بتـــــاريخ : 12/2/2012 5:26:49 AM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1395 0


    التّعامل مع (تويتر) وإخوانه؟

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : منصور بن محمد المقرن | المصدر : islamtoday.net

    كلمات مفتاحية  :

     

    التّعامل مع (تويتر) وإخوانه؟


    منصور بن محمد المقرن
    مواقع التّواصل الاجتماعيّ وأبرزها (تويتر) وتطبيقات المحادثة في الهواتف الذكيّة، وأشهرها (البلاك بيري و الواتس أب) ساهمت بشكل كبير في زيادة الوعي والتّواصل بين النّاس، بل وشكّلت أداة ضغط مؤثّرة على أصحاب القرار في كثير من الدّول.. إلاّ أنّ تلك الآثار الإيجابيّة لا تعني عدم وجود آثار سلبيّة على كثير من النّاس ممّن لم يُحسنوا التّعامل مع تلك التّقنية الجديدة، كانخفاض مهارات التّواصل اللّفظيّ، وترك القراءة الجادّة، وإضعاف العلاقات الأسريّة.
    لكنّ أظهر الآثار السّلبيّة وأكثرها ضررًا ما يتعلّق بدين المرء وأخلاقه؛ والتي تحدث – عادة - عندما يقضي المرء جُلَّ وقته يُتابِع أو يَكتب ما لا فائدة منه، أو ما يكون ضرره أعظم من نفعه ممّا يُعدّ من اللّغو أو من القيل والقال التي نهى الله سبحانه عباده المؤمنين عنها.
    فأمّا القيل والقال فإنّ من نظر في كثير ممّا يجري في (تويتر) خاصّة وفي بقيّة وسائل الإعلام الجديد عامّة وجدها تدور حول ذلك؛ فهذا ينشر أخبارًا لا ينتفع النّاس بها، وذاك يُخبر متابعيه أنّه سافر وآخر أنّه قد عاد، وثالث أنّه شرب لبنًا، ورابع أنّه أكل سمكًا ونحو ذلك كثير. وقد بيّن النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ الله تعالى يكره القيل والقال؛ فقد ورد في صحيح مسلم أنّ المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- سمع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقول: "إن الله كره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المال،  وكثرة السّؤال". قال الإمام مالك رحمه الله: "(قيل وقال) هو الإكثار من الكلام نحو قول النّاس: قال فلان، وفعل فلان، والخوض فيما لا ينبغي". وقال النووي رحمه الله: "وأمّا (قيل وقال) فهو الخوض في أخبار النّاس، وحكايات ما لا يعني من أحوالهم وتصرّفاتهم".
    والشّارع سبحانه عليمٌ حكيمٌ لا ينهى عن شيء إلاّ وفي فعله ضرر على فاعله، وإن بدا لبعض النّاس أنّه من باب التّرفيه وتوسيع دائرة الاطّلاع. وتأمّل – رعاك الله - ما ذكره العلاّمة السعدي -رحمه الله- معلّقًا على الحديث لترى خطر الانشغال بالقيل والقال؛ فقد جاء في كتابه (بهجة قلوب الأبرار) ما نصّه: "كثرة القيل والقال... من دواعي الكذب، وعدم التثبّت، واعتقاد غير الحقّ. ومن أسباب وقوع الفتن، وتنافر القلوب، ومن الاشتغال بالأمور الضّارّة عن الأمور النّافعة. وقلَّ أن يسلم أحد من شيء من ذلك، إذا كانت رغبته في القيل والقال". ومن اطّلع على وسائل الإعلام الجديد ظهر له مصداق ما نبّه إليه العلاّمة السعدي؛ كنشر الشّائعات الكاذبة،  ورمي البُراءَ بالتّهم، والتّفكّه على الأعراض، وعرض المعتقدات الباطلة، وتهوين المنكرات في النّفوس.
    وإنّ من أعظم ما يصرف عن القيل والقال تعويدَ المرءِ نفسَه على ترك الاهتمام بما لا يعنيه، وأن يكون ذلك سجيّة له ليسلم من تبعات القيل والقال؛ بل وليحسن إسلامه كما ورد في الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (من حُسْن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه)، قال صاحب المنتقى شرح الموطأ: (قال ابن العربي: "لأنّ المرء لا يقدر أن يشتغل باللازم فكيف يتعدّاه إلى الفاضل". وفي إفهامه أنّ من قبح إسلام المرء أخذه ما لا يعنيه؛ لأنّه ضياعٌ للوقت النّفيس الذي لا يمكن تعويض فائته فيما لم يُخلق لأجله، فإنّ الذي يعنيه الإسلام والإيمان والعمل الصّالح وما تعلّق بضرورة حياته في معاشه من شبع، وريّ، وستر عورة، وعفّة فرج ونحو ذلك، ممّا يدفع الضّرورة دون مزيد النّعم، وبهذا يسلم من جميع الآفات دنيا وآخره).
    وأمّا الخوض في لغو الحديث في (تويتر) وإخوانه سواء كان قراءة أو كتابة فهو مستفيض استفاضة بالغة، وقد نزّه الله سبحانه عباده المؤمنين عن اللّغو، ونهاهم عنه، وقد أثنى جلّ وعلا في غير ما موضع من كتابه الكريم على عباده المتّقين، وذكر من أوصافهم (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ). [المؤمنون: 3]. قال ابن كثير رحمه الله: "أي عن الباطل وهو يشتمل الشّرك كما قاله بعضهم، والمعاصي قاله آخرون، وما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال كما قال تعالى: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا). [الفرقان:72] قال قتادة: أتاهم والله من أمر الله ما وقفهم عن ذلك". ولو تأمّلت حال أولئك الأخيار في الآية الأولى فكأنّ اللّغو يَعرض عليهم عرضًا دون قصد وطلب منهم، فإذا سمعوه أعرضوا عنه ونأوْا بأنفسهم عن أماكنه، فأين حالهم من حال من يطلب اللّغو في مظانّه، ويسعى إليه سعيًا، بل ويستغرق عليه غالب وقته .
    كما مدح سبحانه تعالى عباده المؤمنين في موضع آخر فقال: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ). [القصص: 55] قال صاحب الظلال رحمه الله: "واللّغو فارغ الحديث، الذي لا طائل تحته، ولا حاصل وراءه. وهو الهذر الذي يقتل الوقت دون أن يضيف إلى القلب أو العقل زادًا جديدًا، ولا معرفة مفيدة. وهو البذيء من القول الذي يفسد الحسّ واللّسان، سواء أوُجّه إلى مخاطب أم حُكي عن غائب. والقلوب المؤمنة لا تلغو ذلك اللّغو، ولا تستمع إلى ذاك الهذر، ولا تُعنى بهذا البذاء".
    وإنّ ممّا يُعين على ترك اللّغو ومتابعته الخشية من ألاّ يدخل المسلم تحت وصف عباد الله المؤمنين المذكورين في تلك الآيات. وممّا يُعين – أيضًا -  النّظر في تنوّع وضخامة التّكاليف الملقاة على المسلم، وأهمّيّة قيامه بها، واستغراق الوقت والجهد في أدائها.. قال صاحب الظّلال -رحمه الله- عند قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ): "لغْو القول، ولغْو الفعل، ولغْو الاهتمام والشّعور. إنّ للقلب المؤمن ما يُشغله عن اللّغو واللّهو والهذر.. له ما يشغله من ذكر الله، وتصوّر جلاله وتدبّر آياته في الأنفس والآفاق. وكلّ مشهد من مشاهد الكون يستغرق اللّب، ويشغل الفكر، ويحرّك الوجدان.. وله ما يشغله من تكاليف العقيدة: تكاليفها في تطهير القلب،  وتزكية النّفس وتنقية الضّمير. وتكاليفها في السّلوك، ومحاولة الثّبات على المرتقى العالي الذي يتطلّبه الإيمان. وتكاليفها في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر،  وصيانة حياة الجماعة من الفساد والانحراف. وتكاليفها في الجهاد لحمايتها ونصرتها وعزتها، والسّهر عليها من كيد الأعداء.. وهي تكاليف لا تـنـتهي، ولا يغفل عنها المؤمن، ولا يُعفي نفسه منها، وهي مفروضة عليه فرض عين أو فرض كفاية. وفيها الكفاية لاستغراق الجهد البشريّ والعمر البشريّ. والطّاقة البشريّة محدودة، وهي إمّا أن تُنفق في هذا الذي يصلح الحياة وينمّيها ويرقّيها؛ وإمّا أن تُنفق في الهذر واللّغو واللّهو. والمؤمن مدفوع بحكم عقيدته إلى إنفاقها في البناء والتّعمير والإصلاح. ولا ينفي هذا أن يروّح المؤمن عن نفسه في الحين بعد الحين. ولكن هذا شيء آخر غير الهذر واللّغو والفراغ".
    من جهة أخرى، فقد كان كثير من النّاس لا يجد وقتًا للقيام ببعض الواجبات والمستحبّات كصلة والديه وأرحامه والخلوة بالله -جلّ جلاله- وقراءة القرآن، وطلب العلم، ونفع النّاس فلمّا جاءت تلك التّقنية وفتح بابها بعض مستخدميها بلا ضوابط؛ ضاقت الأوقات أكثر عن أداء الطّاعات، وقد أحسن الحسن البصريّ -رحمه الله- بقوله: "إنّ الدّنيا كثيرة الاشتغال، لا يفتح الرّجل على نفسه باب شغل إلاّ أوشك ذلك الباب أن يفتح عليه عشرة أبواب". بل وربّما تسبّب كثرة الاشتغال بتلك التّقنية إلى الوقوع في ما يضرّ بدين المرء - كما سبق بيان بعضه -، وقد قال ابن الجوزي رحمه الله: "واعلمْ أنّ فتح باب المباحات ربّما جرَّ أذًى كثيرًا في الدّين، فأوثق السَكَر قبل فتح الماء، والبسْ الدّرع قبل لقاء الحرب، وتلمّح عواقب ما تجني قبل تحريك اليد".
    وختامًا.. فإنّ من الخطوات العمليّة التي تجنّب المرء مخاطر تلك التّقنية الجديدة،  وتحقّق – بإذن الله – الفوائد الجمّة المرجوّة من التّعامل معها: تحديد أوقات معيّنة في اليوم للتصفّح والكتابة في وسائل التّواصل وعدم تجاوزها، وكذلك اختيار الأشخاص المفيدين للتّواصل معهم وترك غيرهم.

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()