بتـــــاريخ : 3/10/2012 1:53:23 AM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1318 0


    نفائس كلمات الإمام ابن القيم رحمه الله (5)

    الناقل : المحب لدينه | العمر :70 | الكاتب الأصلى : ابو اميمة محمد74 | المصدر : www.4salaf.com

    كلمات مفتاحية  :
    القلب ، العظام ، الطبيب


    لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس ، إلا كما يجتمع الماء والنار والضبُّ والحوت .


    فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبِل على الطمع أولاً فاذبحه بسكين اليأس ، وأقبِل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عُشاق الدنيا في الآخرة فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح ؛ سهل عليك الإخلاص .


    فإذا قلت وما الذي يُسهل علي ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح .
    قلت : أما ذبح الطمع فيسهله عليك علمُك يقيناً أنه ليس من شيء يُطمع فيه إلا وبيد الله وحده خزائنه ، لا يملكها غيره ، ولا يؤتى العبد منها شيئا سواه .


    وأما الزهد في الثناء والمدح فيسهله عليك علمُك أنه ليس أحدٌ ينفع مدحه ويزين ويضر ذمه ويشين إلا الله وحده ، كما قال ذلك الأعرابيّ للنبي صلى الله عليه وسلم : إن مدحي زين وذمي شين . فقال : (( ذلك الله عز وجل )) .


    فازهد في مدح من لا يزينك مدحه وفي ذم من لا يشينك ذمه ، وارغب في مدح من كلُّ الزين في مدحه وكل الشين في ذمه .


    ولن تقدر على ذلك إلى بالصبر واليقين ؛ فمتى فقد الصبر واليقين كنت كمن أراد السفر في البحر في غير مركب .


    قال تعالى : (( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ )) سورة الروم الآية (60) .
    وقال تعالى (( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ )) السجدة الآية (24) .



    (( الفوائد )) : ص (219-220) .


    وفّقكم الله وشَكــر سعيُكم ومسعـاكم . .

    لنـا عودة بإذن الله . .

    ==========================================================================

     

     

    صحة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد:

     

    قال ابن القيم:
    "صحة الفهم وحسن القصد من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عبده، بل ما أعطي عبدٌ عطاء بعد الاسلام أفضل ولا أجل منهم، بل هما ساقا الاسلام، وقيامه عليهما، وبهما يأمن العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدهم، وطريق الضالين الذين فسدت فهومهم، ويصير من المنعم عليهم الذين حسنت أفهامهم وقصودهم، وهم أهل الصراط المستقيم الذين أمرنا أن نسأل الله أن يهدينا صراطهم في كل صلاة، وصحة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد، يميز به بين الصحيح والفاسد، والحق والباطل، والهدى والضلال، والغي والرشاد، ويمده حسن القصد، وتحرى الحق، وتقوى الرب في السر والعلانية، ويقطع مادته اتباع الهوى وإيثار الدنيا، وطلب محمدة الخلق، وترك التقوى".

     

    قبول الحق ممن جاء به:
    "على المسلم أن يتبع هدى النبى صلى الله عليه وسلم في قبول الحق ممـن جاء به من ولي وعدو وحبيب وبغيض وبر وفاجر، ويرد الباطل على من قاله كائنا من كان".

     

    الصادق يرزقه الله مهابة وإجلالاً:
    "وأقوى الأسباب فى رد الشهادة والفتيا والرواية الكذب، لأنه فساد في نفس آلة الشهادة والفتيا والرواية، فهو بمثابة شهادة الأعمى على رؤية الهلال، وشهادة الأصم الذى لا يسمع على إقرار المقر، فإن اللسان الكذوب بمنزلة العضو الذى قد تعطل نفعه، بل هو شر منه، فشر ما في المرء لسان كذوب، ولهذا يجعل الله سبحانه شعار الكاذب عليه يوم القيامة وشعار الكاذب على رسوله سواد وجوههم، والكذب له تأثير عظيم في سواد الوجه، ويكسوه برقعا من المقت يراه كل صادق، فسيما الكاذب في وجهه ينادى عليه لمن له عينان، والصادق يرزقه الله مهابة وجلالة، فمن رآه هابه وأحبه، والكاذب يرزقه إهانة ومقتاً، فمن رآه مقته واحتقره".

    ==========================================================================

    قال ابن القيم :



    حب الدنيا رأس كل خطيئة

    أولا : أن حبها يقتضي تعظيمها وهي حقيرة عند الله

    ثانياً : أن الله لعنها ومقتهــا وأبغضهــا إلا ما كان له فيها

    ثالثا : أن محبتهــا تجعلــهــا أكــثــر هـــمّ العبــــد

    رابعاً : أن مُحبــهــا أشد الناس عذاباً بــهــا

    خامساً :إنه إذا أحبهــا صيرها غايتــه

    وفي الحديث :
    من كانت الدنيا أكبر همه جعل الله فقره بين عينيــه وفرق عليه شمله

    ==========================================================================

    يقول العلامة ابن القيم رحمه الله في نونيته الشافية الكافية في الانتصار للفرقة الناجية:
    والله لو شاهدت هاتيك الصـــــــــدو******ر رأيتها كمراجل النيــــــــــــران
    ووقودها الشهوات والحسرات والآ******لام لا تخبو مدى الأزمـــــــــــــان
    أبدانهم أجداث هاتيك النفـــــــــــــــو******س اللائي قد قبرت مع الأبدان
    أرواحهم في وحشة وجسومهـــــم***** في كدحها لا في رضا الرحمن
    هربوا من الرق الذي خلقوا لـــــــــه***** فبلو ربق النفس والشيـــــطان
    يقول العلماء الشارحون لهذا الكلام الجميل جدا أن الشيخ رحمه الله يتحدث عن قوم وأناس ألهتم الدنيا وزخارفها عن طاعة الله عز وجل فشبهت صدورهم بالقدور التي تغلي من النار الموقدة تحتها والوقود الذي تغلي به هذه القدور هو مخالف للوقود الذي نعرفه جميعا بل هو الشهوات التي في الدنيا والحسرات على مافاتهم من الدنيا والآلام التي لا تنتهي لطول أملهم ولنسيانهم الغاية التي خلقوا من أجلها
    أبدانهم قبور لأرواحهم أي أن نفوسهم وكأنها ميتة مدفونة في قبر وهو الجسم وهذا لأنهم ميتون مادام أنهم لا يعبدون الله عز وجل أرواحهم في وحشة لأن القلوب والأرواح إنما تستأنس بطاعة الله وحده وغير ذلك فهو في وحشة والأجسام في كدحها أي في تعبها وفي عملها الدائم في تحصيل الدنيا لا في تحصيل رضى الله عز وجل .
    أما البيت الأخير فيعلق عليه شيخنا ابن عثيمين رحمه الله بقوله هذا البيت لوكتب بماء الذهب لكان رخيصا ومعناه أن أهل الدنيا خلقوا ليكونوا عبيدا لله عز وجل فصاروا عبيدا لنفوسهم الأمارة بالسوء وللشيطان
    نسأل الله العافية والسلامة
    ==========================================================================

    من عجائب خلقه سبحانه



    قال ابن القيم - رحمه الله - في كتابه «مفتاح السعادة»:



    وانظر كيف قسم تلك الأجزاء المتشابهة المتساوية إلى: الأعصاب، والعظام، والعروق، والأوتار، واليابس، واللين وبين ذلك، ثم كيف ربط بعضها ببعض أقوى رباط وأشده وأبعده عن الانحلال وكيف كساها لحمًا ركبه عليها، وجعله وعاء لها وغشاء وحافظًا وجعلها حاملة له مقيمة له، فاللحم قائم بها وهي محفوظة به.



    وكيف صورها فأحسن صورها وشق لها السمع والبصر والفم والأنف، وسائر المنافذ، ومد اليدين والرجلين وبسطهما، وقسم رؤوسهما بالأصابع ثم قسم الأصابع بالأنامل، وركب الأعضاء الباطنة من القلب والمعدة والكبد والطحال والرئة والرحم والمثانة والأمعاء، كل واحد منها له قدر يخصه ومنفعة تخصه.



    ثم انظر الحكمة البالغة في تركيب العظام قوامًا للبدن وعمادًا له، وكيف قدرها ربها وخالقها بتقادير مختلفة وأشكال مختلفة، فمنها: الصغير والكبير والطويل والقصير، والمنحنى والمستدير، والدقيق والعريض، والمصمت، والمجوف، وكيف ركب بعضها في بعض، فمنها ما تركيبه تركيب الذكر في الأنثى، ومنها ما تركيبه اتصال فقط.



    وكيف اختلف أشكالها باختلاف منافعها كالأضراس فإنها لما كانت آلة للطحن جعلت عريضة، ولما كانت الأسنان آلة للقطع جعلت مستدقة محددة، ولما كان الإنسان محتاجًا إلى الحركة بجملة بدنه، وببعض أعضائه للتردد في حاجته لم يجعل عظامه عظمًا واحدًا، بل عظامًا متعددة، وجعل بينها مفاصل حتى تتيسر بها الحركة، وكان قدر كل واحد منها وشكله على حسب الحركة المطلوبة منه.



    وكيف شد أسر تلك المفاصل والأعضاء وربط بعضها ببعض بأوتار وربطات أنبتها من أحد طرفي العظم وألصق أحد طرفي العظم بالطرف الآخر كالرباط، ثم جعل في أحد طرفي العظم زوائد خارجة عنه، وفي الآخر نقرًا غائصة فيه موافقة لشكل تلك الزوائد ليدخل فيها وينطبق عليها، فإذا أراد العبد أن يحرك جزءًا من بدنه لم يمتنع عليه، ولولا المفاصل لتعذر عليه.



    وتأمل كيفية خلق الرأس وكثرة ما فيه من العظام حتى قيل: إنها خمسة وخمسون عظمًا مختلفة الأشكال والمقادير والمنافع، وكيف ركبه سبحانه وتعالى على البدن وجعله عاليًا علو الراكب على مركوبه، ولما كان عاليًا على البدن جعل فيه الحواس الخمس وآلات الإدراك كلها من السمع، البصر، والشم، والذوق، واللمس.



    وجعل حاسة البصر في مقدمه ليكون كالطليعة والحرس والكاشف للبدن، وركب كل عين من سبع طبقات لكل طبقة وصف مخصوص، ومقدار مخصوص، ومنفعة مخصوصة، لو فقدت طبقة من تلك الطبقات السبع أو زالت عن هيئتها وموضعها لتعطلت العين عن الإبصار.



    ثم ركز سبحانه داخل تلك الطبقات السبع خلقًا عجيبًا وهو إنسان العين بقدر العدسة يبصر به ما بين المشرق والمغرب والأرض والسماء، وجعله من العين بمنزلة القلب من الأعضاء، فهو ملكها، وتلك الطبقات والأجفان والأهداب خدم له وحجاب وحراس، فتبارك الله أحسن الخالقين.



    فانظر كيف شكل العينين وهيئتهما ومقدارهما، ثم جملهما بالأجفان غطاء لهما وسترًا وحفظًا وزينة، فهما يتلقيان عن العين الأذى والقذى والغبار ويقيانها من البارد المؤذي والحار المؤذي، ثم غرس في أطراف تلك الأجفان والأهداب جمالاً وزينة ولمنافع أخر وراء الجمال والزينة، ثم أودعهما ذلك النور الباصر والضوء الباهر الذي يخرق ما بين السماء والأرض يخرق السماء مجاوزًا الرؤية ما فوقها من الكواكب، وقد أودع سبحانه هذا السر العجيب في هذا المقدار الصغير بحيث ينطبع فيه صورة السماوات مع اتساع أكنافها وتباعد أقطارها.



    وشق له السمع وخلق الأذن أحسن خلقه، وأبلغها في حصول المقصود منها فجعلها مجوفة كالصدفة؛ لتجمع الصوت فتؤديه إلى الصماخ، وليحس بدبيب الحيوان فيها، فيبادر إلى إخراجه، وجعل فيها غضونًا وتجاويف واعوجاجات تمسك الهواء و الصوت الداخل فتكسر حدته إلى الصماخ.



    ومن حكمة ذلك أن يطول به الطريق على الحيوان، فلا يصل إلى الصماخ حتى يستيقظ أو ينتبه لإمساكه، وفيه أيضًا حكم غير ذلك.



    ثم اقتضت حكمة الرب الخالق سبحانه أن جعل ماء الأذن مرًا في غاية المرارة، فلا يجاوزه الحيوان ولا يقطعه داخلاً إلى باطن الأذن، بل إذا وصل إليه أعمل الحيلة في رجوعه، وجل ماء العينين ملحًا ليحفظهما، فإنها شحمة قابلة للفساد، فكانت ملوحة مائها صيانة لها وحفظًا.



    وجعل ماء الفم عذبًا حلوًا ليدرك به طعوم الأشياء على ما هي عليه، إذ لو كان على غير هذه الصفة لأحالها إلى طبيعته كما أن من عرض لقمة المرار استمر طعم الأشياء التي ليست بمر، كما قيل:


    ومن يك ذا فم مر مريض *** يجد مرًا به الماء الزلالا



    ونصب سبحانه قصبة الأنف في الوجه فأحسن شكله وهيأته ووضعه، وفتح فيه المنخرين، وحجز بينهما بحاجز وأودع فيها حاسة الشم التي تدرك بها أنواع الروائح الطيبة والخبيثة والنافعة والضارة وليستنشق به الهواء فيوصله إلى القلب، فيتروح به ويتغذى به.



    ثم لم يجعل في داخله من الاعوجاجات والغضون ما جعل في الأذن لئلا يمسك الرائحة فيضعفها، ويقطع مجراها وجعله سبحانه مصبًا تنحدر إليه فضلات الدماغ فتتجمع فيه، ثم تخرج منه، واقتضت حكمته أن جعل أعلاه أدق من أسفله؛ لأن أسفله إذا كان واسعًا اجتمعت فيه تلك الفضلات، فخرجت بسهولة، ولأنه يأخذ من الهواء ملأه ثم يتصاعد في مجراه قليلاً حتى يصل إلى القلب وصولاً لا يضره ولا يزعجه.



    ثم فصل بين المنخرين بحاجز بينهما حكمة من ورحمة، فإن لما كان قصبة ومجرى سائرًا لما ينحدر فيه من فضلات الرأس ومجرى النفس الصاعد من جعل في وسطه حاجزًا لئلا يفسد بما يجري فيه فيمنع نشقه للنفس، بل إما أن تعتمد الفضلات نازلة من أحد المنفذين في الغالب، فيبقى الآخر للتنفس، وإما أن يجري فيهما فينقسم فلا يفسد الأنف جملة، بل يبقى فيه مدخل للتنفس.



    وأيضًا فإنه لما كان عضوًا واحدًا وحاسةً واحدة، ولم يكن عضوين أو حاستين كالأذنين والعينين اللتين اقتضت الحكمة تعددهما، فإنه ربما أصيبت إحداهما أو عرضت لها آفة تمنعها من كمالها فتكون الأخرى سالمة فلا تتعطل منفعة هذا الحس جملة، وكان وجود أنفين في الوجه شيئًا ظاهرًا فنصب فيه أنفًا واحدًا، وجعل فيه منفذين حجز بينهما بحاجز يجري مجرى تعدد العينين والأذنين في المنفعة وهو واحد، فتبارك الله أحسن الخالقين.



    وشق سبحانه للعبد الفم في أحسن موضع وأليقه، وأودع فيه من المنافع وآلات الذوق والكلام وآلات الطحن، والقطع ما يبهر العقول عجائبه.


    فأودعه اللسان الذي هو أحد آياته الدالة عليه، وجعل ترجمانًا لملك الأعضاء مبينًا مؤديًا عنه، كما جعل الأذن رسولاً مؤديًا مبلغًا إليه، فهي رسوله وبريده الذي يؤدي إليه الأخبار، واللسان بريده ورسوله الذي يؤدي عنه ما يريد.



    واقتضت حكمته سبحانه أن جعل هذا الرسول مصونًا محفوظًا مستورًا غير بارز مكشوف كالأذن والعين والأنف؛ لأن تلك الأعضاء لما كانت تؤدي من الخارج إليه جعلت بارزة ظاهرة.



    ولما كان اللسان مؤديًا منه إلى الخارج جعل له سترًا مصونًا لعدم الفائدة في إبرازه؛ لأنه لا يأخذ من الخارج إلى القلب، وأيضًا فلأنه لما كان أشرف الأعضاء بعد القلب ومنزلته منه منزلة ترجمانه ووزيره ضرب عليه سرادق يستره ويصونه، وجعل في ذلك السرادق كالقلب في الصدر.



    وأيضًا فإنه من ألطف الأعضاء وألينها وأشدها رطوبة، وهو لا يتصرف إلا بواسطة الرطوبة المحيطة به، فلو كان بارزًا صار عرضة للحرارة واليبوسة والنشاف المانع له من التصرف، ولغير ذلك من الحكم والفوائد.



    ثم زين سبحانه الفم بما فيه من الأسنان التي هن جمال له وزينة، وبها قوام العبد وغذاؤه، وجعل بعضها رحاء للطحن، وبعضها آلة للقطع فأحكم أصولها وحدد رؤوسها، وبيض لونها، ورتب صفوفها متساوية الرءوس، متناسقة الترتيب كأنها الدر المنظوم بياضًا وصفاءً وحسنًا.



    وأحاط سبحانه على ذلك حائطين وأودعهما من المنافع والحكم ما أودعهما، وهما الشفتان فحسن لونهما وشكلهما ووضعهما وهيأتهما، وجعلهما غطاء للفم وطبقًا له، وجعلهما إتمامًا لمخارج حروف الكلام ونهاية له، كما جعل أقصى الحلق بداية له، واللسان وما جاوره وسطًا.



    ولهذا كان أكثر العمل فيها له، إذ هو الواسطة، اقتضت حكمته أن جعل الشفتين لحمًا صرفًا لا عظم فيه ولا عصب؛ ليتمكن بهما من مص الشراب ويسهل عليه فتحهما وطبقهما، وخص الفك الأسفل بالتحريك؛ لأن تحريك الأخف أحسن، ولأنه يشتمل على الأعضاء الشريفة فلم يخاطر بها في الحركة.



    وخلق سبحانه الحناجر مختلفة الأشكال في الضيق والسعة والخشونة والملامسة والصلابة واللين والطول والقصر، فاختلفت بذلك الأصوات أعظم اختلاف، ولا يكاد يشتبه صوتان إلا نادرًا، ولهذا كان الصحيح قبول شهادة الأعمى لتمييزه بين الأشخاص بأصواتهم، كما يميز البصير بينهم بصورهم، والاشتباه العارض بين الأصوات كالاشتباه العارض بين الصور.



    وزين سبحانه الرأس بالشعر وجعله لباسًا له لاحتياجه إليه، وزين الوجه بما أنبت فيه من الشعور المختلفة الأشكال والمقادير، فزينه بالحاجبين، وجعلهما وقاية لما ينحدر من بشرة الرأس إلى العينين، وقوسهما وأحسن خطهما وزين أجفان العينين بالأهداب، وزين الوجه أيضًا باللحية، وجعلها كمالاً ووقارًا ومهابة للرجل، وزين الشفتين فوقهما من الشارب وتحتها من العنفقة.



    وكذا خلقه سبحانه لليدين اللتين هما آلة العبد وسلاحه ورأس مال معاشه فطولهما بحيث يصلان إلى ما شاء من بدنه، وعرض الكف ليتمكن به من القبض والبسط، وقسم فيه الأصابع الخمس، وقسم كل أصبع بثلاث أنامل، والإبهام باثنين.



    وجعل الأصابع الأربعة في جانب والإبهام في جانب لتدور الإبهام على الجميع، فجاءت على أحسن وضع صلحت به للقبض والبسط، ومباشرة الأعمال، ولو اجتمع الأولون والآخرون على أن يستنبطوا بدقيق أفكارهم وضعًا آخر للأصابع سوى ما وضعت عليه لم يجدوا إليه سبيلاً.



    فتبارك من لو شاء لسواها وجعلها طبقًا واحدًا كالصحيفة فلا يتمكن العبد بذلك من مصالحه وأنواع تصرفاته ودقيق الصنائع والحط وغير ذلك، فإن بسط أصابعه كانت طبقًا يضع عليه ما يريد، وإن ضمها وقبضها كانت دبوسًا وآلة للضروب، وإن جعلها بين الضم والبسط كانت مغرفة له يتناول بها ويمسك فيها ما يتناوله.



    وركب الأظفار على رؤوسهما زينة لها وعمادًا ووقاية وليلتقط بها الأشياء الدقيقة التي لا ينالها جسم الأصابع وجعلها سلاحًا لغيره من الحيوان والطير، وآلة لمعاشه وليحك الإنسان بها بدنه عند الحاجة، فالظفر الذي هو أقل الأشياء وأحقرها لو عدمه الإنسان ثم ظهرت به حكة لاشتدت حاجته إليه، ولم يقم مقامه شيء في حك بدنه ثم هدى اليد إلى موضع الحك حتى تمتد اليد ولو في النوم والغفلة من غير حاجة إلى طلب، ولو استعان بغيره لم يعثر على موضع الحك إلا بعد تعب ومشقة.


    ثم انظر إلى الحكمة البالغة في جعل عظام أسفل البدن غليظة قوية؛ لأنها أساس له، وعظام أعاليه دونها في الثخانة والصلابة؛ لأنها محمولة.



    ثم انظر كيف جعل الرقبة مركبًا للرأس وركبها من سبع خرزات مجوفات مستديرات، ثم طبق بعضها على بعض وركب كل خرزه تركيبًا محكمًا متقنًا حتى صارت كأنها خرزة واحدة، ثم ركب الرقبة على الظهر والصدر، ثم ركب الظهر من أعلاه إلى منتهى عظم العجز من أربع وعشرين خرزة مركبة بعضها في بعض هي مجمع أضلاعه والتي تمسكها أن تنحل وتنفصل، ثم وصل تلك العظام بعضها ببعض فوصل عظام الظهر بعظام الصدر، وعظام الكتفين بعظام العضدين، والعضدين بالذراعين، والذراعين بالكف والأصابع.



    وانظر كيف كسا العظام العريضة كعظام الظهر والرأس كسوة من اللحم تناسبها، والعظام الدقيقة كسوة تناسبها كالأصابع، والمتوسطة كذلك كعظام الذراعين والعضدين.


    فهو مركب على ثلاثمائة وستين عظم مائتان وثمانية وأربعين مفاصل، وباقيها صغار حشيت خلال المفاصل، فلو زادت عظمًا واحدًا لكان مضرة على الإنسان يحتاج إلى قلعة ولو نقصت عظمًا واحدًا كان نقصانًا يحتاج إلى جبره.



    فالطبيب ينظر في هذه العظام وكيفية تركيبها ليعرف وجه العلاج في جبرها، والعارف ينظر فيها ليستدل بها على عظمة باريها وخالقها وحكمته وعلمه ولطفه، وكم بين النظرين.


    ثم إنه سبحانه ربط تلك الأعضاء والأجزاء بالرباطات، فشد بها أسرها وجعلها كالأوتار تمسكها وتحفظها حتى بلغ عددها إلى خمسمائة وتسعة وعشرين رباطًا، وهي مختلفة في الغلظ والدقة والطول والقصر والاستقامة والانحناء بحسب اختلاف مواضعها ومحالها.



    فجعل منها أربعة وعشرين رباطًا آلة لتحريك العين وفتحها وضمها وأبصارها لو نقصت منهن رباطًا واحدًا اختل أمر العين، وهكذا لكل عضو من الأعضاء رباطات هن له كالآلات التي بها يتحرك ويتصرف ويفعل، كل ذلك صنع الرب الحكيم، وتقدير العزيز العليم في قطرة ماء مهين، فويل للمكذبين، وبعدًا للجاحدين.



    ومن عجائب خلقه أنه جعل في الرأس ثلاث خزائن نافذًا بعضهما إلى بعض خزانة في مقدمة، وخزانة في وسطه، وخزانة في آخره، وأودع تلك الخزائن من أسراره ما أودعهما من الذكر والفكر والتعقل.



    ومن عجائب خلقه ما فيه من الأمور الباطنة التي لا تشاهد كالقلب والكبد والطحال والرئة والأمعاء والمثانة، وسائر ما في بطنه من الآلات العجيبة، والقوى المتعددة المختلفة المنافع، فأما القلب فهو الملك المستعمل لجميع آلات البدن والمستخدم لها فهو محفوف بها، وهو أشرف أعضاء البدن، وبه قوام الحياة وهو منبع الروح الحيواني، والحرارة الغريزة وهو معدن العقل والعلم والحلم والشجاعة، والكرم، والصبر، والاحتمال، والحب، والإرادة، والرضا، والغضب، وسائر صفات الكمال.



    فجميع الأعضاء الظاهرة والباطنة وقواها إنما هي جند من أجناد القلب، فإن العين طليعته ورائده الذي يكشف له المرئيات، فإن رأت شيئًا أدته إليه، ولشدة الارتباط الذي بينها وبينه إذا استقر فيه شيء ظهر فيها.




    فهي مرآته المترجمة للناظر ما فيه، كما أن اللسان ترجمانه المؤدى للسمع ما فيه، ولهذا كثيرًا ما يقرن سبحانه في كتابه بين هذه الثلاث، كقوله:


    ]إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً[


    وقوله:


    ]وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً[


    وقوله:


    ]صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ[


    وقد تقدم ذلك، وكذلك يقرن بين القلب والبصر، كقوله:


    ]وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ[


    وقوله في حق الرسول صلى الله عليه وسلم:


    ]مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى[


    ثم قال:


    ] مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى[




    وكذلك الأذن هي رسوله المؤدي إليه، وكذلك اللسان ترجمانه، وبالجملة فسائر الأعضاء خدمه وجنوده.


    وقال النبي صلى الله عليه و سلم ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد إلا وهي القلب

    وقال أبو هريرة
    القلب ملك والأعضاء جنوده فان طاب الملك طابت جنوده وإذا خبث الملك خبثت جنوده
    كلمات مفتاحية  :
    القلب ، العظام ، الطبيب

    تعليقات الزوار ()