بتـــــاريخ : 1/7/2013 2:45:58 AM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1960 0


    علبة السجــائــــر

    الناقل : فراولة الزملكاوية | العمر :37 | الكاتب الأصلى : جود الدلوعة | المصدر : www.brooonzyah.net

    كلمات مفتاحية  :

    علبة السجــائــــر ..



    كنت أطالع أحد الكتب ، في مكاني المعتاد من كل مساء ، الباب يفتح ... أبني الكبير عاد من عمله ... كان في وجهه ابتسامة رضا ... سلم عليّ و جلس بجانبي ...

    قال : عندي لك خبر سار .

     

     


    قلت : بشر بسرعة ما هو ؟

    قال : لقد عقدنا أنا و أخوتي اليوم صفقة كبيرة ، أرباحها جيدة جداً ...

    قلت : الحمد لله ، هذا من فضل الله علينا .

    قال : لقد اتفقنا أنا و أخوتي أن نخصص أرباح هذه الصفقة لزواج أخانا الأصغر ، فهل أنت راضي الآن ؟ هل تكتمل رسالتك بهذا ؟

    أردف قائلاً : أنا و أخي الأوسط تزوجنا و عندنا بيوت ، و أخانا الأصغر بيته جاهز ، و لم يبقى ألا أن يتم زواجه

    قلت : رسالتي ؟ أه من رسالة الوالدين .... إنها لا تنتهي أبداً ...

    و هنا بينما كان أبني يشرح تفاصيل الصفقة التي سيسلمها ... و هو مسترسل بالكلام ... عدت بذاكرتي إلى أكثر من عشرين عاماً مضت ، إلى ذلك اليوم الذي بدأت فيه الفكرة ...

    شعر أبني أني لست معه ... تركني و ذهب ليسلم على والدته .

    عدت أنا لأفكاري تلك ، و تلك الفكرة الرائعة التي غيرت حياتنا كلنا .

    كان ذلك في أحد الأيام منذ أكثر من عشرين عاماً ، حيث عدت من العمل ، و كالعادة بعد العشاء ، أضع كاس الشاي ، و علبة السجائر ، و انفث في جو البيت سموم سجائري ، و لا أبالي ... كانت آخر سيجارة من العلبة ... فوراً فتحت العلبة الأخرى ...

    و إذ زوجتي تركض مسرعة و هي تبكي و تقول : تعال بسرعة و أنظر أبنك الصغير ما به ... كان يسعل سعالاً شديداً ... و بالكاد يتنفس ... و بسرعة كنا خارج البيت في سيارة أجرة ، و عند الفحص في إحدى المشافي كان عنده مرض صدري خطير ... و طُلب منا بقاءه لعدة أيام في المشفى ... بقيت عنده والدته و رجعت أنا إلى البيت ...

    جلست مكاني ... و أنا أحترق على هذا الصغير و سعاله و ألمه ... مددت يدي لأشعل سيجارة ... و مسكت علبة السجائر لأفتحها ... شيء ما بداخلي جعلني أعيدها مكانها ... ... ...

    ألم تكن هي السبب في ما حل لولدي ، ليس ذلك فحسب ، فأنا طوال اليوم ألعن الساعة التي تعلمت بها عادة التدخين ، أحتقر نفسي عندما أدخن إلى جانب الحمام في عملي الذي منع فيه التدخين ، و أنا أرقب نظرات رب العمل لي بازدراء ، أخشى أن أقترب من أحد كي لا يشم رائحة فمي ، أفتح النوافذ في سيارة الأجرة كي لا يعبق جوها برائحة ملابسي ، لا أصلي و لا أسبح إلى بعد ربع ساعة كي أتأكد أنه لا رائحة في فمي ، منبوذ في كل مكان بسببها ... عند الصباح ، أسعل سعال رجل في الثمانين من عمره ... و فوق كل هذا ثمنها يزداد كل فترة ... و تربحه الشركات العالمية التي تكبر و تطغى و نحن نخسر و نشقى ... نعيش بربع رئة ... نلهث لبضع درجات و نحن نصعد الدرج ... و ناهيك عن كل ذلك ، فهناك من حرمها شرعاً ... و مازالت قيد خلاف بين الأئمة ...

    ما هذا الكابوس الذي أنا فيه ؟ ألم يئن الأوان لترك هذا الإخطبوط الذي ينهش بجسدي ، و يلتف حول عنقي ، ليقضي علي ؟

    و خطرت لي فكرة رائعة ، عبقرية كما يقال ...

    سوف أحول كل ذنب اقترفته بحق أولادي و نفسي إلى عمل صالح ، لماذا لا أدخر لأولادي مبلغ علبة السجائر ، و هنا جلبت الآلة الحاسبة و حسبت ثمن علبة سجائري ، و علبة سجائر زوجتي لمدة 20 عاماً كم يبلغ ... و أفاجئ برقم خيالي .

    فقررت أن أشتري حصالات لأولادي الثلاثة ، و أضع فيها ثمن علبتي السجائر يومياً ، إلى أن يصبح أعمار أولادي ست و عشرون سنة ، ووزعت المبلغ لكل ولد بما يناسب عمره و يحصل على نفس مبلغ أخوته ...

    فكان الولد الكبير عمره اثني عشر عام ، و الأوسط سبع سنوات ، و الصغير خمس سنوات

    و بالإضافة لذلك كان هناك ، شرط لكسب أولادي المبلغ ... و هو أن يصلي كل منهم الصلوات الخمس و أفهمتهم أن هذا المبلغ هو جائزة صلواتهم ... و رضاي عليهم

    قمت من مكاني و أخذت علبة السجائر و وضعتها في درج الطاولة و نويت أن احتفظ بهذه العلبة لأختبر إرادتي ، بعدم الأخذ منها

    و فعلاً ، بعد شفاء أبني الصغير ، كان هناك الحصالات الثلاثة ، و كانت الفرحة تعم الأولاد الثلاثة عندما علموا أن كل منهم سيجمع مبلغاً ضخماً ، طبعاً بالنسبة لهم هو ثروة ، و باتوا يتراكضون للوضوء و الصلاة ، و أصبحنا نصلي جماعة ، و في النهار كان أبني الأكبر هو من يكون إماماً ، حتى أبني ذي الخمس سنوات ، كان لا يتخلف عن الصلاة ، فالجائزة و الحصالة و خشخشة النقود فيها كان يغريه .

    و مع مرور الأيام ، أصبحت الصلاة جزء لا يتجزأ من تفكيرهم ، و عادة اعتادوها دون تفكير ، و كان الحصالة تمتلئ ، كل يوم أكثر فأكثر .

    و كنت كل عامين أبدل النقود ، بقطعة ذهبية ، حتى لا يخطر ببال أحدهم أن يصرف من النقود .

    و مع مرور الأيام وصل أبني الأكبر إلى سن السادسة و العشرون ، و كان اليوم المرتقب بالنسبة له فهو من الآن سيكون حر التصرف بالنقود ، و طبعاً كان هو أيضاً يضع فيها جزء من أجرته التي يأخذها ببعض الأعمال التي عمل بها ، بالإضافة لدراسته .

    و كانت الحيرة الكبيرة ماذا يفعل بالنقود ، و كان اقتراحه جد رائع .

    فقد طرح فكرة أن يأخذ نقود أخوته و يدخل بها بمشروع ، يقومون الثلاثة بإدارته ... و فعلاً وجد مشروع جيد و بدأ بتنفيذه ... و أصبح هذا المشروع يكبر يوماً بعد يوم ، و خصوصاً أن قلوب الأخوة الثلاثة كانت كلها مجتمعة في بوتقة واحدة ... و أن هذه النقود هي بسبب صلواتهم ... و رضا الله و رضا والديهم عليهم ... فكانت كل البركة فيها ... و أصبح هذا المشروع يدر الأرباح الطائلة و كنت أراقب عن كثب و أدعمهم بنصحي و إرشادي ...

    و من ثمار هذا المشروع و أرباحه بقي المبلغ كما هو ، أو ربما زاد و من الأرباح فقط اشترى كل منهم بيت ، و تزوج اثنان منهم و ها هو الأخير على وشك الزواج ... ربنا يكملها معهم في هذه الصفقة ...

    أفقت من شرود أفكاري ، و تـأملت هذه الذكريات ، و هذه الأيام ، و قلت في نفسي ، هل من المعقول أن يكون هذا ؟ مبلغ علبة السجائر و تخطيط سليم ، و تقوى إلى الله ، و إرشادات فعلت كل هذه الأشياء ... سبحان الله ... الذي أعطانا هذا العقل ؟ لكي نوجه كل ما حولنا لمصلحتنا و نستفيد منه ...

    خطوت عدة خطوات إلى طاولتي و فتحت الدرج ، كانت علبة السجائر مازالت قابعة في تلك الزاوية منذ أكثر من عشرين عاماً ، تناولتها ... اصفرار في أوراقها البيضاء و ألوان باهتة على الغلاف ؟ و سألت نفسي هل أعود للتدخين ؟ فها هي كل أحلام أولادي تحققت ؟ و السبب الذي تركت التدخين لأجله زال ؟ أ أعود للتدخين مجدداً ...


    م/ن
    ودي
    <
    <
    جود الدلوعة


    علبة السجــائــــر ..

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()