"الآن تذكرتم سيناء، وأنها جزء من هذا الوطن، أين كنتم طوال عهد الرئيس السابق، ولماذا لم تلتفت لنا أعينكم عقب الثورة.. هل نحن حقًا جزء من هذه الدولة أم أننا ننتمى لدولة أخرى؟".. كلمات جاءت على لسان شاب سيناوى يستفسر عن مصيره ومستقبل أولاده الذين يعيشون فيما أسماه بـ"الطرف المبتور" عن جسد مصر.
كانت الرابعة عصر الثلاثاء الموافق 15 أغسطس، قبل تنفيذ عملية إيلات وبداية التصعيد على الحدود المصرية الإسرائيلية بيومين، فى منطقة الماسورة برفح، التقينا شابا مصريا فى أواخر عقده الثالث يدعى مصعب يعمل فى التهريب عبر الأنفاق الواصلة إلى قطاع غزة، كان غرض المقابلة استفسارًا عن "فوضى التهريب" و"تسلل عناصر فلسطينية مسلحة إلى سيناء" لكنّ حديث الشاب سار فى اتجاه آخر أكثر خطورة وكشف عن جُرح غير ملتئم يعانيه أهالى سيناء خاصة سكان المنطقة الحدودية.
قال مصعب، وهو يقود سيارته باتجاه منطقة جبلية قرب معبر "كرم أبو سالم" بالمنطقة الحدودية: "بعد دقائق سنصل إلى جنة الله فى الأرض، سوف نذهب إلى مكان مرتفع ترى من خلاله الفارق بينهم وبيننا، سترى أرضًا يفصلها جغرافيًا عن سيناء عشرات الأمتار فقط لكن يفصلها حضاريًا آلاف السنين".
على بعد 20 مترًا فقط من الفاصل الحدودى بين البلدين، توقف مصعب بسيارته مشيرًا إلى "الجنة" على حد قوله التى امتلأت مساحات خضراء شاسعة تتلوها أبنية مرتفعة لمستوطنات يهودية ثم بدأ يطرح مجموعة من الأسئلة قائلاً: "ما الفارق بين أرضنا وأرضهم؟ لماذا تبدو سيناء قاحلة لا خير فيها، وتبدو إسرائيل عامرة بشتى أنواع الخير؟" ويضيف: "لماذا لا نجد ماءً نروى به تلك الأرض رغم أن مصر "هبة النيل" ويجد اليهود ماءً سائغًا شرابه يروون به ظمأهم ويسقون به أراضيهم؟".
استرسل مصعب فى أسئلته قائلاً: "لماذا نخرج كل ليلة من بيوتنا، نسير فى ظلام مدقع، لا نجد إنارة فى الطرقات وكثير من البيوت مظلمة لم تصلها الكهرباء حتى الآن فى حين تنعم إسرائيل بكهرباء تضيئها ونزينها فى المساء؟".
لم يتوقف سيل الأسئلة التى تكشف تفصيل الجرح السيناوى العميق عند هذا الحد، بل أضيفت إليها موجة أخرى على لسان الشاب ذاته قائلاً : "لماذا لا يوجد مشروع واحد تنموى يستوعب طاقة أبناء سيناء؟ ولماذا تلومونهم ويصفهم الإعلام بالخونة حين يضطرون فى ظل عدم توفير سبل الحياة الكريمة أن يعملوا بالتهريب عبر الأنفاق أو يضطروا يومًا للتعاون مع العدو من أجل لقمة العيش؟".
بحثنا عن إجابات لهذه الاسئلة على لسان الناشط السيناوى سعيد عتيق، عضو اللجنة التنفيذية لائتلاف شباب الثورة الذى قال : "شمال سيناء خاوية على عروشها من كل الخدمات الأساسية، لا توجد بنية تحتية للمدينة وكل ما تراه بالمجهود الذاتى للأهالى، فضلاً عن عدم توصيل مياه صالحة للشرب أو الزراعة" متابعًا: "النظام السابق تعامل معنا على أننا غير مصريين، ولم يكتف بذلك بل قام بحملات تشويه منطمة عبر وسائل إعلامه رسمت صورة لأهل سيناء وتحديدًا البدو على أنهم حفنة من المهربين وتجار المخدرات".
أضاف عتيق: "فضلاً عن ذلك، تعرض أبناء سيناء لحملات اعتقال وتعذيب ممنهجة طوال فترة حكم النظام السابق، جعلت بعضهم يكره الحياة فى مصر خاصة حين كانوا يستمعون إلى قصص تؤكد أن الإسرائيلين كانوا أكثر شفقة بأهل سيناء من النظام المصرى، متابعًا: "تخيل أن خلال الست سنوات الأخيرة فقدت سيناء قرابة 230 من أبنائها برصاص الداخلية المصرية، هذا فضلاً عن 7 آلاف حكم غيابى بالإضافة إلى آلاف المعتقلين".
ويضيف عضو ائتلاف شباب الثورة: "عقب سقوط النظام السابق توقعنا أن تلتفت الأعين إلينا فى محاولة لإعادة سيناء إلى قلب الخريطة المصرية لكن كثيرين يريدون أن تظل سيناء على صفحات الحوادث فى الجرائد فقط".
وأكد عتيق أن سيناء فى حاجة لتضافر كل القوى الوطنية لوضع مشروع للنهوض بها، وفى حاجة أيضًا إلى قيام الداخلية باعتذار عن الجرائم التى ارتكبها العادلى ورجاله فى العهد السابق.
الشيخ سليم من قبيلة السواركة يضيف بعدًا تاريخيًا لهذا الجرح قائلاً: "مع الأسف ما قام به النظام السابق تجاوز بكثير ما كان يقوم به الاحتلال فى أهالى سيناء حين ت واجد داخل حدودنا" أضاف الشيخ الذى يعيش فى عقده السابع: "عايشت فترة الاحتلال، واليهود كانوا أذكياء يتركونك تعيش بحرية طالما لا تقوم بأى عمل جهادى أو تمس مصالحهم الأمنية".
وعقد الشيخ سليم سليم مقارنة بين التعامل الأمنى الذى انتهجته قوات الاحتلال مع المصريين أثناء فترة الاحتلال والطريقة التى تعاملت بها داخلية مبارك قائلاً: "كان اليهود إذا أردوا القبض على شخص من منزله يطرقون البيت ثم يدخلون إلى غرفة الشخص الذى يريدونه وإذا لم يجدوه بحثوا عنه فى المنزل ثم انصرفوا أمّا شرطة مبارك فكانوا يقتحمون المنازل فى أوقات متأخرة ويقومون بكسر الأبواب وفور دخولهم المنزل يقومون بتكسير كل الأثاث وتخريب المنزل ثم يتعدون بالسباب على من داخل المنزل وإذا لم يجدوا الشخص المطلوب قاموا بالتنكيل بذويه للضغط عليه".
وتابع بحزن قائلاً: "حين احتل اليهود سيناء أوصلوا الماء لها من بحيرة طبرية فى لبنان وحين عادت شبه الجزيرة إلى السيادة المصرية عجز النظام السابق عن مد مياة النيل لسكانها الذين يعانون من أجل شربة ماء نقية حتى يومنا هذا".
"سيناء تأن من التجاهل الذى عانته طوال فترة حكم الرئيس السابق حسنى مبارك، إذا تم التعامل معها بنفس العقلية القديمة فستحدث كوارث" بتلك الكلمات انضمت أسماء فرج أمين شباب حزب الوسط فى شمال سيناء إلى ركب مشخصى الداء الذى أصيبت به أرض الفيروز أثناء حكم مبارك.
تابعت فرج: "إذا افتقدت غالب الخدمات الأساسية، ثم تعمد الإعلام التابع للنظام تشويه صورتك، ثم جاءت الداخلية لتتعقب تحركاتك كلها، وتعذبك وتهينك فهل ستشعر بالسعادة أو الفخر؟".
أضافت أمين شباب الوسط: "الأزمة ليست فقط فى شمال سيناء، فالحياة هنا رغم افتقادها خدمات أساسية فى بعض المناطق تُعد حلمًا لأهالى وسط سيناء الذين يعيشون فى معاناة لا تضاهيها معاناة، هم يفتقدون كل الخدمات الأساسية ولا توجد بنية تحتية فى الوسط على الإطلاق".
فى طريق العودة من المنطقة الحدودية، قال مُصعب: "لم يُذق أحد فى مصر ما ذقناه فى عهد النظام السابق، تنكيل وظلم وإهانة دفعتنا أحيانًا لتفضيل اليهود عن أبناء وطننا، لكنهم يبقون أعدائنا.. نريد من يساعدنا على العيش بحرية وكرامة وسنكون أول من يدافع عن مصر".