تبعاً للقاعدة الشرعية: (الأصل في المعاملات الإباحة) أنشأت المصارف الإسلامية هيكلة منتجاتها المصرفية وفق حدود هذه القاعدة الشرعية، واتخذت مزايا هذه الحدود الشرعية معالماً لمنتجاتها وخدماتها المقدمة لعملائها. وفي ظل مواكبة تطور الصناعة المالية في المصرفية الإسلامية التي من أبرز مزاياها إصدار معايير شرعية لمنتجات وخدمات المصارف الإسلامية الصادرة من المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، ومن قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي وغيرها من الجهات الشرعية المعنية بهذا الشأن، فهي تمثل الحد الفاصل بين الحلال والحرام في المعاملة المصرفية.
ومن جملة هذه الضوابط الشرعية العمل بمبدأ التكلفة الفعلية في العمولات المصرفية التي لا يجوز للمصرف أن يأخذ عليها ربحاً في تطبيقه لهذه المعاملة، وإنما تكون وفق ما تكبده المصرف من أجور وتكاليف لتنفيذ هذه المعاملة، مثل الخدمات المصاحبة للقرض في المنتجات البنكية، كالعمولة المصرفية في السحب النقدي من بطاقة الائتمان (فيزا- ماستركارد-..)، وفي خطاب الضمان المصرفي، وأيضاً في الافصاح عن تكاليف تمويل المرابحة.
وتأتي الخطورة الشرعية على المصرف إذا تجاوزت العمولة المصرفية حدود مقدار التكلفة الفعلية. والملاحظ حاليا وجود تطبيقات لمصارف إسلامية مختلفة ومتباينة في حساب مقدار التكلفة الفعلية والاختلاف في الآلية والطريقة المتبعة بشأنها، بغض النظر عن نتيجة مقدار التكلفة الفعلية لأنها بطبيعتها ستكون مختلفة من بنك لآخر.
ومن خلال دراسة أكاديمية لواقع تطبيقات بعض المصارف الإسلامية يتضح وجود ثغرة في طريقة حساب مقدار التكلفة الفعلية التي تعد هي المبدأ الشرعي المسوغ للمصرف الحصول على العمولة المصرفية في تلك المنتجات المذكورة. إلى جانب ذلك، نجد أن مقدار التكلفة الفعلية في العمولات المصرفية تزيد من حين لآخر، زيادة ليست يسيرة، من غير مبرر في التداعيات الاقتصادية، وهذا يؤثر على شفافية الإفصاح وتحديد مقدار التكلفة الفعلية وفق الأساليب المعتبرة شرعاً.
وترجع أبرز الأسباب الشرعية المشترطة للتكلفة الفعلية في العمولات المصرفية إلى وجود منفعة محرمة في القرض، ومثاله في بعض العمولات المصرفية في بطاقة الائتمان كعمولة السحب النقدي وإصدار بطاقة الائتمان، وإلى وجود مصارفة في الذمة كما في سعر الصرف في العملات الأجنبية في عمليات البطاقة. وأيضاً بسبب هيكل تمويل بيع المرابحة المتمثل في إفصاح المصرف للعميل في عقد التمويل لتكاليف رأس المال، وحينئذٍ فإن غياب الإفصاح الحقيقي يعد خطورة شرعية تؤثر على صحة عقد التمويل.
وإلى جانب التشريع بجواز التعامل بمبدأ التكلفة الفعلية في العمولات المصرفية الصادر من الجهات الشرعية فإن الأساليب المحاسبية لقيد عناصر التكلفة الفعلية بحاجة إلى تنظيم معيار يصدر بشأنها لتفادي تجاوز الحدود الشرعية لمعالم التكلفة الفعلية، حيث بموجب ذلك يمكن تنفيذ الرقابة الشرعية في هذه الجزئية، وحوكمة المصرف الإسلامي المجاوز لحدود التكلفة الفعلية، ولكن في ظل غياب معيار محايد من جهة خارجية مستقلة عن المصرف الإسلامي ستبقى ثغرة حساب مقدار التكلفة الفعلية عاملاً مؤثراً في الأثر الشرعي لجواز أخذ المصرف للعمولات المصرفية المقيدة بالتكلفة الفعلية.
محمد بن وليد السويدان
جامعة بورتسموث، بريطانيا
University of Portsmouth