للعمل الخيري والتطوعي في الاسلام مكانة عظيمة إذ حثت العديد من الآيات والأحاديث النبوية الشريفة المسلمين على المشاركة في هذه الأعمال التي تعكس روح التكافل والتضامن الاجتماعي الأساس المبدئي والقيمي للمجتمع المسلم. ولم تقتصر هذه الدعوة على الرجال من المسلمين دون النساء فخطاب التكليف الشرعي في الإسلام يساوي بين المؤمنين والمؤمنات
للعمل الخيري والتطوعي في الاسلام مكانة عظيمة إذ حثت العديد من الآيات والأحاديث النبوية الشريفة المسلمين على المشاركة في هذه الأعمال التي تعكس روح التكافل والتضامن الاجتماعي الأساس المبدئي والقيمي للمجتمع المسلم.
ولم تقتصر هذه الدعوة على الرجال من المسلمين دون النساء فخطاب التكليف الشرعي في الإسلام يساوي بين المؤمنين والمؤمنات وهو ما كان له أثره في أن تسارع الكثيرات من النمؤمنات للمشاركة في الأعمال الخيرية والتطوعية حتى أضحت الكثيرات منهن نماذج تحتذى في هذا المجال.
نماذج مضيئة
في البداية يقول الأستاذ مصطفى شفيق علام مدير وحدة العلاقات الدولية بالمركز العربي للدراسات الإنسانية بالقاهرة إنه لاشك في أن الأمة الإسلامية هي أمة الخير، والخيرية هي صفة ملازمة لمجموع الأمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ولقد جاء الحث على العمل الخيري في القرآن والسنة بصيغ شتى، بعضها أَمْر به أو ترغيب فيه، وبعضها نهي عن ضده أو تحذير منه، بعضها مدح لفاعلي الخير، وبعضها ذم لمن لا يفعل فعلهم، بعضها يثني على فعل الخير في ذاته، وبعضها يثني على الدعوة إليه، أو التعاون عليه، أو التنافس فيه. قال تعالى: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) )الحج: 77)، وقال: (وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ) (آل عمران:115)، وقال تعالى: (يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) (آل عمران: 114)، وفي وصف أهل الخشية من ربهم قال تعالى: (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) (المؤمنون: 61). كل هذا التنوع في الحث على أعمال البر والخير والتحذير من التقصير فيه إنما يعكس حرص الشارع الكريم على كل عمل فيه خير ومنفعة للناس جميعًا، وفي الحديث الشريف "خير الناس أنفعهم للناس".
وأضاف الأستاذ علام أن الآيات والأحاديث التي وردت في الحث على أعمال البر والخير في سياق العموم لم تتجه للرجال دون النساء، ومن ثم فإن النساء شقائق الرجال وليس في الإسلام تمييز بين شقي المجتمع فيما يتعلق بالحقوق والواجبات، فكل إنسان ذكراً كان أو أنثى مطالب بعمل الخير بما يتناسب مع قدراته انطلاقًا من قوله تعالى: ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعانوا على الإثم والعدوان). وإذا كان الله عز وجل قد خاطب المرأة بما خاطب به الرجل بشكل عام إلا أنه تعالى لحكمته البالغة قد خصها بتكاليف دونه تتوازى في الفضل والأجر بما يتناسب مع تكوين المرأة النفسي والجسدي والعاطفي الأمر الذي يعد تكاملاً بينهما في الأدوار والمسئوليات.
وأوضح أن ديننا الإسلامي الحنيف قد حث على العمل الخيري والتطوعي الذي يعد ظاهرة اجتماعية صحية تحقق الترابط والتاَلف والتآخي بين أفراد المجتمع حتى يكون كما وصفه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف (كالجسد الواحد). وفي هذا الإطار حمل لنا التاريخ الإسلامي نماذج مضيئة لنساء صالحات حملن مشعل العمل الخيري والتطوعي لخدمة مجتمعاتهن، وعلى رأس هؤلاء النسوة أمنا خديجه بنت خويلد رضي الله عنها فقد بذلت جهدها ومالها في مؤازرة الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته الكريمة فقال عنها (وواستني بمالها إذ حرمني الناس) ومنهن أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها التي قال عنهـــا الرسول صلى الله عليه وسلم ( أسرعكن لحاقاً بي أطولكن يدًا) رواه مسلم والمقصود بطول اليد : كثرة مدها بالعطاء للفقراء، فقد كانت رضي الله عنها تعمل بيدها وتتصدق على الفقراء وتقول عنها عائشه رضي الله عنها: ( ولم أر أمراة قط خيرًا في الدين من زينب بنت جحش، وأتقى لله وأصدق حديثًا وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد إبتذالاً لنفسها في العمل الذي تتصدق به وتتقرب به لله تعالى(رواه مسلم). وهذه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: تضحي بنطاقها وتشقه نصفين وهو أغلى وأثمن ما كانت تملك رضي الله عنها آنذاك حيث تقول في ذلك (صنعت سفره للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حين أراد المدينه فقلت لأبي: ما أجد شيئًا أربطه الا نطاقي قال: فشقيه ففعلت فسميت ذات النطاقين ) رواه البخارى، ومنهن الشفاء بنت عبد الله رضي الله عنها التي كانت تقوم بتعليم نساء النبي صلى الله عليه وسلم - خاصة حفصة رضي الله عنها - القراءة والكتابة.
وأشار الأستاذ علام إلى أن بالواقع المعاصر مجالات كثيرة يمكن للمرأة المسلمة من خلالها المساهمة بشكل فعال في العمل الخيري المجتمعي البناء غير أن معظم جهودهن لازالت قاصرة علي مجالات بعينها مثل رعاية الأيتام ودعم الفقراء وتحفيظ القرآن وهذه الأنشطة – على أهمينها وعلو قدرها- لا تمثل أكثر من 5% من مجالات الأعمال الخيرية فهناك العديد من المجالات الأخري التي يمكن أن تتوجه إليها جهود الراغبات في الأعمال الخيرية لكنها حتى الآن لا تمارس بشكل جيد لعل من أهمها المرأة تعليم المهارات مثل الأشغال اليدوية والكمبيوتر ومحو الأمية واللغات والحياكة. كما أن المرأة يمكن لها ممارسة دور تربوي في المجتمع مثل تربية وتثقيف الأطفال والناشئة إضافة إلى الأعمال الخيرية الخادمة للجمعيات الأهلية حيث أن أي جمعية خيرية لا يمكن أن تقوم وتنهض إلا علي شخصيات تستطيع تكوين قاعدة بيانات للجمعية ولديها مهارة في الدعاية للجمعية ودعمها ماديًا وأخيرًا فإن أي تخصص تعمل فيه المرأة يمكن أن تقدم من خلاله أعمالا خيرية تساهم في نهضة المجتمع فمثلاً الطبيبة يمكن أن تخصص يوم أسبوعيًا للمرور علي الجمعيات الخيرية للإجابة علي الإٍستشارات الطبية والنفسية – كل حسب تخصصه- كذلك التي تعمل في مجال المشروعات الصغيرة يمكن أن تخصص يومًا لمساعدة الجماهير في كيفية إعداد دراسات جدوي لمشروعاتهم والخبيرة الزراعية يمكنها أن تساهم في زراعة أسطح المنازل والخبيرة التسويقية تقوم بعمل دورات للمرأة لتعلمها كيفية تسويق منتجاتها لزيادة دخلها والمدرسة يمكنها ان تخصص جزءًا من وقتها لصالح تعليم الفقراء والمعوزين.
وحول ضوابط مشاركة المرأة في العمل الخيري قال الأستاذ علام إنه ينبغي على المرأة في سعيها نحو العمل الخيري المجتمعي أن تراعي جملة من الآداب أهمها الالتزام بالضوابط الشرعية، واحترام العادات المجتمعية طالما لا تتعارض وروح الشرع الحنيف، وكذلك ترتيب الأولويات، وعدم التقصر في الواجبات الزوجية والأسرية، كل ذلك حتى تكون مشاركتها المجتمعية مثمرة وبناءة تنال بها خيري الدنيا والآخرة.
أعمال عصرية
أما الأديب والباحث الإسلامي الأستاذ محمد الغباشي فيقول لقد اعتنى الإسلام عناية كبرى بالعمل الخيري، وأولاه أهمية قصوى في دعوة الناس إلى الخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وتوصيل الخير لهم، دون الحاجة للحصول على مقابل مادي نظير الخدمات التي يقدمها إليهم، رغبة فيما عند الله تعالى والجزاء الأخروي المتمثل في رضا الرب جل شأنه ودخول جنات تجري من تحتها الأنهار مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا. ولا شك أن ذلك من المقاصد العليا التي أتت بها الشريعة الإسلامية؛ حيث قال الله تعالى آمرًا به: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ). مفلحون لكونهم استجابوا لأمر ربهم عز وجل بدعوتهم إلى الخير وابتغائهم الثواب من الله تعالى وحده دون سواه. وهو ما يقوم عليه العمل الخيري، حيث لا سلطة عليا تلزم فاعله بأدائه، ولا رئيس يؤذيه حال تقاعسه وتكاسله، ولكنه الوازع الداخلي الذي يبغي ثواب الله تعالى هو الذي يحركه، فيجعله يضحي بوقته وراحته من أجل القيام به على أكمل وجه.
وأضاف الأستاذ الغباشي أن الإسلام لم يميز في تعامله مع الجنس البشري بين الرجل والمرأة إلا في بعض الأحكام القليلة التي نشأت من اختلاف الطبيعة بين الجنسين، وهي كما ذكرنا أحكام قليلة جدًا، فما يليق بالمرأة من مهام وتبعات قد لا يليق أداؤه بالرجال؛ وذلك لما في النِّساء من رقة الطبع وحنو العاطفة وسرعة الانفعال، وما في الرجال من شدة وقوة وبطء الاستجابة والانفعال، لذلك فقد ندب الإسلام المرأة للمشاركة الفعالة في المجتمع لأداء دورها في الإصلاح، بما يتناسب مع طبيعتها البشرية وقدراتها، ووفق ما تقتضيه نصوص الشريعة السمحة.
وبالتأمل في النصوص التي حثت على العمل الخيري والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نجد أنها لم تفرق أبدًا بين الرجال والنساء، بل أتت النصوص عامة في الذكور والإناث؛ مثل قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33]، وقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} [آل عمران: 110]؛ وقوله: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} [الأعراف: 165]، وعن النعمان ابن بشير قال: قال النَّبي: (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا، ولم نؤذِ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا"، وعن حذيفة بن اليمان عن النَّبي: والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم".
فالنصوص السابقة لم تفرق بين ذكر وأنثى في الدعوة إلى الخير أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك لم تفرق بينهما في حصول العقوبة المستوجَبَة حال إهمال هذه الشعيرة العظيمة، وترك الحبل على الغارب للمفسدين والبطالين ليعيثوا في الأرض فسادًا.
وهذا هو ما عليه السلف والخلف، فلم تزل المرأة تبذل وتضحي في سبيل توصيل الخير للناس، سواء بالتصدق أو الدعوة إلى الله أو تطبيب الجرحى في ميادين الجهاد والقتال أو تعليم العلم، بالطريقة التي تتناسب مع طبيعتها الأنثوية.
ومن الأمثلة العظيمة التي يشرف بها التاريخ من مشاركة المرأة في العمل الخيري على مدى التاريخ احتساب سمراء بنت نهيك في الأسواق؛ قال الحافظ ابن عبد البر: "سمراء بنت نهيك الأسدية - رضي الله عنها- : أدركت رسول الله وعُمِّرت, وكانت تمر في الأسواق وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر, وتضرب الناس على ذلك بسوط كان معها.وكذلك حفصة بنت سيرين التي كانت تعظ الشباب؛ ذكر الإمام ابن الجوزي عن هشام بن حسان قال: كانت حفصة بنت سيرين تقول لنا: "يا معشر الشباب خذوا من أنفسكم وأنتم شباب فإني ما رأيت العمل إلا في الشباب". وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا، فيسقين بالماء، ويداوين الجرحى. وفيه أيضاً عن أم عطية الأنصارية قالت: غزوت مع رسول سبع غزوات، أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى. وفي صحيح البخاري عن الربيع بنت معوذ قالت: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسقي القوم ونخدمهم، ونردُّ الجرحى والقتلى إلى المدينة. وعصر الصحابة حافل بمثل هذه الوقائع. وهذه رفيدة امرأة من أسلم رضي الله عنها في يوم الخندق كان رسول الله قد جعل سعد بن معاذ في خيمة رفيدة رضي الله عنها في مسجده وكانت رضي الله عنها تداوي الجرحى، وقد كان رسول الله قد قال لقومه: "اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب".
وأوضح الأستاذ الغباشي أن المرأة الفلسطينية تستطيع أن تقدم الدليل الحي والعملي على أن المرأة كانت عبر التاريخ الإسلامي الممتد لها دورها في المشاركة في جهاد الأعداء والذب عن العرض والدين. فمنذ أن بدأت انتفاضة المساجد في عام 1987م، وحتى يومنا هذا، والمرأة الفلسطينية تضرب كل يوم أروع الأمثلة في البطولة والاستشهاد دفاعاً عن وطنها وعرضها ودينها وأبنائها.
وأشار إلى أن للمرأة في عصرنا الحديث دورًا لا يمكن إغفاله؛ حيث تستطيع أن تسهم بشكل فاعل في الكثير من ميادين العمل التطوعي والخيري المناسبة لها ولقدراتها وطبيعتها، والتي منها:
الإنترنت؛ حيث أصبح احتساب المرأة عبر (الشبكة العنكبوتية) متوافراً وممكناً، وذلك متمثل عبر مشاركتها بقلمها في المواقع الإسلامية (الموثوق بها)، أو إنشاء موقع خاص ومن خلال النقاشات والحوارات.
صالات الأفراح؛ فلا يخفى ما يحصل فيها من التقصير في أداء حقوق الله تعالى من الستر والحشمة للنساء اللاتي قلّ حياؤهن، وقد يكون منهن من المنكرات ما يؤذي الجيران كرفع صوت المعازف إلى وقت متأخر من الليل ومعلوم أن الرجل لا يدخل مجامع النِّساء فيبقى الدور على المرأة القادرة على التغيير لهذه المنكرات.
الأماكن العامة: فلا يجب أن يصد المسلمة خوف الناس، أو الحياء من تغيير المنكر إذا رأته من إحدى النِّساء في الحدائق والمجتمعات العامة إما بالوعظ اللطيف، أو بإهداء شريط أو مطوية تناسب الحال.
مجالس النِّساء: كاجتماع نساء الحي وهذا منتشر، أو اجتماع الأقارب، وغالب هذه المجالس لا تخلو من منكر إما غيبة، أو نميمة، أو فحش في الألفاظ إلا من رحم الله، فالواجب في هذه المجالس لمن رأت المنكر أن تغير بحسب القدرة، إما بتغيير الموضوع، أو الحديث عن سيرة بعض الصالحين، فإن لم تقدر فلا أقلّ من الانصراف عن هذا المجلس وهجره وهجر أهله.
المساجد والمؤسسات الدعوية، أي أن يكون للمرأة دور في تثقيف بنات جنسها، وذلك من خلال الكلمات المفيدة والنصائح والمحاضرات النافعة، ولبعض النِّساء دور كبير في هذا، وهذا لا شك أمر طيب تحمد المرأة عليه، وثوابه باقٍ لها بعد موتها كما في حديث أبي هريرة أن رسول الله قال: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".
الاحتساب عبر الصحف والمجلات: من خلال الدفاع عن قضايا المرأة والرد على دعاة التحرير المزعوم، ومحاولة التأثير على بعض الكاتبات في الصحف والمجلات وتغير توجهاتهن وتعديل مسارهن إلى المسار الصحيح بإذن الله تعالى.
القنوات الفضائية: يمكن المساهمة فيها من خلال رسائل (sms) التي تبث أسفل الشاشات أو من خلال المشاركات الهاتفية بالاتصال وتوجيه المذيع أو مقدم البرنامج او لفت نظره إلى مسائل معينة قد يغفل عنها أو يتغافلها.
وأكد الأستاذ الغباش على أن المرأة المسلمة يجب أن تراعي مجموعة من الضوابط الشرعية أثناء أدائها للأعمال الخيرية ومنها:
أولاً ضوابط تتعلق بطبيعتها الأنثوية:
*أن يكون العمل بإذن وليها ـ زوجًا كان أم غير زوج ـ لأن وليها قوَّام عليها، إلا إذا منعها نكايةً فيها وظلمًا لها.
* أن لا يكون العمل الخيري صارفًا لها عن واجباتها الأسرية نحو زوجها وأولادها وبيتها.
* أن يتفق عمل المرأة مع طبيعتها وأنوثتها وخصائصها البدنية والنفسية.
*أن تلتزم المرأة باللباس الشرعي الساتر لجميع جسدها، بأوصافه وشروطه المعروفة.
*أن يخلو العمل من الخلوة أو الاختلاط بالرجال الأجانب.
*أن يخلو العمل من سفر دون محرم، كأن تسافر إلى بلد آخر غير بلدها الذي تعيش فيه.
وأما ضوابط العمل نفسه فهي كالتالي:
1. الإخلاص، وابتغاء وجه الله تعالى؛ فهو رأس الدين، وعليه مناط القبول في الآخرة والتوفيق للخير في الدنيا.
2. العلم بحقيقة ما تأمر به من أنه معروف في الشرع، وأنه قد تُرك بالفعل، والعلم بحقيقة المنكر الذي تنهى عنه وتريد تغييره، وأن يكون قد ارتُكِب حقيقةً.
3. الورع؛ فلا تأتي الذي تنهى عنه، ولا تترك الذي تأمر به؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2، 3].
4. حسن الخلق، والحلم، وأن تأمر بالرفق، وتنهى باللين، ولا تجد في نفسها إذا نالها سوء ممن نهته، ولا تغضب إذا لحقها أذى ممن أمرته، بل تصبر وتعفو وتصفح.
ضوابط العمل
من جانبه قال الإعلامي الإسلامي الأستاذ حسام عبد العزيز إنه وبكل أسف لا يعلم الكثيرون أهمية العمل الخيري في ديننا نتيجة تركيز الدعاة على النواحي المتعلقة بالعبادات وهذا بلا شك جيد. لكن الأهم أن يعلم المسلم أن نبيه صلى الله عليه وسلم أعلى من شأن العمل الخيري لدرجة لا يتصورها الكثيرون بقوله: أحب الناس إلى الله أنفعهم ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم ، أو تكشف عنه كربة ، أو تقضي عنه دينا ، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهرا ، ومن كف غضبه ، ستر الله عورته ، ومن كظم غيظا ، ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة ، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له ، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام ، وإن سوء الخلق ليفسد العمل ، كما يفسد الخل العسل.
وبالعكس فإن الله توعد من يمنعون العون عن الناس وقال فيها ذامَّا: (الذين هم يراءون ويمنعون الماعون).
وأضاف الاستاذ عبد العزيز أن النساء المسلمات كانت في صدر الإسلام رافدا رئيسا لحل مشكلة الفقر وكانت مواقفهن في العمل الخيري مشرفة. فهاهن المسلمات يسارعن بإلقاء أقراطهن وحليهن في حجر بلال بن رباح رضي الله عنه امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتصدق. كما تزخر كتب السير بقصص المجاهدات اللواتي كنًَّ قائمات على مداواة الجرحى وإطعام المجاهدين في إنكار عظيم للذات. لذا فالمرأة في هذا العصر ينبغي أن تحيل هذه النماذج إلى واقع وتربطه بمشكلات الأمة وما أكثرها! فالشعب الفلسطيني يحتاج لدعم مادي ومعنوي مستمر فضلا عن المشكلات التقليدية التي تعج بها الأمة كالفقر والبطالة والأمراض والتي تستطيع النساء أن تساهم بدور فعال في الحد منها.
وأوضح الأستاذ عبد العزيز أن الصورة الحالية بالطبع لم تعد كسابقتها فالعمل الخيري صارت له مؤسسات ومنظمات تستطيع حشد الدعم بفاعلية ويمكن للمرأة من خلالها اكتساب الخبرات اللازمة للعمل الخيري والعمل بشرعية أكبر. لكن هذا لا يمنع أن تسير الجهود الفردية جنبا إلى جنب الجهود الجماعية المنظمة. وبخصوص الخطر الذي يحدق بالمرأة العربية في عصرنا فثمة محاولات متواصلة من الغرب لتوجيه المرأة نحو مشروعات غير مفيدة أو محرمة أو ذات أولوية أقل وتسعى لتسيير عمل النساء الخيري عبر قنوات مشبوهة كأندية الروتاري. فالمرأة المسلمة برأيي لابد أن تلتزم بالضوابط الإسلامية الصحيحة وأن تستهدف المشكلات الحقيقية التي ترى أنها قد تنجح في مكافحتها.
وأشار الأستاذ حسام إلى أنه لا خلاف في أن العمل التطوعي يستلزم انخراطا كبيرا للعامل في المجتمع واحتكاكا بمتطلبات الناس ورغباتهم لكن المرأة المسلمة هي التي تستطيع القيام بدورها دون أن تتخطى الحدود الشرعية بالاختلاط الفاحش لا سيما وأن أي مساحة ـ وإن قلت ـ في العمل التطوعي لها فروع كبيرة لن تستطيع المرأة تغطيتها بالكامل لذا فمن الأحرى أن تبتعد المرأة عن مواطن الشبهات.
ولا يخفى أن مظهر المرأة المشاركة في العمل التطوعي ينبغي ألا يتأثر بطبيعة العمل الشاقة فعليها أن تلتزم حجابها الشرعي وسمتها الهادئ الرصين لتجمع ما بين رضاها عن نفسها وعن عملها وبين رضا ربها عنها.