كيب تاون (جنوب أفريقيا): سناء الجاك
«اسمي تاباني.
انا من قبيلة الزولو. سأكون دليلكم الى محمية Inverdoorn، حيث ينتظركم عالم الخمسة الكبار.
هناك سيتولاكم دليل غيري يعرفكم الى ارجاء المكان واسراره».
بهذه الكلمات يبادر الدليل السياحي في شركة African Eagle السائحين الراغبين بمرافقته في رحلة «سفاري».
يضيف:«اسمي يعني السعادة وهو مألوف وشائع في جنوب افريقيا.
اذا نسيتموه يمكنكم مناداتي بما تشاؤون، لاسيما اذا اضعتم طريقكم.
حينها من الافضل ان تنادوني بأي اسم يخطر على بالكم والا ستصبحون طعاما للاسود».
بهذه «المقبلات» يمهد تاباني للراغبين بمغامرة في الادغال الافريقية مقابل مائتي دولار للشخص.
ويوضح باعتزاز:«نحن ذاهبون الى محمية طبيعية وليس الى حديقة حيوان. للوصول يجب الدوران حول الجبال».
تقع المحمية في منطقة «سيريز كاروو» التي تبعد 200 كيلومتر عن كيب تاون، العاصمة التشريعية لدولة جنوب افريقيا. يستغرق الوصول اليها حوالي ثلاث ساعات. ينذرنا دليلنا بأنه سيعطينا فكرة عما ينتظرنا.
«يمكنكم اثناء ذلك ان تناموا، لأن الطريق ستوقظكم بعد ذلك.
اما انا فسأنام عندما يتسلمكم دليلكم داخل المحمية».
يمنحنا تاباني استراحة اولى لشرب القهوة او التلذذ بفاكهة المنطقة من اناناس ومانغو.
بعد ذلك يسوقنا بحزم الى الحافلة.
يدعونا في هذه المرحلة الى الدخول الفعلي في اجواء السفاري.
يشير الى انه سيدور حول سلسلة جبال عبر طرق ضيقة يزيد من خطورتها نفسيا على الركاب الشرق الاوسطيين شعورهم بتطرف الحافلة لأن القيادة على الطريقة البريطانية، حيث المقود الى اليمين.
بعد قليل ينبهنا دليلنا الى اننا سندخل منطقة بدائية ونفقد شبكة الاتصالات. «وبالتالي لا اخبار من الزوج او الزوجة او الاصدقاء.
قد يهجم الاسد عليكم ولا يمكنكم الاتصال بأحد».
ليعقب ضاحكا:«لا تصدقوني كثيرا. استطيع ان أكذب».
ويمنحنا معلومة مجانية وهي أن الزولو يصطادون الاسود والنمور ولا يأكلونها.
فقط الذين يتحدرون من سلالات ملكية لهم الحق بأكل لحم الاسد والنمر.
لحظات ونغادر الطريق المعبدة لنسلك دروبا ترابية وندخل المحمية.
يبدو تاباني أكثرنا تأثرا، يقول:«لفرط السكون تسمع بعد المطر صوت النبات وهو ينمو».
فعلا السكون أخاذ وساحر ومهيب ومخيف.
نقترب من استراحة المحمية Enverdoorn التي يمتلكها فرنسي متقاعد باع كل ما يملك واشترى هذه الارض واستقدم اليها الحيوانات التي اشتراها من الدولة.
هنا يعيش دليلنا الجديد اولوين الى جانب الحيوانات.
مساحة المحمية ثمانية آلاف هكتار.
خصوصيتها تكمن في جوها العائلي.
تضم سبعة شاليهات حول حديقة صبار من أحلى الانواع واندرها، وتتميز بهندسة معمارية مريحة وحديثة وانيقة.
كما تمنح ضيوفها فرصة الاقامة في أحد منزلين مجهزين بوسائل الراحة والرفاهية للإقامة العائلية والمجموعات. فريق العمل يتألف من 32 شخصا مدربا ومؤهلا لتقديم الخدمات التي يتطلبها هذا المكان.
وأهم ما يضفي السحر على عزلتها هو مطبخها الذي يجمع بين الاطباق الفرنسية وتلك الخاصة بجنوب افريقيا.
وحتى تكتمل متعة السفاري توفر المحمية لزوارها حوض سباحة وصالة رياضة وملعب غولف ورحلات منظمة لزيارة المنطقة الجبلية التي تضم حيواناتها.
وأخيرا لا خوف من الاصابة بالامراض الاستوائية في Enverdoorn. فهي خالية تماما من الملاريا.
حلويات وشاي وقهوة وسط حديقة الصبار.
ثم الى سيارة الدفع الرباعي المكشوفة. سيارة ادغال لا سيارة شوارع معبدة. تضم خمسة مقاعد وتتسع لخمسة عشر راكبا.
عدة السفاري سترة واقية من الريح وغطاء صوفي لكل راكب.
بعد قليل سنكون في حضرة الخمسة الكبار:
الاسد ووحيد القرن والبقر الوحشي والزرافة والشيتا.
يهول علينا تاباني قبل ان يودعنا، فيقول:«المهم الا تكونوا وجبة لحم سائغة لهم».
عدا الخمسة الكبار تحتضن المحمية انواعا نادرة من الوعول والغزلان.
بعد الانطلاق في الطريق الترابية يصبح رفيقنا السكون والترقب.
لا شيء حتى الآن سوى مساحات تجمع في طبيعتها بين الصحراء والجرود والادغال الصغيرة.
يفتح اولوين الباب الاول المكهرب، فنشعر بأننا دخلنا المجهول بعدما اغلقه خلفنا.
يشرح لنا ان ادارة المحمية تشتري الحيوانات وتبدأ تدريبها على الصيد قبل اطلاقها في المكان. طلب الينا قبل الدخول التزام الصمت ما أمكن وعدم استخدام الفلاش في آلة التصوير.
اثناء القيادة يبحث بنظراته عن آثار الحيوانات على الطريق امامه.
واذا لم يجدها ليستهدي بها، يترجل من السيارة ويمعن النظر الى الارض حولها.
حيوانات الشيتا (وهي نوع من القطط البرية) كانت تتمدد بكسل على مساحة خضراء.
اخبرنا اولوين انها تنام طوال النهار وتسرح في الليل.
سرعتها تتراوح بين 110 و 120 مترا في اقل من ثانيتين.
والسبب ان عظمها خفيف ورئتها كبيرة تتسع للاوكسجين.
كما تستعمل ذنبها كالمقود. وتتميز بأظافر ظاهرة لا تنكمش الى داخل قوائمها.
نصل الى الباب الثاني:
الاسد ولبوته في عزلة خاصة خلف سياج.
هما خطران ولا يمكن الركون الى سلوكهما.
وهما هديتا احد ملوك القبائل الى المحمية.
لكن مهلا... اللبوة خضعت لجراحة منعتها من الانجاب.
اولا لانها لا تجيد تربية الاشبال وقد تؤذيها.
وثانيا لأن المسؤولين في المحمية لا يريدون ان تنجب من هذا الاسد تحديدا فهو خليط سلالتين من زيمبابوي واثيوبيا.
وهم يفتشون عن لبوة من نوعه حتى لا تتشوه سلالته.
تنظيم الاسرة هذا لا ينطبق على البشر في القارة السوداء، كذلك تأمين الغذاء.
فقد افادنا دليلنا أن هذا الاسد يأكل خمسة كيلوغرامات من اللحم يوميا.
الباب الثالث:
قبل الدخول يحضرنا اولوين نفسيا:
يقول: سندخل منطقة مساحتها 4 الى 5 آلاف هكتار.
وفيها حيوانات غير مقيدة وبعضها متوحش. وتخاف فلاشات آلات التصوير، لذا من الافضل الصمت وعدم الحركة.
هنا لا بد ان ينتاب راكب السيارة الخوف لأن زوجين هنديين قررا اصطحاب طفلهما الذي لم يتجاوز العامين معهما.
ماذا لو بكي الصغير وانزعج حيوان متوحش؟
يبدو ان وحيد القرن كان اول المنزعجين. لم يهجم علينا لكنه هرب الى منطقة دغلية ما ان سمع صوت المحرك ولم تنفع محاولات اولوين اقتفاء اثره لنكحل عيوننا برؤيته.
الغزلان ايضا لم يرق لها اقتحامنا خلوتها.
لذا كانت تسرع بالابتعاد عن مرمى الكاميرا.
كذلك طيور النعام العملاقة.
فقط في حضرة الزرافة يمكننا ان نترجل من السيارة ونسرح ونمرح ولكن بهدوء وعلى مسافة عشرين مترا.
الاقتراب أكثر غير مضمون.
مع الزرافات المستمتعة اكثر من غيرها على ما يبدو في المحمية.
الحمار الوحشي يرافقها ولكن من دون اختلاط، فهما يتقاسمان المكان محافظين على علاقات الجيرة المعتمدة على احترام كل جار حرية الآخر.
بقية الاجناس لا تتجاور. البقر الوحشي مثلا يرتمي عند ضفة مستنقع وبعيدا عن «حريمه» يرتاح الفحل بهيبة وسيطرة.
يكرر اولوين التحذيرات، وشدد على ان البقر الوحشي من اخطر الحيوانات وفي قرونها قدرة على تمزيق من يقف في وجهها اذا غضبت.
بعد ساعتين ونصف الساعة في حرم المحمية، يسألنا دليلنا، هل اكتفينا واستمتعنا؟ يعلق أحدنا بأن الرحلة لم تكن على قدر طموحه.
كان يرغب في المزيد من الاثارة وملامسة الخطر. ندعوه الى الترجل وتطبيق نظرياته.
على أي حال نتعلم بعد جهودنا المتواضعة أن صيد الانواع النادرة من سكان المحمية بالنظر لم يكن سهلا كما قد يتخيل البعض فهو يتطلب صبرا ويقظة وترقبا وحذرا.
ماذا عن الصيد الفعلي؟
يقول أحد كبار الصيادين ان في الامر متعة لا توصف. يتحدث عن حصوله على ترخيص لصيد أسد بعد انتظار اعوام.
عن لحظة اطلاق النار على فريسته يقول: بالطبع كان يرافقني صيادون متمرسون ولحظة مواجهة الاسد اطلقت عليه النار وانا اشعر بغصة وبفيض الاحترام تجاهه.
وصلنا الى الباب الاخير.
الحيوانات المفترسة أصبحت خلفنا. وامامنا دعوة الى الغداء الذي يبدأ بشوربة اليقطين، وبعدها الخضار واللحوم التي لم تلوث بأي مواد كيميائية. اما الختام فكان مع حلوى الكريم كاراميل مع طعم البيض الطازج الذي لا يحتاج الى اضافات تزيل اي شوائب نراها في طعم البيض الحضري.
قبل العودة الى دليلنا الاول تاباني لا بد من زيارة «بوتيك» السيدة الفرنسية التي تحدثنا عن غرامها الافريقي.
هي لا تحتمل حتى فكرة العودة الى فرنسا التي هاجرتها منذ كانت في السادسة عشرة من عمرها الى ساحل العاج، وبعدها اقامت سنوات في كينيا.