(واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين)
يشير بعض من غير المسلمين إلى أن القرآن فيه حساسية وعدم تحمل للأديان الأخرى ويضيفون أن الآية السابقة يقول الله فيها أن يقتلوا غير المسلمين في أي مكان يجدونهم فيه أرجو إلقاء الضوء على ذلك.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لقد شرع الله تعالى القتال في الإسلام لرد الظلم، ورفع القهر عن البشر، ولدحر من يقفون في سبيل نشر الهدى ودين الحق.
والجهاد في الإسلام ليس مقصوداً لذاته؛ إذ ليس المقصود هو ضر الناس ولا سفك دمائهم، وإنما هو وسيلة لنشر الهدى ورفع الظلم؛ سواء كان ظلماً واقعا على البشر، أو ظلماً متمثلاً في الوقوف في طريق إيصال دعوة الإسلام إلى الناس.
ولذلك فإن المسلمين لا يبدؤون أحداً بقتال حتى يكون معنوياً مستحقاً لذلك، واقفاً أمام دخول الناس في الإسلام.
وأما هذه الآية التي في السؤال، فإن الله تعالى يأمر فيها بقتال الذين يقاتلون المسلمين، وهذا هو مقتضى العدل، والدفع عن النفس؛ ولذلك قال في الآية التي قبلها:
"وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ......." [البقرة:189-190].
إنه ليس المقصود من الآية قتل الكافر أيًّا كان في أي مكان كان، فإن هذا لا يقوله مسلم. ولقد كان الرسول –صلى الله عليه وسلم- ينهى جيوشه عن قتل النساء والصبيان والرهبان والشيوخ الكبار الذين لا يشاركون في القتال. صحيح مسلم (1731)، وسنن أبي داود (2614).
فلو كان القتل لمجرد الكفر لما ترك هؤلاء. ولقد عاش أهل الذمة واليهود والنصارى والمستأمنون في ديار الإسلام قروناً طويلة، ينعمون بحماية الدولة الإسلامية وعدلها دون أن يتعرضوا لقتل أو إكراه على الدخول في الإسلام.
أما القول بأن الإسلام فيه حساسية، وعدم تحمل للأديان الأخرى، فهي مقولة لا تصدر إلا عن مغرض يريد تشويه صورة الإسلام، أو جاهل لم يعرف حقيقة هذا الدين، وما جاء به من الرحمة والتسامح مع الأديان الأخرى، ولم يعرف تفاصيل أحكام القتال في الإسلام.
وكيف يكون الإسلام لا يتحمل الأديان الأخرى ويكون آمراً لأتباعه أن يقتلوا غير المسلمين مطلقاً، ونبينامحمد –صلى الله عليه وسلم- يجاوره اليهود في المدينة فيعقد معهم عهداً يعيش الجميع بمقتضاه متجاورين، حتى يكون اليهود هم الذين يغدرون وينقضون العهد ويعينون عليه أعداءه.
وكيف يكون الإسلام كذلك وقد عاش أتباع الأديان الأخرى من اليهود والنصارى تحت ظل الإسلام وحكم المسلمين قروناً طويلة، وهم ينعمون بالأمن والاطمئنان، ويمارسون حياتهم وعباداتهم دون تضييق أو عنت. ولقد ذكر لنا التاريخ قصة ذلك اليهودي المسن الذي عاش في كنف المسلمين، فلما رآه عمر –رضي الله عنه- وقد عجز عن التكسب خصص له مرتباً ليقوم بحاجته.
إن دين الإسلام لم يأت ليجبر الناس، ويكرههم على الدخول فيه "لا إكراه في الدين" ولكنه لا يسمح للطغاة والمتجبرين أن يقفوا حجر عثرة دون هداية الناس وانتشار الهدى في الأرض.
إن الإسلام شريعة ومنهج حياة، جاء لهداية الناس وحملهم على ما يصلحهم في الدنيا والآخرة، فمن قبله طوعاً باقتناع وفهم فذاك، ومن لم يكرمه الله بفهمه وقبوله فإنه لا يكره على الدخول فيه فضلاً عن القتل "أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين"؟!