب تحقيقه.

    وأضاف أن تزايد الطاقة غير المستغلة لا يقتصر على المصانع فقط، ولكن الخدمات المقدمة تشهد تراجعاً حيث يشير تقرير الإحتياطي الأميركي الأخير إلى تراجع في ساعات عمل المحامين والأطباء وتزايد في المساحات غير المؤجرة وانخفاض في الطلب على الخدمات السياحية وحجوزات شركات الطيران .

    وأوضح أن الأثر الإيجابي الوحيد لهذا الإنكماش الإقتصادي هو غياب الضغوطات التضخمية، ومن جانب آخر لم تثمر السياسات النقدية التي طبقتها دول كثيرة والمتعلقة بتخفيض معدلات الفائدة إلى أدنى مستوياتها بهدف تشجيع الإقتراض والإنفاق عن أي نجاحات ملموسة، حيث لا يزال سوق الطلب في انخفاض والطاقة غير المستغلة في تزايد.

    وخلص د. علي رمضان إلي أن ما يشهده الاقتصاد العالمي من انكماش حاد هو ما حذر منه الاقتصادي الشهير "جون ميراند كينز" في أوائل القرن العشرين، وهو أنه في حالة الإنكماش الشديد للإقتصاد، وذلك لتهاون الحكومات في التدخل المباشر لمنع الصدمات للأسواق، سيتجه الإقتصاد إلى نقطة توازن جديدة تتسم بطاقة إنتاجية أقل، وبطالة متزايدة، وانخفاض في الدخل والثروة، ومن ثم يحتاج العالم إلى أعوام عديدة لكي يعود إلى مستويات الإنتاج التي سبقت الإنكماش الاقتصادي.

    وقال د. نورييل روبيني أستاذ الاقتصاد في جامعة نيويورك الأمريكية إنه هناك احتمالات قوية بأن البلدان المتقدمة مُقْدِمة على طور آخر من الركود الاقتصادي الحاد، حيث أظهرت نتائج النصف الأول من العام 2011 تباطؤاً في النمو الإقتصادي، إن لم يكن انكماشاً بكل ما في الكلمة من معنى، في معظم البلدان المتقدمة، وأن المتفائلين قالوا: "إن هذا كان أداءً ضعيفاً مؤقتاً"، لكن هذا الوهم تحطم الآن، لأن الاحتمالات تذهب في مجملها إلي أن الولايات المتحدة والبلدان المتقدمة الأخرى مُقْدِمة على طور آخر من الركود الإقتصادي الحاد.

    وأضاف أن بوادر الإنكماش الاقتصادي تبدو في التباطؤ في اعداد الوظائف التي يتم اضافتها للإقتصاد، فضلا عن تراجع معدلات النمو الإقتصادي، وبقاء مستوي الإستهلاك والإنتاج الصناعي على حاله، وسيادة حالة من الركود علي سوق العقارات، وتراجع مستويات ثقة المستهلكين والأعمال والمستثمرين في الإقتصاد، لافتا إلي أن توافر كل هذه العوامل في اقتصاديات الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا ينبأ بحالة من الانكماش الممكن أن تتملك هذه الإقتصاديات ومن بعدها تنتقل إلي كل الإقتصاديات المتعاملة مع الإقتصاديات الغربية.

    وأكد أن البلدان الطرفية في منطقة اليورو تعاني الآن حالة من الإنكماش الإقتصادي، أو أنها في أحسن الأحول لا تكاد تسجل نمواً اقتصادياً يذكر، وبالتالي فإنه هناك الآن خطر كبير للغاية في أن إيطاليا أو إسبانيا ستخسرا القدرة على الإستفادة من أسواق الدين، وأن هذان البلدان، على خلاف اليونان والبرتغال وإيرلندا، يبلغان من الحجم كبراً يجعل من غير الممكن إنقاذهما، لافتا إلي أنه في الوقت نفسه، شهدت بريطانيا نمواً فاتراً، في الوقت الذي أخذت تبدو فيه آثار التقشف.

    وأوضح أن هناك أعراض انكماشية ضربت اقتصاديات عديدة أخري في أسيا، فالاقتصاد الياباني يعاني من حالة غير مسبوقة من جمود هيكلي ستتعافى لعدة أرباع – بعد الركود الإقتصادي المزدوج الذي أصابها بعد الزلزال – لا لشيء إلا لتعاود الجمود مرة أخرى في الوقت، الذي تتلاشى فيه آثار التحفيز الإقتصادي، وما هو أسوأ من ذلك أن المؤشرات الرئيسية للتصنيع العالمي تتباطأ بصورة حادة – في البلدان الناشئة مثل الصين والهند والبرازيل، وفي البلدان التي تعتمد على الصادرات أو البلدان الغنية بالموارد الطبيعية، مثل ألمانيا وأستراليا.

    وأشار د. روبيني مؤلف كتاب ''اقتصاديات الأزمة" إلي أنه حتى السنة الماضية كان بإمكان أهل الحل والربط دائماً تبني وتطبيق بدائل لمواجهة الأعراض الإنكماشية، لإشعال فتيل الإنعاش في الموجودات (تنشيط الطلب دون تأجيج التضخم) والانتعاش الإقتصادي، وقد جُرِّبت جميع السبل المتاحة، مثل أن تكون أسعار الفائدة الرسمية عند المستوى الصفري، والدخول في الجولة الأولى من التسهيل الكمي، ثم في الجولة الثانية من التسهيل الكمي، وتيسير الائتمان، وبرامج التحفيز من المالية العامة، وتسوير الموجودات، وتقديم السيولة عند مستويات وصلت إلى تريليونات الدولارات، وإنقاذ البنوك والمؤسسات المالية.

    لكن الوضع، وفقا لـ"ربيني"، وصل إلي مرحلة لم يتبقي معها أي بدايل يمكن الإعتماد عليها لتحفير الإقتصاد لمقاومة أعراض الإنكماش التي فاقت كل امكانيات المواجهة، فإن القرار القائم على أخطاء في التقدير، والذي اتخذته وكالة "ستاندار آند بورز" بتخفيض المرتبة الائتمانية للولايات المتحدة في وقت يتسم بهذا القدر الحاد من الجيشان في الأسواق، ويتسم بالضعف الإقتصادي لن يكون من شأنه إلا زيادة احتمالات الوقوع في حالة من الركود الإقتصادي المزدوج وحتى الوقوع في حالات أعلى من العجز في المالية العامة.

    ولفت إلي أن المثير للمفارقة هو أن سندات الخزانة الأمريكية ستظل على الأرجح أقل الموجودات المأمونة قبحاً في العالم، لأنه من الممكن أن يؤدي العزوف عن المخاطر وتراجع أسعار الأسهم والركود الإقتصادي، الذي تلوح ظلاله في الأفق إلى تراجع العوائد على سندات الخزانة وليس ارتفاعها، مؤكدا أن سياسة المالية العامة تتسم الآن بالانكماش في كل من منطقة اليورو وبريطانيا، وحتى في الولايات المتحدة، وأكد أنه أمام هذه التحديات الجمة تظل الآمال المعقودة على التسهيل الكمي مقيدة بالتضخم، الذي يبلغ الآن مستويات تزيد كثيراً على الأهداف المحددة له عبر بلدان العالم الغربي، وأنه هناك احتمال بأن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي جولة ثالثة من التسهيل الكمي، لكنها ستكون أقل من اللازم وتأتي بعد فوات الآوان، ففي السنة الماضية كانت نتيجة الجولة الثانية من التسهيل الكمي بمبلغ 600 مليار دولار إلى جانب ألف مليار دولار على شكل تخفيضات ضريبية ودفعات عوائد اجتماعية، هي إحداث انتفاخ في النمو الإقتصادي لا يكاد يصل إلى 3%، وكان هذا لمدة ربع واحد، أما الجولة الثالثة من التسهيل الكمي، فسيكون مقدارها أقل من ذلك بكثير، وسيكون أثرها أقل من ذلك بكثير.

    وذكر أن النجدة لا يمكن أن تأتي من الصادرات، لأن جميع البلدان المتقدمة بحاجة إلى عملات أضعف، لكنها لا تستطيع جميعاً الحصول على عملات ضعيفة في وقت واحد – فإذا كانت إحدى العملات ضعيفة فلا بد أن تكون عملة أخرى قوية، وهذه لعبة يربح فيها طرف على حساب خسارة طرف آخر، ولن يكون من شأنها إلا المخاطرة باستئناف حرب العملات، وبالتالي فإن هذا الحل أيضا فقد قدرته علي التدخل لحماية الاقتصاديات من الانكماش، متسائلا: "هل سيكون بمقدور الإقتصاد العالمي أن يتجنب الوقوع مرة أخرى في ركود اقتصادي حاد؟".

    وقال د. روبيني إنه قد يكون مستحيلا، لكن أفضل رهان لدي العالم الآن أن تعمل البلدان، التي لم تفقد قدرتها على الإستفادة من الأسواق مثل الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان وألمانيا على تطبيق إجراءات تحفيزية جديدة قصيرة الأجل، وفي الوقت نفسه الإلتزام بإجراءات التقشف في المالية العامة على الأجل المتوسط، وبالتالي سيعمل تخفيض المرتبة الإئتمانية للولايات المتحدة على تسريع المطالبات بالتقليص في المالية العامة، إلا أنه ينبغي على أمريكا بصورة خاصة أن تلتزم بالبحث عن إجراء تخفيضات لا يستهان بها على الأجل المتوسط، وليس الدخول في إجراءات مباشرة تؤدي إلى تهاوي قدرات المالية العامة وترَدِّي النمو وحالات العجز.

    وأضاف أن المواجهة تستوجب أيضا أن تتحرك البنوك المركزية خاصة الغربية منها للبدء في تطبيق مزيد من إجراءات التيسير الكمي، حتى ولو أن أثرها سيكون محدوداً، ولا مانع أن تخفض البنوك ومنها البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة، لتصل إلي الصفر، فضلا عن قيام هذه البنوك بمشتريات ضخمة من السندات الحكومية، ولابد من أن تبدأ عملية منظمة لإعادة هيكلة الديون، بما يعنيه ذلك من عمل تخفيضا في مبالغ القروض العقارية من أولها إلى آخرها بالنسبة للأسر الأمريكية، التي تزيد قروضها البنكية على أسعار مساكنها، وأن تفرض الحكومات على دائني البنوك المعتلة أن يشطبوا جزءاً من قروضهم قبل اللجوء إلى أموال دافعي الضرائب.

    ونصح بضرورة تطبيق الإجراءات الخاصة بالتمديد القسري لتواريخ استحقاق السندات، بأسعار فائدة خالية من المخاطر، كما حدث مع اليونان، وتطبيق ذلك بالنسبة للبرتغال وإيرلندا، مع احتمال تطبيق الأمر نفسه بالنسبة لإسبانيا وإيطاليا في حالة فقدانهما القدرة على الإستفادة من الأسواق، مؤكدا أنه قد لا يكون في الإمكان منع وقوع طور آخر من الركود الإقتصادي، لكن السياسة تستطيع الوقوف دون الدخول في كساد ثان، وهذا سبب كاف لاتخاذ إجراءات سريعة نحو أهداف بعينها.

    كلمات مفتاحية  :
    الإنكماش الإقتصادي

    تعليقات الزوار ()