نص الجواب قال الإمام الغزالى فى كتابه "إحياء علوم الدين"ج 2 ص 93 : لو اختلط حرام لا يحصر بحلال لا يحصر، كحكم الأموال فى زماننا هذا لا يحرم تناول شىء منه ما دام محتملا الحلال والحرام ، إلا أن يقترن بتلك العين علامة تدل على أنه من الحرام ، والدليل : 1 - أن أثمان الخمور ودراهم الربا من أيدى أهل الذمة مختلطة بالأموال ، وكذلك غلول الأموال وغلول الغنيمة ، ومن يوم أن نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الربا فى حجة الوداع ما ترك الناس الربا بأجمعهم ، كما لم يتركوا شرب الخمور ولا تركوا المعاصى ، وأدرك أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الأمراء الظلمة ولم يمتنع أحد منهم عن الشراء والبيع فى السوق بسبب نهب المدينة ، وقد نهبها أصحاب يزيد ثلاثة أيام ، والأكثرون لم يمتنعوا عن تلك الأموال مع الاختلاط وكثرة الأموال المنهوبة فى أيام الظلمة . 2 - لو فتح هذا الباب لانسد باب جميع التصرفات وخرب العالم ، إذ الفسق يغلب على الناس ، ويتساهلون بسببه فى شروط البيع فى العقود، ويؤدى ذلك إلى الاختلاط ، ولو قيل : إن الحرام كثر عن أيام السلف فيجب ترك المختلط بالحلال الآن أقول : ليس حراما وإنما الورع تركه . وفى "ص 96" : لو طبق الحرام الدنيا حتى علم يقينا أنه لم يبق فى الدنيا حلال كنت أقول نستأنف تمهيد الشروط من وقتنا ونعفو عما سلف ونقول : ما جاوز حده انعكس إلى ضده ، فمهما حرم الكل حل الكل ، وذلك لأن الناس لو تركوا الأكل منه ماتوا عن أخرهم ، ولو اقتصروا على قدر الضرورة فسيئول أمرهم إلى الموت ، فالذى نراه أن كل ذى يد على ما فى يده ، وهو أولى به ، لا يجوز أن يؤخذ منه سرقة وغصبا ، بل يؤخذ برضاه ، والتراضى هو طريق الشرع . وقال فى صفحة 108 : شخص معين خالط ماله الحرام مال حلال ، فإن كان الأكثر حراما لا يجوز الأكل من ضيافته ولا قبول هديته وصدقته إلا بعد التفتيش ، فإن ظهر أن المأخوذ من وجه حلال فذاك ، وإلا ترك ، وإن كان الحرام أقل والمأخوذ مشتبه فهذا فى محل النظر . وفى ص 109 قال : فإن قيل : روى عن علىَّ الترخيص فى أخذ ما يعطيه السلطان له ، وابن مسعود بجواز الأخذ من الجار صاحب المال الخبيث وقال : عليه المأثم ولك المهنأ، وقال بجواز الأكل من الجار الذى يتعامل بالربا ، ورويت عنه روايات كثيرة مختلفة ، وأخذ الشافعى ومالك جوائز الخلفاء والسلاطين ، مع العلم بأنه خالطه حرام . ويرد الغزالى بقوله : علىّ كان شديد الورع فليس معقولا أن يرخص فى ذلك ، وإن كان يمكن الترخيص فى مال السلطان لكثرة ما فيه من حلال ، وكذلك ما نقل عن الشافعى ومالك ، لأن الحلال أكثر فى مال السلطان . وأما قول ابن مسعود فنقله عنه خَوَّات التيمى، وهو ضعيف الحفظ ، وابن مسعود اشتهر بتوقى الشبهات . وفى ص 110 قال : ليس له أن يسأل صاحب الطعام والمال إذا لم يأمن غضبه إذا كان الحلال أكثر، أما إذا كان الحرام أكثر فعليه أن يسأل ولا يبالى بغضبه ، لأنه ظالم . وفى ص 117 قال : إن كان فى يده حلال وحرام أو شبهة وليس يفضل الكل عن حاجته فإذا كان له عيال فليختص نفسه بالحلال ويطعم أولاده الحرام بقدر الحاجة ويقدم الأهم على المهم . هذه الصورة مفروضة فى أن الرجل محتاج ، أما غير المحتاج فلا يطعم أولاده الحرام . وفى ص 118 قال : إذا كان الحرام أو الشبهة فى يد أبويه فليمتنع من مؤاكلتهما ، فإن كانا يسخطان فلا يوافقهما على الحرام المحض بل ينهاهما، فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق ، فإن كان شبهة وكان امتناعه للورع فقد عارضه أن الورع طلب رضاهما ، بل هو واجب ، فليتلطف فى الامتناع ، فإن لم يقدر فليوافق وليقلل الأكل ولا يتوسع ، ولو ألبسته أمه ثوبا من شبهة وكانت تسخط برده فليقبل وليلبسه بين يديها، ولينزعه فى غيبتها . هذا، وقد جاء فى تفسير القرطبى"ج 2 ص 09 ا"ما نصه : قال ابن خُوَيْزِ منداد : وأما أخذ الأرزاق "المرتبات " من الأئمة الظلمة فلذلك ثلاثة أحوال . إن كان جميع ما فى أيديهم مأخوذا على موجب الشريعة فجائز أخذه ، وقد أخذت الصحابة والتابعون من يد الحجاج وغيره . وإن كان مختلطا حلالا وظلما كما فى أيدى الأمراء اليوم فالورع تركه ، ويجوز للمحتاج أخذه ، وهو كلصٍّ فى يده مال مسروق ومال جيد حلال قد وكَّلَه فيه رجل ، فجاء اللص يتصدق به على إنسان ، فيجوز أن تؤخذ منه الصدقة ، وإن كان من الجائز أن يتصدق اللص ببعض ما سرق إذا لم يكن شىء معروف بنهب ، وكذلك لو باع أو اشترى كان العقد صحيحا لازما ، وإن كان الورع التنزه عنه ، وذلك أن الأموال لا تحرم بأعيانها وإنما تحرم لجهاتها . وإن كان ما فى أيديهم ظلما صراحا فلا يجوز أن يؤخذ من أيديهم ، ولو كان ما فى أيديهم من المال مغصوبا غير أنه لا يعرف له صاحب ولا مطالب فهو كما لو وجد فى أيدى اللصوص وقطاع الطرق ، ويجعل فى بيت المال وينتظر طالبه بقدر الاجتهاد ، فإذا لم يعرف صرفه الإمام فى مصالح المسلمين . مصدر الفتوى : موقع دار الإفتاء المصرية