رغم أن هناك من أمراء آل سعود ووزراء في الحكومة السعودية من يغرّدون في (تويتر) ويتواصلون عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها (فيسبوك)، الا أن من المشكوك فيه قراءة هؤلاء للواقع المحلي المتحوّل بوتيرة سريعة، حيث يعكس اليوم الأعداد المضاعفة من المغرّدين (بلغ عدد المغرّدين السعوديين حتى مايو 2012 نحو 393 ألف مغرّداً فيما كان عددهم في العام 2011 يصل الى 115 ألف مغرّداً) أما عدد المستخدمين لموقع تويتر في السعودية فقد بلغ بحسب تقرير نشر في 6 يناير الجاري أن عدد مستخدمي التويتر في في السعودية بلغ أكثر من 3 ملايين شخص، فيما بلغ عدد التغريدات 50 مليون تغريدة شهرياً، فيما يصل عدد مستخدمي (فيسبوك) 6ملايين مستخدماً وقد فرض هؤلاء معادلة جديدة، دفعت النظام السعودي للانخراط في هذا العالم، مشاركة، ومراقبة، وتضليلاً، وملاحقة، وتهديداً.
ما لم يدركه النظام السعودي، أو بالأحرى ما لا يريد إدراكه، هو أن الشعب تغيّر، وهو ليس الشعب الذي كان يخضع تحت تأثير معادلة العصا والجزرة..إنه، شأن شعوب الشرق الأوسط الأخرى، يريد الحرية، والمشاركة السياسية، وحكم القانون، ومحاربة الفساد، والتوزيع العادل للثروة..الخ.
في الحملات السياسية في الواقع الافتراضي، على تويتر بوجه الخصوص، أظهر الشعب قدرة على التأثير في قرارات الحكومة، وفي توجيه الرأي العام، وبدت فتاوى تحريم (التظاهرات) عاجزة عن الوصول الى هذا العالم، رغم أن فتوى بتحريم تويتر صدرت من المفتي العام، وكذا محاولة الملك عبد الله شراء تويتر، في مزحة سمجة راجت ذات أيام غابرة غبراء..ولكن بقي هذا العالم عصيّاً على العائلة المالكة من الوصول اليه والتأثير فيه، بل أصبح الشعب في العالم الافتراضي هو الحاكم الفعلي، وصاحب اليد الطولى القادرة على تحريك الأوضاع السياسية بالطريقة التي تشاء والمؤثرة، رغم أن النظام يحاول عبر (غلمانه) التشويش على المغرّدين الناشطين..
وكما نجحت الحملات السابقة مثل أبواب الحرم، وبحبوحة، ومناصرة المعتقلين، فإن حملة هاشتاق (وسم) (#مجلس_شورى_منتخب) سوف تؤتي ثمارها أيضاً، وإن أبدى النظام السعودي عناداً وتعنّتاً من أجل الهروب من الاستحقاق القادم الذي لن يكون سوى ما يقرره الشعب، وما محاولة استباق الزمن، والاعلان عن مجلس شورى جديد بقائم جديدة تضم 30 إمرأة، سوى إحدى تأثيرات الحملة..رغم أن المجلس الجديد كسابقيه من المجالس مجرد ديكور لا روح فيه ولا تمثيل حقيقي لإرادة الشعب ومكوّناته.
حملة مجلس شورى منتخب تميّزت بكونها الأكثر شعبية في تويتر، حيث تجاوز عدد المشاركين فيه 55 ألف بلغت نسبة المؤيدين له 94% وشارك فيها طيف واسع من النشاطين الحقوقيين والسياسيين والمثقفين والمشايخ. وأجمع هؤلاء علىى الحاجة الى مجلس شورى منتخب بصلاحيات واسعة، وأن تخضع الانتخابات لرقابة صارمة من قبل منظمات أهلية ومراقبين دوليين للاشراف على نزاهة سير الانتخابات، وحتى يضطلع المجلس بدور فاعل في الحياة العامة.
ومن خلال رصد لسياق التغريدات من قبل الناشطين من خلفيات متعددة، يمكن الوقوف على طبيعة التوجّه العام لدى القوى السياسية والاجتماعية في هذا البلد.
ففي تغريدات الشيخ الصحوي سلمان العودة، الذي رغم كثرة تغريداته في كل شؤون الحياة باستثناء السياسة التي يدخل اليها بصورة عرضية وحذرة، يقول مغرّداً بأن (مجلس شورى منتخب هو خطوة إيجابية في طريق طويل بعدها يشعر الناس أنهم شركاء في الربح والخسارة ويتحملون مسؤوليتهم)، ثم يعقبها بتغريدة أخرى (توسيع الدور الرقابي لمجلس الشورى لا يقل أهمية عن كونه منتخباً ومجلس شورى الحجاز في أول عهد الدولة السعودية كان منتخباً). ورد على أولئك الذين اعتبروا دخول العودة على خط الحملة بأنه بمثابة حملة انتخابية، فقال (لم أخلق لكرسي في مجلس شورى منتخب ولكني أطالب به ليعيش جيل الأولاد والأحفاد بسلام!). وتساءل العودة بعد ذلك أن (مجلس_شورى_منتخب مطلب مشروع وشعبي، لست أدري لماذا يتأخر؟!).
وحاول العودة أن يقدّم رؤية شرعية حول مجلس الشورى المنتخب وقال (إذا كنا بصدد الحديث عن الشريعة فعلينا أن نتحدث عن حق لاختيار فيمن يسمع له ويطاع قبل أن يبايع) وأتبع ذلك بالقول (وأن نتحدث عن حق الشورى الذي يحمي الشعوب من استبداد الحاكم، ويحمي الحاكم من استبداد نفسه وطغيانها، ونزعتها نحو الأنانية). وختم بالقول بأن (النظر للمستقبل بيقظه يجعل الناصحين للبلد يلحون على مجلس شورى منتخب).
وتوالت التغريدات من الناشطين التي تندرج في السياق ذاته:
فكتب الشيخ عوض القرني تغريدة قال فيها (سيشعر الناس جميعا بأنهم شركاء في تحمل المسؤلية ويحقق التماسك الإجتماعي المطلوب شريطة النزاهة ووجود الصلاحيات الحقيقية).
وكتب الدكتور محمد العبدالكريم تغريدة نقدية قال فيها (أثبت المجلس المعين على مدى 19 سنة فشله، بدليل تزايد معدلات البطالة والفقر والقهر هل الدولة بحاجة للمزيد من الإثبات). وقال في تأكيد حق الامة في مجلس شورى منتخب بأن (الشورى حق للأمة وليس منة تمتن بها السلطة على الناس فأعطوا الناس حقهم). واعتبر ان الشورى (مع ولاية الأمة والعدل مثلث القيم السياسية في الفكر الاسلامي).
فيما قال الكاتب خلف الحربي (المشاركة الشعبية في القرار الوطني هي الأمل الوحيد لتفادي الأعاصير والفتن التي تعصف بالمنطقة).
وأكد خالد المزيني في تغريدة له أن (المجلس المنتخب هو ضمانة لاستمرار الحكم الرشيد لأنه مؤسسة تستخلص المزاج العام للشعب وتكثفه في صيغة قرار توافقي يقتنع به الجميع).
وشدّد الدكتور محمد الحضيف في تغريدة عن علاقة المجلس بالدولة الحديث وقال مغرّداً (لا يمكن الحديث عن مفهوم الدولة الحديثة، وعن شعب بكرامة وحقوق، بدون مجلس شورى منتخب). وعاد وأكّد على أن هذا المجلس هو (أول خطوة تصحيحية، في طريق طويل صحيح).
ووافق نواف القديمي على ذلك حيث أكّد على أن (الحديث عن مجلس شورى منتخب بالكامل، وبصلاحيات تشريعية ورقابية كاملة، بات خطوة أولى للحاق بعصر الدولة الحديثة).
فيما اعتبر عبد الله الكليبي مجلس شورى منتخب هو (الخطوة الأولى للتغيير والإصلاح وتفعيل الرقابة الشعبية على المؤسسات والمال العام).
واعتبر سلطان الفيفي ان المعركة ضد الاستبداد هي الأولى، وقال في إطار هذه الحملة بأن (معركتنا ليست ضد الفساد، بل ضد الاستبداد الذي أنتج الفساد. الفساد ابن شرعي للاستبداد غير الشرعي).
وفي السياق نفسه طالب خالد الناصر بأن مجلس الشورى المنتخب (يحاسب ويسأل أين تذهب الميزانية التريليونية).
وعزّز عصام الزامل هذا الرأي بتغريدة مماثلة بقوله (الرقابة البرلمانية لأعضاء منتخبين أهم ضمان لمحاربة الفساد وسوء الإدارة). ومضى في توضيح دور مجلس شورى منتخب (لا يمكن أن يكتمل شعور الإنسان بالمواطنة إلا أذا أحس أنه شريك حقيقي في صناعة القرار).
وأثار مغرّد إختار لنفسه إسم ربوبي سؤالاً هاماً في تغريدة قال فيها (كيف نشعر بانتماء لوطن لا إرادة لنا فيه ..!). وعاد مغرّداً بصورة أكثر وضوحاً: (في أجواء الربيع العربي والمشاركة الشعبية حولنا، لا يمكن ان نجلس مكتوفي الأيدي يحكمنا فرد يسوق الشعب وتحكم فيه كالقطيع ..!). ونبّه الى أن (الاعضاء المعينين في مجلس الشورى أثبتوا فشلهم وأدرك فشلهم جميع الناس ولم يعد أحد يعوّل عليهم. فما الفائدة من استمرارهم؟!).
ولفت سهيل اليماني الى تحوّل الأنظمة الشمولية نحو الديمقراطية وقال مغرّداً (في كوريا الشمالية برلمان منتخب، النظام هناك استحى أن يبدو ديكتاتورياً ومستبداً إلى الدرجة التي لا يوجد بها برلمان منتخب!).
واستدعى ابراهيم القحطاني صورة مجلس الشورى المنتخب وما يعنيه (يعني صناديق اقتراع…متخيل شكلك ياسعودي وانت واقف قدام صندوق اقتراعي؟).
وحسم هيثم طيب الموقف من وعود الاصلاح وقال (بدون مجلس شورى منتخب يكون كلام رسمي عن الإصلاح مجرد دعوى..وبدون صلاحيات حقيقية يكون كل شيء عبثاً). وأحال بدر الراشد من كلام طيب الى واقع قائم، وقال مغرّداً بأن (فشل هيئة مكافحة الفساد والجهاز الإداري والقضائي في محاربة الفساد بسبب “كائن من كان” يجعل المطالبة بمجلس شورى منتخب هو الحد الأدنى للتغيير). وتابع ذلك أحمد باغادود في تغريدة واضحة (ما من أزمة وطنية كالبطالة والفقر والإسكان إلا وهي نتيجة مباشرة لعدم وجود آلية شعبية للمشاركة الفعالة في صنع القرار). وفي السياق نفسه أكّد بدر الراشد على أن المطالب بمجلس شورى منتخب بصلاحيات واسعة (هو الحد الأدنى من الإصلاح في بلد نفطي ينخره الفساد وترهل جهازه البيروقراطي والشيخوخه السياسية). وقال مغرّد اختار لنفسه إسم مقبل مدبر معاً (نريد أن نختار من نريد فهذا حق لنا في أرض لنا فنحن أهلها لا ضيوف فيها!!).
وخفف سلطان الحصان من مخاوف السلطة من المطالبة بمجلس شورى منتخب وتساءل عن سر رفض وجوده (ماذا لو أننا طالبنا بـ مجلس شورى منتخب وتركنا له الفرصة ليعبر عنا ويمثلنا وينقل مطالبنا ويصدر تشريعاتنا ويراقب أداء المسؤولين!).
فيما حث بدر الغامدي الجمهور للمضي (نحو مجلس شوررى منتخب والأهم بمراقبة شعبية وله صلاحياته الكاملة)، ولا يريدها انتخابات شكلية، والا سيكون من الافضل عدم اجراء مثل هذه الانتخابات. وكذا فعلت أمال طويل بأن عرّفت مجلس الشورى المنتخب أي (اختيار الناس سلمياً) وطالبت بإسم الحكومة (فلنلبي رغباتهم خيراً من بحثهم عن طرق أخرى مضرّة بالمجتمع). وثنّى على ذلك محمد العليّط بالتساؤل الانكاري (هل يُعقَل ان يكون مجلس الشيوخ الأمريكي مجمُوعة أعضاء اختارتهُم الحكومة الأمريكية ليمثلوا صوت الشعب!).
وتضامنت آلاء الجرعي مع هذا الرأي وتساءلت هي الأخرى (مالفائدة من قرارته ـ أي المجلس ـ أو بالأصح اقتراحاته، إن لم تكن صادرة من عقول مختارة و منتخبة؟ فإما نختار أعضاءه أو سيبقى كما هو بلا أهمية). واستنكر الفتى البدوي وعود النظام السعودي وأحاديثه عن مجلس الشورى وقال (الدوله تتحدث عن مجلس شورى من الستينات فأنشأت مجلس شورى مسخ لايمثل الا من عيّنه).
يأمل سعود العنزي أن يتحقق حلم مجلس الشورى المنتخب (أتمنى أن أراه على أرض الواقع، حلم هل يتحقق على أرض الواقع؟ لو كان منتخباً لوجدت مدينتي حفر الباطن بها جامعه ومنطقه إقتصادية!). أما عبد الله العنزي فقال بأن مجلس الشورى المنتخب هو (مطلب الصغير والكبير، الجاهل والمتعلم.. مطلب لايمكن التنازل عنه ياوطني).
واختار طلال صالح أن يقدّم تغريدية تفصيلية مختصرة عن الاصلاح السياسي المطلوب متمثلاً في (حكومة شعبية انتقالية تقود الوطن الى دستور ومجلس شورى منتخب وأحزاب ومؤسسات مجتمع مدني ثالثاً). ويعتبر كل ما دون ذلك مجرد هراء، حسب قوله. أما فهد العتيبي فاعتبر المجلس المنتخب هو (أول خطوة حقيقية في طريق الاصلاح شريطة أن تزاد صلاحيات المجلس)..وقال عبد الله العتيبي بأن (من هم على الكراسي حالياً لايمثلونا بل يمثلون أنفسهم ،أتمنى ان تأتي بطيب نفس من الحكومة حتى لانجبر عليها غداً من الخارج). وقال نواف الحازمي بأن مجلس الشورى المنتخب بنفس الصلاحيات الحالية سيكون بلا فائدة بل (سيكون الوضع ( مزري ولن يكون مجدي) سيتحولون لأصنام كالمعينين لابيهشو ولا ينشو! هادين وش حليلهم).
وكتب محمد معروف الشيباني تغريدة تهكمية على منهجي قطر والسعودية في الانتخابات، وهما البلدان الأشد رجعية في هذا المضمار، وقال ( قطر قدمت (الإنتخابات) على دخول (المرأة) مجلس الشورى. السعودية قدمت (المرأة) على (الإنتخابات). مدرستان للتجديد!).
ويقدّم عبد العزيز الحصان خلاصة تجربة مجلس الشورى المعيّن وقال (المجلس الحالي هو”خطوة” للإصلاح في عرف السياسي قبل عقدين فأنتج مجلس صوري مفرغ الصلاحيات وواجهة للعلاقات العامة والهدر المالي!). ولفت الى أن (مجلس شورى منتخب جزئي أو كلي قد يكون قريب وهو مرغوب من قبل السياسي؛ السعى وراه دون مشروع سياسي متكامل ليس في صالح الإصلاح الجذري!).
أما الدكتورة مضاوي الرشيد فأضاءت على نقطة جديرة بالاهتمام وعليها يعوّل في تقييم مسيرة المجلس، تقول (مجلس شورى منتخب بدون أحزاب علنية تتصارع في مشاريعها السياسية والاقتصادية يتحول الى شلة أو حلقة تسلية). وتنظر الى تجربة مجالس من هذا القبيل في عالمنا العربي (في الديموقراطيات العربية الوهمية تطيح الحكومة بمجلس شورى منتخب، وتحجب الثقة عنه وليس العكس).
خالد شبكشي ـ الحجاز