لا تستمر الحياةعلى وتيرة واحدة، ولا تنحصر سيناريوهاتها على كتابة (الفصل الواحد)، فما بين الفرح والحزن، السعادة والملل، الرضا والغضب يأتي (الاعتذار) كأدب اجتماعي إنساني رفيع بل هو ثقافة غائبة لا تحضر لدى الكثيرين، هو سلوك كريم يدفع للواجب والالتزام تجاه الآخرين والذين كنا قد مارسنا التخطي على جدرانهم الذاتية بشكل أو بآخر!! كثيرون هم من يجيدون العبث بكرامة الآخر وامتهانها والتعدي على حقوقهم وواجباتهم وكأنهم محور حياتهم الثابت الوحيد والآخرين هم المتحولون والناتج قلب محطم وكرامة مهدرة تعاني من آثار الندب والجروح !!هنا تبرز الحاجة للاعتذار التي تدفعها تلك القوة التي تمنح للمخطئ الشجاعة للاعتراف بزلته التي تأتي كإفراز طبيعي للندم على الأذى الذي ألحقه بالآخر والشعور بالمسؤولية والرغبة في تغيير الأوضاع التي تزيح معها تلك الرواسب التي قد تعلق بالذات وتحرك معها بواعث تأنيب الضمير!! ولأن في الوقوع في الأخطاء (سقوط) في نظر النفس قبل الآخر فإن الاعتذار
استعادة لاحترام الذات والسمو بها،يكفي الشعور بالراحة والإضاءة التي تطلقها على ملامحه من خلال القدرة العالية على استخدام مهارات الاتصال الاجتماعية التي يتوقف نجاحها في المهمة على مقدار الإحساس الداخلي بالندم والشعور الذي ينثر تعابيره الخاصة على ملامح الشخص المعتذر !! فالوقوع في الأخطاء أمر وارد (فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) وهذه حقيقة معترف بها وللناس في تقديمهم للمعاذير مذاهب .. فهناك من يجيد الاعتذار السريع فور وقوع الخطأ، وهناك الذي يتعذر بعد فترة طويلة من مراجعة الذات والعراك الطويل مع تأنيب ضميره، والنوع الثالث الأكثر تحجرا والذي يدرك أخطاءه ويكابر ويتمنع عن الاعتذار ويطلب من الآخرين قبوله كما هو!! وهذا نفسه هو من يكابر ويتعامى عن الأخطاء والتعود على السقوط المتكرر بالأخطاء وإدمان الانزلاق إليها بشكل مستمر والإدمان الأكثر متى ما وجد تعاطٍ مستمر مع تكراره للأخطاء بتسامح وتمرير دائم!! مع التذكير بأن الاعتذار بحد ذاته قد يكون لتوضيح مسألة أو لبيان قصد وليس شرطاً أن نخطئ لنعتذر، ولكننا نخطئ حينما نشعر بأن تقديم المعاذير فيه إنقاص من ذواتنا ونزولاً للمقام وانحدار في المستوى وارتداء لثياب الهزيمة والضعف والسقوط!! هنا تبرز الحاجة للشعور بمسؤوليتنا تجاه ما يصدر عنا من أفعال وتصرفات، هنا نتساءل.. لماذا نشعر بأننا على حق دائماً بينما الآخرون على خطأ ؟ إلى متى نشعر بأننا ثابتون .. بينما الكون من حولنا يتحرك .. يتبدل وينزلق؟! وهل وصلنا لدرجة الكمال الملائكي لكي نترفع عن الأخطاء ؟! أم أننا نتوقع أن كل من حولنا (إسفنجيون) دائماً بكل الأوقات وكافة المواقف ؟! ولأن شعور البعض من أن مجرد اعترافه بالخطأ وتعذره هو انتقاص منه ومن حصيلة كبريائه وعزة نفسه، فعليه أن يتوخى الوقوع فيما يدفع به للاعتذار خاصةً من يعتقد إنه أكبر من أن يعتذر كمسؤول أو (قائد) أياً كان: أب، زوج،معلم، مدير، مواطن، فالقادة يظنون أنهم لا يخطئون وإن أخطاؤا لا يعتذرون، و(الرجل الشرقي)عموماً يجيد لعبة المكابرة على الأخطاء ببراعة يحسد عليها والضعيف بنظره هومن يعتذر لزوجته أو ابنته إلخ..لدرجة قد تحول حياة من حوله (لثكنة عسكرية) خالية من المشاعر والأحاسيس وهذا ما يمكن أن نعيده لمسألة مهمة جداً ألا وهي (التربية) وغرس السلوك الإيجابي في الطفل، (ففاقد الشيء لا يعطيه) وهذه حقيقة قد نجدها مبرراً لتصرفات البعض، وهنا نشدد على غرس (ثقافة الاعتذار) وتعزيزها بالأبناء منذ الطفولة كأساس تبنى عليه المراحل اللاحقة من خلال الصدق والشجاعة والثقة العالية بالنفس وسلوك الاعتراف بالأخطاء ، فكم سيكلفنا الأمر من تعويد صغارنا على كلمة (آسف) لتكبروتنضج معه، ثقافة ( لو سمحت)..(المعذرة .. فقد أخطأت) لكي تصبح ديدن مواقفه المستقبلية بمشوار الحياة!! وكما أن الاعتذار خلق رفيع تمليه المواقف المتأزمة يبقى (السماح) صفة فضيلة تعني القدرة على تخطي الألم وتجاوز الجراح وعبور النُدب التي تفرزها مشاعر الأسى والغضب، وإن كان ذلك لا يعني النسيان مطلقاً بقدر ما يمضي بنا للأمام خطوات.. بدلاً من أن يعيدنا للوراء مسافات !! ويبقى الإنسان الذي لا يجيد الاعتذار أو ذاك الذي يرفضه شخصا متكبرا ومغرورا عديم المسؤولية، لأنه يطن أنه هو فقط محور الحياة، التسامح ذات لديها مرونة وقابلية للاستيعاب فالبشر ليسوا ملائكة والمتسامح يمنح ذاته الراحة والسلام ويمارس العلو والتصاعد لآفاق عليا في نظرالآخرين !! وفي الآخر هو ارتقاء وصعود بهم عن السقوط والانزلاق إلى حيث الوضوح والتسامي (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) ... فكم مرةاعتذرت لتدرك كم كنت شجاعا ؟!!
منقوووووول بتصرف