العربية.نت
في حين تروج مقولات عما يراه البعض استكانة من المصريين وصمتا عن ظلم حكامهم، يثبت كاتب مصري بارز أن تاريخ بلاده عبارة عن سلسلة ثورات أدى بعضها إلى قيام دول مستقلة عن دولة الخلافة في العصر العباسي الذي شهد كثيرا
من الثورات الحمراء بمصر.
ويقول حسين نصار في كتابه الثورات الشعبية في مصر الإسلامية إن كتب التاريخ العامة شوهت تاريخ مصر كل التشويه، إذ اهتم المؤرخون بتسجيل تاريخ العراق حاضرة الخلافة والأحداث التي هزتها هزا عنيفا، وتجاهلوا تاريخ مصر بدليل إهمال أخبار الدولتين الطولونية والاخشيدية.
والدولة الطولونية تأسست على يد أحمد بن طولون الذي أعلن استقلال مصر عن الخلافة العباسية. وبعد سقوط الدولة الطولونية قامت الدولة الاخشيدية على يد محمد بن طغج اخشيد واستمرت حتى استيلاء الفاطميين المغاربة على مصر عام 969 ميلادية.
ونصار الذي حقق كتبا تراثية منها النجوم الزاهرة في حلي حضرة القاهرة، وولاة مصر، ورحلة ابن جبير، يرى أن قيام هاتين الدولتين ثمرة ثورات وحركات أريد بها مقاومة النفوذ العباسي، حيث كانت بعض تلك الثورات حمراء بلون الدماء، وبعضها بيضاء تكتفي بمقاومة سلبية تبدأ بالامتناع عن التعاون مع الوالي وتنتهي بالمقاومة القولية ومنها الفكاهة والسخرية.
ويرى المؤلف أن المصريين أجادوا استخدام سلاح المقاومة القولية، ولكن المؤرخين أهملوا تسجيل هذا الجانب الذي برع فيه المصريون.
وطرحت الهيئة العامة لقصور الثقافة، وهي إحدى مؤسسات وزارة الثقافة المصرية، طبعة جديدة من الكتاب تقع في 112 صفحة متوسطة القطع، بعد أكثر من عام على ثورة 25 يناير 2011 التي نجحت في إنهاء حكم الرئيس السابق حسني مبارك.
ويرى مؤرخون أن مصر عرفت أطول استعمار في العالم، إذ خضعت للاحتلال البطلمي عام 332 قبل الميلاد، ثم تلاه الاحتلال الروماني الذي أنهاه العرب عام 641 ميلادية، وانتهت سلسلة الاحتلال بحكم أسرة محمد علي 1805 1952 وخلالها جاء الاحتلال البريطاني الذي انتهى عام 1956 تنفيذا لاتفاقية الجلاء التي وقعها الرئيس المصري جمال عبد الناصر عام
1954ليستعيد المصريون بلادهم بعد احتلال متصل منذ القرن الرابع قبل الميلاد.
وعقب إسقاط نظام مبارك تداول مدونون ونشطاء كلاما موروثا ومتضاربا عن مصر، منه وصية الحجاج بن يوسف الثقفي التي يقول فيها: "لو ولاك أمير المؤمنين أمر مصر فعليك بالعدل.. ما أتى عليهم قادم بخير إلا التقموه كما تلتقم الأم رضيعها، وما أتى عليهم قادم
بشر إلا أكلوه كما تأكل النار أجف الحطب، وهم أهل قوة وصبر وجلد وتحمل.
ولا يغرنك صبرهم ولا تستضعف قوتهم، فهم إن قاموا لنصرة رجل ما تركوه إلا والتاج على رأسه، وإن قاموا على رجل ما تركوه إلا وقد قطعوا رأسه. فاتق غضبهم ولا تشعل نارا لا يطفئها إلا خالقهم".
وفي مقابل ذلك قال كعب الأحبار لعمر بن الخطاب إن الله عندما خلق الدنيا جعل لكل شيء شيئا، فقال الشقاء أنا لاحق بالبادية، وقالت الصحة وأنا معك. وقالت الشجاعة أنا لاحقة بالشام، فقالت الفتنة وانا معك. وقال الخصب وأنا لاحق بمصر فقال الذل وأنا معك.
أما الرحالة ابن بطوطة فوصف أحوال مصر قائلا يستبد العسكر والشعب يئن تحت وطأة الحكم، ولا يهتم الأقوياء بذلك، والعجلة تدور.
ولكن نصار مؤلف هذا الكتاب يؤرخ لفترة تبدأ من حكم ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان وتنتهي بالخلافة العباسية.
وضمن ما يصنفه المؤلف بالثورات الحمراء، يقول إن العامل الاقتصادي دعا المصريين إلى ثورات متعددة، منها رفضهم أن يولي آخر الخلفاء الأمويين مروان بن محمد واليا اسمه حسان بن عتاهية على مصر عام 745 ميلادية بدلا من حفص بن الوليد، حيث توجهوا إلى المسجد ودعوا إلى خلع الخليفة مروان بن محمد وحصروا حسان في داره ثم أخرجوه
من مصر.. واتصلوا ببعض الثائرين في فلسطين لتوحيد كلمتهم ورشح الخليفة واليا آخر اسمه حنظلة بن صفوان لكنهم رفضوه وحاربوه فهزم، وحينما رأى الخليفة ذلك سكت عنهم.. على مضض.
ويقول إن الثورات الاقتصادية كانت سمة في العصر العباسي فلم يكن يمر عام أو عامان حتى تقوم ثورة، وإن مصر لم تسترح من الثورات الاقتصادية الكبرى إلا في عهود الاستقلال في عهد الطولونيين والاخشيديين، حيث كان الجند يطلقون شرارة تلك الثورات ثم يلتحق بها أهالي المسلمون والمسيحيون.
وتحت عنوان الثورات القبطية يسجل نصار أن عام 107 هجرية 725 ميلادية شهد أولى تلك الثورات التي شارك في بعضها المسلمون بسبب زيادة الضرائب، ثم توالت الثورات حتى كانت الثورة الكبيرة عام 216 هجرية 831 ميلادية بمشاركة المسلمين والمسيحيين إذ أعلنوا العصيان.. وساروا لمقاتلة أميرهم، وأخرجوه من العاصمة الفسطاط، واستفز ذلك الخليفة المأمون الذي جاء على رأس جيش لقتال أهل البشرود أو البشموريين في شمال مصر، وهي منطقة مستنقعات لا يعرف طرقها إلا أهلها.