في السَّنوات الأخيرة انتشرَتْ بين الشَّباب "موضةٌ" جديدة في اختيار الزَّوجة على طريقة "النُّيو لوك"، والتي فيها يتعرَّف الشَّاب على الفتاة لفترةٍ قد تطول أو تقصُر، ثُمَّ بعد ذلك يُفكِّر في الارتباط بها، وذلك في محاولةٍ لرفض القيود مِن جانب الأهل، أو حُسن الاختيار، زاعمين أنَّ الزَّواج التَّقليديَّ، أو ما يُعْرَف بـ"زواج الصَّالونات"، قد أصبح موضةً قديمةً وغير صالحةٍ "في عصر الإنترنت والفضائيَّات".
وبينما يذهب البعض إلى أنَّ ذلك قد أصبح أمرًا حتميًّا في عصر التَّحوُّلات الاجتماعيَّة والتِّقنيَّة الذي تعيشه المجتمعات الإنسانيَّة في وقتنا الرَّاهن؛ يؤكِّد آخرون، شبابٌ وخبراء، على أنَّ المجد لزواج الصَّالونات التقليديِّ لما يقود إليه في صدد الحفاظ على القِيم الإسلاميَّة للأسرة والمجتمعات.
وفي الإطار، فقد استطلعنا آراء بعض الشَّباب والخبراء حول كيفيَّة اختيار الزَّوجة ما بين زواج "النيو لوك" وزواج "الصالونات"..
في البداية، يقول إسلام زاهر "27 سنةً- بكالوريوس تجارة": "أحبُّ أن أتعرَّف على شريكة حياتي قبل الزَّواج معرفةً جيِّدةً، ومِن خلال ذلك أدرس أخلاقها وسلوكياتها، وبعد ذلك أقرر الزَّواج منها أم لا، لأنِّي لا أحبُّ الزَّواج التَّقليديُّ، والذي فى وجهة نظري مثل زواج الطُّيور؛ لأنَّه يحبس الزَّوجَيْن في قفصٍ".
مؤيدون
ويتفق معه في الرَّأي وائل بيومي "26 سنةً، ويعمل في مجال السِّياحة"، ويقول إنَّ الزَّواج التَّقليديَّ ينجُم عنه العديد مِن المُشكلات، وأحيانًا ينتهي بالطَّلاق في السَّنة الأولى لعدم توافُق الزَّوجَيْن فى الطِّباع والعادات، ويضيف: "لقد رأيت العديد مِن الزِّيجات الفاشلة في عائلتي نتيجة هذا الزَّواج، لذلك عندما تزوَّجت اخترت زوجتي مِن الجامعة؛ حيث كانت زميلةً لي في نفس السَّنة الدِّراسيَّة، وعلى مدار أربعة سنواتٍ عرفتها جيِّدًا، وبعد التَّخرُّج ارتبطتُ بها حتى كوَّنْتَ نفسي وتزوَّجْتُ والحمد للهِ".
بدوره يرى تامر مُحَمَّد "25 سنة- ليسانس آداب" أنَّ الطُّرق التَّقليديَّة أصبحت محدودةً في الوقت الحالي، وذلك لأنَّه مع انتشار الـ"نيوميديا"، مثل الإنترنت؛ فقد أصبح الشَّباب لديهم حُرِّيَّة الاختيار عن طريق "الشات"؛ حيث يتعرَّف الشَّابُّ على الفتاة، ويراها، وتقع تحت الاختبار فترةً طويلةً، ثُمَّ بعد ذلك يتقدَّم اليها، وهذه تُعتبر- في رأيه- مِن الطُّرق الحديثة للزَّواج النَّاجح.
ويضيف أحمد صبحي "28 سنةً- مُحاسِب" أنَّ الزَّواج عن طريق الأهل "يُسبِّبُ العديد مِن المُشكلات والخلافات التى لا حصر لها"، ويضيف أنَّه عندما أقبل على الزواج "فضَّلت زميلتي في العمل عن ابنة خالتي، وذلك لتفادي المُشكلات في العائلة".
ويقول مُحَمَّد نور "25 سنةً - مُحاسب": "الاختيار التَّقليديُّ لا يتمُّ الآن إلا في القُرى، وذلك لأنَّها صغيرةٌ سُكانًا ومساحةً، ومِن السَّهل على النَّاس التَّعرُّف على بعضهم البعض، أمَّا في المدن؛ فهذا أصبح مستحيلاً لأنَّ العدد كبيرٌ، ولا يستطيع أحد أنْ يتحمَّلَ تبعات الاختيار إلا صاحبه"!
مُعارضون!
ويختلف أحمد عبد العليم "25 سنةً - بكالويورس إعلام" مع الآراء السَّابقة قائلاً: "أفضِّلُ الارتباط التَّقليديَّ لأنَّه يكون أكثر أمانًا وأكثر عقلانيَّةً، فحينما يأتي الزَّواج مِن خلال الأُطُرِ الشَّرعيَّة؛ أوَّلاً تكون الإنسانة أكثر التزامًا بالمبادئ والقِيَمِ، ثانيًا الذي يأتي لي بمواصفات تلك الإنسانة، ينقلها بأمانةٍ مِن دُون تكلُّفٍ، فأحاول أنْ أزِنَ تلك المواصفات، ومعرفة ما إذا كانت تتماشى معي ومع قيمي ومبادئي من عدمه".
ويتفق رامي الجزار "26 سنةً- طبيب" مع الرَّأى السَّابق في أنَّ الاختيار عن طريق الأهل أفضل، وذلك لعدم وجود وقتٍ للبحث عن زوجةٍ، مع تسارع وتيرة الحياة وكَثرة المسئوليَّات في العمل، لذلك فإنِّي أُحدد المواصفات المطلوبة، والأهل يقومون بالتَّرشيح لي للاختيار الأنسب والأفضل".
خوف وعدم ثقة
وحول آراء الخبراء في هذه المسألة، في البداية تقول الدُّكتورة جيهان النُّمرسيُّ أستاذ علم النَّفس بكُلِّيَّة الدِّراسات الإنسانيَّة بجامعة الأزهر: "الشَّباب في الآونة الأخيرة أصبح عنده خوفٌ مِن الزَّواج بشكلٍ عامٍّ، وخاصة بعد ارتفاع نِسب الطَّلاق بين الشَّباب في السَّنوات الأخيرة، لذلك يُفضِّلُ أنْ يعرفَ شريكة حياته قبل الزَّواج مِن خلال شخصيتها وطباعها وعلاقاتها مع الآخرين حتى لا يصطدم بها بعد الزَّواج، فيلجا إلى التَّعرُّف على زميلة العمل أو الدِّراسة، أو عن طريق الأصدقاء أو الشِّلَّة في النَّادي أو في أيِّ مكانٍ آخر".
وأشارت إلى أنَّ بعض الشَّباب الذي يُفضِّلُ الزَّواج التقليديَّ غالبًا ما يكون مِن النَّوع الخجول؛ حيث لم يستطع تكوين علاقاتٍ اجتماعيَّةٍ مع الطَّرف الآخر، سواءٌ في داخل العائلة أو خارجها، وأضافَتْ الدُّكتورة جيهان إنَّ الشَّباب يخشى مِن الزَّواج التَّقليديِّ عن طريق الأهل "وذلك لعدم الثِّقة في المُحيطين به، والخوف مِن المستقبل، رغم أنَّ الدِّراسات والأبحاث أكَّدَتْ أنَّ الزَّواج عن حبٍّ أو علاقاتٍ قبل الزَّواج يكون أقلَّ نجاحًا مِن الزَّواج عن طريق الأُسر والأقارب".
وتشرح ذلك بالقول لأنَّه في حالة الزَّواج عن حُبٍّ يُفترض في الطَّرفَيْن التَّفاهُم، وأنَّ كُلَّ طرفٍ يعرف الآخر جيدًا، ولكن الذي يحدث فعليًّا يكون عكسَ ذلك تمامًا، وبالتَّالى تتولَّد حالةٌ من عدم التَّوافق وعدم استيعاب كلِّ طرفٍ للآخر، وينتج عن ذلك التَّصادم والاختلاف، وتتولَّد المُشكلات، وذلك لاختلاف الطِّباع".
دور الإعلام
وتضيف الاستشاريَّة التَّربويَّة الدُّكتورة منى صُبحي أنَّ الاعلام نجح إلى حدٍّ كبيرٍ في تشويه صورة الزَّواج عند الشَّباب، وخصوصًا عن طريق التِّليفزيون مِن خلال المسلسلات والأفلام والتي تقدِّمُ نوعيَّةً مِن الدِّراما تصوِّرُ معيار اختيار زوجة المُستقبل عن طريق الأسرة على أنَّه "موضة قديمةٌ بين الشَّباب، وأنَّ الاختيار الحديث عن طرقٍ تحرَّرتْ مِن كُلِّ قيود الأسرة التَّقليديَّة، والتي أصبحت تحت ضغوط اجتماعيَّةٍ جمَّةٍ، فلم تعُد مترابطةً أو متماسكةً؛ بل تُعاني مِن التَّفكُّك الأسريِّ الذى انعكس على اختيارات الشَّباب، فالأب مشغولٌ والأمُّ مشغولةٌ أيضًا، والشَّابُّ عندما يختار يُفكِّر لوحده".
وتسترسل الاستشاريَّة التَّربويَّة قائلةً إنَّ الاختلاط بين الشَّباب والفتيات فى الجامعة، وانهيار منظومة القيم في المجتمع مِن الأسباب الرَّئيسيَّة التي أدَّت إلى إحجام الشَّباب عن الاختيار عن طريق الأهل أو الأقارب، وذلك لأنَّ الشاب يرى الفتاة يوميًّا، ويجلس معها دون حياء لعدم وجود رقابةٍ، وأيضًا لضعف الوزاع الدِّينيِّ، وبعدها يُقرِّر الاختيار، وهذه المعايير التي اختارها قد تكون غير واضحةٍ، ومع الزَّواج والمُعاشرة، قد يحدث الاصطدام بالواقع الأليم، ويندم بعدها، وفي كثيرٍ من الأحيان تكون النَّهاية الطَّلاق!
دَور الأسرة
من جانبها ترى الخبيرة الاجتماعيَّة ميرفت مُحَمَّد أنَّ افتقاد الحبِّ في الأسرة هو الذي يدفع الشَّباب للعزوف عن الأسرة في اختيار زوجة المُستقبل، وتقول إنَّ الشَّاب عندما يدخل في مرحلة المراهقة يريد مَن يسمعه ويشعره برجولته، ولكن للأسف في الأسر العربيَّة الكثير مِن الآباء والأُمَّهات لا يعرفون كيفية التَّعامل مع هذه المرحلة، فيفقد الشَّابُّ العاطفة والمدح، فيحاول أنْ يُمارسَ رجولته على الفتاة التي يتعرَّف عليها، فإذا استجابت لأوامره يبدأ في حُبِّها وتبدأ بعد ذلك العلاقة بينهما.
وتضيف الدُّكتورة ميرفت بالقول إنَّه تُنصح الأسرة بضرورة مُراعاة شعور المراهق وامتداحه داخل البيت، وأنْ تجعله يشعُر برجولته المُبكِّرة حتى لا يبحث عن ذلك خارج البيت، مع مُراعاة رواية قصص الزَّواج النَّاجحة عن طريق الأهل، حتى يحبُّ الشَّاب أسرته، وذلك لأنَّ الشَّباب في سنِّ الزَّواج تكون خبرتهم أقلَّ، ويُخدعون بكلامِ الحب والغرام مِن الطَّرف الآخر حتى يقع في الشِّباك، بحسب قولها.
وتنصح الخبيرة التربويَّة أيضًا بضرورة عمل دوراتٍ لتغيير قناعات الشَّباب حول الزَّواج وطُرُقِه واشتراطاته، بالإضافة إلى دوراتٍ في الإرشاد النَّفسيِّ للأسرة في كيفيَّة التَّعامُل مع المُراهق بصفةٍ عامَّةٍ سواءٌ في المرحلة المُبكِّرة أو المُتأخِّرة مِن مُراهقته.